كتب : عبدالباسط الحبيشي
إرتفاع مستوى الظُلم بشكل لا يحتمله البشر جعل الشعب اليمني يتمنى أن يهاجر عن بكرة أبيه ويترك بلاده للمردة والسفاحين إلا أن جميع سفارات العالم قد أوصدت أبوابها لعلم دولها أنه لن يبقى عاقل ينتظر مصير الجوع أو الموت الزوآم أو القتل الغادر. بات اليمن في قبضة من فقدوا كل السمات والصفات البشرية فأصبحوا فصيلة من الشياطين المتمردين على إبليس نفسه الذي تمرد على الله. ولذلك مالم يُجمع اليمنيون على خطة للتخلص من هؤلاء المرّدة فلا فائدة حيث سيستمر النهب للثروات والقتل والإغتيالات اليومية .
خارطة جديدة للطريق
على اليمنيين الذين يطلبون الأمن والإستقرار وإنقاذ اليمن وشعبه أن يتخندقون فوراً في ثلاثة خنادق لا غيرها، وفي وقتٍ متزامن موحد إبتداءً من الآن إن هو/هي لم تبدأ بعد، لكون من يضع اليمن في قلبه وعقله اولاً، لا يمكن أن يكون خارج هذه الثلاثة الخنادق جميعاً، وما دون ذلك خرط القتاد. على المثقفين والكتاب والسياسيين النبلاء والثوار الحقيقيون الذين يريدون مصلحة اليمن اليوم، بصرف النظر عن تخندقهم السابق المغاير لهذه الثلاثة الخنادق الآتية الذكر، وبصرف النظر عن توجهاتهم الإيديولوجية أو الطائفية او السياسية أو العرقية أو القبلية أو المناطقية، عليهم مغادرة شرانقهم الوهمية والخروج للضوء لإنستشاق هواء العصر الذي يعيش فيه العالم.
وقبل الإستطراد في الموضوع، دعونا نذكر بإيجاز بأننا في بداية الثورة الشبابية قد حاولنا النداء عبر كل الطرق والوسائل السلمية المتاحة بأن الثورة لن تنتصر إلا (برحيلهم جميعاً) وقصدنا بذلك النظام السابق وشركائه مع كافة الحُمر وحُمران العيون بمن فيهم قيادات اللقاء المشترِك ـ بكسر الراء ـ الذين سحبوا البساط من تحت أقدام الثوار وباعوه للخارج مقابل حصة ثابته في الحكم ـ وقد تم لهم ذلك. كما قدمنا في حينها مبادرة خلاصية شاملة بإشراك كل القوى الثورية والوطنية ، ولكن الثورة المضادة وأنصارها الذين غرروا على الثوار أختارت "المبادرة الخليجية" على مبادرة الخلاص الوطنية وإليكم الروابط للتذكير:
ثلاثة خنادق مهمة لإنقاذ اليمن
أما الآن وقد حصحص الحق، فلا مفر من إعادة النظر، حيث وأننا منذ فترة ليست بالقصيرة ونحن نحاول إيصال ندائاتنا المتكررة مرةً بعد أخرى وفقاً لما يمليه ضميرنا اولاً، وبناءً على مستجدات المشهد السياسي الحالي المؤسف ثانياً, وعلى أصول قواعد اللعبه السياسية الجديدة ثالثاً، لأن ما كان ممكناً فعله في الماضي إبان الثورة الشبابية مباشرة، بات من المُحال القيام به في الحاضر. لقد تغيرت المعطيات على الأرض بإستثناء وجود نفس المتنفذين الذين كان ينبغي رحيلهم عندئذٍ فضلاً عن أن اليمن قد أصبح تحت الوصاية الدولية وقرار الفصل السابع 2140 الذي أصدره مجلس الأمن في نهاية شهر فبراير الماضي مما يعني أن اليمن بات منزوع السيادة، علاوة على قرار تحويل دولة الوحدة إلى الدولة الفيدرالية. لذا ينبغي على الجميع الإدراك بأنه لا يمكن الإتيان برؤية واقعية وإيجابية للمستقبل وقابلة للحياة، بينما يتم تجاهل وتجاوز الواقع المُعاش على الأرض. ليس لأن فاقد الشئ لا يعطيه وحسب بل ولأن المفاهيم العالمية في قضايا الإستقلال الوطني والسيادة قد تغيرت وتم البدء في تنفيذها خاصة على من ”فاتهم القطار" بالتمسك بالمعاني الكاملة لقيم الدولة والسيادة الوطنية التي باعها المتنفذون في اليمن وقبضوا ثمنها عداً ونقداً. كما أنه وفي المقابل ونتيجة لهذا الواقع الجديد، ومع حسن الحظ فقد نشأت مكونات وقوى جديدة أصبحت حقيقة واقعة مناهضة لهذه المفاهيم العالمية الجديدة يمكن لها أن تخلق نوع من التوازن الإجتماعي والأخلاقي والسياسي المضاد إذا أحسنت هذه القوى التصرف وأحسنا التخندق معها.
الخندق الأول:
شئنا أم أبينا لا يستطيع أحد أياً كان أن ينكر اليوم أهمية حضور المجتمع الدولي الذي تمثله الدول العشر الراعية للمسارات السياسية والأمنية وغيرها بالنسبة لليمن وتأثيره على الواقع والمشهد اليمني الشامل بقوةِ "القانون الدولي" حيث لا يستطيع كائن من كان أو مكون من كان أن يلغي هذا الواقع بجرة قلم إلا بعمل وطني سياسي وقانوني شامل ومتكامل ويحضى بالقبول الدولي.
وفي هذا السياق من المعروف بأن الرئيس عبدربه منصور هادي هو الممثل الشرعي والوحيد الذي يقود مسيرة وإرادة المجتمع الدولي في اليمن حالياً فضلاً عن أنه حاكم اليمن وبإرادة شعبية كبيرة، وعليه فلابد من أن يتحمل مسؤوليته كرئيس لكل اليمنيين وأن يبتعد كليةً عن الأساليب التي أنتهجها (النظام المشترِك) في إدارة البلاد عن طريق الأزمات أو الفكر الحزبي والمناطقي، وفي المقابل فإن واجب كل اليمنيين بكافة شرائحهم التخندق ورائه لإكسابه القدرة والقوة للقيام بدوره ومسؤوليته على أكمل وجه. قد يكون هناك الكثير ممن لا يروق لهم هذا الكلام ومنهم أصدقاء شخصيين وزملاء أكن لهم كل التقدير والإحترام. أقول لهم وللجميع بأن من لايقف مع الرئيس هادي في هذه المعركة المصيرية الذي يحاول من خلالها المرور، ربما أنه مصاب بعمى الألوان السياسي، أو أنه قد لا يعرف حقيقة الإرث الكارثي التي يعاني منه اليمن، أو بصراحة، ربما لديه مشكلة شخصية مع الرئيس الذي يواجه لوحده مؤامرات (النظام المشترِك الأحمر) السابق. لأننا إذا لم نعترف بضرورة الإلتفاف الشعبي حوله لاسيما في غياب ثمة مقومات دولة وحكومة وجيش وأمن تساند الرئيس، فمن البديهي أننا غير جادين بتقييم جهوده، إلا إذا كنا نرغب بأن يأتيه المدد من الخارج بغزو عسكري خارجي لدعمه. وعلى فكرة، فإن هذا الغزو بات رهن إشارته لولا حكمته وصبره.
الخندق الثاني:
في ظل بقاء الجيش اليمني في حالة مليشية موزعة بين عيال الأحمر وعلي محسن وحزب الإصلاح التكفيري المتطرف لا توجد حالياً أي قوة وطنية تحمي حدود اليمن وشعبه وحدوده. الجيش الذي يفترض أن يكون حامياً لحياض الوطن بات معظمه مختطفاً والبعض الآخر يحمي عصابات الإجرام والمرتزقة. هذه حقيقة لا يجهلها إلا جاحد. بل أن هذه المليشيات هي نفسها من تستولي الآن وبالقوة على مقدرات ومكتسبات اليمن وعلى سبيل المثال لا الحصر رفض تنفيذ القرار الرئاسي بنقل الفرقة الأولى مدرع وإنشاء محلها حديقة 21 مارس ناهيك عن الإستيلاء على إسلحة وعتاد وميزانية الجيش. إن "الفرقة" ماتزال ترفض الخروج ليس لأن علي محسن الذي نهب عقارات الأرض يريد الإستيلاء عليها وحسب! لا شك بأن هذا صحيح ولكن هذه الحجة تستخدم أيضاً كتغطية دعائية لما هو أكبر وأخطر ربما لها علاقة بكل جرائم الإرهاب المحلية والعالمية التي مارسها النظام المشترِك السابق التي قد تكون مخبأه في هذه المنطقة التي تُعتبر مركز الإرهاب العالمي بإسره. وإلا ماسبب التمسك الشديد بهذا العقارفي وسط العاصمة إلى هذه الدرجة!! وما سِر كل هذا الضغط الدولي والمحلي على إفراغها من المليشيات المسلحة؟ ومع ذلك فإن أرض "الفرقة مدرع" ماهي إلا مجرد مثال حي وبسيط لسيطرة هذه المليشيات الإرهابية على كل مفاصل البلاد. وربما لهذا السبب وبشكل رئيسي تم إصدار الفصل السابع من قبل مجلس الأمن.
وفي المقابل ولحسن الطالع تشكلت قوة وطنية نزيهة ثائرة شكلت الدرع الواقي ضد هذه المليشيات الإرهابية وأعاقت تقدمها وإستفحالها نهائياً في شرايين البلاد، وأحبطت مؤامراتها في الإستيلاء على بقية مقدرات الوطن، وأنهكت قواها في إستمرار السيطرة على فئات الشعب المغلوب على أمره. هذه القوة الناشئة هي قوة أنصار الله/الحوثيين الذين تجرعوا صنوف العذاب خلال ستة حروب آثمة أحرقت أرضهم وأهلكت زرعهم وقتلت أبريائهم. ومع ذلك فهم الآن مطالبين أكثر من أي وقتٍ مضى بأن يعملوا على إستيعاب كل شرائح المجتمع اليمني من كافة مناطق اليمن في صفوف أنصار الله ليس على مستوى الأنصار والمجاهدين وبعض الأعلاميين وحسب بل وعلى مستوى القيادات العليا مع إقامة التحالفات مع كل القوى الوطنية والثورية في الداخل كشركاء في العمل الوطني إضافة إلى نبذ الخطاب المناطقي وضرورة التحلي بالمرونة السياسية لاسيما في مجال التواصل الدولي كون اليمن لا يمكن أن يعيش معزولاً عن العالم المتغير الذي يعيش فيه وبما يتسق مع دعاواتهم لقيام الدولة المدنية القادمة. إن ما يقوم به أنصار الله/الحوثيون من دور وطني كبير دون أي مقابل محلي او دولي يُذكر، فإنهم يشكلون بهذا الدور المتعاظم بجدارة صمام الآمان اللازم والرافعة المساندة للجهود الدولية لبناء الدولة اليمنية، وهذا ما يجنب اليمن حالياً الإستحقاق الدولي لتنفيذ الفصل السابع.
الخندق الثالث:
من حيث التراتبية الصحيحة لهذا التخندق الوطني الهام كان ينبغي أن يكون الخندق الأول الذي يفترض على كل اليمنيين التخندق في داخله؛ وهو ـ الحراك الجنوبي ـ إلا أن أمراض (النظام المُشترِك) المُعدية قد نخرت في عظامه لدرجة التسوس جعلته بحاحة ماسة إلى إدخاله غرفة الإنعاش حتى يستعيد قدرته على المقاومة والمشاركة بشكل إيجابي، وأني أحسب بأن الرئيس هادي وفقاً لمعلومات مؤكدة بأنه يقوم بمحاولة جادة وحثيثة في لم الشمل الجنوبي لتجاوز محنته والتخلص من السوس الذي ينخر في مفاصله. ومن الأفضل والمستحب والمستحسن الإستمرار في تطوير فكرة التصالح والتسامح التي قدها الرئيس علي ناصر محمد والعمل رسمياً إلى تحويلها إلى خطط وبرامج عملية لمحو كل آثار الجراح التي ما يزال المتنفذون يغذونها بكل خسة ونذالة.
فإذا لم يتم إستيعاب قواعد هذه اللعبه الجديدة والتفاعل معها بشكل إيجابي لما يخدم البلاد فالأفضل لنا جميعاً دفن رؤوسنا في الرمل وترك المتنفذين يعملوا ما يريدون فإنهم يحسنون اللعب على كل الحبال مع الخارج على حساب العبث وتدمير الداخل، ولا داعي للمزايدات الكاذبة وكيل الشتائم للآخرين لاسيما ضد هذه الثلاث الجبهات الوطنية دون تقديم رؤية واضحة للمستقبل.
عبدالباسط الحبيشي
المنسق العام لحركة خلاص