محمد الخامري
كتبتُ في صفحتي الشخصية على الفيسبوك ان "الوطن بلا حرية افضل الف مرة من حرية بلا وطن"، فجاءتني العديد من التعليقات التي كان عدد لابأس به عقلانياً سواءً اتفق او اختلف مع ماذهبتُ إليه، لكن الغالبية العظمى من تلك التعليقات كانت ردودا غوغائية واتهامات جزافية وشطحات غير سوية وشخصنة مقيتة وتخوين مقزز واحتكار للوطنية..
شخّصتْ تلك التعليقات في مجملها الحال الذي وصلنا إليه في اليمن؛ من انهيار القيم في المجتمع ضمن الفوضى التي حلت به مع موجة الربيع العربي وأعادت تشكيل منظومة القيم الخاصة به وأصبح لايفرق بين حرية الرأي وإساءة الادب وانعدام الاخلاق والقيم المثلى التي كان يتحلى بها اليمني الى عهد قريب كالحياء واحترام الكبير وحفظ الحقوق وغيرها من القيم الرفيعة.
لازلتُ عند رأيي ذاك بأن الحرية بلا وطن لاتساوي شيئا، بل هي ضنك وجنون لامحالة، وضربتُ مثلا في ذلك من واقع الحال، حيث اني اغتربتُ اكثر من ثلثي عمري متنقلا مابين الدول المختلفة، ولازلتُ مستعدا للغربة في أي وقت، لكنني لم اكن أحس بمرارة الغربة وقسوتها والشوق الجارف للوطن والخوف عليه كما احسستُ به عندما تم منعي من العودة الى صنعاء منتصف العام 2011م وتم وضع اسمي على قائمة الترقب في مطار صنعاء ضمن عدد من الاعلاميين والناشطين السياسيين آنذاك..
كنت اختنق في القاهرة رغم الدخل المادي الجيد من وظيفتي كمذيع في قناة المجد، اضافة الى بعض القنوات الاخرى التي كنت اشارك بها كمحلل سياسي، وكان لديّ وقت كبير للتنزه والخروج مع اطفالي الى الحدائق والمتنزهات والمواقع السياحية والاثرية، عكس الغربة التي كنتُ اتعب فيها ووقتي كله للعمل، ومع ذلك فالفرق شاسع بين الغربتين..!!
تلك غربة بإرادتك ووطنك آمن مستقر ويمكنك العودة اليه في أي يوم اردت انت او اقتضى الحال ذلك؛ كتغير قوانين الدولة التي تعيش فيها او بسبب مشاكل في العمل او أي ظرف آخر، لكن عندما تشعر انك حر في بلد ما، وأنت بلا وطن، تكون خائفا وتعيش قلقا بالغاً في كل تحركاتك، لأنك ان اسأت في شئ ما؛ فسيتم معاقبتك او فصلك وحينها لن تجد المأوى الذي تذهب اليه مهما كان.. انه الوطن الذي لايختلف اثنين على حبه مهما كانت علاقتهم به..
خرجنا لإسقاط النظام فحلت الفوضى بسبب الحرية التي فهمها البعض خطأ، وأصبح يمارس البغي والظلم والعنف والإقصاء والتهميش والاستقواء والاستحواذ والقتل والإرهاب، وإذا سألته او استنكرته اشهر في وجهك قائمة الحقوق والحريات..!!
إن مايجري في بعض المحافظات الجنوبية من قتل وتدمير للبنية التحتية واستهداف للعسكر من قبل الجماعات المسلحة، والاستهداف المناطقي للمواطنين من قبل فصيل سياسي غبي باع نفسه للشيطان هو مساهمة فعالة في تآكل الوطن..
ومايجري في شمال الشمال من تحركات مسلحة تقوم بها جماعة الحوثي في عمران والجوف وصعدة وحجة وبعض مديريات المحويت كلها تحركات وممارسات تخنق الوطن وتزيد من الاحتقان الذي يبشر بانفجار الوضع المسلح وإذا خرجت الرصاصة الاولى فلن تعود..!!
إن مايجري في محافظة إب من قبل الاخوة الاصلاحيين الذين قاموا بإغلاق المحافظة والتصعيد ضد قيادتها وإعاقة الطريق باستدعاء ممارسات 2011 من جديد، ممارسات وتحركات تزيد من تآكل حزب الاصلاح؛ الذي كثر شاكوه وقلّ شاكروه بسبب انه اصبح يتعامل مع الواقع على انه الوريث الشرعي للنظام السابق، مستغلا التكتيك الذي انتهجه منذ تشكيل اللقاء المشترك في عدم الظهور منفردا في المشهد رغم ان القرار الاول والأخير قراره منذ اكثر من 7 سنوات على الأقل..
إن مايجري في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات اليمنية من انفلات امني مريع وانتشار الاسلحة بشكل غير مسبوق، وممارسات الفوضى من قبل البعض في سد الشوارع بمبررات الامن والأعراس وغيرها من المبررات الواهية التي لايمكن ان تكون سببا في إغلاق شارع رسمي في أي دولة في العالم، وانتشار السيارات غير المرقمة والدراجات النارية المعدة للإيجار الدامي!!، وممارسات الفوضى الكثيرة في عكس الشوارع من قبل بعض السائقين وعدم دفع فواتير الماء والكهرباء من قبل بعض المواطنين، والشرب دون العدادات واستهلاك الكهرباء بالمخالفات وانتشار الرشاوى بطريقة مفضوحة بين الموظفين، والتهرب الضريبي والجمركي وتهريب الاسلحة والبضائع الفاسدة وغيرها من الممارسات الفوضوية التي اصبحت سمة المرحلة وتدفعنا الى الجحيم، وتجعلنا نتوقع انهيارا وشيكا لمقدرات الدولة ووجودها.
ان استهداف ابراج الكهرباء وأنابيب النفط من قبل بعض ضعاف النفوس في اطار تصفية الحسابات السياسية او المطلبية يقتل اليمن ويخنق من يعيش فيه..
إن مايجري من مماطلة في تسليم ارضية الفرقة الاولى مدرع للحكومة من قبل اللواء علي محسن الأحمر، فوضى يجب مساءلته عنها، وأي مبررات لايمكن قبولها إلا في سياقها الصحيح، فإما تقديم مايثبت تلك المبررات لرئيس الجمهورية وهو يتخذ القرار الذي يراه مناسبا او تسليم الارضية وعدم التصرف بها، وعليه احترام كلمته اولا ثم احترام المواطنين الذين ينظرون اليه على انه كبير في قوله وفعله، ثم احترام رئيس الجمهورية والحكومة ومنصبه الرسمي كمستشار لرئيس الجمهورية، وليعلم اللواء الاحمر ان تصرفه هذا يساهم في تآكل هيبة الدولة وزيادة الاحتقان القائم ضدها.
الكارثة لامحالة قادمة ولولا ضعف حكومة الوفاق الوطني لما وصلنا الى هذا الواقع المرير، مع استثناء وزير الداخلية الجديد لأننا لازلنا نؤمل فيه، ونسأل الله له التوفيق في مهامه؛ فاختياره كان موفقا لأنه لم يكن شخصية معروفة وهذه ميزة لأنه سيأتي بحماس الوطني الغيور، الذي يريد ان يعمل شيئا، عكس الذي كان يتسنم منصبا سابقا ولديه كل التقارير الامنية التي تعايش معها على مدى سنين وأصبحت تشكل لديه حالات عمل عادية يجب التوجيه الروتيني بضبطها والتعامل معها وفق القانون..!!
* صخر الوجيه
مؤخرا قيل ان وزير المالية الهُمام الذي كان صخرة صلبة امام عبث وفساد الحكومات السابقة وكنا كمواطنين نؤيده وندعمه دون ان يعلم، بقلوبنا ودعائنا وربما وصل الى الوزارة بدعاء عجوز رأته ينافح في البرلمان فقالت "الله يعلي مراتبك"، لكنه للأسف الشديد بعد ان وصل الى الوزارة قلب لنا ظهر المجن، وأصبح يطالب البرلمان "طالما وهو وزير للمالية فلن يتحدث إلا بما هو مقتنع به كما قال" واقتنع مؤخرا صخر الوجيه بضرورة رفع الدعم عن المشتقات النفطية وتحميل المواطن المسكين اعباء فشله وفشل زملاءه في هذه الحكومة التي تعد اتعس حكومة عرفتها البلاد.. هم ينعمون بالقصور الضخمة المجهزة بأنظمة الامان الحساسة رغم وجود الحراسات والمرافقين، وينعمون بالسيارات الفارهة التي لاتقل قيمتها عن 25 مليون ريال، ومايتبعها من مرافقين وبدل صيانة وصرف بترول يومي بكميات مهولة وبدل جلسات ونثريات شخصية ونثريات مكتب الوزير الى غيرها من الصرفيات التي تصل الى ارقام فلكية شهريا، وفي الاخير يجب على المواطن المسكين ان يتحملها لكي يعيش الوزير في رفاهية، أيُ منطق هذا يامعالي الوزير.. أي استغفال هذا ياصخر، أي استعباط هذا ياصديقي القديم..!!.
ألم تجد وسيلة اخرى تؤمن احتياجاتكم غير تحميلنا إياها.. نعم هي احتياجاتكم انتم فقط، اما نحن فلم نجد أي اثر لما يمكن ان يسمى جدلا تحسين وضع المعيشة، بل بالعكس، حياتنا تزداد سوءا يوما بعد يوم، لافرق في ذلك بين الموظف او العامل او حتى رجال الاعمال الذين اصبحوا يتسربون من اليمن هربا برؤوس أموالهم، لأن اليمن اصبح بيئة طاردة وغير صالحة للاستثمار.. وهذا بسببكم أيضا..!!
تأملنا فيك خيرا لكنك خيبت أملنا، كنت تعرف الاسباب التي بسببها تفلس الخزينة العامة، وبسببها تنعدم السيولة، وبسببها يتحقق التضخم، وبسببها تضعف العملة المحلية امام الدولار، كنت تشخص الاسباب ونحن نستمع اليك كأننا طلاب مدرسة ابتدائية في قاعة استاذ جامعي لايشق له غبار..!!
كنت تتحدث عن الفساد العريض الذي يمارس من قبل كبار المسئولين السابقين، وعن التهريب الذي كان ينخر الخزينة العامة ويقضي على مواردها لاسيما تهريب الديزل للخارج والذي كنت تقول انه يكلف الدولة المليارات، هل انتهى هذا التهريب اليوم، ام ان اصدقاءك ومن يمكن تسميتهم بأولياء نعمتك هم من يقومون به، وبالتالي لاتملك ان توقفهم او على الاقل تفضحهم.. للأسف أصبحتَ جبانا ياصديقي.
كنتَ تتحدث عن رئيس البرلمان وبعض العصابات التي قلت انها تنهب اراضي الدولة في الحديدة وعدن وحضرموت وأنها تتحايل على ذلك بحجة الاستثمار او غيره.. لماذا لاتطرح الموضوع اليوم على حكومة الاخفاق او الرئيس شخصيا لاستعادتها وتأمين الخزينة العامة عبرها سواءً بالبيع او التأجير الحقيقي بالأسعار المتعارف عليها بين الناس وليس بأسعار المكاتب المغلقة وتحت الطاولات، ومن تلك الاراضي اراضي المعسكرات الموجودة داخل المدن وهي اراضٍ شاسعة جدا..
لماذا لاتقوم بثورة في اطار الحكومة ضد العقود التي ابرمت في السابق لبعض المسئولين بأراضي ومساحات شاسعة وبأسعار لاتصل الى 1% من قيمتها الحقيقية، هل ترى ان هذا الطريق صعب، وأسهل الطرق هو تحميل المواطنين أعباءكم..!!
كنت تقول ياصديقي ان هناك وظائف وهمية في الجهازين المدني والعسكري، وأفصحت في السابق عن ارقام مهولة لتلك الوظائف، وتحدثت عن الرديات والميزانيات المهولة التي تصرف للمعسكرات دون رقيب او حسيب، لماذا لاتقوم بثورة في اطار تنقية الجهازين من الوظائف الوهمية التي تزيد عن 200 الف وظيفة ستعيد للخزينة مليارات شهريا وستساهم في تحسين معيشة المواطن بدلا من الضغط عليه وانتزاع لقمة الخبز من فم ابنائه لتأكلوا انتم وأولادكم بدلا عنها لحمة وجاتوه..!!
كنت ياصديقي تنتقد الفساد في الموازنة التشغيلية لأنها اكثر الابواب هدرا للمال، فماذا فعلت الان وأنت بيدك الامر والنهي.. هل راقبتها وأوقفت نزيفها..!!
ماذا فعلت ياصديقي في موضوع شراء السيارات الفارهة لكل من تسلم منصبا في هذه الفترة الحرجة من حياة اليمن المنكوب بكم، رغم ان القانون يُقرر سيارة ولم يقل من أغلى السيارات او أحدثها، وبالتالي يحق لك كوزير للمالية استرعاه الله هذه الامانة ان تصدر تعميما او قرارا وزاريا بتحديد مبلغ معين يمكن للموظف ان يشتري به سيارة وله ان يوفره او يحتفظ به، وهي خطوة ستحسب لك للحد من استنزاف الخزينة العامة من هذا الباب، او اتخاذ قرار حكومي بمنع شراء السيارات لمدة محددة كنوع من التقشف لأجل الوطن.
* أخيرا يعلم الله، وتعلم أنت ايضا اني احبك، وأني اخاطب الان الوزير صخر الوجيه الذي خيّب ظني بمطالبته برفع الدعم عن المشتقات النفطية، الذي سيرفع قيمة الدبة البترول الى 8 الف ريال والديزل قريبا منه، وبالتالي سيرتفع كل شيء وسيموت الفقراء من شدة الجوع، لقد خيبت ظني وانحزت الى الفئة القليلة التي تستنزف البلاد والعباد ضد الفئة الكبيرة التي جئت منها وكانت رصيدك وذخرك..