23 أكتوبر 2015
ما بين "مفاجئة" و "زلزال" و "دهشة" و "استغراب" صدرت عناوين وسائل الإعلام بكافة أنواعها حول العالم لنقل و رصد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو ولقاء القمة الذي جمعه مع نظيره الروسي الرئيس فلاديمير بوتين .. و سارعت الدول و الحكومات لإجراء عاصفة من الإتصالات البينية , و مع القيادة الروسية خصوصا ً , الأمر الذي يعكس أهمية الزيارة و اللقاء بين الزعيمين و القائدين الأهم على الساحة الدولية و الإقليمية , و الشريكان في محاربة الإرهاب .. فيما سارعت الوكالات و الشاشات و الأقلام و بعض الصحافة الصفراء , إلى تسليط الضوء عليها و مناقشة مدلولاتها من حيث الشكل و المضمون في محاولة ٍ لتنفنيدها و نشر الأكاذيب و التوقعات وحتى الأمنيات.
مما لا شك به أن الزيارة هامة , و أحسن الرئيس الأسد في اختيار توقيتها , على الرغم من أنها تأتي في سياق القمم و الإتصالات السورية – الروسية التي لم تنقطع يوما ً.
فمن الطبيعي أن تكتسب هذه الزيارة طابعا ً خاصا ً في الوقت الذي يُشعل فيه الجيش العربي السوري مستفيدا ً من الدعم و الإسناد الجوي الروسي,الأرض تحت أقدام الإرهاب و الإرهابيين على كامل الجغرافيا السورية , في نية ٍ واضحة للقضاء التام على الإرهاب في سوريا , و فسح المجال و تعبيد الطرق أمام الحل السياسي ليتسنى له فرصة الوجود و إمكانية الحياة و أخذ البلاد إلى شاطئ الأمان.
هذا " الحل " الذي لا ينفك سياسيي العالم الحديث عنه , و التذرع به و استخدامه شماعة ً لتغطية نواياهم و مواقفهم في دعم الإرهاب و استمرار الحرب على سوريا , و استمرار استنزافها كدولة و جيش و إمكانات و مقدرات ..
فالإجماع الذي حظي به"الحل السياسي" فتح أبوابا ً و آفاقا ًجديدة في استمرار الحرب ,وانعكست رؤى الدول المتاّمرة على سوريا في السعي لإيجاده و الإتفاق عليه والأصح في فرضه على الدولة و الشعب السوري , في ظل الحرب الدامية , و منهم من ذهب بعيدا ً في التصويب على شخص الرئيس الأسد ووضع في رحيله حلا ً نموذجيا ً و نهاية ً دراماتيكية للحرب , و نصرا ً سياسيا ً عجزت عن تحقيقه جحافل الغزاة و الطغاة و متطرفي و إرهابيي العالم.. الأمر الذي يعكس فشلهم و فضح الحقد الذي يعلو ضجيجه في رؤوسهم يوما ً بعد يوم نتيجة الصمود السوري .
لقد قسمت الحرب على سوريا الدول و الرؤساء و الحكام إلى عدة مستويات و طبقات سياسية تبعا ً للأحجام و الأوزان التي تعبر عن حقيقة أدوارها و مدى تأثيرها على حركة الفعل السياسي الدولي , إنطلاقا ً من ساحة الحدث الدولي و مركز صناعة الوجه الجديد للعالم الجديد , إذ يحتل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية و دولة روسيا الإتحادية المركز الأول لناحية صناعة الحدث و إدارة اللعبة الأممية المسؤولة عن إحداث التغيير الجذري في بنية النظام العالمي اللاعب الأول في إعادة إنتاج و رسم خرائط الصراع الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط و تداعياتها على العالم .. إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية طرفا ً و قطبا ً و عاملا ً أساسيا ً في فرض المشاريع الكبرى عبر سياسة ٍ فيها من الغطرسة و القسوة و إعتماد الشر والأساليب المنحرفة بعيدا ًعن مراعاة مصالح الشعوب و حقها في الحياة و الكرامة , في الوقت الذي تقف روسيا على طرفي نقيض متمسكة ً بمبادئها الإنسانية و أخلاقها السياسية الرفيعة و التي حولتها إلى نهج ٍ يحكم طريقتها في إدارة دفة الصراع الدولي و يرسم طريقتها في تحقيق مصالحها و مصالح شعوب العالم من خلال المنظومة الأخلاقية تحت سقف القانون الدولي و شرعة الأمم المتحدة , فيما تشكل الدولة السورية عبر إرثها الحضاري و التاريخي , و من خلال بصمتها الإنسانية الخلاقة التي أبدعت و توجت ألقها بصمودها و ثباتها لأربع سنوات ٍ في أخطر نقاط التماس المباشر مع السرطان الدولي و أذرعه الإخوانية و الوهابية الإرهابية , لتخوض معارك السلام و حفظ التوازن العالمي و تحافظ على القيم الإنسانية و تحفظها من الزوال , و إذ تتبلور هذه الصيغة كنتيجة أولى استخلصها البعض , فيما يحتاج البعض الاّخر للمزيد من الوقت ليدركها , ووحدهم الأغبياء الذين لم و لن يتوصلوا إليها إلاّ بعد زمن ٍ طويل يصعب عليهم فيه اللحاق بعجلة القدر,وممن سيبقون يجترون أحقادهم و بدعهم الدينية في زمن يسير إلى الوراء و بعكس عقارب الزمن .. وعليه يبدو المشهد كمن يدوّن الألحان على السلم الموسيقي, فتتحول علاماته الموسيقية و نوطه عزفا ًبيد دول المستوى الثاني, و ترقص على إيقاعه دول المستوى الثالث و الأخير.
