بيضة الشرق الأوسط د. يحيى محمد ركاج – باحث في السياسة والاقتصاد
امتازت المشاريع العدوانية التي واجهتها الأمة العربية في الآونة الأخيرة بفشل مذل على الرغم من الطابع البراغماتي الذي تقوم عليه، وعلى الرغم من التحضير والحشد الجيدين لها، ولعل أكثر المشاريع فشلاً في تحقيق الأيديولوجيات الصهيوأمريكية كان ما أطلق عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو غيرها من الصفات والمسميات التي تخدم الحرب النفسية التي يقودها الإعلام المتصهين, واللافت في إفشال مخطط الشرخ الأوسط بمسمياته المختلفة هو ثبات المحور المقاوم في المشرق والمغرب العربي بقيادة سورية وتحالفاتها الإستراتيجية، الأمر الذي جعل من المحور الأنجلو سكسوني المتصهين يركز في حربه على سورية وصولاً لتدمير المنطقة برمتها,وقد أدركت سورية هذه المخططات وعملت على مواجهتها إلا أن التخاذل والغدر العربي الذي اعتاد بعض العربان عليه، والحياد واللامبالاة التي ظهرت على البعض الآخر أعاق القدرة السورية على إسقاط المخططات الصهيوأمريكية بسرعة وإبداع، فأصبحت الميادين السورية ساحات للصراع العالمي ولفنون الحروب المبتكرة، خاصة مع ما امتازت به سورية والشعب العربي السوري والجيش العربي السوري من قدرة كبيرة على الصمود وامتصاص الطفرات المعادية وتحويلها إلى أدوات للصراع العالمي الجديد, إضافةً إلى أن هذه الحرب بمضامينها المتنوعة ابتداءً من الميدان العسكري وصولاً إلى ميدان الحرب الإعلامية والنفسية يشارك فيها الشعب السوري بكل أطيافه وعلى رأسهم رئيس الجمهورية العربية السورية, فقد شكل خطاب الرئيس الأسد الأخير خلال لقائه رؤساء المنظمات والنقابات المهنية والغرف التجارية والصناعية الزراعية خطاً محورياً جديداً في رسم خارطة العالم، ومجالاً جديداً لمواجهة الحرب الإعلامية، الأمر الذي جعل مراكز الدراسات الصهيونية على حالة من الاستنفار والتأهب، لتعلن بعد الخطاب مباشرة أدوات جديدة لمرحلة جديدة من العدوان على سورية يتزامن فيها التصعيد مع ذروة الحرب الإعلامية النفسية القذرة التي تنظر إلى الواقع من زاوية الشرخ الاجتماعي الذي أصاب العالم العربي، فكان من بين الاعتباطية الصهيونية في دعم الإرهابيين إطلاق عنان الجنون لضرب المدنيين الآمنين في كل الأماكن السورية، وزج أعداد كبيرة من النفايات البشرية لتنفق على أعتاب سهل الغاب والساحل السوري وبعض المناطق الأخرى المتفرقة من ميادين المواجهة السورية, واللافت أيضاً في الأمر هو تزامن الإعلان الصهيوني عن بداية مرحلة جديدة من المواجهات أطلقت فيه العنان لمخيلتها في رسم واقع افتراضي جديد ينفي وجود سورية ويقسمها إلى كانتونات مستندة على دمج التعاريف الكلاسيكية للتنمية التي تم من خلالها صياغة التنمية المستدامة، فكان من جملة ما تم إطلاقه لرفع معنويات عملائهم في سورية والوطن العربي الإشارة إلى تورم الجسم الإرهابي في سورية وانتفاخه أو تأثيره واندماجه في الحواضن التي أوهم العالم بوجودها من خلال الإعلان أن البيضة التي تحولت إلى عجة لا يمكن أن تعود مجدداً بيضة.
ولعل التخبط الصهيوني كان واضحاً وانفعالياً في تحضير رد سريع على الانتصار المرحلي الذي أعلنه الرئيس السوري في خطابه والذي أشار فيه إلى تضاؤل الحواضن الشعبية للإرهاب وانكشاف الغمة التي أغشت عيون الكثير من السوريين وتحول المراكز المحايدة والتي نأت بنفسها عما يجري في سورية إلى حواضن ومراكز دعم للجيش العربي السوري، والتي رافقها التحاق أعداد كبيرة جداً من المتخلفين عن الخدمة العسكرية في سورية إلى صفوف الجيش العربي السوري والقوات الرديفة له، والتي نجم عنها انتصارات لوجستية واستراتيجيه حاسمة في المجالات كافة,ولعل التخبط الصهيوني وفشله هذه المرة في توجيه الحرب النفسية تخطى سورية وصمودها إلى القراءة اللوجستية الصحيحة للجزائر في احتواء الكتل الموجهة لتدمير المنطقة في ليبيا وتونس، وحراك عراقي جديد في الاتجاه العربي، وتحول استراتيجي في ساحات القتال اليمنية، وحيرة مصرية في المضي قدماً في الطريق الصهيوأمريكي المرسوم لها رغم المعيقات والمحفزات التي تعترضها. إن التحولات الإستراتيجية الهامة التي تشهدها المنطقة والمرتكزة على صمود سورية وانتصارات جيشها الباسل ومتانة التحالفات الإقليمية في مواجهة الإرهاب والرؤية الجديدة التي قدمها الرئيس السوري للمواطنة والانتماء تشير صراحة إلى عدم العودة للوراء، و أيضاً عدم الرغبة في ذلك للثقة المطلقة في المقدرة على صناعة مستقبل مشرق، ولأن الحرب حرب وجود شاملة فإن البيضة لن تعود بيضة إنما ستسخر الخليط أياً كان نوعه ليصبح العجة التي ترغبها، بل إن الديموغرافيا السورية في المناطق التي لجأ إليها الأهالي من المدن التي تعرضت للإرهاب خير دليل سوري على ذلك، والحراك الجزائري الجديد نحو ليبيا وتونس هو الدليل العربي الآخر على ذلك.
ولعله من المفيد أن نذكر بأن حرف الدين الإسلامي الحنيف عن وجهته السمحة قد باءت بالفشل، والقضاء على العروبة أيضاً قد باء بالفشل، وما قول رب العزة في كتابه الكريم في مواضع مختلفة عن ربط العربية بالأديان إلا انتصارٌ للعروبة.