سعي العدو الصهيوني إلى معاقبة الفلسطينيين على رفضهم الإذعان لشروطه بشأن المفاوضات ، ينبغي أن يواجه بموقف عربي
موحد وجاد في الوقوف في وجه الإحتلال الصهيوني ، من المنتظر أن يقوم العرب بخطوات عملية داعمة للفلسطينيين في مواجهة العدو وبما أن أولى خطوات العقاب الصهيوني كانت وقف تحويلات الضرائب التي يجنيها لصالح الفلسطينيين ومحاولة محاصرتهم مالياً ، من المنتظر أن يسارع العرب إلى توفير شبكة الأمان المالي للسلطة الفلسطينية ، التي أقروها بمئة مليون دولار شهرياً لمساعدة السلطة في التغلّب على الأعباء المالية وهنا فإن من غير المفهوم أن تظل الخطوات التصعيدية الصهيونية من جانب واحد فقط ، فكما أن العدو أوقفت جميع أشكال التعاون مع السلطة الفلسطينية ، وأبقت على الجانب الأمني فقط ، فإن المنتظر من السلطة أن توقف جميع أشكال التعاون وحتى التنسيق الأمني ، وجولات التفاوض مع العدو خاصة أن العدو أخلّ بالإتفاق الذي إنطلقت المفاوضات على أساسه في يوليو من العام الماضي ، وتضمن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى ، قبل إنتهاء الموعد المحدد للمفاوضات بشهر ، يستميت العدو الصهيوني والولايات المتحدة من أجل تمديها حتى نهاية العام وعليه فإن سعي الإحتلال لثني الفلسطينيين عن المضي في تحركهم بالإنضمام إلى المؤسسات الدولية يجب ألا يبعدهم عن مسعاهم في نيل عضوية بقية المنظمات الدولية الفاعلة والمؤثرة كمحكمة الجنايات الدولية ، وألا تقتصر خطواتهم على الرمزية فقط .
الشعب الفلسطيني يواجه الراعي الأمريكي الحصري لعملية التسوية الذي لسع المؤمن من جحره ليس مرّة أو مرّتين وحسب بل مرات ومرات والمنحاز بطبيعة للحليف الإستراتيجي من جهة ، ونار الدول العربية التي تخلت عن دورها القومي فاسحة المجال أمام مخاطر عدوان جيش الإحتلال وإرهاب المستوطنين وعصابات ، لذلك لا يجدى نفعاً تكرار الدعوات لإنعقاد الإجتماعات العربية الإستثنائية أو العادية التي خرجت وستخرج مثل كل مرة بالإدانات والشجب والإستنكار دون تحرك جاد يضع حداً للإستهتار بالحقوق العربية والفلسطينية .
تجري الأفعال في الخفاء عكس ما يقال تماما خاصةً أن القمة العربية التي إحتضنتها الكويت لم تتمكن من إصدار بيان ختامي يتضمن قرارات نافذة بشأن القضية الفلسطينية ولم يجفّ حبرها بعد على أرض الواقع ، خرج البيان الختامي الذي صدر عن إجتماع الدورة الإستثنائية لوزراء الخارجية العرب بناء على طلب فلسطين ولم يرتقي إلى مستوى الإبتزاز الخطير الذي أقدمت عليه سلطات الإحتلال بالتزامن مع إنعقاد المجلس الوزاري بإصدار رزمة أولية من العقوبات الجماعية إستثنت منها المفاوضات والتنسيق الأمني ، تضاف للحصار المُطبق بينها السطو على الأموال الفلسطينية المجباه من عوائد الضرائب والجمارك وتطال أيضاً حياة المواطنين والتضييق على الحركة و وقف تصاريح العمل والعلاج ما يعقـّد مناحي الحياة ثم تتبعها إجراءات لاحقة أشدّ فتكاً حسب وصف طغاة العصر الراهن ، ثمة إندهاش حقيقي حول إستمرار اللقاءات الثلاثية بعد العربدة الإحتلالية التي لا تقف عند حد ، فإذا كان الموقف الأمريكي المنحاز أحد أهم عوامل التأزيم لما وصلت إليه الأمور ، فما الذي يرجوه الوزراء العرب من دعوتهم لمواصلة المساعي الأمريكية لإستئناف مسار المفاوضات الفاشلة ؟ .
