السبئي-كتب المحامي والمستشار القانوني منير محمد الجنيد: الأصول والثوابت في الدين من توحيد, وصلاة, وصيام ,وزكاة ,وحج كلها أمور (مجتمعة) ومسلًمات متفق عليها بين أبناء الأمة العربية والإسلامية الواحدة, مهما اختلفت جنسياتهم ولغاتهم, ومهما تعددت ألوانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم والفروع والمتفرقات واختلاف الآراء ووجهات النظر وحق التعبير والتنافس في العبادات لا تشق الصف, ولا تخلق العداء بين المجتمع الواحد يقول الله سبحانه وتعالى :(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) ولكن يبقى أمر في غاية الأهمية وهو المعاملات التي يجب أن يرتقي الناس من خلالها إلى مستوى التقارب والتعارف الأخلاقي والتربوي, والاجتماعي, والثقافي فالود, والألفة, والمحبة ,والترابط ,والإخاء بين بني البشر صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم, أمر لازم وواجب, فالمولى سبحانه وتعال حينما قال :(وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم), وحينما قال : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وحينما قال: ( إنما المؤمنون إخوة ) إنما قصد بذلك لمَ الشمل وضرورة الاجتماع في كافة الجوانب المعيشية ومتطلباتها, لتستقيم بذلك الحياة ويستقر معها التوازن, وهي كذلك دعوة مُلَحة للقضاء على كل لغات الفتنه والافتراءات والادعاءات والأكاذيب والأباطيل والدجل والمهاجل التي لا طائل منها سوى الدوران في حلقه مفرغه والسير باحاديث عقيمه لزرع الفرقة والشتات, وخلق الاختلافات, والتمييز الطائفي, والعنصري, والطبقي, والعرقي, بين الناس والتي لا تخدم أحداً سوى الاسهام في تفكك المجتمعات وتدمير الأمم وإذا ما أسرجنا خيلنا وتوجهنا لنكتشف فارق التعارف والتعايش بين المجتمع في الريف والمدينة سنجد أنَ المجتمع في الريف باختـلاف مســمَياتــه , وتنوع ألقابه, وتعدد قبائله, يُسطَر أروع فنون التعارف الأخلاقي, والتعايش الاجتماعي ,فيما بينهم فلا حواجز تعيق تعارفهم, ولا عوامل تؤثر على تقاربهم, فهم في الحياة الاجتماعية أسرة واحدة, وفي الحياة الأخلاقية بيت واحد, وبرغم تنوع العُزَل ,وانتشار القرى ,وتباعد المنازل ,وتقاربها فجميعهم يعرفون بعضهم بعض ,وممتلكاتهم متقاربة ,ومصالحهم مشتركة ,وأخلاقهم تسود, وأعرافهم تحكم, وهذا بخلاف ما هو عليه المجتمع في المدينة الذي طغت عليه مفاهيم المدنية المغلوطة فأصبحوا لا يتعارفوا فيما بيـنهم إلا إن جمعتهم الصدفة في السفر أو الصلاة في المسجد يوم الجمعة أوفي يوم العيد , أو المشاركة في تشييع جنازة واللقاء في مناسبه , أو التجمع لتفكيك الشجار بين الأطفال في الحارات أو لحل خلاف بين الكبار أو السؤال من منطلق التشبيه بالنظر أثناء التقائهم في المناسبات, أو الإيماء بالرؤوس أثناء السير أو المرور في الطرقات حيث أصبح الجار لا يعرف جاره وهو يقطن معه في حي واحد بل وهو يسكن معه في عمارة واحدة والطالب لا يعرف زميله وهو يدرس معه في قاعة واحده والموظف لا يعرف زميله وهو يعمل معه في مؤسسه واحده !! وهذه مشكلة كبيرة آثارها ومخاطرها وعواقبها وخيمة على الاستقرار والنسيج الاجتماعي بكافة صُعده الأخلاقي ,والمعيشي, والأمني , والعلمي والعملي , والثقافي فضلاً عن كون هذا التباعد, والتنافر بين الناس, يشكل خطرا ً منهم, ويحدق خطرا ًعليهم في كل شى .
فعندما يصبح الناس وحوشا ً تحبسهم أقفاص هنا وهناك لا يعرفون من خلالها بعضهم بعض فهذا كفيل بخلق المشاكل لهم وبتعريضهم للأذية ,والاصطياد, والسرقة ,والاختراق ,والابتزاز بل ستصبح الحياة فيما بينهم محط شك واتهام وخوف من بعضهم بعض وهذا كله ليس من الدين ولا من الأخلاق في شى ويتنافى مع ما ذهبت إليه تعاليم القراَن الكريم في هذا الشأن ومنها قوله تعالى : (إنما المؤمنون اخوه .) والحقيقة أنَ الحديث في هذا الموضوع كبير ويحتاج منا الوقوف عند كل نقطة ,ومفصل, والمجال لا يتسع لذلك في هذا المنبر الاعلامي المبارك لازدحام الرؤى ,ولتنوع وتعدد المشاركات, وما نريد إيصاله للقارئ والمطلع الكريم بهذا الخصوص بسطور هو بأن الفارق اليوم في حياة البشر والمجتمعات لاسيما المجتمع في الريف والمدينة بات يختلف في كثير من الجوانب في التعارف ,في التقارب, في الأخلاق, في الصحة, في التعليم, في المعيشة, في النجاح, في التراحم في الود, في التعاون في التواصل, في التعايش .
والسؤال هنا لماذا لا يأخذنا الفضول كمجتمع في المدينة للبحث عن تاريخ الآخرين كما هو حال المجتمع في الريف مثلا لنتعرف عن تفاصيل حياتهم وأعرافهم وتقاليدهم وثقافاتهم, وتعايشهم بحيث لا نقلدهم, بل نتعلم منهم كل ما هو جميل و كل ما هو رائع فنجسده في واقع حياتنا المعيشية ,والعلمية ,والعملية, بحيث نتغلب بذلك على كبريائنا وأنفتنا وثقافتنا المغلوطة ونقضي على الأنانية والعنصرية المزروعة في نفوسنا وفي حياتنا , فنطلق بذلك العنان للتواضع فيما بيننا ونتعرف على بعضنا بعض ونحترم بعضنا بعض ونتعاون مع بعضنا بعض ونحمي بعضنا بعض؟! فزخرف الحياة وغرورها في المال والأولاد والجاه والسلطان والمنصب والنظرة القاصرة بين القوي والضعيف بين الغني والفقير بين الحاكم والمحكوم واختلاف وسائل الحياة المعيشية والمادية بين الطبقات عمرها ما كانت تقف عائقاً أمام سنة لله في الحياة أو أمام أخلاق الناس ,وتواصلهم ,وتقاربهم ,وإنسانيتهم .
فالتعايش اليوم ليس مقصور بين المجتمعات الإسلامية فحسب بل يجب أن يكون بين المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية باستثناء من لا يجب التعايش معهم ولا موالاتهم ممن قد ذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم كاليهود والنصارى وذلك لأن الناس كما قال سيدنا الامام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه للقائد مالك الاشتر حينما ولاه حكم بلاد مصر بقوله يا مالك إن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق بما في ذلك قوله له بأن لا يكون عليهم سبعا ضاريا يغتنم أكلهم و.....الخ ما جاء في وصاياه لمالك الاشتر والتي يجب أن يكون عليه الحاكم في رعيته وفي وطنه والتي تعد رسالة واضحة بأن التعايش يجب أن يكون بين جميع طبقات الناس حاكم ومحكوم رئيس ومرؤوس بل هي قاعده قانونيه يجب أن يأخذ بها الحاكم في حكمه بين الناس مهما اختلفت أديانهم وجنسياتهم ومعتقداتهم .
فالحياة المعيشية ,وهمومها ,ومتطلباتها ,والمصالح الخاصة ,والمشتركة .والعامة, والدعوة إلى التقارب ,والوحدة الاجتماعية, والوقوف بوجه الشر, والظلم ,والاطماع واحترام الآخرين في أوطانهم, وفي سيادتهم ,وفي ثقافتهم ,وفي حضارتهم, وفي تاريخهم , وفي حرياتهم , وفي فكرهم ,و في لغتهم ,وفي معتقدهم , وفي حقوقهم وفي ظروفهم, كلها عوامل تستدعي التعارف ,والتعايش, وتوحيد الصف , فليس من حق الحاكم أن يفرق بين طبقات الناس في مجلس مقامه أو في موقع حكمه ولا أن يظلمهم ولا أن يصادر حقوقهم, وليس من حق الناس على بعضهم بعض الحصر والتقسيم ,والتصنيف, والإقصاء, والتخصيص , فكل ذلك قد نبذه الشرع الحنيف وقد رفضه العرف, وعاقب عليه القانون والدستور .
فالناس سواسيه وإخوة في الدين والتقوى هي الميزان بينهم, والقانون هو الحاكم والمنظم لأمور وتفاصيل حياتهم العلمية ,والعملية ,والأمنية, والمعيشية, والاجتماعية والحقوقية ,والسياسية و.....الخ .
والواجب عليهم وعلينا جميعا الإيمان والتسليم بأن الأصول في العبادات هي ثوابت في الدين , وبأن المعاملات هي قواسم مشتركة في الحياة ,وبأن التقارب أفضل من التباعد والاختلاف وبأن رأب الصدع بات ضروريا للملمة الشمل ,ولدرء الفتن, ولصد الاحقاد ,وللقضاء على الخلافات والمشاكل, والامراض ,والاطماع لاسيما ما يعاني منه أبناء مجتمعنا في هذه الظروف الراهنة وما يمر به وطننا الحبيب من عدوان أجنبي ظالم يسعى بأمواله وبعجبه وباستكباره وبغطرسته الى تقسيمه , وتفريق أبناؤه , ونهب ثرواته , وبأن التعارف ,والتعايش ,والتقارب الاجتماعي بين الناس سواء في أوقات السلم أوفي أوقات الحرب واجب أخلاقي وديني بل واجب قانوني ودستوري والله المستعان إن استمر الحال كما هو عليه الحال ..,,,,
الموضوع منشور على صحيفه الجماهير الاسبوعيه في عددها رقم (699)الاسبوعي الصادر يوم الاربعاء بتاريخ ف17/8/2022م/