كنت اسمع عن رومانيا كثيرا، وانها من اجمل الدول الأوروبية من حيث الطبيعة الخلابة والاماكن الاثرية والمواقع السياحية، لكني اكتشفت في زيارتي لها مؤخرا أنها تنفرد بأهم من ذلك كله وهو شعبها الطيب الذي يقدس التعايش ويحترم الآخر، بل ويحب الوافد الجديد إليه ولايشعره بالغربة، وهذه ميزة فريدة يتميز بها الشعب الروماني عن غيره من شعوب الاتحاد الأوروبي المتقارب جدا في السلوك والطبائع والأمزجة..!!
كما تتميز رومانيا بجبالها الشاهقة التي تعد جزء من جبال الألب الدينارية، اضافة الى مدنها السياحية واماكنها الأثرية ومعالمها التاريخية الكثيرة..
إضافة إلى ذلك فإن بوخارست تعد حديقة مفتوحة فيها الكثير من الحدائق والمتنزهات والأنهار والبحيرات الصناعية والأبنية التاريخية والمعاصرة؛ الشاهدة على حقبات مهمة من التاريخ الروماني القديم والحديث مثل جادة الثورة وساحة الحرية وميدان فيكتوريا وقوس النصر وغيرها من الاماكن والمعالم الحضارية المميزة..
وصلت الى العاصمة بوخارست فجرا.. كان الجو شديد البرودة (2 تحت الصفر).. المطار كبير لكنه شبه فارغ ربما بسبب الشتاء، كان صديقي في استقبالي بالمطار ومنه اتجهنا مباشرة الى مدينة أخرى خارج بوخارست تسمى بيتشت، وتلقب بمدينة التوليب وتقع على نهر أغنج يسمى نهر أرجيش، ومنها إلى مدينة سلاتينا، عاصمة مقاطعة أولت، وهي مدينة ثانوية جميلة وفيها قرى ريفية بسيطة..
كان أول احتكاكي مع الرومان في هذه المدينة.. زرتهم في منازلهم، تحدثت معهم، كنت ألحظ في تعاملهم احترام الآخر وتقديره، وهو الانطباع الأول الذي يثبت في الذهن عند أي زيارة أو اكتشاف جديد..
حرصت كصحفي أن أسأل عن مبنى press house وهو حالياً مقرا للعديد من الصحف الرومانية، بعد ان كان مقراً لصحيفة الحزب الحاكم طيلة العهد الشيوعي..
لفت نظري معلم كبير أمام المبنى وكان عبارة عن يد مرفوعة الى السماء، وعندما سالت عن رمزية هذا النصب قيل لي انها أنشئت في ذات المكان الذي كان يحتله تمثال كبير للزعيم الشيوعي لينين الذي ازيل بعد ثورة 1989 ضد الدكتاتورية تشاوشيسكو.
سمعت كغيري الكثير من قصص دراكولا وانه في رومانيا..
سألت صديقي الحاج عصام وهو مصري يعيش في رومانيا منذ 30 عاما عن قلعة دراكولا التي ارتبطت في الذهن بالعديد من الأساطير والحكايات القديمة..
ضحك صديقي وقال إن الرومان يعتزون كثيرا بهذا القلعة، فهي ترتبط بمقاومة الرومان للأتراك، ومنعهم من التقدم صوب أوروبا الوسطى، مما اضطرهم إلى تغيير مسارهم إلى جنوب القارة، مروراً بصربيا فالنمسا، وهي تقع في مدينة براشوف الجبلية الجميلة والتي تقع على بعد 160 كلم من العاصمة بوخارست..
توجهنا اليها صباح اليوم التالي لكننا للاسف لم نستطع الوصول الى القلعة بسبب الثلوج التي قطعت الطريق وتسببت في العديد من الحوادث المرورية..
تتميز مدينة براشوف بجبالها الشاهقة، والتي ترتفع عن سطح البحر باكثر من الفين متر، وتلفريكها الشهير الذي يكشف لزائرها غابات الصنوبر والتلال الثلجية شتاء، والمروج الخضراء الجميلة والقرى الريفية المتناثرة بقية فصول السنة..
قصر الشعب..
باختصار شديد كان هذا القصر الفريد محاولة من الديكتاتور الروماني نيكولاي تشاوشيسكو لتخليد ذكراه بشاهد يبقى على مر العصور، لكنه كان القشة التي قضت عليه، وبسببه انقلب عليه شعبه وأعدمه هو وزوجته إلينا رميا بالرصاص فى محاكمة علنية أذيعت على شاشات التليفزيون عام 1989.
قرر تشاوشيسكو بناء قصر لم تعرف له أوروبا مثيل، وبسبب إعجابه بمبنى البرلمان البريطاني وقصر الإليزية الفرنسي والبنتاجون الأمريكي، أمر بمزج كل هذه العناصر في قصر هجين..
تمت إزالة أحياء كاملة من وسط بوخارست وفرضت الحكومة ضرائب وإتاوات جديدة على الشعب لتمويل "قصر الشعب"، وبدأ العمل في إنشائه عام 1984 على مساحة 400 ألف متر مربع بإرتفاع مائة متر عن الأرض.
وبجانب الميدان الكبير الملئ بالأشجار والنافورات تضمن القصر (بحسب النيويورك تايمز) قاعتي برلمان ضخمة و70 صالة كبيرة و2800 غرفة و40 قاعة للمؤتمرات، بالإضافة إلى عدد كبير من المطاعم والصالات الرياضية وست مجمعات خارجية تضم فنادق وشقق فخمة للضيوف، والقاعات مزودة بأحدث مرافق الحماية ومنها نفق يمتد إلى 40 كلم، بجانب ملجآن كبيران مضادان للقنابل الذرية..
وعمل به 17000 ألف عامل بعدما كان قد رصد له كل طاقات رومانيا المعمارية والتخطيطية والتنفيذية ناهيك عن المالية، فقد طلب من الشعب مقابل أن يشيد قصره أن "يشدوا الحزام" إلى الحد الذي جعلهم يتضورون جوعا ليشتري بأموالهم مستلزمات السلطة وتجهيزات البناء.
ويذكر البعض أن العاملين في القصر هدموا أحد السلالم ثماني مرات لأنها لم تكن تعجب تشاوتشيسكو وفي المرة التاسعة وافق عليها بعد أن إستشار زوجته إلينا في الأمر.
وخلال فترة الخمسة أعوام التي استغرقها المشروع لم يعرف الشعب الروماني شيئا من ذلك.
وقد أدى التكتم على ما يجري في داخل الورشة إلى حبس العمال الذين ساهموا فى بناء القصر وعددهم حوالى 17 ألف عامل في داخل سجن كبير داخل القصر ومنعهم من الكلام، إلى أن ثار الشعب ضد تشاوتشيسكو عام 1989 وقام بإعدامه..
وقتها قررت الحكومة الجديدة وقف العمل فى الأجزاء المتبقية من القصر لوقف نزيف الاموال وتحويل الأجزاء المكتملة إلى برلمان شعبي ومؤسسات حكومية ومتحف وطني كبير.