728x90 AdSpace

18 ديسمبر 2017

اميركا وأوهام القوة: تخبط ام استراتيجية؟

العميد د. امين محمد حطيط 
من يتابع المواقف الأميركية حيال أزمات المنطقة والعالم يجد نفسه كأنه امام مجموعة دول او مجموعة حكومات ذات سياسات متعارضة، ما يطرح السؤال فعلا هل ان اميركا فقدت القيادة المركزية التي تضبط الأمور ام ان التنازع ين منظومة ترامب ومنظومة الدولة العميقة أدى الى هذا التخبط والتناقض، ام اهناك سياسة جديدة ابتدعتها اميركا للتعاطي مع الشؤون الدولية بهذه الطريقة الغريبة المتناقضة المواقف؟ نقول هذا ونحن نتابع المواقف الأميركية كالتالي:

أولا في  العلاقة بإيران : ففي الوقت الي هدد و ارعد ترامب بانه سيلغي الاتفاق النووي الدولي مع ايران عاد و بلع لسانه ثم جاءت مسالة اليمن وما ساقته اميركا من  التهم التي لفقتها السعودية حول الصاروخ اليمني الذي أصاب الرياض و اثار الهلع في صفوف حكامها ، و هنا كانت المواقف الأميركية  التي فيها الكر و الفر ، و فيها الهجوم و التهديد ثم التنفيس و التراجع ، فبعد التمثيلية السمجة التي لعبتها نيكي هيلي على مسرح مجلس الامن بوصفها مندوبة اميركا اليه ، و قدمت دليلا مضحكا مثيرا للسخرية عن تورط ايران بتزويد الحوثيين بالصاروخ الذي اطلق ، و دعت هي و مسؤولين اميركيين اخرين الى انشاء نحالف دولي ضد ايران لمواجهتها بشتى الطرق ، بعد كل هذا التصعيد الذي ظن العالم معه ان اميركا تحضر لغزو ايران و احتلالها ، عادت اميركا و على لسان وزير دفاعها ماتيس و تراجعت معلنة ان "اميركا لن تواجه ايران عسكريا ". فماذا هي فاعلة اذن؟ 
نطرح السؤال لان كل ما يمكن لأميركا فعله ضد إيران فعلته الا الحرب العسكرية المباشرة فاذا استبعدنا هذا الامر فما الجديد الذي تهدد به؟ الجواب لا شيء بل انه الاستعراض دوليا والاستسخاف بدول الخليج وعلى راسها السعودية للمضي قدما في طريق التهور ودفع المال لأميركا بصفتها " المدافع والحامي “بوجه إيران "العدو المزعوم ".
ثانيا السلوك حيال سورية: زعمت اميركا انها ترى في داعش خطرا على الامن القومي الأميركي والسلام العالمي، وادعت انها انشات تحالفا دوليا لمحاربتها وجاءت بقوات عسكرية تنفيذا لمهمة مواجهة داعش. ولكن في الميدان كانت اميركا تمارس دور الراعي والموجه والحاضن لداعش، فكم من مرة دافعت عنها وزودتها بالسلاح والمؤن العسكرية وكم من مرة قدمت لها الاسناد الجوي من اجل تمكينها من احتلال منطقة او التغلغل في منطقة او الانسحاب للتفلت من حصار، وان دعم اميركا لداعش واحتضانها لها بات مسلمة يقينية عند كل المتابعين الموضوعين لا يجادل بها الا أحمق او مأجور. و بعد ذلك و عندما أعلنت روسيا التي جاءت بقواتها الى سورية بناء لطلب سوري شرعي للمساعدة في مواجهة داعش ، عندما أعلنت روسيا انها ستسحب قواتها لانها انجزت المهمة يعني دفع خطر داعش عن سورية ، انكرت اميركا هذه الحقيقة و ادعت ان خطر داعش لازال قائما وانها لن تقتدي بالسلوك الروسي في سحب القوات و لن تغلق قواعدها العسكرية التي أقيمت يصوره غير شرعية على الأرض السورية ، ثم تطورت موقفها للقول بانها تفصل بين وجود داعش ووجود قواعدها العسكرية في سورية و تربط وجود الأخيرة بالحل السياسي للازمة ،ثم كان سلوك جديد قديم عبرت عنه مشاهدات ميدانية و تسريبات دبلوماسية مفادها ان اميركا قررت العودة الى تدريب قوات محليه في الجنوب الشرقي السوري في محيط التنف من اجل اعداد القوى التي تواجه الجيش العربي السوري و تعوض خسارة داعش للحرب في مواجهته ، و تمنع سورية من اعلان الانتصار و التصرف بذهنية المنتصر في صياغة الحل السياسي او اقله عرقلة و تأخير الحل بما يشكل ضغطا او ابتزازا لمن يقودون العملية السياسية بشكل حقيقي و جاد و على راسهم روسيا . فهل ستنجح اميرا في مسعاها؟ 
ان الذي يفهم بعمق قواعد السياسة الأميركية يدرك ان اميركا عندما تواجه بقوة وإرادة وصلابة تتراجع، وعندما تراعى ويكون تراخ امامها تستأسد وتهاجم وتطيح بكل قواعد القانون والاخلاق مهما كانت اهميتها ونعطي على ذلك مثلين حالين لا زلنا نعيشهما ونعيش تداعياتهما، الأول مع كوريا الشمالية والثانية في مسالة فلسطين.
