طه العامري
في 2010 غادر جوليان أسانج واشنطن حاملا معه كنزا ثمينا من المعلومات المتعلقة بالولايات المتحده الأمريكية واسرارها بما في ذلك المراسلات اليومية بين واشنطن وبعثاتها للدبلوماسية في جميع انحاء العالم جوليان أسانج هو صاحب موقع ويكيليكس وقد حط رحاله في مطار موسكو ولموسكو سلم كل ما لديه من المعلومات لروسيا الاتحادية ومن خطورة المعلومات ودقتها واسرارها اضطرت موسكو لترحيل أسانج لأن بقائه في موسكو كان يعني مواجهة مباشرة بين موسكو وواشنطن ..تفهم جوليان الوضع وغادر موسكو الى لندن ..وضفت موسكو الكنز المعلوماتي أو بالأصح الأسرار العسكرية والأمنية والدبلوماسية والثقافية وخطط واشنطن الاستراتيجية لخدمة مصالحها وبدقة متناهية ..فاقدمت واشنطن عام 2011 على صناعة ما اطلق عليه ب ( الربيع العربي ) في محاولة منها للتغطية على فضيحتها وحرف انظار الرأي العام عن المعلومات المسربة وهي كارثية لكن روسيا كانت حريصة على سمعة ومكانة واشنطن ولم تسرب ما حصلت عليه إلا بمقدار يمكنها من تطويع جموح واشنطن ..؟!!
وهكذا استطاعت موسكو فرملة جموح واشنطن في العالم ولم تسرب ما لديها من معلومات إلا بمقدار 5℅ محتفظتا بالكم الهائل من المعلومات لوقت الحاجة ..؟!!
بمعنى أن جوليان أسانج أدخل الأدارة الأمريكية بكل جبروتها وتقنيتها وعظمتها إلى غرفة الأعدام والبسها الطاقية السودان بعد أن لف حول رقبتها حبل المشنقة ثم سلم عصاء الشنق للسيد فلاديمير بوتين وترك قرار تنفيذ حكم الاعدام للسيد بوتين الذي وبعد أن حصل على مراده لم يطغي ولم يجاهر بالخصومة بل وظف الأمر لمصلحة بلاده وأصدقاء بلاده ولمصلحة أمريكا ذاتها حين لم يغامر ولم يغتر بما تحصل عليه من معلومات وقاعدة بيانات كفيلة بأنهيار دولة عظمى بل وظف كل ما تحصل عليه لتطويع واشنطن وإجبارها على احترام القانون الدولي ولايزل يعمل على ترويضها إنطلاقا من رؤية روسية اكثر تحظرا وأكثر عدلا وتعمل على الحد من غطرسة وجنون واشنطن وحماقتها وهذا ما يبدو واضحا في تصرفات واشنطن التي رغم سعارها ضد موسكو إلا أن هذا السعار اخذ طريق العقوبات الفردية والجماعية للشركات و المؤسسات الروسية وحلفائها في إيران والصين وفنزويلا وسورية وحتى منظمة التحرير الفلسطينية ..؟!
بيد أن أبرز الخطوات الروسية التي جسدت ما وقع تحت يديها من معلومات هو ضم جزيرة القرم التعاطي الشفاف والمسؤل مع الحالة في كل من اوكرانيا وجورجيا القيام بمزيد من الاستقطاب لدول اسياء الوسطى التي كانت تحت السيادة السوفيتيه سابقا ..استقطاب تركيا والتعامل بمرونة شياسية ودبلوماسية مع دول الخليج ..كشف المخطط الذي كان يستهدف سورية والعراق ومصر والتعامل الجدي والحازم مع أحداث هذه الدول عبر التعاون المشترك والمباشر أولا ومن خلال مجلس الأمن ثانيا ولم تتردد موسكو في تسريب بعض خطط واشنطن عند الضرورة فيما يتصل بدورها الخفي في المنطقة وأهدافها ..
جوليان أسانج : بين موسكو وواشنطن ..؟!! 2
لم تكن ظاهرة جوليان أسانج وليدة اللحظة أو الصدف ولا هي نتاج فعل ورد فعل بل هي حصيلة تراكمات واحتقانات وخلافات عاصفة داخل مؤسسات صناعة القرار الأمريكي فالرجل بكل طموحه وأحلامه في الشهرة لم يكن سوى ضحية وأداة من أدوات الصراع الذي تشهده أعظم دولة في العالم دولة وصفت نفسها حين سقط الاتحاد السوفييتي بأنها الدولة المنتصرة وقائدة العالم الحر وجنة الليبرالية وواحة الحرية ..لكنها بعد قرابة عقد من أنهيار المنافس القطبي لها - الاتحاد السوفييتي - تحت وقع الأزمة الأقتصادية والأدارة البيروقراطية المتكلسة وجدت نفسها في حالة أحتقان حضاري شامل وفي حالة تصادم وتناقض بين مؤسسات صناعة القرار فيها فكانت أحداث 11 إيلول سبتمبر 2001م تعبيرا عن حقيقة الاحتقان المكتسب وعن حقيقة الصراع المحتدم داخل مفاصل الدولة العظمى التي لوا كان ما حدث فيها عام 2001م حدث والاتحاد السوفييتي بأوج قوته وحضوره وجدار برلين لايزل منتصبا وحلف وارسو ينشط لكانت أمريكا تشضت وتمزقت وحل بها ما حل بجمهورية يوغسلافيا السابقة أو ما حدث للاتحاد السوفييتي لكن ما حدث حدث في 2001م وأمريكا تعربد على الخارطة الدولية ليس كدولة عظمى حارسة للعدالة وقيم الحرية حتى بصورتها الليبرالية بل حدث وهذه الدولة قد تجردت من كل القيم والاخلاقيات متجاهلة القانون الدولي ومتجاوزة حتى الدستور الأمريكي ذاته ..!!
جوليان أسانج جاء كحصيلة لصراع يحتدم داخل مؤسسات الدولة العظمى وبين رموز صناع القرار فيها ..وكما كانت أحداث إيلول سبتمبر صناعة تيار المحافظين الجدد - بوش الابن - ديك تشيني - رامسفيلد - وول ولفيز - ترتب عليها إقدام أمريكا على إستباحة خارطة العالم بجيوشها بادية في افغانستان ثم العراق عبر الاحتلال العسكري المباشر وايضا أحتلالها غير المباشر لغالبية دول العالم التي انتهكت واشنطن سيادتها بكل غطرسة وصفاقة ..تداعيات الغطرسة هذه التي مارستها واشنطن خلال حكم بوش الابن وعصابة المحافظين الجدد أدت إلى تعميق الصراع الداخلي الأمريكي الذي تشكل من ( البنتاجون وأجهزته ) ومن المخابرات الأمريكية وأدواتها وأيضا من الخارجية التي ترسم السياسة الخارجية وحل رابعهم البيت الابيض إضافة لهذه الأطراف الأربعة كان هناك أربعة أطراف أخرى تخوض معترك الصراع وهي الكونجرس ومجلس الشيوخ وتياران انبثقان من رحمي الحزبان الرئيسيان في أمريكا هما الحزب الجمهوري ومنه جاءت ترويكا (المحافظين الجدد) والحزب الديمقراطي ومنه جاءت ترويكا ( الليبرالية السلفية ) وبين كل هولاء كان هناك ترويكا ( الكارتل الاقتصادي ) الذي تطغي رؤيته على كل هولاء ..؟!!
كانت النتائج التي توصلت إليها واشنطن في غزوها لافغانستان والعراق بنظر أطراف الصراع الداخلي الأمريكي نتائج ( كارثية ) بما في ذلك الكارتل الاقتصادي وكانت المسألة الأقتصادية قد فاقمت سياسة عدم الثقة بين الحزبين الرئيسين الذين يتبادلوا حكم أمريكا منذ انهيار أكبر وأضخم شركة للطاقة في أمريكا هي شركة ( أنرون ) التي انهارت خلال ساعات وليس خلال أيام أو شهور أو أعوام وعلى يد ( ديك تشيني ) وقد أنتحر رئيس الشركة وحكم بالسجن مدى الحياة على مديرها العام وكانت الشركة تابعة للحزب الديمقراطي وتزود أمريكا والمكسيك ودول اخرى بالطاقة الكهربائية ثم الت أصولها لشركة اخرى اسسها بوش الابن وتشيني ورامسفيلد وول ولفيز واخرين من صقور المحافظين الجدد كما منحت هذه الشركة الوليدة حق تزويد القوات الأمريكية في افغانستان والعراق بالوقود والتغذية عبر صفقات خيالية ..؟!!
في هذه الأثناء كان في الضفة الاخرى من المحيط وتحديدا في لندن الحليف التقليدي لواشنطن ثمة تحقيقات تجري مع رئيس الوزراء الاسبق طوني بلير شريك أمريكا في غزو العراق وافغانستان وقد توصلت لجنة التحقيق إلى حقائق مذهلة ومعلومات اربكت حتى لجنة التحقيق البريطانية التي أنتحر أثنان من أعضائها لضروف لاتزل مجهولة حتى الان وأن كانت الاسباب لا تخرج عن نطاق فضاعة ما أرتكبه بلير ويوش وخاصة في العراق ..؟!
والخلاصة أن من صنع أحداث إيلول سبتمبر 2001م ليستبيح بعدها العالم وينتهك سيادة دول هو ذاته الذي صنع جوليان أسانج وعلى قاعدة مكارثية مفادها أن أردت حل أزمة وسع نطاقها وأن أردت أخفاء حقيقة قل نصفها ..!
وخوفا من إنتقام الديموقراطيين مكنت مجموعة من صناع القرار جوليان أسانج من ذلك الكم الهائل من المعلومات التي هدفها إحداث صدمة في الوعي السياسي داخل أمريكا وخارجها من ناحية ومن الأخرى طمس معالم مرحلة داخلية وخارجية ودفع العقل الإنساني للتفكير والإنشغال بكيفية خروج تلك الوثائق وليس بما تحتوي تلك الوثائق من معلومات خطيرة بل وجرائم حدثت بحق شعوب ودول وأنظمة راح ضحيتها الملايين من البشر ..؟!!
والملاحظ أن نتائج ما قام به أسانج أوصلت دونالد ترامب الجمهوري للبيت الابيض وسقطت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لماذا ؟!
لأن التسريبات حدثت في عهد الديموقراطيين أو في عهد ( السلفية الليبرالية ) الذين كانوا مصرين على تفعيل نظرية الدبلوماسية الناعمة أو بمعني أدق ( فلسفة العمليات القذرة ) المتمثلة بنظريتي الاحتوى المزدوج لزيجينو بريجينسكي مستشار الامن القومي الأمريكي الاسبق فيما العمليات القذرة تعني - تصفية الخصوم - عبر أدوات داخلية ودعم لوجستي غير معلن من قبل المخابرات الأمريكية وهذا منطق الحزب الديمقراطي الأمريكي وبعكسه الجمهوريين الذين يعتمدون على البنتاجون والتدخلات العسكرية المباشرة ..؟!
أسانج حمل ما تحصل عليه إلى موسكو وفي مطارها أفرغ ما بجعبته وأن تزامن لجوئه لموسكو مع لجؤ العميل الفيدرالي ( سنودن ) إلا أن وضعهما يختلف ذاتيا وموضوعيا وايضا مهمتهما وأهدافهما ..
غدا لماذا موسكو ؟ وماذ حمل وفد مكتب الأمن القومي الرفيع الذي زار موسكو في اليوم الخامس عشر لوصول جوليان أسانج لمطارها ؟ وماذا قال الروس للوفد الأمريكي ..؟
تنويه :
أضطريت للتوسع في الموضوع لكي يستوعب البعض أن رغبوا خلفيات وأبعاد المشكلة لأن هناك من شكك بحلقة الأمس راسما صورة شبه مثالية لأمريكا ومؤسساتها ..أو غير مقتنعا لأن الكاتب عربي ومن اليمن ..؟!
جوليان أسانج : بين موسكو وواشنطن ..؟!!3
في أغسطس 2010م وبعد أن نشر موقع ويكيليكس ألاف الوثائق حول جرائم القوات الأمريكية والبريطانية في افغانستان والعراق وقبل أن تطاله قبضة الأجهزة الأمريكية هرب إلى موسكو وحط رحاله في أحدى مطاراتها وبعد عشرة أيام فقط من وصوله جاء وفد امريكي عال المستوى من مكتب الأمن القومي الأمريكي بزيارة سرية إلى موسكو لم يعلم بها لا سفير موسكو في واشنطن ولا السفير الأمريكي في موسكو استقبل الوفد من قبل نضرائه في مجلس الأمن القومي الروسي وعلى مدى ساعتان وخمسة واربعين دقيقة استمع أعضاء مجلس الأمن القومي الروسي لعبارات التهديد والوعيد والويل والثبور وعظائم الأمور التي ستحل بروسيا أن لم يتعاون الروس مع أمريكا ويعتقلوا أسانج ويسلموه لها وينسوا بل ويتجاهلوا كل المعلومات التي قدمها لهم مالم فأن نار واشنطن ستحرق الأخضر واليابس في روسيا ..؟!!
كان الامريكيين يتحدثون بوقاحة والروس يستمعون ويبتسمون وفي نهاية اللقاء خاطب مسئول في مجلس الأمن القومي الروسي نضرائه الامريكيين بقوله ( أهلا بكم في موسكو وقد سمعنا ما لديكم وسياتيكم ردنا عليه قريبا ) غادر الوفد الأمريكي موسكو سريا كما دخلها بالسر ..بعد أقل من ساعة كان مجلس الأمن القومي الروسي إضافة إلى وزيري الداخلية والدفاع يحتلون مقاعدهم على طاولة الاجتماعات في الكرملين في مواجهة الرئيس بوتين والسيد ميدافيدف رئيس الوزراء والسيد سيرجي لافروف وزير الخارجية وكبار المستشارين في الكرملين وأدار مسئول الأمن القومي جهاز التسجيل بالصوت والصورة وأستمع الجميع لكل عبارة اطلقها الوفد الأمريكي ..أبتسم الرئيس بوتين وقال عبارة أدركها كل من حوله قال ( الأن بدأت لعبة الياسمينة الزرقاء) ..؟!!
