المهندس: ميشيل كلاغاصي6 / 7 / 2019
تحدث ترامب في ختام قمة العشرين في أوساكا, عن إمتلاكه لخطط بديلة حيال إيران, وذلك بعدما تراجع عن قصف أهداف عسكرية إيرانية, واختزل مطالبه في الجلوس مع إيران على طاولة المفاوضات دون شرط مسبقة, وهمه الوحيد منعها من إمتلاك السلاح النووي .. وتمكن من تحقيق خفضٍ نسبي في حدة التوتر وسرعة تدحرج الأحداث, لكنه لم يتوقف عن التصعيد والتصريحات والتهديدات..
هل يبحث ترامب عن الوقت لتمرير الإستحقاق الرئاسي, وحاجته لإشغال إيران وزيادة الضغوط عليها وعلى سوريا, أم أنه يمارس عليهما مختلف الضغوط لأجل صفقة القرن, وهذا يتماهى مع حاجته للوقت لحين تشكيل الحكومة الإسرائيلية أيضا ً.. في الوقت الذي تستعجل فيه إيران ردودها, وترفع نسب تخصيبها, وتمارس ضغوطها على الأوروبيين وعلى ترامب ولا تمنحه الوقت الذي يحتاجه.
وقد يكون الرئيس الأمريكي صادقا ًلناحية لجوئه للخطط البديلة, لكنه غير صادق في كل المواقف التي أدت إلى بعض التهدئة, بما يشي بأن خطر اندلاع الحرب لم يزول بل تم تأجيله لعدة أشهر, يقوم بإستغلالها في تحضير بيئة الحرب التي يريد, وحشد من يقفون على الحياد أو من يحاولون التدخل حفاظا ًعلى مصالحهم, فمن المؤكد أن أمريكا لن تدخل الحرب وحدها وتحتاج من يقاتل معها أو عنها, خصوصا ًبعدما أظهرت بعض الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا ميلا ً للبحث عن مصالحها وعن منظومةٍ أمنية خارج المظلة الأمريكية.
وفي هذا السياق يمكن النظر إلى قضية إحتجاز أو قرصنة ناقلة النفط الإيرانية العملاقة في المياه الإقليمية للحكومة غير الشرعية لما تسمى حكومة جبل طارق, وفي منطقةٍ متنازع عليها بين إسبانيا وبريطانيا, وبطريقة تخالف كافة المعاهدات والقوانين الملاحية الدولية, بحجة الشكوك حول وجهتها إلى مرفأ بانياس السوري, أو هي رسالة جادة لمنع تصدير النفط الإيراني ...
وتبدو العملية مسبقة التخطيط, وتستهدف إضافة المزيد من التعقيد على ظروف وأوضاع الدولتين السورية والإيرانية, وتستهدف إختبار أو إخضاع الإتحاد الأوروبي للإرادة الأمريكية من بوابة الإلتزام بتطبيق العقوبات على الدولتين السورية والإيرانية, وتساهم في خلق مشكلةٍ حقيقية تؤدي إلى إحداث شرخٍ في الصف الأوروبي من جهة, وفي استفزاز إيران ودفعها لإرتكاب الأخطاء بما يُفضي إلى تصدع ما تبقى من الثقة في علاقاتها مع الدول الأوروبية, خصوصا ً تلك الموقعة على الإتفاق النووي, تماشيا ًمع الضغط الإيراني وإحراج الأوروبيين بمدد زمنية محدودة لإتخاذ مواقف واضحة حيال إلتزامها بالإتفاق, والتي أرفقتها بإعلانها رفع مستوى إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب كسبا ً للوقت للضغط على موقف الرئيس الأمريكي .. بالتأكيد شكلت هذه الملفات بمجملها أمور أثارت حفيظة واشنطن وغضبها.
ففي خضم هذا التوتر والتصعيد بين البلدين, ومن خلال التهويل وتصعيد اللهجة العسكرية والتهديدات المتبادلة, وعلى الرغم من بعض الهدوء وتخفيف اللهجة أحيانا ً.. إلا ّ أن الغموض لا يزال يلف مصير القادم من الأيام, إذ لا تبني الدول مواقفها وقراراتها بخوض الحروب على التصريحات الإعلامية, ومع ذلك قد تكون لتلك التصريحات مدلولات تعكس ما يجول في الغرف المغلقة لصنع القرارات في كلا البلدين ....
ففي إحدى الرسائل التي أطلقها الرئيس الأمريكي مؤخرا ًعبر التويتر, أعلن فيها عن قدرة جيشه على "محو" إيران فيما لو اندلع الصراع بين البلدين.. وأكد أن هذه الحرب لن تدوم "لفترة طويلة".. ومن خلال اليقين الذي تملكه الإدارة الأمريكية بعدم قدرتها على هزيمة أو مواجهة القوات الإيرانية التقليدية, فهل تقصّد ترامب التهويل, أم أنه أشار إلى إمكانية استخدام القنابل النووية التكتيكية ضد إيران كما فعلت بلاده في أفغانستان والعراق ؟.
وسبق له أن عبّر عن إعتقاد الولايات المتحدة بأن ايران سوف تستسلم في وقت قصير لبداية الحرب.. لكنه لا يملك عبر التاريخ أية أدلةٍ وإثباتات على حسن توقع بلاده وإفتراضاتها في الحروب التي خاضتها سابقا ً, خصوصا ًفي أفغانستان وسوريا.
فعندما أطلق الرئيس جورج دبليو بوش حربه على أفغانستان عام 2001 كان يعتقد أنها ستكون بمثابة النزهة في حديقة, في وقتٍ نرى فيه وبعد حوالي عشرين عاما ً لجوء إدارة ترامب – وهي ذليلة – إلى التفاوض مع طالبان كوسيلة لإنهاء الحرب, كذلك ذهبت حسابات وإفتراضات الرئيس أوباما إلى أن سقوط سوريا والرئيس بشار الأسد سيكون "مسألة وقت", في حين تبدو ملامح الهزيمة الأمريكية هناك أكبر من محاولة إخفائها, فهل يملك ترامب ما يجعله متفوقا ًعلى من سبقوه في حساباته للحرب على إيران؟.
مالذي تملكه إدارة ترامب لجعله يعتقد بأن القوة الضاربة السريعة والحاسمة و"غير المسبوقة" تبدو كافية لإقناع إيران بقبول هزيمتها وإبتلاع كبريائها، وعودتها إلى طاولة التفاوض التي يشتهيها ترامب, ألم يخطر على باله أن تتمكن إيران من إمتصاص موجة القصف الأولى, وترد بعشرات الصواريخ على مصادر النيران الأمريكية, وقواعدها ومطاراتها ومنشاّتها النفطية في المنطقة.
وهل يمكن للهجوم الأمريكي المفترض أن يوقع عشرات الخسائر البشرية في صفوف القوات الإيرانية, دون أن يشكل الرد الإيراني خسائر مقابلة ومماثلة في صفوف الجنود الأمريكيين في المنطقة ؟, ومالذي سيحدث في سوق النفط العالمي, ألن يرتفع إلى مستوياتٍ قياسية –ومن هو الخاسر-, ألن يتسبب إندلاع الحرب لخسارته فرصة الفوز بولاية رئاسية ثانية, وهل سيكون بمقدور الرئيس ترامب حماية سماء الكيان الإسرائيلي الغاصب من أمطار الصواريخ الإيرانية والسورية واللبنانية والفلسطينية واليمنية, وكيف له أن يمنع استهداف سفاراته وقواعده العسكرية في لبنان والعراق وغير مكان، وكيف له أن يحمي جنوده في سوريا ؟, هل يستطيع أحدكم إقناع ترامب بأن الرد والإنتقام الإيراني ومحور المقاومة سيكون رهيبا ً.
يبدو أن ترامب ينسى أو يتجاهل مواقف حلفاء إيران الإستراتيجيين في المنطقة والعالم, ولا يعير أهمية لردود الفعل العالمية, ولرفض الدول والشعوب لمثل هكذا هجومٍ أمريكي محتمل, ماذا عن خطط ترامب البديلة ؟.
هل وصل ترامب وإدارته إلى حالةٍ من الجنون واليأس حدا ًجعله يُطلق مثل هذه التصريحات ؟, وهل يستطيع أن يرى رغم العمى الذي يقوده, حجم السخط العالمي المستمر منذ سنوات وحتى اليوم جراء إستخدام الولايات المتحدة أسلحة وقنابل ذرية في هيروشيما وناغازاكي, مع إحتمالية مواجهة المسائلة, فزمن عدم المسائلة ولّى في عالمٍ متعدد الأقطاب, ولم تعد فيه الولايات المتحدة الأمريكية قادرة ًعلى استخدام عصاها الغليظة في كمّ الأفواه.
حتى داخل الولايات المتحدة, هل يستطيع ترامب تجاوز الإنقسام الداخلي, وماذا عن أعضاء الكونغرس اللذين عارضوا تراجع ترامب وإنسحابه من الإتفاق النووي بتوجيه من نتنياهو؟ وماذا يملك ترامب حيال رفض الصين للعقوبات الأمريكية على إيران, ورفض روسيا لقراراته حيال تدفق النفط الإيراني نحو أنابيبها, وهل يملك ترامب ثقة ًكافية بمن يدعوهم ب "شركائه" الأوروبيين حيال عدم تعديل نظام تعاملهم النقدي مع إيران, ولجوئهم إلى التعامل بالعملات المحلية – الثنائية, بعيدا ًعن الدولار.
إن استقرار إنتاج إيران وتخزينها لكميات كبيرة من الماء الثقيل, وامتلاكها أجهزة الطرد المركزي المحدّثة, لن يمنح ترامب فرصة منعها من تصدير الفائض, كما أن تقارير الوكالة الدولة للطاقة الذرية التي تشيد بإلتزام إيران الكامل بتعهداتها, ألا يضعه في خانةٍ لا يحسد عليها, تجبره من حيث يدري أولا يدري, على التفكير الجدي برفع العقوبات على إيران بلا مقابل, ولا تمنحه فرصة عرض التفاوض معها من دون شروط مقابل رفع العقوبات.
أخيرا ً ... لا بد لترامب أن يعي أن وجود إيران في بيئة جيوسياسية وعلى مقربة من عدة دول تمتلك القنابل النووية كإسرائيل وباكستان والهند, لا يمنحه حق تجريدها من حقها في إمتلاكها, وتبقى الدولة الإيرانية هي الجهة الوحيدة التي تقرر إمتلاكها من عدمه, على الرغم من أنها أكدت مرارا ًعدم نيتها الحصول على هكذا أسلحة, وتبدو مكتفية بقوتها التقليدية التي استطاعت تطويرها والإعتماد عليها لحماية شعبها وثرواتها وأمنها القومي, واستطاعت تشكيل قوةٍ رادعة لأعدائها وعلى رأسهم سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب... وعلى ترامب أن يفكر بتهديداته التي قد تدفع إيران لإيجاد طريقةٍ مناسبة لحماية نفسها أمام من يدعي إمكانية "محوها".
المهندس: ميشيل كلاغاصي
6 / 7 / 2019