فليس من الصعب إثبات هذا التصنيف و التوصيف ,, فالجميع تابع تصريحات المستوى الأول و رؤساء و حكام المستوى الثاني و الثالث قبيل إنعقاد إجتماعات الدورة السبعين للأمم المتحدة و على مدى أسبوع , إذ أتت التصريحات الأمريكية و عبر كافة مراكز صنع القرار فيها دون استثناء لتجمع على قبولها ببقاء الرئيس الاسد , و أتبعتها الدولة الفرنسية و الرئيس هولاند , فيما أتى العزف المنفرد ل " لوران فابيوس" الذي اعتبر أن في بقاء الاسد واقعية كبيرة و أن بقاؤه ضروريا ً, ثم عادت عن كل تصريحاتها في لقاءات الجمعية العمومية بعد أسبوع, أما الدول المريضة و الحاقدة من المستوى الثالث فغردت خارج السرب كالعادة , و أطلقت نغمات النشاذ خاصتها , عبر ساستها الهواة فأتت تصريحات تركية ٍ و خليجية ٍ خاصة ً سعودية أطلقها الوزير عادل الجبير من على كل المنابر التي اعتلاها خلال الأسبوع كلازمة نشيد ٍ إرهابي أعمى حاقد , بدا فيها مغيبا ً تماما ً عن مجريات الأحداث , وقف خلالها كالديك العقيم يتوعد صيصانه الإرهابية ببيض العيد !!.
و ما هي إلا ّ لحظات ٌ و أعلن الرئيس الروسي عن دخوله العلني و المباشر على خط محاربة الإرهاب في سورية و فاجئ الجميع بسرعة التنفيذ و قوة الإعصار الروسي الجوي في السماء السورية , و بما حضّر له لضمان الفوز المطلق , بعد إسقاطه أدنى احتمالات الفشل , فيما كان ينطلق الجيش العربي السوري كالقطار السريع يحصد ببنادق بواسله أرواح المعتدين , مستعيدا ً مساحات واسعة من الأرض السورية من سيطرة الإرهابيين , عشرون يوما ً كانت كافية لتغيير المعادلات و موازين القوى على الأرض , و كفيلة برسم خط الانتصار النهائي و الذي بدا واضحا ً و أنه غير بعيد .
يبدو أن ما تمت مناقشته في القمة " الزلزال " يتعدى حدود استيعاب العازفين و الراقصين في المستوى الثاني و الثالث , فما حدث هو تغير جذري في بنية النظام العالمي الجديد المنبثق من رحم صمود الدولة السورية و القيادة الذكية الواثقة للرئيس الأسد , و أتت الزيارة لتناقش الخطوات العملية التي تساهم و تسعى لإستكمال بناء الأرضية السياسية الناظمة و المحددة لشكل النظام الجديد , و إنعكاسها على الوجه الإقتصادي العالمي الذي تسعى فيه الدول لتشارك في كتابة وصياغة قواعد الإقتصاد العالمي الجديد بعيدا ًعن الدور الهدام للغطرسة و الهيمنة الأمريكية والتي لم تعد تستطيع إخفاء تاّكل خططها وأدواتها في تطبيق الهيمنة على الإقتصاديات الدولية.
الأمر الذي دعا الرئيس بوتين للبحث عن تشكيل تحالف واسع لمحاربة الإرهاب., و عليه كان قراره بتعديل إستراتيجيتها لضمان الأمن القومي الروسي لتشمل توسعا ً جغرافيا ً يمتد نحو الجنوب الغربي لروسيا و يشمل الأراضي السورية و العراقية , و يضمن إتصاله بإيران .. لمحاصرة الإرهاب في أماكن نشوئه و بيئته الحاضنة الأساسية في السعودية و دول الخليج العربي بصورة أساسية وفي تركيا, لضمان إضعاف غطاءه السياسي و متابعة تصفية أدواته و مجموعاته الإرهابية على الأرض.. بمعنى منح داعمي الإرهاب فرصة الدخول في مسار الحل السياسي طوعا ً أم كرها ً.