وتم تحرير الرد الروسي الحاسم والرافض لكل عبارة اطلقها وفد ( الطائشون ) حسب توصيف السيد بوتين وجاء الرد الروسي في ثمان صفحات a4 حملت لواشنطن الرد المناسب والتذكير بكل تجاوزاتها بحق روسيا ومذكرة واشنطن أن زمن الصمت الروسي قد ولى وانقضى عهده وأن موسكو لن تختفي من الخارطة قبل نيويورك وواشنطن ..؟!!
وعلى الأثر تم الإبراق لسفير روسيا الاتحادية في واشنطن الذي ما أن تلقي الرسالة حتى هرع نحو موسكو ليقف أمام الرئيس بوتين والوزير لافروف صانع السياسة الخارجية الروسية ورجل الدبلوماسية الأول في العالم ليتلقي منهما التعليمات ويتسلم الضرف الذي حمل عبارة ( سري للغايه ) ليسلمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ..وعلى الفور اقفل السفير الروسي عائدا الى مقر عمله في واشنطن ..وكان الدرس الاول في الحكاية أن واشنطن ومن خلال وفدها الزائر تجاهلوا كل الطرق الدبلوماسية حين اغفلوا وجود السفيرين الروسي في واشنطن والامريكي في موسكو فيما موسكو التزمت القنوات الدبلوماسية واستدعت سفيرها في واشنطن ليحمل الرد على تهديدات وفد مكتب الأمن القومي الأمريكي ..وكانت روسيا قد حسمت موقفها من لجؤ جوليان أسانج إليها وهو كذلك لكن الروس وعدو أسانج بالوقوف مع وضعه ومناصرته عبر طرق ووسائل خاصة ليعتقل بعدها أسانج في بريطانيا في ديسمبر 2010م بعد أن نشر موقعه 13الف وثيقة عن بريطانيا وحدها ليقضي عشرة أيام في زنزانة قبل أن يطلق سراحه ويلجى لسفارة الأكوادور في لندن ليقضي فيها سبع سنوات قبل أن تعاد قضيته للواجهة بعد تخلي الأكوادور عنه بسبب كلفة الاستضافة زعما فيما الحقيقة تتمثل في تغيير سياسي في الأكوادور بعد انتخابات ذهب فيها الرئيس الاكوادوري الذي تعاطف مع أسانج وارتيط بعلاقة متميزة مع موسكو وحل محله رئيسا أخر موال لواشنطن ولندن ..؟!
أشعلت هذه الحكاية حرب استخبارية ومعلوماتية شرسة بين موسكو وواشنطن وكما انضمت لندن إلى جانب واشنطن في هذه الحرب انضمت بكين إلى جانب روسيا الاتحادية وهكذا وجدا العالم نفسه أمام حرب شرسة وغير مسبوقة وايضا غير معلنة قطعا ..وقد أقدمت واشنطن على اعتقال عددا من مواطني روسيا الاتحادية المقيمين في الولايات المتحده بذريعة إنهم ( جواسيس روس ) ومثلها فعلت ( لندن ) ايضا في محاولة للضغط على روسيا والحيلولة دون تمكينها من توظيف ما لديها من معلومات حصلت عليها من أسانج ..في هذه الاثناء وفي غمار هذا المعترك الاستخباري وصلت إلى موسكو أحدى أهم العميلات الفيدراليات التي كانت بمثاية الشاهد على احداث 11إيلول سبتمبر والتي سبق أن تعرضت لعدة محاولات اغتيال في بلادها أمريكا وهي ( سوزان ليندوار ) .. ومن أغسطس 2010م وحتى أغسطس 2013م تطورت وأتسعت حرب الجواسيس ونشطت أجهزة الاستخبارات بطريقة لم تعهدها حتى الحرب البارده التي دامت لنصف قرن ..!!
وخلال هذه الفترة أقدمت واشنطن على اعتقال 27 مواطنا روسيا في أراضيها بتهمة التجسس فيهم 11إمرأة ومثلها فعلت بريطانيا التي اعتقلت 9 مواطنين روس بذات التهمة إلا أن برزت للسطح قصة كبير موظفي مكتب الأمن القومي الأمريكي ( سنودن ) في يونيو 2013م والذي لجاء لروسيا الاتحادية وطلب منها حق اللجوء السياسي ..؟!!
جوليان أسانج : بين موسكو وواشنطن ..؟!!4
جسدت ظاهرة جوليان أسانج حدة الخلاف داخل أروقة مكاتب صناعة القرار الأمريكي وفيما كان الديمقراطيون يسعون لتشويه صورة الجمهورين وتحميلهم وزر ومؤبقات التجاوزات التي ارتكبوها في الداخل الأمريكي أو في الخارج بعد أن اعتمد تيار المحافظين الجدد استراتيجية غير مسبوقة قائمة على فلسفة ( الصدمة والرعب والفوضى الخلاقة ) ناهيكم عن اعتمادهم لسياسة داخلية وخارجية أضرت بالتاكيد بسمعة أمريكا وبصورتها وفيما كان الديمقراطيون يختارون بعناية تجاوزات الجمهورين بهدف توظيفها في الداخل للتأثير على قناعات الناخب الأمريكي تعمد الجناح المتطرف في الحزب الجمهوري والمرتيطين يالمحافظين الجدد إلى صناعة ظاهرة أسانج وتسريب كل المعلومات لموقعه بصورة تؤدي إلى إحداث صدمة في وعي المتلقي داخل أمريكا وخارجها وإشغالهم في ظاهرة غير مسبوقة دون أن يغفلوا فضح وكشف أسرار الطرف الأخر وهم الديمقراطيون لذا وكما تسربت فضائح الجمهورين تسربت فضائح الديمقراطيون وخاصة المرشحة هيلاري كلينتون التي كان فوزها مضمونا على مرشح الجمهوريين دونالد ترامب لكن قرصنة بريدها الالكتروني وبريد حزبها الديمقراطي فعل عكس سلوك ومزاج الناخب الأمريكي ..بالوثائق المسربة عن السيدة كلينتون كشفت علاقتها برجال المال والاعمال في وول وستريت وبعض البنوك الأمريكية التي كانت كلينتون تقدم لهم خدمات مقابل عوائد مالية ودعم معنوي وتمويل حملات دعائية ..ناهيكم أن التسريبات برمتها حدثت في عهد حكم الديمقراطيون لأمريكا وبالتالي جاءت ظاهرة أسانج لتخلط كل الاوراق ولنسمع وول مرة عن تدخلات روسية في الانتخابات الأمريكية وهذه ظاهرة غير معهودة إذ يعلم كل العالم أن واشنطن هي من كانت تتدخل بكل انتخابات دول العالم وكان العالم كله ودون إستثناء يشكي من تدخلات واشنطن وسفاراتها في شئونهم الخاصة بما فيها الشئون السيادية وجميعنا نعرف المقولة القائلة ( أن أمريكا هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تحدث فيها إنقلابات لأنها ببساطة لا توجد فيها سفارة أمريكية )؟!!!
كان المحافظين الجدد قد دشنوا ( إستراتيجية الصدمة والرعب ) بأحداث 11سبتمبر إيلول ثم غزو افغانستان والعراق وكان المفترض أن يتولى الديمقراطيون تدشين ( إستراتيجية الفوضى الخلاقة ) غير أن تداعيات داخلية وخارجية حالت دون تنفيذ المخطط كما ينبغي له أن يتحقق ويكون بدءا من النتائج الكارثية لحكم المحافظين الجدد وما أسفرت عنها تداعيات احتلال افغانستان والعراق وفشل واشنطن في تبني سياسة خارجية متوازنة ومقبولة تعزز مكانتها الدولية إذ فشلت واشنطن تقريبا في كل المسارات الخارجية بدءا من فشلها في تحقيق استقرار حلفائها في متطقة الشرق الاوسط وأيضا فشلها في تحجيم الدور الروسي والنمؤ المتسارع للتنين الصيني هذا إلى جانب أزمات وتحديات داخلية أمريكية بدءا من تبعات إعصار كاترينا وما تركه في نفوس وذاكرة المواطن الأمريكي مرورا بحالة الكساد الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي ناهيكم أن أمريكا التي يبلغ حجم دينها الخارجي عشرين ألف ترليون دولار تحتاج خلال العشر السنوات القادمه من 15إلى 20ترليون دولار لتجديد مقومات البنية التحتية من شبكات الطرق والجسور والسكك الحديدية إلى شبكات الطاقة والهاتف ..كل هذا دفع بمجموعة من المخططين الاستراتيجين في مفاصل الدولة والمؤسسات الأمريكية إلى تبني ما يمكن وصفه ب ( إستراتيجية الصدمة ) للداخل الأمريكي وكان أسانج هو الأداة والوسيلة الذي حقق من خلاله الاستراتيجيون الامريكيون حدثين مهمين الأول تمثل في إحداث صدمة داخلية طالت مؤسسات صناع القرار ..الثاني إحداث صدمة مماثلة خارجية طالت حلفاء أمريكا وخاصة تلك الأنظمة التي كانت قد أصبحت بمثاية عالة على واشنطن ..والاهم تحريك حالة الجمود السياسي على الخارطة الدولية في محاولة لإعادة واشنطن ودورها إلى واجهة الأحداث ..لكن ليس كل ما يراد يتحقق حتى في سياسة و إستراتيجية الدول العظمى ..؟!!
فالذين دفعوا بالسيد أسانج للواجهة لم يكونوا يتوقعوا النتائج التي برزت على سطح الأحداث حتى مع وصول شخص غير متوقع وصوله للبيت الابيض كدونالد ترامب ..الذي جاء للبيت الابيض نتاج لأزمة عميقة في مراكز صناعة القرار الأمريكي لكن وصوله حمل بعض الايجابيات فيما يتصل بفك عقد حبل المشنقة الذي كان يلتف حول رقبة أمريكا جراء التزامات وتعهدات خارجية أبرزها الاتفاقات النووية المبرمة مع روسيا الاتحادية والاتفاق النووي مع ايران والاتفاقات التجارية مع الصين ومحاولة كسر جليد العلاقة مع كوريا الشماليه والموقف الخجول والمتردد مع العملاق الصيني ..ملفات كان لابد من تحديد مواقف منها على ضوء فشل مخطط واشنطن في المنطقة التي تطلق عليها - مجازا - بالشرق الاوسط ..؟!
جوليان أسانج : بين موسكو وواشنطن ..؟!!5
لكي نفهم تداعيات اللحظة الكونية أسبابها ودوافعها وغايتها علينا أن نعود للوراء ونقف أمام جذور الأزمة التي تعصف بخارطة العالم وتحمل مسميات ويسوق لها مبررات هي أبعد ما تكون عن الواقع ..مثال ذلك هل سقط الاتحاد السوفييتي لأنه أتيع أو ألتزم بالنظرية الاشتراكية الماركسية ؟! وبالتالي كانت عقامة وتخلف النظرية وراء انهيار الإمبراطورية السوفيتيه وحلف وارسو ودول المنظومة الاشتراكية ..؟ أم أن هناك أسباب وعوامل ذاتية وموضوعية وقفت وراء ذلك الانهيار القطبي ؟!
ثم هل يعني هذا أن النظرية الرأسمالية بإيدلوجيتها الليبرالية كانت هي النظرية الصحيحة ولذا أنتصرت وبالتالي غدت واشنطن هي عاصمة ( العالم الحر ) كما صرح بهذا الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب معلقا على أنهيار الاتحاد السوفييتي ؟!
ماذا حصل عامي 89/90 وأدى إلى أنهيار السوفييت ؟! الإجابة وبأختصار أن ما حدث كان ( ربيعا سوفيتيا ) بأمتياز ولا يختلف عما حدث في الوطن العربي عام 2011م وربما يكون الفارق الوحيد بينهما هو تجزئية الموحد - الاتحاد السوفييتي - وتجزئية المجزاء - الوطن العربي -..!!
فيما المخطط والمخرج كان واحدا في انهيار السوفييت وأنهيار النظام العربي ..في عام 2011م أندلعت شرارة الفوضى من ( تونس ) وهي الحلقة الأضعف في منظومة النظام العربي وبمعزل عن حكاية أو أسطورة ( محمد البوعزيزي ) وفيما كان بعض شباب تونس يتجمعون في شارع الحبيب بورقيبة ولا يتجاوز عددهم بضعة الاف قد لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين كان السفير الأمريكي في قصر الرئيس زين العابدين بن علي يخيره بين الهروب للسعودية أو السجن والمحاكمة ..؟!
طبعا بن علي كان رجل أمريكا وصناعتها وتابعها الوفي وسرعان ما نفذ نصيحة أولياء نعمته وغادر تونس وظفت وسائل الإعلام الحدث بطريقة صادمة ومثيرة ويستوحي المراقب أن إعصارا قد حدث في تونس وإنه يتجه نحو بقية الكيانات في المنطقة وأن لا عاصم اليوم من الطوفان المزلزل ..؟! وكانت المحطة القادمة بعد ( تونس ) هي ( مصر ) ؟ ربط فضيع جدا بين الحلقة الأضعف أولا - تونس - ثم الحلقة الأقوى - مصر -..؟!
وهذا هو العمل الاستخباري المنظم والمعد له بدقة واستغلت الجهات الواقفة خلف هذه الأحداث ضروف ذاتية وموضوعية متوفرة في كل مجتمعات العالم ..الفساد ..البيروقراطية الادارية ..الفقر والتخلف والحقد الاجتماعي وغياب الولاء الوطني وثقافة الأنتماء الاجتماعي والاهم من كل هذا غياب المشروع الوطني الجامع برموزه ومنطلقاته السياسية والفكرية .!
حدث هذا قبل عقدين فيما كان يسمى الاتحاد السوفييتي إذ وحين انهارت هذه الإمبراطورية وراحت دول أسياء الوسطى التي كانت منضوية فيه تعلن استقلالها بدعم وتشجيع وتمويل من العواصم الغربية وشركاته القابضة وايضا بدعم وتمويل من أنظمة النفط العربية ..بلغ الضغط على روسيا الاتحادية درجة غير معقولة والهدف تصفية أصول الدولة العسكرية التي ورثتها من الاتحاد السوفييتي وخاصة القدرات العسكرية النووية ..ثم وبطريقة مثيرة تحولت شعوب الاتحاد السوفييتي إلا اعداء الدا وصبت الدول المستقلة عن الكرملين جام غضبها وحقدها على روسيا الاتحادية وكل من ينتمي إليها حتى أقدمت الدول المستقلة - يؤمها - على طرد كل مواطن يعيش على أراضيها تعود أصوله إلى روسيا ناهيكم عن تفجر صراع الشيشان وجورجيا وأوكرانيا واصطفاف غالبية الجمهوريات المستقلة إلى الغرب وحلف الناتو بطريقة درامية لايمكن تفسيرها إلا بما حدث في وطننا العربي منذ العام 2011م وكيف أصبحت ثقافة الحقد والكراهية والرغبة في تدمير الأخر وإلغاء وجوده وعدم الاعتراف بحقوقه هذا السلوك الدخيل شهدناه في جمهورية يوغسلافيا السابقة أيضا وكل هذا صناعة أجهزة استخبارية تقف خلفها دول ومراكز أبحاث وتتم إدارتها عبر جيش من الناشطين والناشطات الذين تم تدريبهم وتأهيلهم لإدارة هكذا أحداث وتساندهم شبكة واسعة ومؤثرة من وسائل الإعلام الدولية التي لا هوية لها ولا وطن ومكونات سياسية وحزبية محلية عاشت وتعيش حالة القهر السياسي والفشل التاريخي فوجدت ضالتها في هكذا أحداث وصفقات ومخططات ولايهم أن كانت مع الوطن او ضده المهم أن تحقق غاية هذه القوى الانتهازية وكان ( التيار الاسلامي ) هو حصان طروادة كما كان هو حصان طروادة في إسقاط الاتحاد السوفييتي حين حشد قدراته للجهاد نيابة عن أمريكا في افغانستان ..؟!
خلال الاعوام 89/90/91/ بلغت وقاحة واشنطن إنها دشنت حملات للتبرعات لروسيا لمساعدتها في تدمير قدراتها النووية فحدث ما حدث من تداعيات وصراعات داخل روسيا الاتحادية أشهرها محاولة الجيش الانقلاب مرتان مرة ضد حكم جورباتشوف والاخرى ضد حكم يلتسين إلا أن جاء للسلطة الرئيس الحالي فلاديمير بوتين ليعيد لروسيا مجدها وكرامتها ودورها السيادي والقطبي ..
وخلال الفترة 89/2000م توغلت أجهزة للمخابرات الأمريكية خاصة والغربية عامة في مفاصل الدولة والمؤسسات والمجتمع الروسي وبطريقة لم تحدث في تاريخ العلاقات الدولية بل لم تحدث حتى في المانيا بعد انتصارهم على أدولف هتلر ..؟!
لتبدأ على أثر كل هذا حرب من نوع جديد ..حرب لم نعهدها من قبل حتى في زمان الحرب البارده إنها حرب الأجهزة المخفية والاشباح المتحركة والجواسيس وتقنية المعلومات ..
جوليان أسانج : بين موسكو وواشنطن ..؟!!6
لم يكن جوليان أسانج هو مصدر تداعيات الأحداث الإستخبارية الروسية - الأمريكية بقدر ما كان مجرد - جرس - أيقظ الذاكرة الروسية لجراحات غائرة ومؤلمة تلقتها من واشنطن على مدى عقد من الزمن 90/2000م وهي الفترة التي قال عنها الاكاديمي والمحلل الروسي ( زيخاكوف ) إنها أوصلت ضباط الاستخبارات الأمريكية إلى مختلف المرافق الروسية بما في ذلك مصانع ومختبرات الاسلحة النووية ..؟!
