أ.د. نجيبة مطهر العريقي :
تحليل خطاب السيد حسن نصر الله (التحرير الثاني)..جميع خطابات السيد حسن نصر الله تعكس شخصيته المميزة الذي يجذب بأسلوبه القوي والسهل ويعطي الأمل في نفوس العرب والمسلمين لان هذا الرجل صاحب فكرعميق لأنه يعي ما يقول ويبعث في عقول ونفوس الناس على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي ..
والخطاب جاء من زعيم تاريخي أطلق عليه الأمين العام لحزب الله عنوان «التحرير الثاني» بعد «التحرير الأول» الذي حققته المقاومة على الكيان الصهيوني في عام 2000، أبرز دور وانتصار وامتداد لجهود محور المقاومة في التصدي للتنظيمات الإرهابية في المنطقة وللمشروع الصهيو – أمريكي ولكل اللبنانيين بشكل عام فهو خطاب تاريخي وحدث مفصلي يؤثر على المنطقة جاء من زعيم تاريخي متمكن
لذا الخطاب هو جزء من سياسة اعتمدها السيد حسن نصر الله في هذه المعركة وهي سياسة المكاشفة والمصارحة حيث يضع الرأي العام اللبناني والعربي والدولي في محطات المعركة ليجسد معنى من المعاني الذي فيه نقد غير مباشرلبعض من ارادوالتقليل من الانتصارات التي حققه حزب الله
كما انه خطاب يحمل روح التهدئة في الملفات الداخلية حيث حرص السيد حسن نصر الله أن يكون هادئا كعادته ومنفتحا وان يمارس السياسة التي اعتمدها حزب الله منذو سنوات والتي انبثقت بموجبها حكومات ضمت خصوم معروفين لحزب الله لكن بحكمة وحنكة السيد استطاع ان يهدئ الجو اللبناني وان يسهم في خلق أجواء مناسبة مكنته من الانتصار في هذه المعركة الذي ربط بينها وبين الانتصار الذي واجه المشروع الصهيوني والأمريكي خصوصا حين اوضح بشكل قاطع حجم الضغوط الأمريكية التي أرادت افشال هذه المعركة كما أوضح موقف سورية والتي كما قال أن الرئيس الأسد كان محرجا في موافقته على هذا الاتفاق لكن من اجل قضية سياسية وإنسانية كبيرة في لبنان وافق سيادته
اظهر السيد حسن نصرالله التنسيق والتعاون بين الجيشين السوري واللبناني والمقاومة, الذي نتج عن تطهير الحدود السورية – اللبنانية مما أدى إلى سلب قدرة الإرهابيين على إعادة تنظيمهم وترتيب قواهم في جرود القلمون وعرسال والتي كانت منطلقاً للعمليات الإرهابية في سورية ولبنان ومركزاً للتدريب والدعم اللوجيستي الذي تقدمه الدول والأطراف الداعمة للإرهابيين من أجل «إلحاق الهزيمة» بمحور المقاومة أو إشغاله على الأقل بالحرب على سورية، إلا أنهم فشلوا
لذلك السيد حسن نصر الله لم يتحدث باسم حزب ولكنه تحدث باسم محور ويقول ان هناك مشروع يهزم وهناك مشروع ينتصر, باعتبار ان حزب الله قوة ضاربة أساسية في تغير الجغرافية في المنطقة ويعكس تحولا استراتيجياً ليس في المنطقة بل وفي العالم
كما أشار السيد عن أهمية هذه المعركة التي تعزز من هذا التحول على المستوى الإقليمي والدولي لكنها ايضا تسهم بالتعجيل بهذه التحولات التي نراها في سورية وفي العراق
لذلك السيد حسن نصر الله في خطابة تكلم بعدة مستويات ومعروف انه صاحب مبادئ وصاحب رؤية وهو لايخفي أي تعاطي أو تعامل بين لبنان وسورية في أصعب الظروف وهذه رؤية إستراتيجية وتاريخية ورؤية تدرك عمق العلاقة اللبنانية والسورية التي تتجاوز العلاقة بين حكومات وأنظمة وبين شعبين بل بين مصير واحد وليس عيبا ان يتحدث السيد حسن نصر الله من منطلق ايضا المصلحة حيث قال (اشرف لنا ان نذهب الى سورية قبل الاخرين الذين يقولون لكم اليوم هاجمو سورية وهاجموا العلاقات مع سورية ) لان من يقول هاجموا سورية طبيعي ان لدية معطيات والغريب ان كثير من هذه الدول التي تحرض أللبنانين على السورين هي نفسها تفتح خطوط وترسل مبعوثيها في السر والعلن من اجل عودة العلاقات مع سورية وخاصة مانراه من قطر التي تتراجع بعض الشيء بسبب مشكلتها مع السعودية ايضا السعودية عندما خسرت في اليمن مازال الشعب واقفا وصامدا والجيش واللجان الشعبية يحققون انتصارات في الحدود وفي البحرين مازال الشعب واقفا وصامدا وخسرت في العراق وخسرت في سورية وخسرت في إذكاء الفتنة الطائفية في لبنان وأين ما اتجهت السعودية تكون خسارتها فادحة لذلك السعودية ليس لها دور في سورية ودورها لم يعد موجودا وأصبح هناك مطالبات سعودية بسيطة لشخصيات سورية محسوبة علي السعودية تتطالب من إيجاد مواقع ثانوية لها في الدولة السورية خاصة بعد ان تبين لهم ان المعركة في سورية قد حسمت لصالح الدولة والجيش والشعب السوري والقيادة والرئيس بشار الأسد وهذا يعني أن الدولة السورية دولة قائمة ودولة مدنية تعترف بالإسلام وأهميته ودولة عروبية يعني لاتؤمن بالأممية الارهابية
لذلك رأت هذه الدول أن سورية مازالت قوية وهم يريدون مشاركة سورية لأنها ستكون مرحلتها القادمة ذات أفاق عديدة اقتصادية وسياسية وإستراتيجية
وما تحدث به السيد حسن نصر الله أن بعض الدول العربية تحاول التقرب من النظام السوري هذا واضح
في الخطاب لم يذكر السيد حسن نصر الله الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها من الدول الأوربية الراغبة لسورية ولكنه قال (ان الولايات المتحدة الأمريكية تقول أن معركتي الرئيسية هي مع داعش وتعتبر ان المعركة مع النظام السوري مازال مؤجل )
وليس سرا ان السيد حسن نصر الله وهو المطلوب الأول لإسرائيل ويواجه كثير من التهديدات سوى من الكيان الصهيوني أومن المنظمات الارهابية ومن الولايات المتحدة الأمريكية وملاحقات وتحريض دولي وعملية حشد الرأي العام ضد السيد حسن نصر الله إلا أنه استطاع بكل سهولة ان يصل إلي سورية ويلتقي بالرئيس الأسد وكشف بذلك السيد حسن نصر الله بأنه ذهب إلى سورية
لذلك زيارته لسورية بحد ذاتها رسالة تحدي لها أبعاد أهمها
1. تحدي وثقة بالنصر تعبر عن دور سورية في الانتصار الذي حصل في لبنان من خلال شكر السيد حسن للجيش العربي السوري
2. بين أن حزب الله قوة ضاربة أساسية في التحولات الجغرافية السياسية على مستوي المنطقة
3. حسن نصر الله والسيد الرئيس بشار الاسد هم شركاء متكاملين حسن نصر الله رجل قرار على مستوي الإقليم وعلى مستوى محور المقاومة
4. جاء السيد حسن نصر الله للرئيس بشار ليتحدث بمنطق الشريك
5. بين التعاون في القتال السوري من اجل لبنان وليس أولوية سورية
6. الحراك الدولي باتجاه دمشق بينما فريق عربي يرفض التعامل مع دمشق ظاهريا ويمنع بعض اللبناني من التعامل مع دمشق وهي تتعامل ولكن من تحت الطاولة
7. استطاع ان يجعل لحزب الله مكانة ودور في الصراع الذي يجري في المنطقة من خلال رسالة موجه أولا الي الداخل اللبناني في المطالبة بوضع تصورات واستعداد ليس عسكريا فقط بل في كل المجالات لتحرير باقي الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفر شوبه وهذا الكلام موجه للجهات في الداخل اللبناني التي لاتريد أن تقتنع بإنتصار المقاومة لأن عليها غشاوة يحيط بعقول وأدمغة هؤلاء بحيث لايرون ولا يفكرون إلا بأحقادهم وكراهيتهم بمعنى أنها مصممة على نظرتها فمهما عمل حزب الله ومهما عمل الجيش اللبناني لن يعجبهم على الإطلاق ودائما يبحثون عن اتهامات وعن مماحكات من اجل الانتقاص من أي انجاز يحدث في الساحة اللبنانية وبالتالي هؤلاء لايريدون الاقتناع أنهم الدولة العربية الوحيدة التي انتصرت على إسرائيل
8. الانتصار موجه برسالة لإسرائيل بعد تحرير الحدود وتفهم إسرائيل معنى هذا الانتصار , فإذا تم تجنيد الجيش اللبناني لمواجهة داعش فلابد من ان هذا الجيش سيواجه إسرائيل وسينتصر والإسرائيليون يعلمون بهذا الانتصار لأنهم خسروا أربع مراحل
الهزيمة الأولي: انهزموا لان نظام الأسد مازال قائم فقد كانوا يريدون إسقاط نظام الأسد وهومطلب من إسرائيل والسعودية والامارات وبعض الدول الغربية
الهزيمة الثانية أن سورية لم تتمزق وبقية متماسكة
الهزيمة الثالثة أن حزب الله مازال قوة ضاربة على الأرض
الهزيمة الرابعة أن إيران أصبحت اقرب إلى سورية وهذا لايعني آن الجيش الإيراني سيأتي إلى سورية بل يكفي أن يفتح الباب للمتطوعين من كل أنحاء العالم ومن العالم الإسلامي وهذا سيشكل ضربة قوية لإسرائيل
لهذا أصبحت إسرائيل مرتبكة بشكل كبير بدليل ان حركاتهم السياسية والدبلوماسية الى حد كبير عشوائية وغير منتظمة وهذا دليل انفعال تصيب الاسرائلين السياسيين والقادة العسكريين هذا الانتصار ارعب قادة الكيان الإسرائيلي، حيث اشار نتنياهو أن «إيران التي تدعم محور المقاومة قد قامت بإنشاء مصانع في سورية ولبنان لإنتاج الصواريخ» ذات الدقة العالية في التصويب، هذا النصر رغم أنه يشكل بشارة أمل كبيرة بانتهاء الفتنة التكفيرية في عموم المنطقة, إلا أنه لا يعني انتهاء ظاهرة الإرهاب في المنطقة, لانها مازالت هذه التنظيمات تتلقى الدعم وما يبديه من قلق إسرائيلي بالانتصارات التي حققها حزب الله على داعش ترددت بقوة داخل إسرائيل وآخرها تسليم المؤسسة الأمنية التي صرحت بان الرئيس السوري بشار الأسد باقي في رأس النظام وهذا إقرار منهم بان إسرائيل منية بالهزيمة في سورية واعترافهم بالانتصار الجديد الذي حققه حزب الله هناك وخوف إسرائيل في أن حزب الله من خلال الانجازات التي حققها في المعركة ضد داعش الي سيطرته مع الجيش السوري على الحدود السورية اللبنانية الأمر الذي ستكون له تداعيات إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل ولهذا كانت المعضلة التي واجهتها إسرائيل هي ضيق الخيارات التي أمامها في مواجهة الواقع إلى جانب محدودية القدرة على تغيره
