عبد العزيز الهياجم:ونحن نعيش أيام شهر رمضان الفضيل بالنسبة للفقراء, و «المبارك» بالنسبة لأصحاب الحظوة ورموز الفساد الذين تفتتح شهيتهم أكثر خلال هذا الشهر, نسأل الله العلي العظيم أن يُصفِّد شياطين الإنس ممن يواصلون هوايتهم المحببة في إجهاض كل بارقة أمل تلوح لهذا الشعب المسكين الذي يطمح في أن يتخلص من فقر الغذاء والاحتياجات الأساسية على أقل تقدير .
ربما أننا أمام مشهد أسوأ من المشهد السابق , كان الحديث عن فساد ومحسوبية ومعايير غير دقيقة بالنسبة للوظائف والمناصب والترقيات, وعن هامش ديمقراطي يضيق بحسب ما كانت تؤكد القوى المعارضة التي ما أن حلَّ الربيع العربي في اليمن حتى أفرطت بالوعود ورسمت للناس مستقبلاً وردياً وبحبوحة معيشية, شريطة أن يهبوا جميعاً للتخلص من النظام السابق الذي جثم على هذا الشعب أكثر من ثلاثة عقود.
والحق أننا تلقفنا تلك الوعود بحُسن نية وبتصديق كوننا جزءاً من شعب تُعد أغلبيته مطحونة، سواء أنصار الحاكم السابق أو المعارضة السابقة, وبالتالي كان الجميع أو لنقل أكثرية الشارع اليمني تبحث عن طوق نجاة دون أن يكون هناك متسع من الوقت والوعي لفحص أدوات ووسائل هذا التغيير, وحتى لو اقرانا بأن الجميع كان يعرف أن أغلب تلك الأدوات هي قديمة وشريكة في الوضع السابق, إلا أننا ظللنا نفترض أن مجرد التحام الجميع في ركب ثورة التغيير سواء كانوا جزءاً من النظام السابق أو شركاء سابقين له, كفيل بأن يوحد الجميع حول هدف واحد هو بناء مستقبل جديد لهذا البلد, لا مكان فيه للفساد والفاسدين أو على الأقل يصبح محصوراًَ في هامش ضيق لا يؤثر على الوضع العام الذي تكون فيه النزاهة والعفة ونظافة اليد هي القاعدة ويكون فيه الفساد هو الشيء الشاذ.
لكن مع الأسف الشديد فإن ما يلحظه الناس جميعاً سواء منهم المتعلمون والمثقفون أو العمال البسطاء هو أن الأمل قد خاب في حكومة الوفاق التي تسير كالعرجاء, نصفها يضع نفسه كمعارضة وهو كان حاكماً سابقاً بمفرده, والنصف الذي كان معارضاً سابقاً مشغول في وضع أقدامه على مفاصل ومناصب بات الوصول إليها وفق محاصصة بلغت حد الإقصاء في حالات كثيرة.
وهذه الأيام كثيراً ما يتلقى الواحد منا أسئلة على شاكلة تقييم ما حدث في مصر وانعكاساته على اليمن.. وطبعاً من يريد أن يعطي قراءة حقيقية وصادقة عليه أن يكون منصفاً وحيادياً وأن لا يتخندق بالمطلق مع هذا الصف أو ذاك لأن لا أحد بمقدوره أن يدعي امتلاكه الحقيقة المطلقة أو الحق المطلق.
لا تستطيع أن تتفق مع من ينقلب على الشرعية الدستورية ويسقطها سريعاً قبل أن يكون هناك فرصة كافية للمراجعة والوصول إلى حلول عقلانية وسلمية, وأيضاً لا تستطيع أن تغمض عينيك وتصم آذانك عن ما يدور في الشارع وعن شرعية مطالبه وأطروحاته بأن هناك أخطاء وقعت من قبل نظام مرسي لكنها لا تبررمن وجهة نظري الانقلاب الذي حصل, أو التغيير الذي جرى بتلك الطريقة.
وما يهمنا مما جرى هناك ليس «التشفي» الذي عبر عنه طرف, وليس العناد الذي قد نلحظه من البعض الذين يرون بأن اليمن غير مصر, ولكن ما يهمنا في اليمن أن نكون عند المستوى الذي يمكننا من أخذ الدروس والعبر وأن لا نقع في محظور السيطرة والاستحواذ والإقصاء للآخرين من منطلقات حزبية مقيتة أو مناطقية بغيضة أو عنصرية كريهة.
بعبارة أكثر إيجازا, لم ينخرط في الثورة الشعبية السلمية فقط أنصار المشترك أو المعارضة السابقة وإنما انخرط فيها كثير من أنصار وقواعد وقيادات في الحزب الحاكم السابق , وعندما تمضي الأمور على هذا النحو من المحاصصة والإقصاء فإن السواد الأعظم يجد نفسه في دائرة شريحة «البدون» التي لم تشفع لها ثوريتها في النجاة من اخطبوط الفاسدين الجدد.
"الجمهورية"