كان ينبغي على أقل تقدير تضمين البيان الختامي الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة لوضعها أمام مسؤولياتها من خلال دعوة عاجلة لدرء مخاطر عدوان جيش الإحتلال ، وإرهاب المستوطنين وعصابات تدفيع الثمن المستمرّة على الشعب الفلسطيني ومقدساته وممتلكاته ومصادرة أراضيه وتوفير الحماية الدولية له من بطش الإرهاب الإحتلالي المهدّدين بعظائم الأمور ضد السلطة الفلسطينية رداً على قرار توقيع الإنضمام لخمس عشر معاهدة وإتفاقية دولية .
قالت ليفني بأنها زارت أحدى عشر مرة دولاً عربية خلال خمسين يوماً أشادت به بحسن الإستقبال وكرم الضيافة العربي ثم حصلت من هذه الدول على تعهدات بعدم دعم الفلسطينيين ودللت على قولها حين إعترض العدو سابقاً على دفع مليار دولار لدعم مدينة القدس ولم يدفع العرب منها فلساً واحداً إستجابة لطلبها إضافةً إلى قولها بأنها لم تجد معارضة عربية حول أن تكون القدس العاصمة الموحدة لكيانها ، قد يقول قائل أن السياسة الصهيونية تهدف من وراء التصريحات هذه صب الزيت على نار الأزمة ، ودليل على أزمتها الداخلية المربكة وبالتالي فهي تلجأ لخلط الأوراق وتزييف الوقائع لحرف الأنظار عن حقيقة أوضاعها ، ربما يكون ذلك صحيحاً لو سمع أحد عن تلك الزيارات بشكلً علني أو تكذيب ما جاء على لسانها من باب الوازع الأخلاقي وما الذي دار خلالها إن لم يكن هناك ما يخشاه هؤلاء ، ولكن الحقائق الماثلة للعيان تؤكد ذلك الإستخذاء تجاه ما يحصل للإنتهاكات الصارخة بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى الذي يستباح حرمتة وتهدّد ركائزه تمهيداً لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه من قبل المتطرفين ووزراء الإئتلاف العنصري وأجهزة الأمن الإحتلالية أفلا يستحق ذلك وقفة غير العبارات الممجوجة تتناسب وحجم الخطر الداهم ؟ مع أن الأمر لا يحتاج الذكاء الخارق لمعرفة هذه الدول والدور المشبوه الذي تقوم به خدمة للمخططات الرامية للنيل من الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني لقاء الحفاظ على بقاءهم أو البحث عن دور يتجاوز قدراتهم في مواجهة أشقائهم لا أعدائهم .
إن المرحلة الراهنة التي تـُعدّ الأصعب في تاريخ الصراع العربي الصهيوني نظراً للتحولات التي تشهدها المنطقة العربية وإنشغالها بأوضاعها الداخلية وتحتاج إلى وقت طويل قبل أن تستعيد زمام المبادرة ، ضرورة إستكمال الإنضمام لإتفاقيات والمعاهدات الدولية وفي مقدمتهم الإنضمام لمحكمة الجنايات الدولية وتوقيع معاهدة إتفاق روما ، كما تتطلب أولا وأخيرا تفعيل طاقات عناصر القوة الكامنة لدى الشعب وإستعادة وحدته الوطنية ثم الإستعداد التام لمواجهة ما هو قادم من ضغوطات هائلة وتصعيد للعدوان على الشعب الفلسطيني يطال مختلف المستويات الإقتصادية والسياسية والأمنية والردّ عليها بالمقابل بوقف التنسيق الأمني ومغادرة موائد المفاوضات التي لا طائل منها وتدور في حلقة مفرغة وتمنح الإحتلال الوقت اللازم لتنفيذ مآربه الإستيطانية التي تنامى بشكلٍ لم يسبق له مثيل ، وبالتالي لا يجب التعويل على الآخرين الذين لا يمكن أن يكونوا بديلاً أصيلاً عن الفعل الفلسطيني بكونه العامل الحاسم في خلق معادلة الصراع على أهمية الدعم العربي والدولي للقضية الفلسطينية الذي يشكـّل الحاضنة الشرعية لعدالة المشروع الوطني التحرري عندما تمتلك البدائل المختلفة التي لا تجعلها رهينة الخيار الوحيد والذي سيكون مكلفاً للإحتلال نتيجة صلفه وتنكره للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
يدرك الجميع أن لا أحد يرغب بالمغامرات الطائشة غير المحسوبة ولكن الحسابات إذا أخذت طريق اللا خيار عندها فقط يتوجب رفع الراية البيضاء وهذا ما لا ينطبق على حيوية وكفاح الشعب الفلسطيني الطويل وتضحياته الجسام على مذبح الحرية والإستقلال .