السبئي-د.طارق عبدالله ثابت الحروي[1]- وبالاستناد إلى ما تم تناوله من حيثيات الدرس والعبرة الرابعة ضمن إطار ثنايا مضامين وأبعاد هذه الرسالة التاريخية؛ ونظرا لأهمية إعادة تسليط الأضواء على أحد جوانبها بشيء من التفصيل بما يحقق لنا جزء مهم من الغاية الأساسية من تناولها، سوف يتم استكمال حيثيات هذا الأمر من عند النقطة التي وصلنا إليها في مقالتنا السابقة، سيما أن إرهاصات حيثيات هذه العملية التي تبنتها العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي وشركائه بأبعادها الإقليمية وامتداداتها الدولية ضمن إطار حيثيات السيناريو ألأممي المشار إليه مسبقا.
- كانت ومازالت هي الأكثر تأثيرا وأثرا ومن ثم خطورة على مسيرة حركة التغيير الوطني فكرا ومشروعا وأفرادا إلى يومنا هذا؛ جراء استمرار تنامي تداعياتها وآثارها السلبية على حاضر ومستقبل اليمن نظاما وشعبا وأرضا وتاريخا وطموحا، على خلفية أهمية وحساسية اللحظات التاريخية التي تعيشها اليمن ضمن إطار حيثيات المرحلة الانتقالية الحالية التي أسست معالمها الرئيسة خارطة الطريق في صيغتها الجديدة التي مثلتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة
- ومن هذا المنطلق سوف نحاول تناول هذا الأمر من خلال إثارة حيثيات الجدلية القائلة أن طبيعة الهدف الذي كان ومازال يقف ابتداء وراء عملية الاغتيال بصيغتها القديمة التي أخذت صيغة (التصفية الجسدية) للرئيس ألحمدي وأخيه، وانتهاء بصيغتها الجديدة التي أخذت مستوى أقل بدرجة من الأولى ولكنها تؤدي نفس الغاية إلى حد كبير، لاعتبارات عديدة يصعب تجاوزها أو تجاهلها؛ فرضتها المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية؛ وهي محاولة (الإزاحة الكلية من المشهد الداخلي والسياسي برمته) للرئيس الصالح ونجله.
- لاعتبارات جوهرية عديدة يبرز منها متغيري الإعاقة البدنية والعجز شبه التام المتوقع للرئيس، ومتغير القضاء نهائيا على المستقبل السياسي لنجله قائد الحرس...الخ)، ضمن إطار حيثيات نفس حلقات السيناريو المرسوم مضمونا وشكلا، جراء وحدة مفردات المسرح التي تدور فيها إرهاصات هذه العملية، سيما مع وجود احتمالية شبه كبيرة لدينا حول إمكانية سريان نفس حيثيات حلقات هذا السيناريو بخطوطها الرئيسة على العملية الجديدة- تبعا- لحيثيات مسارات الأحداث الرئيسة اللاحقة.
- التي وإن كانت قد ابتدأت باستهداف مباشر لرئيس الدولة وجزء مهم من أركان نظامه من عناصر حركة التغيير في حادثة جامع الرئاسة عام 2011م، باتجاه الاستهداف غير المباشر الأكثر أهمية فيها لنجله العميد الركن أحمد الصالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة سابقا بغرض تحقيق هدفين رئيسين، الأول مرحلي حيوي يغلب عليه الطابع التكتيكي سوف يحدد من خلاله مصير هذه العملية برمتها ومن ورائها مصير كافة الأطراف المنتمية للتيار التقليدي في المشهد الداخلي والسياسي القادم ليس هذا فحسب.
- لا بل ومصير مشروع حركة التغيير الوطني برمته فكرا ومشروعا وأفرادا، والثاني ذي طابع استراتيجي له علاقة بمستقبل نجله وفريق إدارته، ليس باعتباره قائدا لمشروع المؤسسة الدفاعية والأمنية الجديدة فحسب، لا بل وقائدا مؤسسا لمشروع حركة التغيير الوطني بصيغتها الجديدة (الحركة التصحيحية الثانية) التي انطلقت أول إرهاصاتها منذ نهاية عقد التسعينيات.
