من الرائع والمفيد أن يوثق جيل الشباب بعد الستين ذكرياتهم أيام الطفولة والشباب ليطلع عليها وتستفيد منها الأجيال التالية لانها تعتبر توثيق وتسجيل للحياة والناس والمواقف والمصاعب التي عاصروها وكيف عاشوا وكيف استطاعوا تجاوز العوائق وصنع النجاح ... ولقد أطلعت على جزاء من مذكرات الأخ توفيق سيف عبده ومن ثم المهندس عباس عبد الولي والمهندس نصير عبد الرحمن في كتابات رائعة تؤرخ لفترة زمنية يجهل الكثيرون تفاصيلها ولربما طمرها النسيان ... وقد تطرق بعضهم إلى شخصية المرحوم حسن أحمد عبد الولي (وهو الأخ الأصغر لرائد القصة القصيرة الأديب المشهور محمد عبد الولي) الذي كان يتمتع بشخصية غامضة وغريبة عن المألوف ... ولكنه كان يظهر فجأة كقائد يوجه المجموعة أو يوجد حلول جديدة ومبتكرة لمشكلة أو ملل يعاني منها الفريق ... فيوجه المجموعة نحو لعبة جديدة غير لعبة كرة القدم التي كنا نحبها ونمارسها في ملعب القرية الصغير ... وكانت الألعاب التي يخترعها تمتاز بالخطوة وتحتاج إلى القوة والمغامرة ... ففي الوقت الذي كان يقوم الجميع بالسباحة وتعلم السباحة في بركة المسجد قام بتزعم فريق القفز من سقف المسجد إلى البركة ذات الفتحة الصغيرة وعدم التنفيذ الجيد يؤدي حتما إلى أن يضرب المنفذ رأسه في الصخر أو الغرق في البركة .
وقد كان يختفي ليظهر فجأة وقد اخترع أو صنع لعبة جديدة ... وأتذكر انه في أحد المرات صنع سيارة صغيرة ومن قطع بسيطة ليقودها أمامنا في طرقات القرية وليبهر الجميع بما صنعت يده وليتجه الجميع إلى تقليد ماصنع ... ومرة أخري ظهر وقد صنع قوس من أشجار النشم وحبال من أشجار السلعف وسهم حاد في رأسه شوكة لتكون أحد الأسلحة الخطرة المستخدمة في الحرب بين فريقين بعد أن صنع الآخرون مثلها ... وهاكذا .
كان حسن احمد عبد الولي صامتا ولكنه صاحب عقل متوقد يفكر ويخترع ... لقد كان عبقريا صغيرا ومبدعا يبتكر أشياء جديدة ويخرجها إلى حيز الوجود وكنا نستغرب من تلك القدرات الإبداعية والذكاء في الوقت الذي كان تحصيله الدراسي متواضعا وذلك لأنه كان لا يطيق النظام المدرسي المعتمد على التلقين والحفظ وحشوا المعلومات والاستماع الطويل للمدرس ولكنه كان يحلق عاليا في سماء الخيال والإبداع والاختراع والذي لم يكن يعني شئ في النظام التعليمي المدرسي .
توفي حسن في حادث سيارة في صنعاء في منتصف السبعينات من القرن الماضي وهو طالب في الاعدادية وبعد شهور من وفاته حصل على شهادة من دولة الكويت بمناسبة حصوله على المركز الأول في مسابقة الرسم للأطفال على مستوى الوطن العربي التي اشترك فيها قبل وفاته وصلت الشهادة إلى يد أخوه الأكبر الاستاذ عبد الفتاح عبد الولي الأديب والرسام والقاضي المشهور وقد سمعته حينها وهو يقاوم دموعه ويقول لقد حزنت اليوم على فقدان أخي حسن أكثر من يوم وفاته .
ومثل المرحوم حسن احمد عبد الولي يوجد الكثير من الأطفال العباقرة الذين لو وجدوا الرعاية والتحفيز والاهتمام لاصبحوا أحد المخترعين أو الرسامين المشهورين الذين يشار لهم بالبنان .
نحتاج بشكل فعلي إلى تطوير النظام التعليمي المعتمد على الحفظ والتلقين ... ليكون نظاما تعليمية تربويا يهتم بصورة فاعلة في إكساب وصقل المهارات وتعزيز القدرات للطالب ويهتم بالبناء والتطوير النوعي للذات القادرة على العطاء الإنساني المتميز في الحياة المستقبلية .
المهندس/خالد راشد عبد المولى
الثلاثاء 16/03/2021