منذ النكبة وبعدها النكسة وبعدها الخيانة وبعدها كامب دايفيد والحال هي ذات الحال ،و بالتدريج سلمت راية فلسطين للجامعة العربية وهي بدورها وعلى مبدأ لاحول ولاقوة إلا بالله تتعامل مع القضية الفلسطينية وتمنح المهلة تلو الأخرى للكيان الصهيوني ليتمكن أكثر من التغول والتغلغل أرضا وفكرا ؛ترك الكيان الصهيوني العرب ليقتلو بعضهم وليعزوا بعضهم بعدها والتفت هو للسيطرة على مراكز القرار الأوربي والأمريكي أكثر فأكثر .
وحكاية المشوار المر الكل يعرفها كيف كان الزعماء العرب يتصافحون في النهار ويخونون بعضهم في الليل .
صار همهم من يستلم راية فلسطين ليطويها ويلفها ويحفظها في خزائنه كي لاترفرف أبدا ، صار همهم تقسيم الشعب الفلسطيني إلى فرق وجماعات مختلفة الولاءات قبل أن تقسم أرضهم المقسمة لاحقا .
وفي هذه الجامعة العربية ومنذ كامب دايفد حيث تصدر الزعماء المشهد قدمت الزعامة المصرية أوراق اعتمادها كمتحدث رسمي باسم الكيان الصهيوني وجعلت الأمر يبدو وكأن شيئا لم يكن وتغلبت الدبلوماسية والحرص على ماسمي بالتضامن العربي في حده الأدنى على رفض الاحتلال وتحرير فلسطين ودعم شعبها المقاوم والتي كانت سورية آنذاك بقيادة السيد الرئيس الراحل حافظ الأسد تسعى لمسألتين:
● الأولى لم الشمل وعدم انفراط العقد العربي . ● الثانية مقاومة تيار التطبيع والسلام المذل بدون أن تفرط في حقوقها الوطنية وعقيدة جيشها .
ولأن فكرة قبول تواجد سفارة أو علم يرفرف للصهاينة في أي بلد عربي هي فكرة مرفوضة ولايقبلها شعب احتاج الأمر سنين عديدة انطلاقا من مصر التي ولد فيها جيل بأكمله ضمن ثقافة التطبيع وصار المواطن العربي يرى مركز العروبة سابقا مصر عبد الناصر غارقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا في الحضن الصهيوني وبصورة عادية جدا .
وفي ظل ذلك سرق الإسلام من قبل عائلة صهيونية تحكم أرض الحجاز وحولته لكائن متوحش
وسرق اليسار ومفهوم الثورات من قبل جماعات المجتمع المدني المستورد والمأجور وجماعات الربيع العربي .
وباتت الأجواء مهيئة أكثر وقد تمدد شركاء الكيان الصهيوني من تركي و أمريكي في المنطقة .
وقضي على بقية من زعماء كانوا على الأقل يخجلون من التطبيع ولفظته ويحسبون لشعوبهم قليلا من حساب .
وبقي في الميدان صعاليك السياسة المدججين بالحجج المحلية وماكينات الإعلام ليبرروا ابتعادهم عن فلسطين والنظر لها كقضية وطنية تخص الشعب الفلسطيني وليس كقضية قومية تخص العرب جميعهم .
واستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني خلق عدو آخر للعرب وللإسلام السياسي السني المتصهين ألا وهي إيران والمقاومة وسورية وأحيانا وحسب الطلب تضع الروس في مقام العداء إن تطلب الأمر .
وباتت الأجواء جاهزة من أجل نقل خيانات بالجملة وطعن بالظهر إلى العلن وبات الطعن في القلب والخيانة صار اسمها ضرورات التطبيع وانتفاء الحاجة للعداء مع الكيان الصهيوني اللطيف والوديع !
والكيان الصهيوني ونقر له بذلك أنه قاد غالبية الزعماء العرب كالنعاج اعتمادا على عمالتهم أو اعتمادا على أنهم أصلا من أصل يهودي صهيوني ويشتغلون لمصلحة دولتهم الصهيونية الأم .
من كامب دايفيد المشؤوم إلى اتفاق أبراهام سنين طويلة مليئة بالتحضير والاستعداد من قبل الصهاينة ومليئة بالخيانة والعار من قبل الأنظمة العربية ، ولقد نجح الكيان الصهيوني في محاصرة عملائه أو مهاجمة خصومه واتباع سياسة الانهاك العسكري والاقتصادي .
