الكاتب جمال ايوب
ذكرى استشهاد خليل الوزير (أبو جهاد) يوم 16 نيسان 1988، على يد وحدة خاصةصهيونية في تونس يتصاعد التوتر بين المدنيين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، حيث هاجم المستوطنون قبل أيّام المدنيين الفلسطينين في قرية صافا وبيت أمر في مدينة الخليل بالضفة الغربية، وذلك في سياق موجة جديدة من اعتداءات المستوطنين المتزايدة، ووسط حملات جديدة من الاستيطان خصوصا في مدينة القدس. كيف كان الوزير سيقود الضفة الغربية في مثل هذه الظروف؟
ليس المقصود بهذا السؤال استذكار الشهيد وريادته وحسب، بل محاولة استعادة نهجه باعتباره عمودا فقاريّا للثورة الفلسطينية المعاصرة، وربما كان أكثر من جسّد القدرة الشعبية على المبادرة وعلى تطوير أساليب للصمود والنضال، وجسّد مقولة ياسر عرفات الشهيرة عن "طائر الفينيق الفلسطيني المنتفض من تحت الرماد"، وذلك منذ بدأ الوزير خلاياه المسلحة الأولى عام 1958 في قطاع غزة، وهو في نحو سن السادسة عشرة، وصولا للعمليات النوعية الأقرب للخيال من إرسال المجموعات المسلحة عبر البحر من مثل عمليّة فندق سافوي عام 1975، وعمليّة "كمال عدوان"، بقيادة الشهيدة دلال المغربي عام 1978، وصولا إلى عمليّة المفاعل النووي، ديمونا، قبل أسابيع من استشهاده، وربما الأهم من كل ذلك هندسة وتهيئة الأجواء لانتفاضة العام 1987.
حرص الوزير على الوحدة الوطنية، إذ أنّه في اليوم الذي استشهد فيه الوزير كان مقررا سفر عدد من القادة الذين تم إبعادهم من فلسطين، من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وكان يناقش سبل توحيد أطر العمل وتحقيق الوحدة الوطنية، وإمكانية انضمامهما للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة. وبغض النظر عن درجة دقة هذه المعلومات، التي يجدر للمعنيين فيها وممن لا زالوا على قيد الحياة تأكيدها أو توضيح ملابساتها، فإنّ من أهم ما يفتقده الفلسطينيون حاليا هو استعداد قياداتهم السابقة للوحدة الوطنية، فحركة "فتح" واليسار الفلسطيني ممثلا بشكل خاص في الجبهتين الشعبية والديمقراطية كانوا قادرين في اللحظات الحرجة على التسامي على خلافاتهم. وفي زمن ياسر عرفات وأحمد ياسين، ربما لم تصل العلاقات بين فتح وحماس درجة من الوحدة أو حتى التنسيق ولكنهما كانا قادرين على منع المواجهة المفتوحة وعلى إيجاد وسائل للتعايش.
، فإنّ القدرة على التكيّف وابتداع وسائل جديدة للمقاومة كان من أهم ميزات الوزير، خصوصا في مرحلة ما بعد الخروج من بيروت عام 1982. أنّه ومنذ الخروج من بيروت عام 1982، انتهج خطة العودة إلى الداخل ، بواسطة بناء شبكات نقابية واجتماعية ورياضية وسياسية وعسكرية . وكان الوزير في الأشهر القليلة التي قاد الانتفاضة فيها حريصا على التمييز بين الوسائل المدنية للصراع وبين عسكرة الانتفاضة وضرورة عدم الوصول للعسكرة، وحصر العمل المسلح في مناطق فلسطين المحتلة في العام 1948، وضمن عمليّات نوعيّة لأهداف مدروسة، ومن أسباب الحرص على عدم العسكرة هذه، كان تجنيب الشعب الفلسطيني العقوبات الجماعية، وتجنيبهم مواجهة غير متكافئة، وعدم إعطاء مبررات لآلة الحرب الصهيونية لارتكاب جرائم تطهير عرقي، وعدم فقدان التعاطف الدولي مع الطابع الشعبي للمقاومة. بهذا المعنى كان نهج الوزير استغلال عوامل التوتر لزيادة التعبئة الشعبية وإيجاد حالة نضالية في سعيه آنذاك لسلسلة من الانتفاضات المتلاحقة، دون أن يصل طموحه وقتها لانتفاضة مستمرة شاملة كالتي فاجأ الفلسطينيون فيها العام 1987.