صمود الشعب اليمني غير المسبوق بمختلف شرائحه الاجتماعية وقواه الوطنية للعام السابع على التوالي أمام تحالف العدوان الذي تشارك فيه دول كبرى وفي ظل أجواء حرب وظروف صعبةوغير آمنة دعما لأبناء الجيش واللجان الشعبية الذين يحققون الانتصارات العظيمة في مختلف الجبهات دفاعا عن سيادة الوطن اليمني وحريته واستقلاله ورفضا لأي تدخل خارجي كما كان يحدث في السابق قد مثل رسالة بليغة وعظيمة وجهها أبناء الشعب اليمني للداخل والخارج على حد سواء وقد نزل ذلك على تحالف العدوان نزول الصاعقة, لأنهم أدركوا بأن الشعب اليمني بات ولأول مرة في تاريخه الحديث رقماً صعباً في المعادلة السياسية الجديدة التي تشهدها المنطقة وأصبحت كلمته مسموعة خاصة وأن السلطة لم تعد مغرية والتهافت عليها لم يعد كما كان حاله في العهود الماضية حيث كان الحكام يرتمون في أحضان الخارج لحمايتهم ، فاليوم السلطة أصبح في حلالها حساباً وفي حرامها عقاباً كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وإن كان يقصد الدنيا
والشيء الذي لا نشك فيه إطلاقاً هو أن اليمنيين ماضون في طريقهم إلى النهاية وصولاً إلى صنع مستقبلهم المشرق بأيديهم وبناء دولتهم القوية والعادلة دون وصاية خارجية ولن يتراجعوا إلى الوراء أبداً لاسيما أنهم من خلال الأحداث المأساوية التي يمر به اليمن والعدوان الظالم على شعبه قد أدركوا بفطرتهم أنه ليس هناك أخطر على الشعوب والأوطان من العداوة والبغضاء والحقد الذي يكنّه الإنسان ضد أخيه الإنسان تحت أية ذريعة كانت وأيضا ليس هناك أخطر على المسؤولين من البطانات الفاسدة والسيئة التي ترشدهم إلى سلوك طريق مسدود يفصلهم عن مواطنيهم ويحجب عنهم الحقائق ، ونؤكد هنا أن كلتا الحالتين موجودتان عندنا في اليمن ولما لهما من تأثير سلبي عكس نفسه على حياة الناس وعلى وحدتهم الوطنية والفكرية والعقدية فقد تفرّق اليمنيون إلى شيع وأحزاب وانشغل بعضهم بالبعض الآخر على حساب بناء دولتهم وتقويتها التي لم يعد موجوداً منها على أرض الواقع سوى اسمها كشعار نتغنّى به وهو ما مكن الأعداء منهم ، فأضعفنا أنفسنا وفتحنا الأبواب على مصا ريعها أمام الآخرين ليتدخّلوا في شؤوننا ويرسموا لنا الطريق الذي نسير فيه بحجة مساعدتنا وشفقة منهم علينا.
وهذا ما دفع أبناء الشعب اليمني إلى الإصرار على الصمود ومقاومة العدوان رافعين أصواتهم عالية ليسمع القاصي والداني بأن الشعب اليمني قد شب عن الطوق ويرفض رفضا قاطعا أية وصاية على قراره السياسي من أي جهة كانت ومحملا القيادتين الثورية والسياسية مسؤولية أي تقاعس أو تراجع إلى الوراء بعد أن تغيرت المعادلة في المنطقة وأصبحت اليمن فيها وشعبها العظيم رقما صعبا كما أشرنا آنفا يحسب له ألف حساب خصوصا بعد أن استطاع أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية تغيير معادلة استراتيجية الحروب وجعل أصحاب مراكز البحوث العسكرية في الدول الكبرى يعيدون حساباتهم وهم يضربون كفا على كف متسائلين : ماذا يجري في اليمن غير مدركين أن مبعث الضعف والهوان اللذين مرت بهما الأمة العربية وما زالت واليمن جزء منها سببه الحكام ومواقف الشعوب السلبية لأنهم لم يستوعبوا حقيقة ما يجري وليس عندهم بعد نظر لما سيأتي ، وأناس هكذا كان حالهم وسيظل دون تغيير لا يستحقون أن يكونوا حكاماً أو أن يمثلوا شعوباً.
وهنا يطرح السؤال نفسه : لم كل هذا الهوان الذي فرضه العرب على أنفسهم مع أنهم يمتلكون كل مؤهلات التحوّل لصالحهم بدليل ما حدث في اليمن من مقاومة للعدوان والتصدي له كترجمة عملية للإرادة الشعبية حينما تكون حاضرة لا تستطيع أية قوة الوقوف في طريقها إضافة إلى أن العرب حباهم الله ثروة اقتصادية كبيرة لو تم توظيفها لصالح قضايا الشعوب العربية لاستطاعوا أن ينافسوا الدول الكبرى وأن يمتلكوا كل أسباب القوة بالإضافة إلى موقعهم الجغرافي المتميز المتحكّم بمداخل البحار .
وكما هو الحال بالنسبة للدول الكبرى التي تعمل على رعاية وخدمة مصالحها فمن حق الدول الصغيرة أن تقوم بنفس الدور ,لأن ذلك حق من حقوقها القانونية وليس من حق أحد أن يمنعها ولنا في التاريخ عبرة حيث نجد دولاً صغيرة استطاعت بقوتها وفرض إرادتها أن تتحكّم في مصائر دول كبرى ذات مساحات شاسعة واستعمرتها لمئات السنين حتى انتفضت تلك الشعوب وتحرّرت من التبعية والهيمنة الاستعمارية ، لكن لأن الروح الانهزامية قد طغت على كل شيء عند العرب فقد أصبحوا عاجزين عن حل مشاكلهم حتى مع أنفسهم في إطار المجتمع الواحد فكيف بالدفاع عن قضاياهم ضد الدول الأخرى وإن كانوا أسودا على بعضهم بدليل تحالفهم ضد اليمن وشعبه , وعليه فإن أطماع الآخرين فيهم ستزداد وإن كانت تختلف في أهميتها من فترة إلى أخرى نظراً لما يشهده العالم من متغيّرات متسارعة وتطورات اقتصادية وتكنولوجية ، إضافة إلى الدور الذي يلعبه الأعداء بتعميق الانقسامات في العالم العربي بحجة أن هذا النظام معتدل وذلك ممانع ، وهي كذبة كبيرة صدّقها العرب وربطوها بأنفسهم ولذلك يجب أن تأخذ الشعوب العربية الدرس من اليمن وكيف استطاع أبناؤه ممثلين في جيشهم ولجانهم الشعبية أن يواجهوا بصمود منقطع النظير وبإمكانياتهم البسيطة ثلاث إمبراطوريات تتحكم في العالم وهي : إمبراطورية السلاح وإمبراطورية الإعلام وإمبراطورية المال وهذا لم يحدث في التاريخ لأي شعب آخر .