يحكم الأمة العربية، بأقطارها جميعاً، نخبة من الاباطرة الذين لا مثيل لأي منهم ولا شبيه: أن واحدهم يستطيع أن يحكم، منفرداً، وان استعان ببضعة من المستشارين، قارة تامة بحجم السعودية او بلداً يزيد عدد سكانه على المائة مليون بني آدم، بالكفاءة ذاتها التي يحكم بها شيخ قطر النصف مليون من أهل شبه الجزيرة مع “ضيوفهم” الذين يبنون عمرانها ويسلمونه جاهزاً.
مع ذلك، فان كل امبراطور يدعي انه الاعظم ايماناً بالديمقراطية، والأكثر اخلاصاً لحقوق الرعية، والاسرع في انجاز التقدم والتفوق على دول العالم اجمع، ثم انه الاشد ايماناً بالله وانبيائه وملائكته المطهرين..
بين من حكم الامة “الرئيس الخالد” و”الرئيس المؤمن” و”الرئيس إلى الابد”، و”القائد الملهم” و”قائد كل الأزمنة” الخ..
قبل هؤلاء الاباطرة كانت “الامة” واحدة، بالتاريخ والجغرافيا، او بالحلم والتمني، او بالمصلحة وضرورة حماية الذات..
معهم، ثم من بعدهم، غدا الوطن العربي مزقاً، وصارت شعوبه أمما شتى، تتصارع على الماء والكلأ والبترول والغاز، وتقتتل على المرافئ والموانئ والجزر (السعودية، مصر، الامارات، اليمن..)
ومعهم وبهم توسع الاحتلال الاسرائيلي وتمدد نفوذ دولة العدو وسقط عنها ثوب العداء، فاعترف بها بعض العرب العاربة فضلاً عن كثير من العرب المستعربة، وصار منطقياً أن تُطالب بدخول جامعة الدول العربية، بل وان تُطالب بمنصب الأمين العام لان عندها الفاً من احمد ابو الغيط..
وهكذا فان الوطن العربي يتفكك إلى ارخبيل من “الدول”، بعضها من نفط، وبعضها من غاز، وغالبيتها من أوهام وتخيلات ومصالح للأجنبي على حساب الامة واحلام وحدتها وحقها في التقدم.
يتزايد عدد سكان الوطن العربي ويتعاظم فقرهم: حتى رعايا الممالك والإمارات الغنية يعيشون خارج العواصم ذات الواجهات الفخمة، في الضواحي المبنية أكواخها من الصفيح والخشب..
ربما لهذا لم يتعاطف أحد مع امراء الثروة في السعودية الذين احتجزهم الامير ـ الوعل محمد بن سلمان وقنص منهم ما فاض من ثروة واحدهم عن المليار دولار باعتبار ان هذا المبلغ من عرق جباههم المدموغة بآثار السجود..
بل أن الاكثرية الساحقة من الرعايا العرب تمنت لو أن اخوانهم من رعايا تلك المملكة التي نُسَّبت قهراً إلى اسرة أخذتها بالسيف والتواطؤ مع بريطانيا بداية ثم مع الولايات المتحدة، من بعد، (ومعهما اسرائيل، تماشيا مع العصر..)، هم الذين نهضوا فاحتجزوا الاسرة المالكة جميعاً قبل أن يحاكموا افرادها ملكاً وولي عهده وامراء أثروا بلا تعب وعاثوا في الارض (والبحر) فساداً يفوق التخيل..
المحزن أن الجمهوريات العربية تأخذ عن الممالك (والإمارات والمشيخات) العربية أسوأ ما فيها: فالحكم لمن غلب، بالسيف او بالذهب، بالأميركي او البريطاني (والاسرائيلي في كليهما)… وهكذا فان “الرئيس” ملك من دون لقب صاحب الجلالة ، ومدة ولايته مفتوحة حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً..
وهكذا فان الوطن العربي ينقسم إلى جمهوريات ملكية، وملكيات عائلية، ورعايا لا يعرفون طبيعة نظامهم، ولكنهم يعرفون القانون السائد في الارض العربية كافة ومفاده: العصا (او السيف) لمن عصا.. والمُلك من عند الله يهبه لمن شاء، سبحانه وتعالى..
طلال سلمان