ابراهيم عبدالفتاح
جرت العادة ان تطالعنا الصحف المحلية، او احدى القنوات الفضائية اليمنية بين الفينة والأخرى بتناول ملف فساد احدى الوزارات، او المؤسسات الحكومية إيراديه كانت، او غير إيراديه _ تكشف من خلاله جملة من الحقائق والارقام عن طبيعة الإختلالات والعبث بالمال
العام ومن يقفون وراء ذلك .. كل تلك التناولات طالت مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات بما فيها الوزارات السيادية، بإستثناء وزارة واحدة ضلت ولا تزال مغيبة ومغفلة وبعيدة عن عدسات وسائل الاعلام، ولم يسبق لأياً منها ان سلطت الضوء على ما يدور في كواليسها من فساد وفوضى وعبث ورشوة ومحسوبية وغيرها لا من قريب، ولا من بعيد.
إنها (الخارجية) الوزارة المعنية بسياسة اليمن وعلاقاته بالعالم الخارجي، والمسئولة عن تحسين وتصحيح الصورة النمطية المرسومة عنه وعن الإنسان اليمني في عيون وانظار دول وشعوب العالم .. إنها الجهة الحكومية الوحيدة التي يلفها الغموض، ولا يزال الانسان اليمني يجهل الكثير عنها، وعن طبيعة عملها، وموازنتها ومواردها، والقائمين عليها، والقوانين والاعراف السائدة فيها، وغير ذلك من الخصوصيات المتعلقة بها.
طبيعة عمل هذه الوزارة السيادية والأكثر من هامة المرتبط بالشأن الخارجي _ جعلها بعيدة عن اهتمامات الانسان اليمني وتحديداً قطاع الإعلام المعروف باهتمامه وتركيزه المستمر على الجهات والمؤسسات الخدمية المرتبطة مباشرة بمعيشته وظروفه اليومية .. لذلك استبعدت (الخارجية) من قواميس واجندة الصحفيين، واغفل اخطبوط الفساد الذي يعصف بها.
لن أطيل عليك عزيزي القارئ حتى لا يتبادر الى ذهنك ان تناولتي هذه مقصورة على الحديث الانشائي المجافي للحقيقة والخالي من المعلومة الصحيحة والموضوعية _ وسأخوض مباشرة في صميم موضوع الفساد الذي يعصف بوزارة خارجيتنا، والذي بلا شك يعد السبب الرئيسي في ما شهدته سياسة بلادنا وعلاقتها بالعالم الخارجي من تدهور وتراجع وانهيار في شتى المجالات وعلى كافة الصعد .. مقتطفات بسيطة جدا اضعها بين يديك هنا، ليس للتدليل او البرهنة على حقيقة وجوهر الفساد في هذه _ وانما كنموذج بسيط يمكنك من خلاله ان تتصور حجم الكارثة العظمى التي تشهدها، والتداعيات والانعكاسات السلبية الخطيرة التي تدفع ثمنها بلادنا نتيجة ذلك.
بلغت حالة الإستهتار لدي مسئولي هذه الوزارة حد انهم يمارسون الفساد جهاراً وعياناً وبشكل وقح ومخزي دون مراعاة لوازع من ضمير أو ذرة من اخلاق، ونتيجة لذلك اصبح الموظفين الصغار يطلقون فيما بينهم على ما يمارس داخل وزارتهم من عبث فوضى وهدر للمال العام ب(ثلاثي الشر) المقصود به كلا من (محمد حاتم الوكيل المالي _وعلي قاضي _وكبيرهم الوزير ابوبكر القربي).
ولن أخوض هنا في الحديث عن تفاصيل المبالغ المهولة التي اختفت من حساب السفارة اليمنية في برلين، والتي ضاعت بين المدعو (العكبري والسفير السابق محمد لطف الارياني) .. ولن اتحدث ايضا عن فضيحة التلاعب بمشروع (ابراج الدبلوماسيين) والمصير الذي آل اليه، والاسماء المكررة التي تم تمليكها للشقق، ولن اخوض كذلك في كشف حقيقة النادي الدبلوماسي والدور المشوه المخزي الذي يقوم به، ولا عن اموال الجمعية التابعة له واين تذهب وكيف؟!
بل سأتحدث عن التعيينات التي تتم بناءً على الوساطة والمحسوبية والرشوة والمحاباة وغيرها من العوامل التي تتنافى مع كافة القوانين والمبادئ وحتى الاخلاقيات .. ومن هذه التعيينات على سبيل المثال لا الحصر: (تم تعيين السفير محمد طه مصطفى المفروض انه يكون احيل الى التقاعد منذ العام 2011م - مستشار في الامم المتحدة وذلك بناء على توصيه ومساعي من قبل شقيقة نصر .. وكذا اصدار قرار بتعيين احمد الباشا مستشارا في سفارتنا في جنيف ولان الدكتور مجور رفضه صدر له قرارا آخر كمستشار في فيينا مع انه احيل الى التقاعد, كما تم التجديد لنجل علي الانسي مدير مكتب علي صالح سابقاً والموظف حاليا في سفارتنا بتركيا في تركيا في مخالفة صريحة وواضحة لكل القوانين).
والى ذلك نؤكد انه يوجد لدينا حوالي (40) سفاره بلا سفراء والرئيس هادي لا يزال يرفض تعيين احد وكان يتحجج سابقا بانه لن يعين احد الا بعد ان ينتهي مؤتمر الحوار الوطني, وبعد انتهاءه واصل غض الطرف عن المسألة .. كما انه يرفض الاسماء التي طرحها الوزير القربي مع ان القربي وبمعاونة شلته كان قد قام بمنح تلك الاسماء التي رشحها وهم من المحسوبين عليه درجه سفراء فوق العادة .. ومع ذلك لم تنجح خطته في تعيينهم كسفراء لأن الرئيس هادي كشف خطته.
وهناك عدد من الاسماء قام بتعيينهم كقائمين بالأعمال وفي اهم الدول مثل خالد اليماني في (نيويورك) والمدعو رأفت (قنصل في دبي), وعلي الديلمي (قائم بالأعمال في بيروت), كما تم التجديد لكلا من قنصل (دبي وجده وفرانكفورت) وغيرهم كثيرون. وان كان تعيين اوسان العود كوكيل لوزارة الخارجية واصبح يترأس زملاء والده المرحوم السفير العود لأكبر دليل على الاستهتار الموجود والسؤال الذي نتمنى ان يجيبوا عليه من هو اوسان حتى يكون وكيل ويستحق هذا المنصب
موظفو الخارجية وغيرهم من السياسيين والمهتمين يدركون جيدا معنى ان يحصل الموظف على درجه سفير, كما يدركون ايضا مدى التعب والشقاء والقهر الذي يبذله الموظف حتى يحصل على هذه الدرجة .. وطبعا المأساة لم تنتهِ بعد فاغلب تلك التعيينات والقرارات التي يحصل عليها البعض دون سواهم لا تصدر الا بناء على وساطات وتدخلات وهدايا ورشاوي وغيرها .. لأن الهدايا قد تصنع فرق مع الوزير او زوجته وقد يعني انك قد تنال التجديد دون سواك, وكل الدبلوماسيين يعلمون معنى وقيمة التجديد لسنه في الخارج .. ولنا في التجديد الذي منح للدكتورة خديجه ردمان سفيره اليمن في الهند خير مثال .. .
تلكم مقتطفات بسيطة من مسلسل العبث والاستهتار والفوضى والفساد والتحايل وغيره الذي تشهده وزارة الخارجية .. ولكم اعزاءنا القراء ان تتخيلوا الباقي الذي يدور في الكواليس والغرف المغلقة .. لذلك اقول وباختصار وزارة خارجيتنا صارت على شفا هاوية سحيقة وان لم يتم تدارك الامر ومعالجة الاختلالات ووقف نزيف الفساد فان النتيجة ستكون وخيمة وسيصعب تداركها. ولذا ان نعدكم ان مسلسل فضائح الخارجية لن ينتهي وان كان الكثير ممن ظلموا من الدبلوماسيين اليمنيين قد انتحروا او ماتوا كمدا وقهراً.