- إلا أنها بالرغم من فشلها الذريع في تحقيق أية نتائج بهذا الشأن- وفقا- لحيثيات الحلقة الأولى من هذا السيناريو ذات الطابع المصيري، فقد استمرت في محاولات النيل المنظم المباشر وغير المباشر من عناصر حركة التغيير بشتى السبل الرسمية وغير الرسمية...الخ كما تشير إليه معظم الدلائل التاريخية إلى يومنا هذا ولكن من باب الاستماتة الأخيرة لها ليس إلا، في محاولة مستميتة منها وبأنفاس متقطعة وحشرجة قوية وتخبط حاد في اتجاه تغطية معالم هذا الفشل أمام نفسها وبين صفوف عناصرها الذي ينخر بقوة في بقائها من الأساس.
- وهو أمر يسهل تفسير مضامينه ودلالاته الرئيسة (بالغريق الذي يتشبث بقشة.... وما يحدثه من فوضى عارمة قبل الموت)، إذا ما صح لنا القول ذلك، وهو أمر يمكن إرجاعه إلى طبيعة ومستوى ومن ثم حجم تلك الانتكاسة التي أصابت السيناريو برمته في الحلقة الأولى منه، بالمقارنة بما جرى في عقد السبعينيات باعتبارها كانت ومازالت محور الارتكاز الأساسي فيه كما أشرنا مسبقا في مقالاتنا المنشورة.
- سيما في حال أمعنا النظر في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم النتائج المنشودة- وفقا- للغاية منها، بالمقارنة بما حصدته من نتائج على أرض الواقع جراء استمرارها الخوض في بعض أهم حيثيات الحلقة الثانية من هذا السيناريو إلى حد اليوم، حيث بالرغم من سيادة شبه تامة لحالة التخبط الحادة والفوضى التامة في إدارتها ومن ثم ما حققته من نتائج مهمة لا بأس بها في الإبقاء شبه النسبي على حالة اللا أمن والاستقرار إلى حد الآن، إلا أنها تعد إلى حد كبير ضئيلة جدا وغير مؤثرة كي تتمكن من إيقاف مسارات الفعل الاستراتيجي القائمة والقادمة التي تهيمن عليها عناصر حركة التغيير الوطني وشركائها الداخلين والخارجين.
- وكي يتسنى لنا ان ندخل في صلب موضوع هذه الجدلية- وفقا- لذلك يسعنا القول أن طبيعة الهدف الكامن وراء هذه العملية هو الذي حدد إلى حد كبير مصير أهم مساراتها الرئيسة، والتي يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة في اتجاهين مهمين جدا؛ يدور الأول حول من يجب ان يتم استهدافه ضمن إطار حيثيات الحلقة الأولى من هذا السيناريو أولا الرئيس أم أخيه (وحاليا الرئيس أم نجله) ولماذا ؟
- في حين يدور الاتجاه الثاني حول حقيقة وجود أية احتمالية لإمكانية الإبقاء حياء من عدمه على الرئيس أو أخيه (وحاليا الرئيس أم نجله) أو الاثنين معا، ولماذا ؟ في محاولة منا لإلقاء مزيدا من الأضواء المركزة ولكن من زاوية جديدة على مسارات عملية الاغتيال المرسومة ضمن طبيعة الهدف المنشود منها، نظرا لما لهذا الأمر من دلالات ومضامين لها شأنها في وقتنا الحاضر.
- وتأسيسا على ما تقدم وضمن هذا السياق يمكن تناول هذا الأمر في محورين رئيسين، يهتم الأول بإعادة قراءة المشهد الداخلي والسياسي- وفقا- لحيثيات الجدلية المشار إليها في الاتجاه الاول؛ بغرض إثبات مدى أهمية مناقشة هذا الأمر من هذه الزاوية بالتحديد للوصول إلى نتائج مهمة بهذا الشأن، قد تسهم في استجلاء الكثير من مظاهر الغموض الحادة التي اكتنفت المشهد السياسي آنذاك ولاحقا، ثم مدى اقترابها شكلا ومضمونا من معظم حيثيات المشهد السياسي الذي تعيشه البلاد منذ حادثة جامع الرئاسة عام 2011م.
- ومن هذا المنطلق يسعنا الرد على تساؤلنا آنف الذكر بالقول أنه عندما تم التخطيط والإعداد ومن ثم التنفيذ لحيثيات الحلقة الأولى من سيناريو تصفية النظام الوطني، فقد تقرر مسبقا البدء باغتيال قائد قوات العمالقة ثم الرئيس وليس العكس، بالرغم من أن حياة الأخير كانت في متناول الأيادي طوال الوقت إذا ما صح لنا القول ذلك؛ جراء ما كان يبذله الرئيس بقناعة ذاتية من مساعي حثيثة وراء تقليص الطوق الأمني المحيط به إلى أدنى حد ممكن؛ مثلما تشير إليه الكثير من الدلائل التاريخية.
- أما لماذا ؟ نستطيع الرد على ذلك بالقول إن طبيعة الهدف نفسه الرامي إلى تصفية الرئيس وأخيه ومجموعة من أركان نظامه في الحلقة الأولى هو الذي حدد مسارات العملية برمتها عند خط البداية، بصورة حتمت ضرورة البدء بتصفية أخيه قائد قوات العمالقة ثم الرئيس وبعدها البعض من رفاقه، لاعتبارات رئيسة عديدة؛ البعض منها تتعلق بما يمثله وجود وبقاء قائدها الشاب الرائد عبدالله ألحمدي ومن ورائه رفاقه من القيادات العسكرية من صمام أمان في استمرار تماسكها وتنامي قدرة فعلها الاستراتيجي في أداء وتنفيذ مهامها المناط بها ضمن هذا المشهد.
- ومن ثم في الحيلولة دون إمكانية اختراق صفوفها واحتواء قياداتها تحت أية مبررات كانت، بحكم أن مسألة حساسة كالولاء شبه المطلق لعناصرها في بيئة مناهضة وطاردة كان ومازال في طور التبلور ولم يبلغ ذلك الحد الذي يمكن الاعتماد عليه في تقرير هذا الأمر كما يتصور الكثيرين منا، وهنا تكمن حقيقة مهمة من حقائق التاريخ المعاصر أن القوة والضعف وجهان لعملة واحدة.
- بمعنى أخر ففي الوقت الذي مثلت إلى حد كبير القيادة الشابة للرئيس وأخيه عنصر القوة (محور الارتكاز الأساسي) في مشروع حركة التغيير الوطني، فقد مثلت- أيضا- عنصر الضعف فيها، الذي تمكنت القوى الانقلابية من استيعابه في مخططها الانقلابي، باستهداف المشروع كله من خلال استهداف مؤسسه وقائده، وهذا ما بدأ واضحا في ضوء ما جرى لمشروع حركة التغيير الوطني نظاما وشعبا وأرضا بعد نجاح عملية اغتيال رئيسها وقائد أقوى وحدة عسكرية في الجيش اليمني، بالاستناد إلى حيثيات (لعبة الدومينو) الأكثر رواجا بهذا الشأن.
- والبعض الأخر يتعلق بما تمثله بقاء هذه القوات تحت سيطرة قياداتها الوطنية من سد شبه منيع يصعب تجاوزه أو تجاهله، وبالتالي من حجرة عثرة حقيقية في سريان سيناريو تصفية النظام الوطني كله إلا بأثمان باهضة جدا، لا تقوى هذه الأطراف على دفعها بالمطلق، سيما في حال تم إمعان النظر لهذا الأمر بدقة من ناحية الانغماس العراقي قائد التيار التحديثي التحرري الإقليمي في أهم أدق تفاصيله، كجزء مهم من إدارة إرهاصات المعركة القومية التي يشنها على القوى التقليدية الإقليمية بامتداداتها الدولية المسعورة في المنطقة وخارجها.
- وهو الأمر الذي أولته الأطراف الدولية والإقليمية المعنية اهتماما خاصا في كل المراحل، على خلفية ما أبدته من حرص شديد في الحيلولة دون حدوث أية تطورات لاحقة قد تفضي إلى قلب الأوضاع رأسا على عقب بصورة تطيح بالمخطط الانقلابي كله، وتؤثر إلى حد كبير في صيغ التوازنات الإقليمية القائمة في منطقة هي الأكثر أهمية وحساسية على مستوى العالم.
- في ضوء وجود احتمالية كبيرة جدا عن إمكانية انفراط عقد البلاد في اتجاه تفعيل خيار الاقتتال والحرب الأهلية والتي لا يعرف مداها إلا الله، باعتباره إلى حد كبير خيارا مستبعدا جراء تعارضه الكبير مع أولويات مصالحها الحيوية- وفقا- لطبيعة المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية آنذاك.
- سيما في ضوء ما ترتب على ذلك من نتائج مهمة جدا حالت إلى حد كبير دون وجود أية احتمالية لإمكانية حدوث أية مواجهات طاحنة مباشرة خارج سيطرتها بين مكونات عناصر التيار التحديثي والتقليدي ووحدات العمالقة وبعض وحدات الجيش التي تخضع لهيمنة عناصر التيار التقليدي وشركائه منها- بوجه خاص- ليس هذا فحسب.
- لا بل ونجاحها الساحق في إعادة توجيه هذا الخيار ضمن الحلقات الرئيسة لهذا السيناريو باتجاه إشعال حربا طاحنة بين عناصر التيار التحديثي التحرري مع بعضها البعض (الحرب الحدودية المفتعلة بين شطري اليمن عام 1979م) بما يخدم أولويات مصالحها الحيوية وتحت سيطرتها.
- وتأسيسا على ما تقدم نستطيع الخروج بنتيجة مهمة جدا بهذا الشأن مفادها أن خيار استهداف الرئيس ألحمدي قبل أخيه كان خيارا مستبعدا، لأنه لن يفضي إلى نفس النتائج التي تم حصدها شكلا ومضمونا المشار إلى أهم معالمها الرئيسة آنفا، بالاستناد إلى طبيعة الأهداف المعلنة وغير المعلنة المنشودة من وراء الأخذ به.
- ووفقا- لما كانت تفرضه البيئتين الداخلية والخارجية بشقها الإقليمي والدولي من معطيات ظرفية مناهضة وحاضنة لمشروع حركة التغيير الوطني، بالمقارنة بخيار استهداف الرئيس الصالح قبل نجله في حادثة جامع الرئاسة عام 2011م، باعتباره أمرا أخر يختلف إلى حد كبير شكلا ومضمونا في معطياته وملابساته ومساراته...الخ.
- بالاستناد إلى طبيعة أهدافه المعلنة وغير المعلنة كما أشرنا إليه آنفا، سيما في حال أمعنا النظر مليا في أن هذا الخيار قد يكون خيارا انتحاريا بالاستناد إلى نتائجه المتوقعة وغير المتوقعة التي سوف تشعل المنطقة وتضع مصالح الأطراف المعنية في شبه الجزيرة العربية على حافة الهاوية.
- على خلفية وجود الطرف العراقي صاحب الفعل الاستراتيجي الأكثر قدرة وتحفزا ضمن نطاق حدود المنطقة العربية وما يجاورها للانخراط بقوة في لعبة إعادة بناء التوازنات الجديدة الجارية على قدم وساق بين القوتين العظميين وحلفائهما، كند حقيقي له شأنه في اتجاه توسيع رقعة المواجهات مع خصومها وأعدائها بالقرب من أحد أهم المضايق الحيوية في العالم (باب المندب).
- بالمقارنة بما كان يتمتع به من نفوذ مهم بشقه الرسمي وغير الرسمي في منطقة القرن الأفريقي (اريتريا، الصومال، جيبوتي، والسودان...) ليس هذا فحسب، لا بل ويتضح أهمية استبعاد خيار الحرب الأهلية في اليمن من قبل هذه الأطراف؛ في ضوء ما كانت تعيشه المنطقة في تلك المرحلة من دق طبول الحرب على الجبهة الصومالية- الأثيوبية (إقليم أوجادين) في الأعوام 1977م و1978م.
وللحديث في هذا الأمر ,,,,
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.