728x90 AdSpace

9 يونيو 2018

وتلك الأيام نداولها بين الناس

بقلم/ كاتب/احمد ناصر الشريف  :
محللون سياسيون ومتابعون للأحداث من داخل اليمن وخارجها يعتقدون أن اليمن اليوم أصبحت على مفترق طرق نتيجة لاستمرار العدوان على الشعب اليمني للعام الرابع على التوالي وعدم التوصل حتى اللحظة الى اتفاق يضع نهاية لهذه الحرب اللعينة..
وان كانت نظرة اليمنيين في الداخل تختلف تماما عن توقعات ومتابعة ما يجري في الساحة اليمنية عن بعد من تفاعل وتطلعات الى المستقبل الذي سيتم صناعته بأيدي اليمنيين أنفسهم دون تدخل الخارج وذلك بعكس ما كان يحدث في السابق لأن اليمنيين ولأول مرة منذ أمد بعيد يتحركون ويضعون أقدامهم على بداية الطريق الصحيح وصولاً إلى بناء دولة وطنية حديثة افتقدوها طويلاً وإن كانت ولادة هذه الدولة ستواجه مخاضًا عسيرًا نتيجة الحمل الثقيل الذي من المؤكد سيتمخض عنه مولود مكتمل النمو .. وتبشر البدايات المتمثلة في تساقط رموز الفساد ووضع حد للاستبداد السياسي الذي كان قائما بأن الطريق سيكون ممهدًا وسالكاً للانطلاق منه إلى النهاية..بل إن هذا التفاعل الشعبي مع ما يحدث وتشهده اليمن من تطورات متسارعة قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن اليمنيين منذ أكثر من نصف قرن كانوا يعيشون في ظل اللادولة وأن تحالفاً بين ثلاثة أطراف سياسية وقبلية وعسكرية هو الذي كان يتحكم في مصير اليمن وشعبها حتى بعد أن انفرط عقد هذا التحالف في العام 2011م إلى أن انتهى في 21 سبتمبر عام 2014 م ليدخل اليمنيون بعد ذلك في مرحلة جديدة تشكلت من خلال إرادة وطنية خالصة لا تخضع لإملاءات الخارج ولا يتحكم فيها طرف بعينه.

ولو عدنا قليلًا إلى الوراء سنعرف كيف كانت تحكم اليمن ولماذا غابت دولتها بقوانينها وأنظمتها وتحولت إلى شعار نتغنى به في الإعلام ولم يجد طريقه للتحقق على أرض الواقع ويكفي أن نستشهد بما قاله الدكتور أحمد أبو إصبع رحمه الله الذي أورد حكاية طريفة لكن لها معنى ودلالة خطيرة لأنها تسببت عندما تم الأخذ بها في إجهاض مشروع الدولة اليمنية الحديثة الذي كان الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي رحمه الله قد بدأ بتنفيذه وبسبب إجهاض هذا المشروع تأخرت اليمن عشرات السنين إلى الوراء رغم ما يمتلكه أبناء اليمن من كل مقومات الدولة وكذلك ما يمتلكونه من إرث حضاري وتاريخي وجغرافيا وسكان وثروات متعددة.

يقول الدكتور أحمد أبو إصبع:عندما تم اختيار علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية العربية اليمنية في 17يوليوعام 1978م من قبل مجلس الشعب التأسيسي حينها كان البرتوكول يقتضي أن يرأس الرئيس أول جلسة لمجلس الوزراء تنعقد في عهده وكان الرئيس صالح يومها بحكم خلفيته العسكرية متهيبًا من السياسيين المدنيين الذين سيجتمع بهم خاصة أن بينهم العديد من الحاصلين على شهادات عالية..فقيل له: فقط أنت ستلقي كلمة قصيرة في بداية الاجتماع وتنصرف ثم يواصل مجلس الوزراء مناقشة جدول أعماله فوافق.. ولكنه قبل أن يغادر الاجتماع فوجئ أن أولئك الذين كان متهيبًا منهم يدفعون إليه بمجموعة من الأوراق فكان يستلمها منهم ويسلمها للمقدم حينها عبد العزيز البرطي رحمه الله الذي كان يقف خلفه ثم توجه الرئيس إلى منزله بقرية الدجاج ولحقه البرطي بالأوراق وهناك سأل الرئيس عن الأوراق فسلمت له وبدأ يستعرضها.. وكانت المفاجأة بالنسبة له كبيرة حين شاهد أن كل ما جاء فيها هي عبارة عن مطالب خاصة .. فمنهم من يطلب سيارة ومنهم من يطلب أرضية ومنهم من طلب معونة فصاح الرئيس قائلا: من أين أجيب لهم؟ فضحك عبد العزيز البرطي وقال: أنت الآن رئيس الدولة.

وبذكاء الرئيس صالح الفطري فهمها وهي طائرة.. ومن يومها تخلى عن مشروع الدولة اليمنية الحديثة وانقلب على مابأه الشهيد ابراهيم الحمدي وحكم اليمن بالتحويلات والأزمات وبالترغيب والترهيب وهو ما يؤكد قول الشيخ سنان أبو لحوم الذي أشار في مذكراته أن الفلوس مقدسة في اليمن .

وهذا يذكرني بموقف أحد السفراء اليمنيين أتحفظ على ذكر اسمه فقد اصبح في ذمة الله وقد اعترف لي شخصيا بالواقعة حينما سألته عنها للتأكد.. كان هذا السفير معترضاً على اختيار علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية العربية اليمنية وعندما عاد السفير الى صنعاء استدعاه الرئيس وقبل أن يفتح معه أي موضوع سلمه ورقة فيها تحويل للسفير بـ12 ألف دولار وبمجرد ما شاهد هذا السفير المعترض ما بباطن الورقة قال: مادام فيها فلوس ابق رئيساً إلى الأبد..إذا لا نلوم علي عبدالله صالح وحلفاءه وحدهم لأنهم وجدوا من استجاب لهم فساهموا في القضاء على حلم اليمنيين في بناء الدولة اليمنية الحديثة التي يتساوى في ظلها الجميع.. وبعد صبر طويل على هذا الوضع السيئ طفح الكيل وأصبحت طاقة اليمنيين لا تحتمل هذا الصبر والمصابرة والمرابطة أكثر مما مضى فأنتفض الأبناء والأحفاد الذين تربوا وترعرعوا في ظل هذا العهد عام 2011م ووضعوا الآباء والأجداد الذين قبلوا بهذا الوضع أمام الأمر الواقع ولم يتراجعوا الى الوراء حتى يتحقق الهدف الذي خرجوا من أجل تحقيقه وإعادة لليمن اعتبارها بحيث تستعيد مجدها ودورها التاريخي الذي عرفت به من سبعة آلاف سنة وتخلصهم ممن جعلوا اليمن عبارة عن مزرعة أوشركة خاصة بهم حيث استخفوا بأهلها ونهبوا ثرواتها وتسولوا باسمها ولايزالون حتى اليوم يحلمون بالعودة الى الحكم على ظهر الدبابات الأمريكية منطلقين من فنادق الرياض وأبوظبي وبعض العواصم الأخرى..لكن لأن انتفاضة الشباب في فبراير عام 2011م قد تم اجهاضها من قبل الجهات التي ثاروا عليها فقد جاءت ثورة 21 سبتمبر عام 2014م الشعبية لتصحح المسار وتقضي على تلك التحالفات السياسية والقبلية والعسكرية التي اختصرت نفسها في الشعب والوطن لعدة عقود .

وهكذا هي سنة الله في خلقه يغير ما بين غمضة عين وانتباهها من حال إلى حال.. وإن كان ما حدث هو نتيجة طبيعية لمن يبني نظاماً أو دولة على أساس هش فيخر السقف عليها ليهدمها تمامًا بمجرد أن تتعرض لأول هزة فيصعب عليها المقاومة للبقاء.
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: وتلك الأيام نداولها بين الناس Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً