الدكتور عادل عامر
أن أول اليهود الروس وصل إسرائيل في سنوات السبعينيات من القرن العشرين، لكن ما يعدها "الهجرة الكبرى"، ".فقد ثبت تواجد 1.4 مليون يهودي يعيشون في البلاد، منهم 877 ألفا هاجر لإسرائيل، وكانت هذه الموجة من الهجرة في هذه الفترة القصيرة من الوقت،
أكبر تدفق للمهاجرين إليها منذ تاريخ إنشائها، كاشفا النقاب عن تسريبات مفادها أن جزءا كبيرا منهم ليسوا يهودا، واستخدم العديد منهم وثائق مزورة للقدوم لإسرائيل، لتحسين مستوى معيشتهم، وتعزيز وضعهم المالي الشخصي. وقد تندهش إن علمت أن اليهود قد تغلغلوا في الديانة المسيحية حتى جاءوا بديانة جديدة يطلق على إتباعها المسيحيون المولودون من جديد وهي ديانة ذات صبغة (عسكرية سياسية) أساسها هو التوراة ، وغايتها هو تدمير العالم من ناحية، وإنشاء إسرائيل الكبرى من ناحية أخري وبناء هيكل سليمان كشرط أساسي لعودة المسيح وان الملايين من الأمريكيين في الثمانينات أصبحوا على قناعة بأن كارثة نووية فقط يمكن أن تعيد المسيح إلى الأرض .
وأن هذه الرسالة تبث يوميا عبر 1400 محطة إذاعة في أمريكا وعشرات المحطات التلفزيونية في أمريكا وفي أجزاء كثيرة من العالم الغربي وان أتباع هذه الديانة بالتحالف مع اليهود تنبئوا بتولي (ريغان) رئاسة الولايات المتحدة والذي يبدوا أنه على قناعة بهذا المعتقد .
وأما الرئيس الأمريكي (بوش) فلا ريب أن صلته وثيقة بزعماء هذه الحركة الدينية السياسية العسكرية والتي لها اليوم بالتحالف مع اللوبي اليهودي الأثر الكبير في الانتخابات الأمريكية والذين أبدوا في أكثر من مناسبة ارتياحهم من بوش ورغبتهم في توليه الرئاسة .
ففي 25 ينار 1986م مثلا أقام " فولويل " أحد أقطاب الديانة الجديدة حفل غداء في واشنطن علي شرف نائب الرئيس جورج بوش وقد أخبر فولويل ضيوفه الخمسين , الذين حضروا حفل الغداء السخي
ان اكتشاف جذور المؤامرة اليهودية العالمية في العصر الحديث بما فيها من فكرة تدمير أن إسرائيل احتالت على مليون مهاجر روسي عام 1989 من خلال فرض قيود عليهم تمنع هجرتهم لأي دولة في العالم باستثنائها، عبر دفع رشى للديكتاتور الروماني السابق "نيكولاي تشاوشيسكو"، وبموجبها تحصل رومانيا على 100 مليون دولار على شكل قرض من الولايات المتحدة.
وقام بتنفيذ عملية الاحتيال الكبرى هيئة "ناتيف" التي تركز نشاطها بين يهود دول الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية، وبمصادقة رئيس الوزراء الراحل إسحاق شامير، على اعتبار أن هذه الهجرة ستعمل على تغيير التوازن الديمغرافي بين العرب واليهود في إسرائيل، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
أن الهجرة اليهودية الكبيرة من دول الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل جاءت في ظل ظروف وشروط تاريخية خاصة لم يسبق لها مثيل، فالموجة التي وقعت في حقبة تسعينيات القرن الماضي جاءت على أرضية الفوضى التي استشرت في روسيا الجديدة عقب بشائر الضعف والتفكك في الاتحاد السوفيتي، والضبابية التي سادت الحياة والخوف مما يسميه اليهود "اللاسامية"، والرغبة بالخروج لما عدوه في حينه "العالم الحر".ولذلك فإن عددهم، حوالي مليون مهاجر، شكل في حينه كتلة متماسكة، قادرة على تشغيل وتغذية الكثير من المناحي في إسرائيل على الأصعدة: السياسية، والتشغيلية، والثقافية، خدمتها وأتاحت لها فرصة التواصل والبقاء، واعتبرت هجرة ذات معايير "رأس مال بشري" كبيرة. اتضح لليهود الروس أن إسرائيل دولة تواجه العديد من المشاكل، ولم تحل المشاكل الأساسية التي يجب على كل دولة أن تحلها كالوضع الأمني والتشريع والنظام السياسي وهو ما دفع بإسرائيل لزيادة أسباب ودوافع هذه الهجرات اليهودية من الاتحاد السوفيتي، وتمحورت حول الأزمة التي انتابته، وأدت لانقسامه إلى دويلات وجماعات عرقية، والمشاكل القائمة على صعيد العلاقة والتعامل بين اليهود وغيرهم، فضلا عن الدعاية في أوساط اليهود السوفيت بأنهم سيجدون الجنة في "إسرائيل"، إلى جانب العامل الصهيوني في اليقظة القومية اليهودية، ودعمها يهود الولايات المتحدة، وقاموا على تمويلها على الصعيدين المادي والثقافي، على أن يتجهوا لإسرائيل، وليس لأي مكان آخر.
ومن بعض السمات الإيجابية للمهاجرين اليهود الروس إلى إسرائيل، كونهم يتمتعون بنسبة ثقافة مهنية عالية مقارنة بباقي الإسرائيليين، خصوصا ببعض المجالات التي تهم الدولة، وتعمل فيها على صعيد التسويق العسكري كالصواريخ والأسلحة، والمهن الأساسية الأخرى كالطب والهندسة، وزيادة تعداد الملتحقين بالجيش، وارتفاع حجم الاحتياط، واتساع الأسواق الاستهلاكية، وخطوط الإنتاج، بما يصاحبه من نمو.
أما عن السمات السلبية أهمها، ومنها أن الكثير من المهاجرين الروس يعملون في مجال الفساد والجريمة، بما يعكسه ذلك على المجتمع الإسرائيلي من آثار سلبية، وعدد كبير منهم لا يؤمنون بالديانة اليهودية، ولا يؤمون الكنس، ولا يؤدون الشعائر، ويوجد بينهم عدد من العملاء للمخابرات الروسية، سبق أن جندتهم إبان تواجدهم في دول الاتحاد السوفيتي، وأبقت على صلتها بهم عقب هجرتهم لإسرائيل. ويستمد المهاجرون اليهود الروس تأثيرهم من كثافتهم العددية، وتماسكهم النسبي مقارنة بطوائف أخرى، مما عكس نفسه في شتى مناحي الحياة، كالتوظيف واحتلال المراكز الهامة، ونسبتهم في الكنيست التي تجعلهم "بيضة القبان" في أي تشكيلة ائتلافية حكومية، واحتلال مراكز هامة في الوزارات، ومن شخصياتهم السياسية المؤثرة وزير الخارجية السابق "أفيغدور ليبرمان"، ونائبه "داني أيلون"، ورئيس الوكالة اليهودية "نتان شيرانسكي". أنه لا يزال لدى عدد كبير من المهاجرين اليهود الروس حنين قوي للوطن الأم "روسيا"، واشتياق لوجود روابط اجتماعية وثقافية مع بلدانهم الأصلية، وفخر عميق بثقافتهم الأصلية مقترنا بشعور بالاستعلاء الثقافي مقابل الثقافة الإسرائيلية، لأن لديهم فكرة لا تصب كثيرا في مصلحة إسرائيل. فقد عدوها دولة صغيرة لا تصل في مقاييسها للاتحاد السوفيتي، وهم قادمون من دولة عظمى، وعدوا ثقافتها محدودة جراء صغر حجمها وضيق أفقها الديني، واتضح لهم أنها دولة تواجه العديد من المشاكل، ولم تحل المشاكل الأساسية التي يجب على كل دولة أن تحلها كالوضع الأمني والحدودي والنظام السياسي والتشريع، ولذلك شعروا بغربة كبيرة وعميقة عن حياة اعتادوها، فأغلقوا أنفسهم داخل شرنقة صغيرة.
أن اليهود الروس يعانون من التمييز في الرواتب والضمانات الاجتماعية، وتتبع المؤسسات الإسرائيلية سياسة التمييز ضدهم، وتقوم الكثير من المؤسسات المشغلة للروس بطردهم
أن اليهود الروس يتكلمون اللغة الروسية لأطفالهم، ويقرؤون واحدة من الصحف السبع باللغة الروسية التي أنشئوها، ويشاهدون محطات القنوات الخاصة الروسية في إسرائيل، ومحطات روسية في الخارج، وبعد سنوات زادت على العشرين عاشوها، فإن مئات الآلاف منهم ما زالوا ناطقين بالروسية، ولا يمكنهم مواصلة محادثة هاتفية باللغة العبرية، وعدة آلاف منهم لا يمكنهم الاستفسار عن اتجاهات الطرق بالعبرية، رغم أنهم يشكلون ما يقرب من 20% من مجمل المواطنين في إسرائيل. أنه رغم الإجماع الإسرائيلي الواسع على استجلاب المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق، لأنهم يعززون الحالة الديمغرافية لصالح اليهود في إسرائيل، بجانب كونه عملا صهيونيا أيديولوجيا قوميا، فإن الحماسة لاستيعاب الروس وغيرهم من يهود رابطة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق أخذت بالتلاشي تدريجيا، ووصل الحد في العديد من الأطياف السياسية لتوجيه أصابع الاتهام للقادمين الجدد بجلب ظواهر وآفات جديدة على المجتمع الإسرائيلي.
أن هؤلاء المهاجرين اليهود الروس، يتهمهم باقي اليهود بأنهم جلبوا معهم أفكارا لم تكن منتشرة أو قائمة في المجتمع الإسرائيلي، كالجريمة المنظمة والدعارة والإدمان على الكحول وغيرها، إضافة لدخول عصابات المافيا، وانتشار ظاهرة رشوة وشراء الأحزاب الفاعلة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. وبعد مرور كل هذا السنوات على موجة الهجرة الكبرى لليهود السوفيت، من أهم المشاكل التي شكلت صعوبات أمامهم، وحالت بينهم وبين الاندماج في المجتمع اليهودي في إسرائيل، أبرزها: عدم توفر أماكن عمل، فهناك صعوبة في تأمينها حيث يفوق عدد العاملين من بينهم 400 ألف مهاجر، 33% فقط منهم يعملون بمجال تخصصاتهم، علما بأن 82% من حملة الشهادات العليا، بينهم 107 آلاف مهندس، و25 ألف طبيب، و14 ألف عالم، و21 ألف ممرض وممرضة، و5000 مدرس، و2000 خبير اقتصادي.
أنهم يعانون من التمييز في الرواتب والضمانات الاجتماعية، وتتبع المؤسسات الإسرائيلية سياسة التمييز ضدهم، وتقوم الكثير من المؤسسات المشغلة للروس بطردهم، بادعاء الإساءة إليها، وهناك مؤسسات ترفض استيعابهم أصلا.