728x90 AdSpace

27 يوليو 2017

معركة جرود عرسال: معركة المفاجآت والذهول والصدمة.

العميد د. امين محمد حطيط :
لم يكن أحد من الخبراء ومحترفي شؤون القتال والميدان يتوقع او يتصور ان تنتهي معركة تطهير 300 كل م2 يحتلها 1000 مسلح شديدي المراس وعميقي التحصن في الأرض بمثل هذه السرعة وبتلك السلاسة غير المسبوقة تقريبا في تاريخ النزاعات المسلحة والتاريخ العسكري بوجه عام.

ففي جرود عرسال تحصنت جبهة النصرة لنيف و 5 سنين و استفادت من طبيعتها الجغرافية ، من كهوفها و مغاورها و اوديتها و قممها و الأهم من وعورتها التي تمنع على أي مهاجم ان يصل الى ماربه الا بعد بذل الكثير الكثير من التضحيات و تحمل الكم الهائل من الخسائر ، و لذلك كانت جبهة النصرة في حالة الطمأنينة ان أحدا من خصومها او اعدائها لن يجرأ على مهاجمتها لانها في الموقع الراجح من كل الجوانب خاصة و انها تستفيد من غطاء داخلي لبناني يشكله لها تيار المستقبل و اخرين في الدول اللبنانية من رسميين يتولون مسؤوليات او خارج المؤسسات الدستورية اللبنانية يديرون كيانات اجتماعية و دينية او سياسية و فوق كل ذلك كانت مطمئنة الى الدعم الإسرائيلي الذي يتدخل لصالحها من الجولان الى عرسال في كل مرة تشعر فيه بضيق او حرج عملاني.
لهذا كله فان جبهة النصرة ومن خلفها من لبنانيين واقليميين ودوليين لم يأخذوا على محمل الجد كلام السيد حسن نصر الله حين قال بوجوب خروج الإرهابيين من جرود عرسال وان على جبهة النصرة ان تستفيد من الوقت المتاح للتفاوض للخروج سلما والا فانه لن يتحدث في الموضوع مرة أخرى وما أوحى له بان قرار اخراجهم اتخذ وبشكل ولا رجعة عنه سلما او حربا. 
ففي المفاوضات طرحت جبهة النصرة شروطا تعجيزية تعلم هي قبل غيرها بانه سترفض  و لكنها طرحتها لانها تريد ان تبقى  مطمئنة الى ان أحدا لا يستطيع إخراجها بالقوة و لكن حسابات النصرة و من معها و خلفها في الداخل اللبناني و في الخارج أخطأت التقدير و حصلت المفاجأة التي أحدثت زلزلا لدى الجميع ، مفاجأة صنعها حزب الله و توالدت منها مفاجآت على اكثر من صعيد أدخلت  الجميع في حالة من الذهول الى حد ان البعض فقد التوازن او فقد حتى القدرة على فهم الأمور وتحليلها ، و جعل الصديق و العدو يرسل اقماره الاصطناعية التي احتشدت فوق سماء عرسال تراقب ، تصور ، تتسقط الاخبار لتقف على حقيقة ما يجري للعبرة و الاستعبار للدرس و الاستثمار ، كما و لم يهمل مراقبة الداخل اللبناني الذي وصلت اليه مفاعيل توليد المفاجآت السياسية و الوطنية والإعلامية و ..و ...الخ وهنا نذكر بعض ما سجل في الميدان و خارجه كالتالي :
1. على صعيد توقيت العملية وساعة الصفر، نجح حزب الله ومنظروه في إخفاء التوقيت وادخلوا الجماعات الإرهابية وحاضنيهم في حالة ضبابية لا يستطيعون معرفة متى تنطلق العملية حتى ان الاستعانة بالأعلام وعبر منهجية الاستعلام بالأعلام لم تنجح في كشف التوقيت وما ان سقطت القذيفة الأولى في سياق النار التمهيدية حتى سقطت كل التوقعات السابقة حول ساعة الصفر وحده الجيش اللبناني لم يفاجأ وكان قد حجز قواته قبل 24 ساعة من العلمية لأنه شريك فيها رغم انف المنكرين.
