كانت واشنطن ومنذ قررت غزو العراق عام 2003م تضع في حسبانها قضية أساسية وهي تطويع المكونات القطرية العربية لمنطق السيادة والتفوق للكيان الصهيوني وهو المبدأ أو الهدف الذي أخرج تركيا من دائرة الفعل الإقليمي لصالح الكيان الصهيوني ثم محاولة واشنطن إيجاد صراع هلامي وهمي لزعامة الوطن العربي أطرافه كل من الرياض وطهران وأنقرة مستغلة حالة الفراغ الاستراتيجي العربي واضعة في حسبانها أن سقوط العراق عن طريق الغزو العسكري المباشر سيؤدي بالضرورة إلى سقوط دمشق بعدها فيما راحت في الناحية الأخرى تساوم وتسوف فيما يتصل بالقضية الفلسطينية وآلية حلها دافعة الكيان الصهيوني إلا ابتلاع المزيد من الأراضي العربية المحتلة ومصادرتها وصولا إلا الاعتراف الأمريكي مؤخرا بضم الجولان العربية السورية للكيان الصهيوني والاعتراف بالسيادة الصهيونية عليها بل والاعتراف بالقدس العربية عاصمة للكيان العبري ..
إستراتيجية واشنطن بنية على أساس التسليم بسقوط دمشق إما عن طريق الإغراءات أو عن طريق إسقاط النظام وثمة مكونات إقليمية كانت ترى في سوريا إيضا عقبة أمام تطلعاتها المتعددة وفي المقدمة _ تركيا _ أردوغان الطامح لإعادة أمجاد إمبراطورية عثمانية كانت واندثرت وقد منى حزب العدالة والتنمية التركي نفسه باستغلال حالة الفراغ الاستراتيجي العربي لفرض خياراته وكانت سوريا هي العقبة الرئيسية أمامه كما هي عقبة أمام مشاريع الحلول الاستسلامية الامريكية _ الصهيونية وأيضا يشكل تماسك سوريا وصلابة مواقفها إحراجا لأنظمة الارتهان العربية وخاصة النظام السعودي الذي تم إيهامها بأن يكون الفاعل قياديا على الخارطتين العربية والإسلامية إزاء كل هذا كان لا بد من إسقاط دمشق أو تطويع وتدجين مواقفها وحرف قناعتها السياسية قطريا وقوميا وكان المدخل أولا المساومة والإغراءات والترغيب والترهيب غير أن كل هذه المحاولات والسيناريوهات فشلت أمام إرادة دمشق وثبات مواقفها المبدئية ؛ وكانت قناعات كل أطراف التأمر أن تفكيك محور المقاومة يصعب بل يستحيل طالما بقت سوريا صامدة ومتمسكة بهذا المحور وبعد فشل كل المحاولات وفشل العدوان عام 2006م والذي أكرر إنه لم يكن يستهدف لبنان والمقاومة بقدر ما كان يستهدف سوريا وثوابتها ومواقفها لكن العدوان هزم وبجد ولأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني يلقى جيش الدفاع الذي لا يقهر هزيمة نكراء ؛ هزيمة كلفت أولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني المحاكمة والسجن بتهمة ( الفساد ) والحقيقة كانت التهمة هي الهزيمة كما كلفت تلك الهزيمة كبار قادة الجيش الصهيوني العزل والاستقالة والتواري عن الأنظار وعلى راس هولاء دان حالتوس الذي كان يعد أحد أبرز صقور الكيان ومن خلفاء الإرهابي ( شارون ) ؟!! لكن كل هولاء تواروا عن الأنظار وأنهت الهزيمة حضورهم السياسي والعسكري من المشهد الصهيوني فكان ( الربيع العبري ) الذي بدأ بتونس مرورا بمصر واليمن وليبيا عام 2011م هدفه الأساسي يتمثل بسوريا والنظام السوري ..!!
واللافت أن كل من راهن على سقوط دمشق والنظام في سوريا لم يكونوا على دراية كاملة بتركيبة النظام في سوريا بما في ذلك النظامين الصهيوني والتركي اللذان قدما تقارير استخبارية كاذبة ومظللة لحلفائهم في لندن وواشنطن وباريس وهذه الأنظمة الاستعمارية الثلاثة تعد هي عرابة ما اطلق عليه بالربيع ( العبري أو العربي ) ..؟!!
كانت الحرية والديمقراطية هي الشعارات التي رفعها المتظاهرين ومن يقف خلفهم ثم جاءت الطائفية والمحور الشيعي والصراع الشيعي _ السني وكل هذه الشعارات ليس لها مكانة في القاموس السياسي العربي السوري وفي ذاكرة القيادة العربية السورية حتى مع افتراضنا وجود قصورا قوميا في الخطاب والموقف لأسباب ليس هناء مكان سردها ورغم هذا القصور إلا أن سوريا كانت ولا تزل أفضل من يعبر عن هويتها القومي وارتباطها بأمتها موقفا وسلوكا وخطابا وممارسة أفضل ألف مرة من أي نظام عربي خاصة بعد رحيل الزعيم جمال الناصر بما في ذلك العراق تحت قيادة الرئيس الشهيد صدام حسين أو ليبيا معمر القذافي وهما رغم قوميتهما إلا أنهم للأسف وقعوا في فخ المؤامرة الاستعمارية فالعراق وقع في فخ المؤامرة الخليجية الرجعية والأمريكية الاستعمارية والقذافي وقع في فخ لوكيربي والغرب وابتزاز ساركوزي وطوني بلير وهذا يطول شرحه وتفنيده ..وحدها سوريا من صمدت وتماسكت أمام المؤامرة وطيلة عقد من الحرب الكونية عليها أثبتت دمشق صلابة مواقفها وقوة تماسكها والتفاف الشعب والجيش خلف القيادة وكان لصمود سوريا أثرا على صعود المواقف الروسية والإيرانية وحتى الصينية وبرغم من الدعم والمساعدة التي قدمها حلفاء دمشق وخاصة إيران وروسيا فأن الصمود الأسطوري للجيش والقيادة والشعب في سوريا كان لهما أثرا واضحا في هذا الدعم الذي لم يأتي إلا بعد ثلاث سنوات من خوض دمشق مواجهتها للمؤامرة التي شاركت بها 89 دولة في مقدمتها العرب وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وكوريا الجنوبية واليابان وبقية دول أوروبا الغربية الدائرة في فلك واشنطن دون أن ننسي قلب هجوم هذه المؤامرة وهي تركيا وقطر والسعودية والأردن وإلى حد ماء مصر في أخر عهد مبارك وعهد مرسي المقبور ؛ ثم لا ننسى دور التنظيم الدولي لجماعة الاخوان ويكفي إننا في اليمن شاهدنا النائب الإخواني محمد الحزمي في مدينة درعا العربية السورية وهو يحمل بندقيته الجهادية إلى جانب الإرهابي أبو محمد الجولاني صنيعة بندر بن سلطان والمخابرات (السعو صهيونية )؟!!
وتابعنا خطابات ومقالات تحريضية من الإخواني عبد الوهاب طواف السفير اليمني السابق لدي دمشق والذي كلف بحشد وتجنيد المتطوعين من حزب الإصلاح للقتال إلى جانب إرهابيي سوريا ..؟!!
ومن منا يمكن أن ينسي المسيرات على الدرجات النارية التي كانت تشهدها شوارع العاصمة صنعاء أسبوعيا وهي تحمل إعلام ( الجيش الحر ) كان هذا على مستوى اليمن واخوان اليمن وبعض المغفلين في اليمن ؟!!
ولم يكن إخوان اليمن إلا جزءا من التنظيم الدولي للإخوان الذي سلم قراراته ( لخليفة المسلمين وأمير المؤمنين أردوجان ) ؛ وربما كانت أكبر خطيئة قام بها الإخوان هي ما قام به ( مرسي ) في مصر حين جمع كل القتلة لميدان القاهرة الدولي والقى خطابا ربما كان بداية الفضيحة للإخوان _ حين طالب بخروج حزب الله الشيعي وطالب من إيران رفع يدها عن سوريا واتهم النظام السوري بانه نظام شيعي علوي _ ليعطي في خطابه تصريحا عن ( مذهبية الصراع في المنطقة ) ومن أي ؟ من القاهرة ليدرك على أثر ذاك الخطاب الجيش العربي في مصر خطورة المسار ويستعد من فوره على إسقاط نظام مرسي وحكم المرشد لتبدأ رحلة تفكيك المؤامرة ولم يتفكك محور المقاومة بل تفكك محور الاستعمار والكارتل الصهيوني _ الاستعماري ؛ تزامنا مع معركة فكرية وسياسية طالت كل عقل عربي حول طبيعة الصراع الذي تفككت حلقاته واحدة بعد الأخرى ليتضح حجم المؤامرة وخاصة بعد الانقسام الخليجي وبعد محاولات الانقلاب التركية ودوافعها وأهدافها وبعد إدراك العواصم الاستعمارية أنها وقعت في فخ التقارير المظللة التي رفعت لهم عن سوريا الواقع والجيش والقدرات والإمكانيات .
وقد صمدت أطراف محور المقاومة بدءا من دمشق أمام المؤامرة والحصار والعقوبات وكذلك صمود إيران وحزب الله أمام الإجراءات التعسفية الصهيو أمريكية العربية ثم انقلب السحر على الساحر لهذا اتجهت تركيا نحو ليبيا نكاية بحلفائها وشجعت قطر على التمرد على جيرانها فيما مصر انهمكت بمعالجة أوضاعها الداخلية في بروبجندا إعلامية قد لا تدوم طويلا أن لم تتفاجأ القاهرة بارتداد مؤامرة تطالها بدءا من ( سد النهضة ) مرورا ب ( شرق المتوسط ) ووصولا إلى ( ليبيا ) ..؟!
فيما واشنطن ذهب حد التدخل المباشر في شرق سوريا في عملية احتلال صريحة وواضحة نكاية بالنظام السوري وبحلفائها في المنطقة وبروسيا الاتحادية وإيران ناهيكم أنها تسل خنجرا مسموما لتركيا من خلال تحالفها مع ( قسد ) وهم من تعتبرهم تركيا إرهابيين وألد أعدائها ..؟!!
ولم تترك واشنطن والغرب عموما حصة الرياض من الغضب المبطن الذي لا يقتصر على الدفع بها لتغرق في مستنقع اليمن والذي ستدفع ثمنه قريبا لواشنطن قبل صنعاء في لحظة مساومة مصالحية وتوظيف ابتزازي عودتنا أمريكا عليه وأن كان الرئيس الأمريكي المغادر لمقعده في البيت الأبيض قد ابتز الرياض وجنى منها المليارات والموقف السياسية المؤغلة في التبعية والارتهان للعدو الصهيوني بذريعة منحها غطاء سياسي في عدوانها على اليمن فأن الرئيس الأمريكي القادم للبيت الأبيض جو بايدن بدوره سيعمل على ابتزاز الرياض ماديا ومعنويا بذريعة ( ارتكاب جرائم حرب باليمن وبذريعة قتل الصحفي خاشجقي وبذريعة العديد من الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان ) سيحدث هذا وسف نشاهده قريبا حتى لو فتح بن ( في كل زاروب بار ومرقص وسينما) أو أجبر ( نساء بلاده على الخروج والتجول بالشوارع سافرات عاريات وجعل شواطئ جدة تتماهي مع شواطئ ( يافا ) و( مونت كارلوا ) وحدائق ( تكساس ولاس فيجاس ) فكل هذا لن يشفع له أن حدث أن لم يرفرف علم ( الصهاينة ) في سماء الرياض وهذا لن يحدث مطلقا فالرياض تدعم الكيان الصهيوني منذ تأسس بالمال والمواقف السياسية لكنها أعجز من أن تدعمه علنا كأي بلد أخر من بلدان الخليج ؛ وأقولها أنا العبد لله أتحدى نظام آل سعود أن يقيم علاقة علنية مع الكيان الصهيوني أتحده بكل لغة العالم أن يفعل ؟!!
والخلاصة أن قدر سوريا هو أنها الحاضنة القومية والفاعل الفعلي المعبر عن هوية وانتماء الأمة والمتمسكة بحقوقها وثوابتها وقيمها وأهدافها ورسالتها التاريخية ولن تكون سوريا إلا كما هي وكما عهدناها وكما وضع خط سيرها القائد الراحل حافظ الأسد والقيادة القومية وبعده الرئيس الدكتور المناضل بشار الأسد الذي تمسك بثوابت ومواقف سوريا حتى في لحظة تداعي البعض للكفر بالعرب والعروبة كان صوته عاليا رافضا لكل اشكال المفردات القطرية والإقليمية مؤكدا على عروبة سوريا وهويتها القومية وعلى دورها القومي الذي لن تتخلي عنه دمشق ولو تحول كل العرب إلى ( صهاينة أصليين ) وليس مجرد مطبعين جبناء يسيرون حسب أوامر سيدهم الصهيو أمريكي ..؟!!
وخلاصة الخلاصة أن عقد مؤتمر اللاجئين العرب السورين في قلب عاصمة العروبة دمشق هو أكبر دليل للانتصار العربي السوري رغم أنف الخونة والعملاء والمتأمرين ..فتحية من القلب للجمهورية العربية السورية قائدا وجيشا وحزبا وشعبا بكل مكوناته الوطنية والقومية .