ففي كوريا الشمالية ارعدت اميركا وازبدت وهددت بالويل والثبور وعظائم الأمور وبحرب ماحقة تزيل كوريا الشمالية من الوجود، فكان الرد الكوري الشمالي مزيدا من التحدي والباس واظهار القوة بشكل وجه رسالة قاطعة لأميركا تقول لها " لن تخيفونا" وقد" اعددنا لكم ما يذهلكم" ان استوجب الامر. هنا وبدل ان تنفذ اميركا تهديدها فأنها تراجعت ولجات الى "خصمها الدولي المنافس " روسيا طلبا للمساعدة في حل الازمة مع كوريا وعرضت التفاوض دون أي قيد او شرط أي بمعني اخر بلعت لسانها وكل ما أطلقته من تهديد وانكفأت معترفة بالقوة الكورية الشمالية ومبدية الاستعداد للتعامل مع هذا الواقع.
اما في فلسطين ، و لما شعرت او أبلغت  من قبل دول عربية أساسية و على راسها السعودية ان أحدا لن يحرك ساكنا في حال أعلنت القدس عاصمة لإسرائيل ، أقدمت اميركا على الإعلان و أطاحت برزمة من قرارات الأمم المتحدة منذ العام 1947 و حتى اليوم و لم تراع امنا او سلما او مصالح لأخرين ، لكنها عندما ووجهت بموقف حازم من جزء من العالم العربي و الإسلامي و رفض اروبي عادت و بدأت المناورة و المراوغة حول الامر و ادعى مسؤولون فيها ان الإعلان عام و بحاجة الى تحديد حدود القدس و نطاقها الجغرافي ثم عادت  لتتحدث عن "حائط المبكى" ووجوب ان يكون جزءا من إسرائيل و هو ذاته  جدار البراق المشكل جزءا من المسجد الأقصى و هو عند المسلمين المكان الذي منه انطلق النبي محمد ص الى السماء في رحلة المعراج الى الله بعد ان كان اسري به على ظهر البراق من مكة الى القدس ، ما يعني انها تدخل إعلانها في منطقة رمادية و تتجه للنقاش عن موقع حائط البراق مستقبليا مع "موقف حاسم " منها مسبقا .
ان كل تلك الوقائع وهذه الأمثلة والشواهد تقود الى الاستنتاجات التالية:
1) ان السلوك الأميركي في المنطقة والعالم غير خاضع لأخلاق او قانون، وتذكرنا اميركا بتصرفاتها عامة بما أطلق يوما في مجال الحكم الاستبدادي وعرف بقاعدة " ما أراده الحاكم هو القانون" أي لا قانون يعلو المشيئة الأميركية، فالمشيئة الأميركية هي القانون بذاته ويتقلب القانون حسب تقلب المشيئة تلك ويتغير بتغير المشيئة الأميركية.
2) ان المشيئة الأميركية ليست قدرا لا يرد، فاذا كانت تلك المشيئة تنضج على ضوء المصالح الأميركية وترعاها، فان تعرض تلك المصالح للخطر من باب المواجهة يفرض تعديلا على تلك المشيئة لان الثابت في العقل الأميركي هو المصالح وليس المبادئ والقواعد التي لا قيمة لها في مواجهة المصالح، وعلى من يريد ان يكسر المشيئة الأميركية العدوانية ان يتوجه لتلك المصالح ويضعها في دائرة الخطر والتهديد وسيرى التراجع الأميركي سريعا.
3) ان اميركا اليوم ليست بصدد الدخول في حرب جديدة مع أحد وليست بصدد فتح جبهات جديدة تزج فيها جيوشها وجيوش حلفائها، ولكنها ستبقى تهول بالحرب وتحشد قوى رديفة محلية تعمل بأمرتها من اجل ارهاق الاخرين وابتزازهم وإطالة امد الصراعات التي تستثمر بها في العالم دون ان تضطر لدفع الاثمان الباهظة من جيشها او مالها.
4) ان التناقض والتقلب في المواقف الأميركية حيال المواضيع الدولية ليس نتيجة الصراع بين منظومة ترامب ومنظومة الدولة الأمنية العميقة فحسب بل هو في هذه الفترة استراتيجية قائمة بذاتها يعمل بها من اجل تشتيت فكر الخصم ومنعه من التركيز على مسار معين للمواجهة.
على ضوء ذلك نرى ان السبيل الوحيد الناجع والمجدي لمواجهة اميركا في تصرفاتها الراهنة هو الاستراتيجية التي تعتمد القوة المرنة، على ان تكون في اقصى حدود القوة المهددة للمصالح الأميركية وان تكون في أفضل اشكال المرونة التي تحرم اميركا من الذرائع التي تجبرها للذهاب الى الحرب، بمعنى اخر اعتماد استراتيجية الردع الاستراتيجي المرن الذي يشعر اميركا بالقوة الفاعلة فيمنعها عن العدوان، ويترك لها طرقا بديلة للتراجع عن عدوان بدأته. وهنا نرى ان معالجة القواعد العسكرية الأميركية في سورية كما والوجود الأميركي كله في سورية ممكن جدا وغير مكلف كما يتصور البعض، وذلك باعتماد استراتيجية القوة المرنة، ونحن نثق بنتائج المواجهة انها ستكون لمصلحة سورية التي تملك الحق والقوة التي تحميه ومعها الخلفاء القادرون أيضا، ومن انتصر خلال السنوات السبع لماضية لن يتأخر عن تحقيق الانتصار في الأسابيع او الأشهر المقبلة فالانتصار تحقق ويبقى تثبيته.



العميد د. امين محمد حطيط 

  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: اميركا وأوهام القوة: تخبط ام استراتيجية؟ Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً