“الرئيس الأمريكي الأقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة” هو العنوان الأبرز لعام أمضاه دونالد ترامب في البيت الأبيض كشف خلاله عن الوجه الحقيقي للسياسات الأمريكية المعادية للشعوب والقائمة على التدخل في شؤون الدول والهيمنة على قرارها خدمة لأطماع واشنطن وحلفائها وعلى رأسهم كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ترامب الذي خضع مؤخرا لفحص قدراته العقلية للتأكد من احتمال اصابته بمرض “الخرف” كان خلال عامه الأول كرئيس للولايات المتحدة محط انتقادات أمريكية ودولية واسعة جراء سياساته العدائية والعنصرية فمن موقفه تجاه الأزمة في سورية والتهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني إلى تصعيد الوضع في شبه الجزيرة الكورية وصولا لقراره اعتبار القدس عاصمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي ووصفه بعض الدول التي يأتي منها المهاجرون بأنها “حثالة” فإن ترامب يؤكد بشكل صريح أن سياسات الولايات المتحدة تشكل تهديدا خطيرا للأمن والسلم العالميين بتجاهلها كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية.
استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” الأميركية للاستطلاعات ونشرت نتائجه أمس كشف أن 30 بالمئة فقط من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في 134 بلدا يؤيدون أداء ترامب حيث كانت المواقف الأشد قسوة تجاهه بين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في أوروبا الغربية وكندا والمكسيك لتعلق “غالوب” على تلك النتائج بالإشارة إلى أن تحالفات عديدة كانت تعتبرها إدارة ترامب “قوة كبيرة” باتت “مهددة في الواقع”.
واشنطن واصلت في عهد ترامب سياساتها المعادية ضد سورية حيث استمر تحالفها الاستعراضي غير الشرعي بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي باستهداف المدنيين والبنى التحتية
واشنطن واصلت في عهد ترامب سياساتها المعادية ضد سورية حيث استمر تحالفها الاستعراضي غير الشرعي الذي تقوده منذ آب 2014 بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي باستهداف المدنيين الأبرياء والبنى التحتية من جسور ومنشآت حيوية إضافة إلى قيامه بنقل إرهابيي التنظيم المتطرف إلى مواقع آمنة في محاولة لإنقاذهم واستخدامهم لاحقا لتحقيق مخططاته في أماكن أخرى في تأكيد ليس بالجديد على انخراط الولايات المتحدة في دعم الإرهاب التكفيري.
إعلان إدارة ترامب مؤخرا أيضا عن تشكيل ميليشيا مسلحة شمال شرق سورية ما يشكل اعتداء صارخا على سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية وانتهاكا فاضحا للقانون الدولي لم يخرج عن إطار السياسة الأمريكية التدميرية تجاه المنطقة لتفتيت دولها وتأجيج التوترات فيها وإعاقة أي حلول لأزماتها.
كيان الاحتلال الإسرائيلي المستفيد الأول من سياسات الرئيس الأمريكي الاستفزازية
بشكل واضح كان كيان الاحتلال الإسرائيلي المستفيد الأول من سياسات الرئيس الأمريكي الاستفزازية حيث أعلن ترامب في السادس من كانون الاول الماضي نقل السفارة الاميركية إلى القدس المحتلة واعتبارها عاصمة لكيان الاحتلال في خطوة قوبلت بإدانات دولية واسعة ورفض الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لهذا القرار الأمر الذي زاد من عزلة واشنطن ودفعها للغطرسة مجددا ليعلن ترامب عن تنفيذ تهديداته بوقف المساعدة المالية الأمريكية عن الفلسطينيين ما لم يمضوا باقتراحاته بخصوص ما يسميه “الحل” على المسار الفلسطيني الإسرائيلي ليفضح المزيد من خفايا ما سمى “صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية ولتعلن الإدارة الأميركية قبل أيام عن تجميد أكثر من نصف إجمالي المبلغ المخصص لتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “اونروا” والبالغ 125 مليون دولار.
دعم وتواطؤ ترامب اللا محدود والعلني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي شجع سلطات الاحتلال على الاستمرار والتمادي في مخططات التهويد والاستيطان التي تقوم بها في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تحد للقرارات الدولية حول عدم شرعية المستوطنات وبأنها تشكل انتهاكا لميثاق روما الأساسي الذي يعتبر الاستيطان جريمة حرب وانتهاكا مباشرا للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية ولا سيما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي أكد أن الاستيطان في القدس والضفة غير شرعي.
تقويض الاتفاق النووي الإيراني كان أحد أهداف ترامب
تقويض الاتفاق النووي الإيراني كان من جهة أخرى أحد أهداف ترامب التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية ودأب على تحقيقها منذ فوزه بسباق الرئاسة الأمريكية في كانون الثاني الماضي حيث أطلق سلسلة محاولات وتهديدات متواصلة لتقويض الاتفاق الموقع مع مجموعة خمسة زائد واحد عام 2015 تمهيدا للتنصل والانسحاب منه رغم الرفض المطلق من كل الأطراف الدولية الاخرى لمثل هذه الخطوة وتأكيدها ضرورة الالتزام به واستمرار العمل به نظرا للأثار الإيجابية الكبيرة التي خلفها على الصعيدين الإقليمى والدولي.
فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس أهمية الحفاظ على الانجازات التي تمت من خلال الاتفاق لاسهامه فى تحقيق السلام والامن على الصعيدين الاقليمي والدولي في تعبير واضح على مدى إدراك الأسرة الدولية لأهمية الاتفاق من كل النواحي السياسية والدولية على المنطقة والعالم خلافا للرئيس الأمريكي الذي يضرب عرض الحائط بكل تلك المواقف في إطار قراراته وتصريحاته.
ترامب أصر على انتهاج سياسة عدائية استفزازية بهدف زعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية
وفي شبه الجزيرة الكورية أصر ترامب على انتهاج سياسة عدائية استفزازية بهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة مطلقا كل أشكال التهديدات ضد كوريا الديمقراطية لرفضها الانصياع للإملاءات الأميركية وتمسكها بحقها في الدفاع عن أمنها القومي في مواجهة الاستفزازات الأمريكية المتواصلة بما فيها المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية ونشر منظومة ثاد الصاروخية.
وأمام حالة الهدوء والإنفراج التي تشهدها شبة الجزيرة الكورية حاليا عقب استئناف كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية محادثات ثنائية غابت عن المشهد السياسي أكثر من عامين لم يفوت ترامب خلالهما فرصة لتأجيج حدة التوتر بين الكوريتين بهدف تحقيق أطماع واشنطن التوسعية في شرق آسيا لم يجد الرئيس الأمريكي خيارا لإنقاذ ماء وجهه سوى التخفيف من حدة تهديداته الاستعراضية حيث أعلن مؤخرا استعداده لإجراء محادثات مع الرئيس الكوري الديمقراطي ولكن بشروط مسبقة زاعما بأنه “يأمل بأن تؤدي المحادثات المرتقبة بين الكوريتين إلى خفض التوتر في شبه الجزيرة الكورية”.
ورغم محاولة روسيا الحثيثة لاصلاح العلاقات الروسية الأميركية واستئناف تعاونهما على صعيد القضايا الدولية بما ينعكس إيجابا على مختلف دول العالم إلا أن واشنطن لم تتخذ أي خطوات مشجعة في هذا الإطار ليؤكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العام الماضي أن “الهيستيريا الأمريكية ضد روسيا تعكس المعركة السياسية الداخلية في واشنطن وأن استمرار التحقيق في التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية دليل دامغ على انعدام أي أدلة لدى واشنطن تثبت هذا التدخل”.
ترامب عمل على اتخاذ المزيد من القرارات العنصرية والمخالفة لحقوق الإنسان
الرئيس الأمريكي لم يكتف بتصعيد الأوضاع على مستوى العالم بل عمل على اتخاذ المزيد من القرارات العنصرية والمخالفة لحقوق الإنسان حيث وقع في الـ 27 من كانون الثاني من العام الماضي مرسوما يحظر الهجرة والسفر من عدة دول في الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة ما أثار حملة تنديد دولية واسعة أكدت أن قرار ترامب يتصف بالعنصرية ويخالف حقوق الإنسان ليعود ويشعل مطلع العام الجاري موجة واسعة من الإدانات والانتقادات حول العالم بعد وصفه دولا أفريقية ومن أمريكا اللاتينية يأتي منها مهاجرون إلى الولايات المتحدة بأنها “حثالة” متجاهلا أن بلاده مسؤولة بشكل كبير عن حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في أجزاء كثيرة من العالم بسبب سياساتها وخروجها عن أعراف القانون الدولي لتحقيق مطامعها في نهب ثروات الشعوب ومقدراتها.
وعلى صعيد المناخ لم تكن سياسات ومواقف ترامب مختلفة عن غيرها حيث أعلنت الولايات المتحدة في حزيران الماضي انسحابها من اتفاق باريس حول المناخ الذي يتعارض بحسب ترامب مع المصالح الاقتصادية الأميركية في خطوة اثارت استياء واسعا على المستوى العالمي حيث ندد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بقرار ترامب مؤكدا أنه “قرار خاطئ إلى حد خطير” بينما شهدت أمريكا والعديد من دول العالم مظاهرات عديدة للتنديد بهذا القرار.
واشنطن أدارت ظهرها في عهد ترامب لاتفاقات أخرى ومنظمات متعددة الأطراف مثل معاهدة التبادل الحر لآسيا والمحيط الهادئ ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونيسكو” والمعاهدة الدولية حول الهجرة إلى جانب توجيهها انتقادات متكررة للكلفة المرتفعة لتمويل الأمم المتحدة.
وفي نهاية عامه الأول رئيسا للولايات المتحدة وحصوله على أدنى نسبة تأييد في تاريخ الرئاسة الأميركية وتعرضه لحملة انتقادات غير مسبوقة دفعت عشرات الأطباء والخبراء الصحيين الأميركيين إلى المطالبة بإخضاعه لاختبارات لتحديد مدى صحته العقلية يبدو أن ترامب مازال مصرا على الاستمرار في سياساته الانفعالية تاركا الباب مفتوحا أمام قرارات ومواقف تسهم في زعزعة الأمن والاستقرار في العالم.
سانا- نورس شاهين