طه أحمد سعيد (1)
كانت ( تعز ) ولا تزل وسوف تستمر هي مدينة الثقافة والسلام ، ومدينة الفكر والإبداع ، وهي كذلك مدينة البناء والتنمية والتعمير ، في قديمها كانت ( تعز ) هي حاضرة سباء ، كما هي حاضرة حمير ومنها كان ينتخب الاقيال والأذوا ملوك حمير ، عرفت ( تعز ) بأنها السباقة لتبني ثقافة التقدم والتمدن والانفتاح الحضاري ، وعرف أبنائها بمودتهم وتسامحهم وسلوكهم الأجتماعي ، كما عرفوا أبناء تعز بسهولة وسلاسة معاشرتهم مع الاخر الوطني الذي وجد في تعز وأهلها ملاذا للتألف والتلاحم المجتمعيين ، تعاملت تعز وأبنائها بكل مودة وإحترام وترحيب وتسامح مع كل الأنظمة والدول المتعاقبة على اليمن ، ولم يكن ينغص تعز وأبنائها سوى القهر والجور والظلم والغطرسة وتلكم مظاهر سلوكية لم تكن تعز وأبنائها يقبلوها ولا يتعايشوا مع أصحابها ، كانت تعز ولاتزل تنشد السكينة والعدالة والمواطنة المتساوية ، ولم تكن تعز يوما ولا أبنائها عشاقا للسلطة والتسلط ، بل كانت تعز وابنائها ينشدون السكينة ويحلمون بدولة النظام والقانون ، وبسلطة قوية تحرس مؤسسات الدولة وتخدم السكينة الإجتماعية ، سلطة تعدل بين مواطنيها ولا تعاملهم كرعية وأتباع ..
في تاريخها القديم كانت تعز مجتمع متناغم تحكم مكوناتها أعراف وتقاليد قبلية أصيلة ، وكل مكون كان يشكل ظهيرا ساندا للمكون الاخر بصورة تكاملية وتكافلية تتناغم فيها المكونات مع بعضها ويشكلوا معا وحدة مجتمعية متماسكة محكومة بأعراف وتقاليد راسخة ومتينة .
مع بزوغ فجر الإسلام كانت ( تعز ) السباقة للإلتحاق بركب النور المحمدي ودخلت بدين الله برسالة حملها الصحابي اليمني معاذ بن جبل من رسول الله إلى أهل ( تعز ) وما حولهم فدخل الجميع بدين الله أفواجا ، ومنها كان الصحابة ومنها كان الانصار ومنها كان فرسان الدين المحمدي الذين خاضوا فتوحات الإسلام وكانوا مثالا للشجاعة والبطولة والفداء والإخلاق ..
ومع تطور الاحداث والزمن كانت ( تعز ) بكل مكوناتها رافدا لهذا التطور ( الزمكاني ) وتشربت قيم وعوامل التحولات الحضارية المضطردة دون ان تغفل هويتها أو أصالة إنتمائها ..
خلال مراحل وعهود الأئمة واجهت تعز الكثير من الضيم والقهر والتهميش ، وكانت عصور أأئمة ( الدولة القاسمية ) الممتدة من عام 1620م وحتى عام 1962م هي أكثر عصور القهر والتهميش والغطرسة التي عشتها تعز وأبنائها ، ومع ذلك لم تفكر تعز ورموزها وأبنائها برد فعل يتماهي مع أفعال ( طغاة الدولة القاسمية ) وأفعالهم ليس خوفا ولا رهبة ولا عن فقدان الحيلة أو قلة ذات اليد ، بل كان رموز ووجهاء تعز يتحلون بحكمة وحصافة لم يتحلى بها أولئك الطغاة الذين كانوا يمارسون الغطرسة على الشعب بكل شرائحه ومكوناته ونطاقاته الجغرافية وليس على تعز وأبنائها وحسب ..
وفيما أتجهت تعز وأبنائها في الحقب الظلامية لطغاة الدولة القاسمية ، للبناء الذاتي والتنمية والتعمير وتحصيل العلوم المعرفية داخل وخارج اليمن ، وكانت دول القرن الافريقي بمثابة الملاذ الذي يتسع لطموحات واحلام تعز وابنائها ، كانت المدارس العلمية هي وجهة الأهتمام الداخلي لابناء تعز الذين انتشرت في مدينتهم وقراهم واريافهم المدارس العلمية والمعرفية ، المتخصصة في شتى مجالات العلوم المعرفية ، كما نالت المدارس ( الصوفية ) الحظ الاكبر من اهتمام تعز وابنائها وإليها هاجر كبار العلماء ومنها خرج أرتال من المتصوفين الذين عكسوا بزهدهم واقع الصراعات الدامية المخيفة التي عاشتها بعض النطاقات الوطنية وعاشتها جغرافية الدولة الإسلامية خلافة _ ودويلات ..!!
فترة طويلة مرت تجاهلت فيها تعز وأبنائها الصراعات الدامية واتجهوا نحو مجالات العلم والتنمية ، ومع بروز الخلافات القاسمية _ العثمانية ، حاولت تعز ومن خلال رموزها ، إيجاد قنوات تواصل وإتصال بين أطراف الصراع الذي لم يكن دافعه يتجاوز رغبة ( آل القاسم ) في رضاء ومكارم ( الأستانة ) والحصول على مناصب قيادية لهم من سلطة الولاية العثمانية ، التي لم تحبذ ( آل القاسم ) بداية لتحالفهم مع خصومها ( آل سعود ) المتمردين في نجد والذين ارتبطوا بتحالف وثيق مع أأئمة صنعاء من آل القاسم واستطاع ( ال سعود ) حينها إقناع حكام صنعاء بتطبيق ( الشريعة ) على الطريقة ( الوهابية ) وكانت ( تعز ) ومراكزها العلمية أولى ضحايا التحالف ( القاسمي _ السعودي ) ..بعد فتوى الطاغية عبد الله أبن حمزة ، التي اعتبرت تعز وما جاورها ( مشركين ) لموالاتهم ( الاتراك ) الذين كانوا بنظر ( آل القاسم ) مشركين ايضا ..؟!!
من هناء بدت الاحتقانات السياسية التي كرستها وخلقت اسبابها ( الاسرة القاسمية ) التي تعاملت مع ( تعز ) خاصة ومع كل النطاقات الجغرافية الوطنية بغطرسة وإستعلاء وهيمنة وجعلت الحياة وشعور الناس تبدو وكأن هذا الشعب مجرد ( عبيد ) أو ( رعية ) عليهم التسليم بكل ما يصدر من أأئمة ( آل القاسم ) ورغم مرارة الحياة والقهر لم تحاول ( تعز ) وأبنائها الخروج من دائرة الإرتهان لإيمانهم بالدولة وأهمية دورها ، ولأجل ذلك حاول رموز ووجهاء تعز كبقية أبناء اليمن السعي من أجل تحقيق قدرا من العدالة والمساوة عبر النصائح ولفت الأنظار ، إلا أن عجزوا كما عجز كل وجهاء واعيان ورموز وأحرار اليمن من إصلاح حال البلاد والحد من غطرسة ( آل القاسم ) وغرورهم وثقافة إستعلائية مارسوها بحق الشعب وسلطوا جزءا من الشعب ليكونوا ( عكفة ) يمتهنون بقية أبناء الشعب ، لتصل درجة وقاحة ونذالة ( آل القاسم ) أن يقتلوا رهائن من قبائل خولان ثم يحكموا ويصتلحوا وثمن الصلح كان منحهم مديريات بسكانها في محافظة إب وتعز ، غطرسة تذكرنا بأمراء ( روما )حين كانوا يمهرون لنسائهم مدن عربية ،وكانت ( حلب ) مثلا مهر للأميرة فلانة و( حماة ) مهر للأميرة فلتانه ، و( عكاء بفلسطين ) مهر للأميرة زعطانة ..؟!
(آل القاسم ) كانوا حين يرتكبون جرائمهم بحق بعض القبائل في حاشد وبكيل يمنحوهم قرى ومديريات بمحافظة ( اليمن السافل ) إب _ تعز _ البيضاء _ الحديدة ، وبسبب هذه السلوكيات ناضلت تعز وأبنائها وساهمت وبفعالية في أسقاط أسرة ( حميد الدين ) وقيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ولعبت تعز وأبنائها دورا محوريا في تحرير اليمن من نظامي الإمامة والاستعمار البريطاني ، وجابهت تعز قوى الرحعية والاستعمار وإليها جاء الزعيم جمال عبد الناصر داعما ومساندا ومكرما ومبتهجا بتعز الأرض والإنسان ودورهما ومواقفهما ، ومع ذلك فان الثورة اليمنية لم تنصف تعز بل ضلت تعز عرضة للإنتقاص والتشكيك والتهميش وربما كانت أحداث أغسطس عام 1968م وماحدث لرموزها في أوائل العام 1969 م بعد التخلص من الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب ، وكيف طفح الحقد والضغينة من قبل البعض على خلفية التنافس السياسي وتقاسم السلطة والدور الذي لعبه عبد الله الأحمر الذي لم يكن طيلة حياته إلا الوجه الاخر لأسرة ( حميد الدين ) في نظرته لتعز وأبنائها .
قد يقول البعض عني أني ( طائفي أو مناطقي ) وأنا أقسم بجبار السموات والارض أني لست لا ( طائفيا ولا مناطقيا ولا عنصريا ) ولا متعصبا لتعز وأبناء تعز بل أنا متعصب لكل اليمن وأعشق كل اليمن واحب كل ابناء اليمن وعلاقتي وصداقتي مع ابناء صنعاء وعمران وصعده وحاشد وبكيل ربما تكون أكثر متانة ورسوخا من علاقتي مع أبناء تعز ناهيكم عن قناعتي بأن أبناء حاشد وبكيل يتقاسمون مع ابناء تعز وكل اليمن المعاناة والقهر من رموزهم الذين تسلطوا على جميع أبناء الشعب من أجل الحفاظ على مصالحهم وأمتيازاتهم على حساب الوطن والشعب ونال أبناء حاشد وبكيل القهر والظلم والتعسف من قبل هولاء الطغاة والمتنفذين مثلهم مثل بقية أبناء اليمن عامة وتعز خاصة ، لكني بصريح العبارة أرفض وامقت التصرفات او التفكير الدوني لرموز ووجهاء السلطة ممن ينظرون بنظرات الإنتقاص لتعز ولرموزها او يبطنون لها ما لا يظهرون او يتظاهرون باحترامها وبحب أبنائها لدوافع سياسية بحتة وفق قانون المصلحة ، وهذا ما يتضح عبر هفوات وتصريحات بعضهم حين تزل ألسنتهم لتكشف حقيقة ما يبطنون ..!
يتبع