2. على صعيد طبيعة المناورة. اعتمدت المقاومة مناورة مبتكرة معقدة خلافا لما توقعت جبهة النصرة التي اعدت نفسها لنمط دفاع فوجدت نفسها امام عملية من طبيعة أخرى حيث استطاعت المقاومة ان تهاجم و تخترق بسرعة على محاور ثلاثة من المقتربات المتاحة من الشرق و الجنوب و ان تتعامل مع قيود قائمة من الغرب و الشمال ثم تندفع في عملية اختراق رشيقة نحو 9 نقاط حاكمة رئيسية أدى الإمساك بها و السيطرة عليها في ست ساعات فقط  الى السيطرة   النارية و الميدانية  على نصف المنطقة التي تسيطر عليها جبهة النصرة ما قاد هذه الجبهة الإرهابية الى حال من الانهيار المعنوي و الارباك العملاني الميداني افقدها توازنها و حرمها من الاستفادة من كل ما كانت حضرته للمواجهة العسكرية الدفاعية المضمونة النتائج بظنهم .
3. على صعيد قواعد العمل في الميدان واحترام القانون الدولي الإنساني وقواعد الحرب. كان ملفتا حتى وكان صاعقا لدى البعض مدى تقيد رجال المقاومة بقواعد القانون الدولي الإنساني والا سلامي حيث امتنعوا عن القيام باي عمل من شانه الحاق الأذى بالمدنيين رغم ضرورته العسكرية، كما انهم وبعدما بلغوا حال الطمأنينة في انجاز المهمة والسيطرة على المنطقة منحوا المسلحين فرصة للخروج من الميدان مع ضمان سلامتهم وأخيرا كيف انهم امتنعوا عن قصف منطقة الملاهي ووادي حميد حيث لجأ اليها من تبقى من فلول المسلحين واختلطوا ببعض المدنيين هناك، فحاصرتهم المقاومة ولم ترهق المدنيين بنار.
4. على صعيد ردة الفعل الوطنية اللبنانية. هنا نقطة سيكون التوقف عندها طويلا عندما سيكتب تاريخ هذه المعركة، فقد استطاعت المقاومة ان تنتج بيئة من الوحدة الوطنية حولها غابت عن المشهد الشيباني منذ أكثر من 17 عام، وكان مهما جدا في لبنان ان ترى اشخاص من مختلف المناطق والطوائف يذهبون الى المستشفيات للتبرع بالدم لجرحى المقاومة وكانت مهمة تلك الهبة الإعلامية الوطنية التي ساهم فيها اعلام ورموز في السياسة والفكر والثقافة والاعلام اللبناني تمجد المقاومة وتؤازرها وتثني على تضحيتها شكرا وعرفانا.
 لقد خاضت المقاومة معركة التحرير في الجرود فأنتجت تظاهرة توحيد وطني في المدن والبلدات اللبنانية ولم يبق خارج مواكب التأييد للمقاومة الا جهة سياسية واحدة مرتهنة في نشأتها ومسارها للخارج ويحفل تاريخها في نهب لبنان وافقاره والتسكع على أبواب حكام أجانب لا يبتغون الا الشر بلبنان خدمة لإسرائيل، حيث رأينا ان من بكى منهم على قتلى إسرائيل في العام 2006 بكى على قتلى الإرهابيين في العام 2017.
5. على الصعيد الخارجي العام. تابع الخارج معركة عرسال باهتمام كبير حتى ان الاعلام الغربي ذكر ان سماء عرسال ازدحمت بالأقمار الاصطناعية التي تسجل وتنقل كيف يقود حزب الله معركته وكيف يتقن العمل والتنسيق الرائع مع جيشين تقليدين في الان نفسه الجيش العربي السوري شرقا والجش اللبناني غربا وكيف يمارس عملية التنسيق بين الأسلحة المشاركة في العملية دون ان يسجل خطا ميداني واحد مهما كان طفيفا. كيف يتقدم كيف يخترق كيف يمسك بالنقاط الحاكمة كيف ...وكيف ...وكيف ينتصر ويحقق الإنجاز العسكري في مهلة قياسية تفوق التوقع. وهنا نجد ان إسرائيل كانت الأكثر اهتماما بتتبع ما يجري لانها تعرف ان كل ما يحصله الحزب ومقاتلوه من خبرات سيستعمل يوما ضدها في المواجهة التي لا بد آتية في يوم ما.


  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: معركة جرود عرسال: معركة المفاجآت والذهول والصدمة. Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً