انتهت معركة تعز تقريبا.. ولكن معركة صنعاء قد تكون الاكثر تعقيدا.. فهل سيبدأ الحوار السياسي قريبا بعد “تحرير” الجنوب وحدوث توازن في القوى العسكرية؟ ولماذا تعترض السعودية على رئاسة علي ناصر محمد لمجلس رئاسي توافقي؟ ولماذا لم يعد بحاح الى عدن بصفة دائمة؟
عبدالباري عطوان
تتغير خريطة الاوضاع العسكرية على الارض اليمنية بشكل متسارع هذه الايام في توازن مع حراك سياسي مكثف في عدة عواصم عربية وشرق اوسطية، ولكن كثرة التدخلات الخارجية من قبل القوى الاقليمية والدولية، وتعدد الجهات المقاتلة في ميادين المعارك، والمحكومة بقوى الدعم الخارجي تجعل محاولة الفهم صعبة للغاية.
سقوط مدينة تعز التي تعتبر “بيضة القبان”، او بالاحرى خط الوسط بين الشمال الزيدي والجنوب الشافعي في ايدي القوى المعارضة للتحالف “الحوثي الصالحي”، يشكل اختراقا كبيرا في الازمة اليمنية، ربما يحقق توازنا عسكريا للقوى المتحاربة، ورسم خط واضح للانفصال النفسي، بحيث يظل الشمال شمالا والجنوب جنوبا، وبما يؤدي الى تقريب الاطراف المتحاربة من مائدة مفاوضات حقيقية وجدية.
المشكلة، وبعد اكمال السيطرة على تعز، اذا سارت الامور وفق ما تفيده الانباء حول تقهقر قوات التحالف “الحوثي الصالحي”، وانسحابها من المواقع الرئيسية في المدينة، ستتمثل في كيفية التعاطي مع الوضع في الجنوب، ومدينة عدن على وجه الخصوص، التي لعبت القوات الاماراتية الخاصة، والقوات اليمنية المدربة في ابو ظبي وجدة، والعتاد الثقيل المتطور التي جرى تزويدها به في “تحريرها” واخراج قوات “انصار الله” الحوثية منها.
مراقبون محايدون للشأن اليمني يقولون ان المدينة باتت الآن تحت سيطرة خليط عجيب من القوى تتوحد حول هدف واحد، وهو العداء للحوثيين، وتختلف على كل شيء غير ذلك، والآن بعد اخراج قوات الحوثيين من المدينة سيبدأ الصراع بين هذه القوى على السيطرة والنفوذ، وهذا ما يفسر عدم عودة الحكومة الشرعية برئاسة السيد خالد بحاح الى عدن حتى الآن.
ويتحدث مقيمون في عدن اتصلت بهم “راي اليوم” عن بدء اشتباكات في المدينة بين هذه القوى، فهناك قوات موالية لتنظيم “القاعدة”، واخرى للحراك الجنوبي، وثالثة لعلي محسن الاحمر، ورابعة لحزب الاصلاح، وخلايا الاخوان المسلمين، وبعد اخراج الحوثيين من المدينة بدأت الخلافات بين هذه القوى تطفو على السطح.
الحراك الجنوبي يعتبر كل من اتى الى عدن من الشمال عدوا، ويرى في الرئيس “الشرعي” عبد ربه منصور هادي على انه عدو، والشيء نفسه ينطبق على الحوثيين ايضا، ويريد اعادة اقامة دولة اليمن الجنوبي “الليبرالية” بعيدا عن التيارات السياسية الاسلامية المتشددة، و”تحرير” عدن وبعض المحافظات الاخرى قد يكون حل مشكلة “الاحتلال” الحوثي، ولكنه خلق في الوقت نفسه مشاكل اخرى ربما تكون اكثر تعقيدا.
مستقبل العاصمة صنعاء سيكون الفصل الاكثر خطورة في الحرب اليمنية، ومواصلة تقدم القوات المعارضة للتحالف “الصالحي الحوثي” (لا نقول الموالية للشرعية لانها ليست كذلك) نحوها ربما يؤدي الى معارك دموية شرسة، وضياع كل ما تحقق من “انتصارات” في الجنوب.
صنعاء ليست مثل مدينتي تعز او عدن، من حيث كونها مدينة مختلطة، وليست لها هوية طائفية سائدة، ومن المؤكد ان التحالف “الحوثي الصالحي” الذي اعادت انهيارات عدن العسكرية توحيده مجددا، سيقاتل حتى الموت لمنع سقوط المدينة، حتى لو تطلب الامر حرب عصابات او حرب شوارع بالاحرى.
الوضع الآن في صورته الراهنة، يحتم اسكات البنادق والعودة الى المفاوضات للتوصل الى حل سلمي سياسي، ولكن ولادة هذا الحل ستكون عسيرة لعدم وجود “القابلة” الخبيرة اولا، وحالة الفوضى السياسية والعسكرية التي تعيش في ظلها البلاد، وزيادة تصلب قوى “الانتداب” للسعودية بعد انتصاراتها الاخيرة في الجنوب.
الاحاديث عن تشكيل مجلس يمني يضم شخصيات مؤثرة ولها وجود على الارض تتكاثر بقوة، ولكن الاطراف الرئيسية المتحاربة من الصعب ان تتفق على الاسماء ناهيك عن رئاسة المجلس.
الحوثيون يعترضون على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وكذلك نائبه خالد بحاح، باعتبارهما طرفا في الازمة، والسعوديون يعترضون على اقتراح تولي السيد علي ناصر محمد رئيس دولة الجنوب الاسبق لانه “مقرب” من ايران، ودولة الامارات العربية المتحدة التي لعبت دورا في “تحرير” الجنوب، لا تكن اي ود تجاه حركة الاصلاح، ولا تريد اي دور لها، او للاخوان المسلمين في مستقبل اليمن.
يردد اليمنيون في مجالسهم طرفة، يقال انها صحيحة، مفادها ان احدهم سأل السيد بحاح عن تصوره لمستقبل اليمن والمخارج من ازمته الحالية، فقال لهم بعد “تلعثم” انه وبكل صراحة لا يملك الاجابة، ولم يعد يفهم ما يجري بالضبط.
اذا كانت هذه الواقعة حقيقة، فان السيد بحاح قال الحقيقة ولم يكذب كعادة السياسيين، ونتحدى ان يكون هناك سياسي يمني يفهم ما يجري في اليمن، او يقدم تصورا للمستقبل.
نتحدى ايضا ان تكون القوى المتورطة عسكريا في اليمن، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تعلم كيف ستتطور الاوضاع على ارضه بعد شهر او شهرين، ناهيك عن عام او عامين او عشرة اعوام.
انه اليمن الذي يستعصي على الفهم، مثلما يستعصي على الغزاة ايضا.
“راي اليوم”