كان بوتين يشغل منصب رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي حين قدم يلتسين استقالته عام 1999م وفي أذار مارس 2000م جرت الانتخابات الرئاسيه وفاز فيها فلاديمير بوتين بنسبة 53% من الاصوات وهناء بدت مرحلة جديدة في تاريخ روسيا الاتحادية وفي مسار علاقتها الدولية كما بدت حرب شرسة وغير منظورة بين روسيا والغرب بصورة عامة وبينها وبين أمريكا وبريطانيا بصورة خاصة ..كان بوتين وهو ضابط مخابرات معتق يدرك تماما الحال الذي وصلت اليه روسيا خلال العشر السنوات المنصرمة وكان يدرك حجم النفوذ الاستخباري الامريكي في بلاده وخطورته ، وكان من ابرز أولوياته تطهير روسيا ومؤسساتها وأجهزتها واحزابها ومنظماتها المدنية من الحظور الاستخباري الامريكي الطاغي في مفاصل الدولة والمجتمع ..في عام 2004م أعيد انتخاب الرئيس بوتين لفترة رئاسية ثانية وبعدها بعام فقط أي في عام 2005م واجه بوتين أولى الكوارث الإستخبارية والتي تمثلت بقيام جهازي المخابرات الأمريكي والبريطاني بإغراق وتدمير أحدث غواصة نووية روسية يوم تدشينها وعلى متنها 280 بحارا من أمهر رجال البحرية الروسية ..كانت الغواصة المستهدفه تعد أحدث الغواصات النووية في العالم وتفوق ما لدى أمريكا وكل دول الغرب والعالم وذات مواصفات جد متطورة ومميزات لم يسبقها إليها أحد ورات واشنطن ولندن خطورة هذه الغواصة فقرروا تدميرها يوم تدشينها وبمن فيها بواسطة صاروخين نووين اطلقا من طوربيدين تعود ملكيتهما لكل من أمريكا وبريطانيا ..كانت العملية استخبارية بإمتياز ، على أثر ذلك الحادث المؤسف جمع بوتين 85مسئولا امامه هم كل رجال الدولة الروسية المعنيين بصناعة القرار وعلى مدى ساعتين من الصمت المطبق رفع الرئيس بوتين راسه والدموع بادية عليه وقال عبارة واحدة مقتضبة ( مشكلتنا في الداخل يجب إصلاح الداخل أولا )؟!!
ثم انطلقت حملة تطهير داخلية واسعة النطاق طالت كل مرافق الدولة بما في ذلك المدارس والجامعات ومعاهد التدريب الفني والتقني وتزامنت هذه الحملة مع حملة خارجية اعادت الاعتبار لجهاز المخابرات الروسي ال (.كي .جي .بي ) الذي بدأ ينشط خارجيا وبذات الفعالية والمهارة التي كان عليها في زمن الاتحاد السوفييتي ولكن بصرامة واحترافية اكثر ..وفي مواجهة هذا التحرك الروسي سعت واشنطن وحلفائها الى إقلاق روسيا من الداخل واستعادة زمام المبادره ولكنها جوبهت وجوبه حلفائها ومن راهنت عليهم بقبضة حديدية صارمة من قبل إدارة بوتين واجهزته كانت روسيا بوتين قد أدانت وبقوة أحداث 11 إيلول سبتمبر التي ضربت أبراج منهاتن ولكنها وقفت ضد واشنطن في غزوها للعراق بل وحذرت الأجهزة الإستخبارية الروسية العراق من المخطط الأمريكي الذي يحاك ضدها وضد نظام الرئيس صدام حسين ولكن للأسف لم يأخذ الأخوة في العراق التحذيرات الروسية بجدية معتمدين على قنوات تواصل خادعة مع واشنطن ..ذهبت أمريكا بعد افغانستان نحو العراق رافعة شعار من لم يكن معنا فهوا ضدنا ووظفت قوتها العسكرية والاستخبارية لتطويع أنظمة العالم ومعها كانت بريطانيا وبسقوط النظام العراقي بدت الصورة أكثر وضوحا أمام روسيا وأكثر قتامة أمام واشنطن التي وجدت نفسها داخليا تواجه أزمات وتباينات في أجهزة صناعة القرار الأمريكي ..إذ شكل التعافي الروسي والحضور الاستخباري الروسي تحديا لواشنطن التي كانت قد وضعت خططها كقوة دولية نافذة ليس هناك من يعيق حركتها أو يجروا أن يقف أمام طموحها الاستراتيجي وكانت واشنطن ترى للصين كقوة اقتصادية من السهل فرملتها والتحكم بنمؤها الاقتصادي عبر سلسلة من الاجراءات الاقتصادية واهمها ربط الصين بمنظمة التجارية الدولية وهذا ما حدث إذ وبعد دخول الصين لمنظمة التجارة الدولية أجبرت على إغلاق 200 ألف معمل ومصنع تلبية لضغط واشنطن بزعم حماية حقوق الملكية الفكرية ..لم تكن واشنطن تعلم إنها ومن خلال هذه الإجراءات كانت تلف حبل المشنقة على رقبتها وأن قوننة العلاقات التجارية كان هدف صيني / روسي بهدف ضبط إيقاعات العلاقات التجارية الدولية وإيقاف عربدة واشنطن في هذا الجانب ..