فمثلا
•تقدم الأجواء المناسبة للنظام المصري ليبرر لنفسه ابتعاده عن فلسطين مهما حصل وعن سورية والعراق مهما اعتدي عليهما ويصل في نهاية المطاف لمباركة الرقصة الإمارتية الصهيونية ، فمصر شرقا وشمالا وجنوبا مكبلة بمشاكلها وديونها الإرهاب وحجته، ليبيا وحجتها ، النيل المنهوب وحجته .. كل تلك الحجج كافية لأن يبرر النظام المصري لشعبه عدم اكتراثه بفلسطين علما بأنه وعلى سبيل الذكر ان سد النهضة لم يهبط من السماء بل بني بمباركة نظام مبارك وباستسلام نظام السيسي .
•سورية واليمن تتعرضان لعدوان يومي وحصار مطبق وتدفعان ضريبة مواقفهما وتمسكهما بقضية فلسطين ودفاعهما عن أرضهما من العدوان .
•العراق مغرق في انقساماته في ظل بقايا الاحتلال الأمريكي الذي يتنقل على رضا الخونة الأكراد من قسد ومسد بين الأراضي السورية والعراقية ويعيش ضائقة اقتصادية تلهب شارعه الجائع والاعمى .
•لبنان استوجب تفجيرا نوويا مصغرا لخلط الأوراق وبعثرة الشارع اللبناني واسقاط الحكومة ومشاغلة المقاومة إلى الحد الأقصى واستعجال الحرب لم يستعد لها بعد من قبل محور المقاومة كما ينبغي .
تهاوت الأنظمة العربية في مجملها وبقيت سورية والجزائر ولبنان واليمن والعراق متمسكة بالحق رغم جراحها ولديها اليقين بالنصر .
لم تكن الأنظمة العربية العميلة إلا في حالة عداء لفظي للكيان الصهيوني وكان يكتفى منهم بهذا الدور لمرحلة طويلة ، والعداء اللفظي بحد ذاته كان تطبيعا مهمته تبريد الأجواء حتى لحد الوقاحة وتشويه المفاهيم اعتمادا أيضا على عملاء محليين كما حصل في عدوان تموز 2006 حيث وصفوا دفاع المقاومة وانتصارها بأنه مغامرة حمقاء !!!
لم تكن الأنظمة العربية العميلة والتي يرأسها حكام في نسبهم يرجعون لليهود مثل حكام بني سعود وحكام قطر والإمارات و البحرين يوما إلا في مرحلة تطبيع وتمويل للتفريق بين العرب ولاحقا للتفريق بين أبناء البلد الواحد عبر دعمهم العلني لإسقاط الأنظمة الممانعة والمقاومة للكيان الصهيوني بواسطة حملة سيوف الإرهاب والخيانة .
لم يكن بينهم حرب ولا قتال بل هي مرحلة تطبيع وتفاهم ، قد اتفقت هذه الأنظمة على وأد القدس وانتصروا لدولتهم الأم دائما دولة الاحتلال ونسقوا مع الولايات المتحدة الأمريكية في شن العدوان على سورية والعراق واليمن ولبنان .
نحن الآن في مرحلة أبعد من التطبيع مع الكيان ، مرحلة أقل مايقال فيها أنها مرحلة التحضير لعدوان شامل على محور المقاومة بعد أن تمت السيطرة على المضائق وعلى حوض النيل ومنابع الفرات والبحر الأحمر ، ولا يغرن أحد ذلك العداء الوهمي بين الأتراك وبعض دول الخليج وكذلك بين دول الخليج أو العداء بين إدارة ترامب وبني سعود فهو عداء مؤقت وهمي فكلهم ينتمون لنفس غرفة العمليات ويخدمون نفس الهدف ولكنهم مرحليا ينفذون هذا الدور بإتقان .
اليوم دول المحور أمام مواجهة خطرة جدا لاحل لها إلا بضرب هذا الكيان المحتل لتهدأ المنطقة وتنتهي عثرات هذه الأنظمة الخلاعية .
اليوم مواجهة جديدة وهي مديدة وعالمية وتستهدف كل الدول التي تقف بالمرصاد للمشاريع الأمريكية ومن أكبر أخطاء دول مثل روسيا والصين أن تفصل بين مشاريع الصهيونية ومشاريع الولايات المتحدة الأمريكية في العالم ، فالصهيونية لاتقبل إلا السيطرة ولن تهدأ طالما أن هناك دول تقف وتدعم بصور شتى ومتفاوته محور المقاومة .
...
د. حسام الدين خلاصي