فماذا سيفعلون أمام القوة الكبيرة التي تتشكل الآن في المنطقة والتي سيكون لها تأثير عسكري كبير ليس على إسرائيل فقط بل على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى دول الخليج السمسار على شرف الأمة العربية والخادمة والخانعة لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية
نقول ان الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لن يسلمون بالوقائع الحالية وهو انتصر مشروع محور المقاومة حتى لو تناست مشروع 2000بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج القوات السورية بعد انتصار 2006م وتم محاولة عزل حزب الله ووصفه بالإرهاب لذلك لن تسلم بهذه الانتصارات والوقائع لماذا؟ لان المعركة لم تنتهي وهذا ما تحدث به السيد الرئيس بشار الأسد وتحدث ايضا السيد حسن نصر الله الذين اشارو إلى أننا في طريقنا للانتصار ولم يتحدثوا عن حسم نهائي للمعركة لذلك ترى الدول الغربية أن هناك طريق سريع يمتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلي بيروت والى غزة بمعنى تشكل كتلة كبيرة من طهران إلى بيروت ومن ثم الى غزة عبر سورية او عبر العراق فهذه الكتلة الكبيرة تشكل تحدي اكبر مما كان الغرب يعتقد انه باستطاعة ضرب إيران ولكنها فشل بسبب طبيعة إيران وجاهزيتها والظرف الدولي الذي منع توجيه ضربة إلي إيران وكانت هناك محاولة على سورية والتي مازالت قائمة لكسر هذا المحور لأنه يشكل برئيهم خطر استراتيجي يعكس أي خطر له بعد تكتيكي
كما أشار سماحة السيد أيضاً أن هناك ضغوط خارجية من منع الجيش اللبناني من القضاء على داعش وهذا صحيح لان أمريكا وإسرائيل وهم أرباب هذا المشروع لن يستسلموا بالرغم من أنهم يعانوا من أزمات داخلية فهناك أزمة بنيوية داخل الولايات المتحدة من خلال الارتباك الذي يتحكم بسياسة ترامب وقد رأينا كثير من الإقالات بين رجاله وكذلك الأمر في إسرائيل لذلك هم لن ييأسوا خصوصا الصهاينة لأننا لا نستطيع ان نفصل بين السياسة الصهيونية والأمريكية التي تعتبر الأداة المنفذة للسياسة الصهيونية وسيعتمد الوسيلة التقليدية وهي العمل على ايقاع بين أطراف هذا المحور الذي تصدى لهذا المشروع الخطير
من هنا أقول أن إشارة السيد حسن نصر الله عندما قال أن هذه الانتصارات ليست موجه ضد أي طرف لبناني داخلي وعلينا ان نتمسك بعضنا البعض لكي نحقق المزيد من الانتصارات واعتقد ان في أجندت حزب الله وهذا ما يرعب الصهاينة انه الخوف من الدخول إلى أراضيهم خصوصا في موضوع الجولان وهذا الذي استدعى من نتنياهو أن يذهب إلى روسيا لكي يشتكي من حزب الله ومن الجيش السوري وهو يعلم ان حزب الله هو حزب لبناني وقوة إقليمية لبنانية وعربية ويؤدي دور مناهض للدور الإسرائيلي في لبنان أو في سورية أو في العراق ولن يستطيع احد في الداخل اللبناني أو العربي أن يقارعه وأمريكا بعدما خسرت مشروعها في المنطقة تبحث الآن على أدوات جديدة وليس لديها غير ورقتين ورقة إسرائيل وورقة الأكراد لأنهم منتشرون في أربع دول وتستطيع أمريكا أن تحركهم بالرغم من قناعتي ان في داخل الأكراد هناك أحزاب مناهضة للعدو الإسرائيلي..أبارك للجيشين العربي السوري واللبناني على هذا الانتصار وللمقاومة اللبنانية.