إن استبعاد قطر من اللقاء الرباعي في فيينا .. دفع الوزير خالد العطية لإطلاق وعيدا ً و تهديدا ً عبر تحرك ٍ عسكري مباشر في سوريا , الأمر الذي يعبر عن امتعاض و استياء قطر من الحجم المعطى لها من قبل حلفائها بعد انهيار مشروعها الإخواني و إعطاء الدور الأساسي لتركيا كونها الأكثر تأثيرا ُ وحضورا ً على مسرح الأحداث , كما سعى العطية لكشف و فضح فصل جديد من فصول التمرد على المايسترو الأمريكي و الذي بدأ يقلص دعمه و غطاؤه السياسي المباشر للمواقف المتشنجة لدول الخليج و التي باتت تحرجه و تعيق تحركاته, في الوقت الذي تغطي سحابات الغيوم السوداء و الأحقاد عيون قادة دول الخليج و ترى في رفع الصوت لرحيل الرئيس الأسد مخرجا ً و حلا ً و نصرا ً يكفل لهم حفظ ماء الوجه .
في الوقت الذي يتسائل السوريون عن الإنتخابات السورية التي تكللت بتنصيب عادل الجبير متحدثا ً و ناطقا ً بإسمه !!؟؟, و يأسف السوريون لطريقة تعاطي المجتمع الدولي مع وقاحته و تدخله السافر في الشؤون السورية , و هم يعرفون تمام المعرفة أن حضوره السياسي مرهون ٌ بتنفيذ تعليمات أسياده الأمريكان و الصهاينة , و أنه لا يحظى بأي قيمة شخصية داخل المملكة و خارجها , فإن كان يدافع عن أنصاف الرجال , فهذا حسبه و شأنه في أن يتحول إلى جابر عثرات اللئام !!.
إن استباق لقاء فيينا بتصريحات ٍ فرنسية للرئيس هولا ند و لوران فابيوس بحضور ديمستورا , و تكرار معزوفة الجبير و التأكيد على ضرورة رحيل الأسد , واستمرار فرنسا بتقديم المشروع تلو المشروع لمجلس الأمن ضد الدولة السورية و آلية عمل الجيش العربي السوري , محافظة بذلك على حضورها السخيف الداعم للموقف السعودي الذي يملئ جيوب هولاند و فابيوس بالمال القذر .
إن لقاءات فيينا الثنائية بين كيري – لافروف , و ما تلاها في اللقاء الرباعي مع الأتراك و السعوديون .. لم تفض إلى نتائج ملموسة على وجه السرعة.. فالهوة بعيدة و ما زال الحل السياسي متعثرا ً, و الأجواء الضبابية هي السائدة , فيما صعق الجبير الذي لم يحصل على أي توافق يدعم أحلامه في سيمفونية رحيل الأسد , و اكتفى بالموافقة على توسيع المشاركة في لقاءات فيينا , ما يعني موافقة السعودية و تركيا على إشراك إيران و ربما مصر .. فيما خرج لقاء لافروف مع وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إلى اتفاق على إيجاد اّلية يتم إنشاؤها في عمان للتنسيق في محاربة الإرهاب و دعوة الدول الإقليمية للإنضمام إليها.
نعتقد أن الجولة السياسية التي بدأت بزيارة الرئيس الأسد إلى موسكو, و جملة الإتصالات التي تلتها بين مختلف الأطراف و جملة اللقاءات في فيينا , وبعد عشرون يوما ً من الضربات الجوية الروسية المترافقة بالهجوم البري السوري الكاسح , ستدفع الجميع للتفكير جديا ً في ضرورة إيجاد الحل السياسي .. قبل أن ينتقل العمل العسكري إلى مستوى جديد في محاربة الإرهاب على الأرض السورية.
المهندس : ميشيل كلاغاصي
23\10\2015
اقراء الخبر التالي
السيد نصر الله: هدف الحروب الدائرة الان هو اخضاع كل الذين رفضوا الخضوع وتمردوا على الارادة الاميركية والمشروع الاميركى ومعاقبة الذين اسقطوا مشروع الشرق الاوسط الجديد
اقرأالخبر السابق
استشهاد فلسطيني متأثرا بجروح أصيب بها جراء إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص عليه و الاحتلال يشدد إجراءاته القمعية ومضايقاته بحق المقدسيين في إطار مخططه التهويدي ..إيران تطالب مجلس الأمن بإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية
اقرأ ايضاً الخبر التالي
- تعليقات الموقع
- تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: "الجبير"..ديكٌ عقيم يتوعد صيصانه ببيض العيد
Rating: 5
Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً