728x90 AdSpace

9 يناير 2021

بئر محمدحزام..بقلم خالد راشد


السبئي-بقلم / خالد راشد عبد المولى 
في منتصف ليل أحد ليالي الشتاء الباردة المظلمة وقف محمد حزام على سطح منزله متكا بكلتا يدية على جدار دائر السطح ينظر في الأفق شاردا... في المجهول ... يلف المكان سكون شديد مكسو بضباب خفيف ورياح شديدة يصنع أرتطامها بجدار الدار صفير مخيف ... شريط الذكريات عن المعاناة الشديدة التي عاشها في السجن باعتباره أحد المنتمين لأحد الأحزاب السياسية كثيرا ما يعكر عيشه الهادى في القرية ... وبوجع الذكريات الأليمة يتحرك من مكانه ويحرك ذراعيه إلى وضع الدعاء ويمشي بعض خطوات قائلا الحمد لله لقد خرجت من السجن وها أنت تتنفس هواء قريتك النقي وهاهي دروب القرية التي كانت تحتضنك صغيرا وتلعب مع أصحابك في جبالها وشعابها ببراءة وأمان أمامك ... أسرتك أهلك في منازلهم نيام يتحركون من بعد صلاة الفجر في أعمالهم التي يمارسونها من زمن طويل في خدمة مدرجاتهم  الزراعية المشيدة في بناء هندسي بديع وخدمة مواشيهم وأنفسهم ... شد نظره في الفضاء القريب من القرية المعلقة على قمم الجبال أنوار خافتة في لون الغسق صامتة في رهبة الموت ... تَطلع بنظرة ثاقبه يستطلع ... أنها أنوار في شبه دائرة خاوية من الوسط ... الاستغراب على ملامحه كان شديدا لذلك المنظر لكنه أيقن في قرارة نفسه أن هناك جنازة لأحد الموتى الذين تبعثهم الأقدار إلى عالم الآخرة ... ولكن لا أصوات ترافق هذا الجثمان إلى مثواه الأخير ... تحرك مسرعا وعلى عجالة لبس ملابسه وخرج في اتجاه الأضواء دون أن يعلم أحد فالجميع نيام ... أخذ ضوء ليضي طريقه وسار في طرقات القرية الضيقة يشاركه الضوء الطريق .
عندما أصبح على مسافة من الأضواء شبه الدائرية رأى بصعوبة أجسام عديدة  ممدودة على الارض فاثار ذلك الفزع والخوف في نفسة واصل السير وهو يكلم نفسه بارتباك وخوف ويسحب رجليه سحبا هل كل هؤلا موتى لطفك يارب ... وعندما أقترب سلط الضوء على الأجسام الممدة ومع وقع اقدامة التي تعثرت ببعض الاحجار ... تحركت الأجسام الممدة بذعر وصراخ وأرتفع صوت من أحد الاجسام أعوذ بالله من الشيطان الرجيم والضوء مسلط على وجهه المغطى قليلا بالمشدة هل أنت من الإنس والا من الجن ... في لحظه فاصلة بين الحقيقة والخيال شعر بأن بطنه قد خرجت من مكانها وسرى في جسده تيار الخوف ... وإذا بالمرأة التي تسلط الضوء على وجهه تقول محمد حزام ماذا تعمل هنا في الليل قصف الله عمرك خوفتنا ... لحظات زمنية وعادت للأيادي المرتعشة أتزانها وللوجه المذعور صفائه .
عرف معظم تلك الأجسام التي أمامه وبجانبهن أتناك مملؤة بالماء ... أنهن نساء القرية وبجانبهن الماء المحمول على رؤسهن من الحصين في قاع الوادي في رحلة يومية شاقه ممزوجه بالتعب والضنك لساعات طويلة حتى يصلن بكمية لاتتجاوز عشرين لتر من الماء إلى منازلهن ... الصدمة أفقدته الكلام وعلي صياح أحدهن الي اين تسير وبعد أن تكرر السؤال أكثر من مرة وهو سابح في بحر الذهول والحزن .... أفاق مصدوما  فرد بتردد  إنا ذاهب في مشوار إلى هنا وساعود ... ساعدهن في وضع أتناك المياة على رؤسهن ثم سار مسرعا في الطريق حتى اختفى عن أعينهن ...في أحد منعطفات الطريق الجبلية ... توقف يسترجع أنفاسه الهالكة وملتفتا خلفه للتأكيد أن النساء لا يراقبن حركته ... نظر حوله أختار مكان للجلوس على احد الصخور المشرفه على الوادي ويستطيع نظره التحرك في الافق بحرية في فضاء ممدود يصل إلى خليج عدن ... أنا وكل الرفاق نَحنُ ونسعى ونعشق أن نرى الوطن ينتصر ويتطور نتمنى وطن يستوعب جميع أبنائه عدلا ومساواة وحرية ... ولكننا لم نتلمس معاناة البسطاء المطحونين من البشر في دروب الحياة المختلفة يكافحون ويتحملون كل المصاعب والمشاق من أجل أن تستمر الحياة فما رأيته الآن في قريتي ووسط أهلي معاناة وألم تتصدع الجبال من هوله ... تاه شاردا في بحور الأيام تذكر حياته في الصغر وهو يلعب مع أقرانه فمخالف وطرقات القرية المقبرة - الجبل - الأحوال انها ذكريات منقوشة في كل مكان ولها حلاوة الطفولة والشباب ...  ثم تحرك شريط  الذكريات الى أيام السجن الأليمة  ... فانتفض فجأة من مكانه في أتجاه العودة إلى منزله وهو يحدث نفسه بصوت مسموع غدا سيكون عمل على الأرض لحل مشاكل ومصاعب أهلنا المطحونين الذين لا تعمل دولتنا لحل معاناتهم شئ فهم الذين تعودوا على حل مشاكلهم بأنفسهم بعيدا عن الدولة وبامكانياتهم المحدودة فهم من قام ببناء المدرسة لاطفالهم وهم من تبرعوا لشق الطريق الصعبة التي لا تستطيع أن تسير فيها إلا سيارات الدبل وبصعوبة شديدة وهم الذين يرتبون  أمور معيشتهم من أعمالهم سواء في القرية أو في المدن التي يقصدونها ... غدا سيكون عمل سننجزه بأيدينا حتى تدمى أنا وأبناء القرية لنرسم ابتسامة وأمل لاهلنا كتعوضا بسيطا لهذه المعاناة .
بعد شهرين من العمل المضني والشاق في أجتياز الجبل نزولا وصعودا وحفرا في الصخر في المغدر المنطقة الموجودة كالاخدود بين جبلين في أوطى نقطة من قريتي المعلقة على قمم الجبال والتي رشحها جميع أهل القرية خاصة كبار السن من الرجال والنساء كمكان محتمل لتوفر المياة الجوفية ... أستمر العمل حتى ظهرت بشائر الماء بين أيدي العاملين بالحفر والباحثين عن الماء ... الفرحة لم تسعهم فقد كانوا يصرخون بأعلى صوتهم  الله أكبر ويرتفع المهجل بصوت واحد وقوي وبمعنوية عالية من الجميع 
اليوم والله واليوم دائــــــــم
قاصربوا الدخن والذرة قائــــم
يافرحتي اليوم نحو التهائــــم
كفرحة الجيش بين الغنائــــــم
واليوم والله واليوم دائـــــــم
يــارب بــارك واسقي الجرائــب
واجالـي الهم بين الحبائـــــب
الصبـح ضــوى والليـــل آئـــب
والذئـب والعنـز قـاهـم حبائـب
واليــوم والله واليوم دائـــــم

في طريق العودة إلى القرية لم يشعروا بالتعب في هذه اليوم التي لم تكن كالايام  السابقة بل كانت المعنويات مرتفعه والفرحة والامل لاتكاد تسعهم ولم يشعروا بتعب الطريق والجبل الحاد في ارتفاعه ...
 في اليوم التالي كانت منطقة المغدار وبئر الماء مكتضه بسكان القرية رجال ونساء وأطفال فرحين بهذا الإنجاز والنصر المبين وصاح أحدهم سنسميها بئر المغدر وصاح عبد الرحمن سيف الذي كان من أنشط الشباب واكثرهم حماس وحيوية وعمل وأكثر من يصنع الابتسامة على الوجوه بابتسامتة الدائمة والساخرة حتى في أسواء لحظات الإحباط ... بل بئر محمد حزام وأيد كثيرون رأيه ... وكان محمد حزام هو حديث الجميع وبطل اللحظة الذي صنع باصراره وعزيمته معجزة لا تقدر بثمن حتى عندما فقد الكثيرون الامل في البئر السفلية والتي تبعد عن البئر الحالية فقط أمتار معدودة أصر على تغير مكان الحفر والاستمرار بالعمل ... ويعرف أبناء القرية القيمةالحقيقة لهذا الإنجاز وتقدم الكل لشكر محمد حزام وهو يرد عليهم والابتسامة تملئ وجههه... أما عاقل القرية فقد أضاف بأنه وأبتداء من اليوم سنقوم بتقسيم كميات المياة المتوفرة على جميع أبناء القرية وبالتساوي والعدل وبحسب السكان المتواجدين وسنحدد زمن ودور كل دار في الحصول على الماء ... هنا صفق الجميع  وتجهزوا للعودة إلى القرية ... لم يشعروا باي تعب أثناء طلوع الجبل الشديد الانحدار وهم يرددون أغنية أيوب طارش :
سوف تبقى في مدى الأيام أخلاقنا 
        زاهية لن تخلقا
وسيبقى وجُهك المشرق ياوطني 
        بالضوء منا مشرقا
وسيبقى قاهر الشعب على وجه ارضي 
        عدماً لن يخلقا
        ليس منا ابداً من مزقا
        ليس منا أبداً من فرّقا
        ليس منا من يسكب النار 
       في أزهارنا كي تحرقا

في هذه الليلة ذهب محد حزام لينام وهو يشعر  بسعادة كبيرة تغمره وفخر وانتصار كبير ونشوة لا توصف بما تم إنجازه لصالح أبناء القرية وكان يتمتم بصوت خافت ويكلم نفسه يجب أن ينتقل العمل الحزبي للعمل مع الناس البسطاء وخدمتهم وحل مشاكلهم ومعاناتهم والتواجد بينهم وتوجيههم في خدمة مجتمعاتهم المحلية وسيكون للعمل الحزبي شاءن عظيم وشعبيه كبيرة ... لقد أيقن جازما بأن العمل وسط الناس ومع الناس يصنع النصر والبسمة في وجوه البسطاء والمطحونين وله نفع وفائدة كبيرة أكثر من العمل الحزبي المحرم في بلادنا والمعرض من يمارسه دوما  للقمع . 

خالد راشد عبد المولى 
         1982
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: بئر محمدحزام..بقلم خالد راشد Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً