728x90 AdSpace

1 ديسمبر 2015

سؤال اللحظة

بقلم /د. عبدالعزيز المقالح  :
هل كانت الزوابع التي تعصف بالمنطقة العربية مفاجأة أم كان الجميع على علم مسبق بها؟ هذا هو سؤال اللحظة، والإجابة عليه من السهولة بمكان وإن كانت الصعوبة تكمن في التفاصيل، فقد كان واضحاً للجميع، والجميع هنا، هم الحكام وزعماء الأحزاب والمثقفون وكل ذي حد أدنى من الوعي جميع هؤلاء كانوا يدركون إلى أين تسير البلاد وإلى أي مصير يُقاد الشعب. كان كل المقيمين بالأمر، أمر البلاد وأمر الناس يدركون هذه النتيجة ويشعرون وكأنهم يسيرون إليها مرغمين أو أنهم يسيرون نياماً. و"السرنم" أو السائر وهو نائم لا يدري إلى أين تقوده قدماه وإلى أي حفرة أو هاوية تذهبان به . والغريب أن العرب عموماً –ولسنا وحدنا- كانوا قد فقدوا الوعي بالخطر الداهم سواء في حالة "الصحو" أو "المنام" ونسوا أو تناسوا أنهم يواجهون واقعاً و"دزينة" من الأعداء .

وعلى من يريد أن يتأكد أن العرب كانوا يدركون حقيقة ما يعانون منه أن يعود إلى الوراء ثلاثة عقود على الأقل لكي يقرأ ما كانت الأقلام تكتبه وكيف كانت تدق الأجراس بهدوء أحياناً وبعنف أحياناً، وما كان ينشر في صفحات الرأي من تحليلات وتحذيرات ومن وضع للنقاط تحت وفوق الحروف وتقديم سلسلة من الرؤى لا ينقصها الصراحة ولا الإحساس بالخطر الزاحف. ولنا هنا أن نقول أن البداية بداية الانحدار والوصول إلى الكارثة الراهنة قد تمثلت في اتفاقية "كامب ديفيد" المشؤومة وما تلاها من انقسامات وأنشطة دولية تسعى لضم مزيد من الأقطار العربية إلى موقف مصر كامب ديفيد والتخلي عن القضية المركزية للعرب أجمعين ، وكيف أن تلك البداية اللعينة قد شجعت القوى الكبرى على مواصلة السير في تنفيذ مخطط التدمير وافتعال المؤمرات وتخويف الأنظمة العربية من بعضها، وكان ضرب العراق وتدمير مقدراته وإخراجه من ساحة المواجهة هي الخطوة الثانية بعد "الكامب".
وما الصورة الراهنة للواقع العربي سوى التجسيد الصارخ للهدف الذي توخّاه الأعداء ونجحوا في تحقيقه. وطن عربي تمزقه الأحداث والخلافات، يأكل بعضه بعضاً وتنهش فيه الطائفية والصراعات الدينية. وطن يهيء نفسه بجدارة للخروج من التاريخ وكأنما حضارته وحضوره المدهش في التاريخ لم يكونا سوى جملة معترضة أدت مهمتها الاعتراضية في وقت ما. وذهبت إلى غير رجعة. ولم يبق أمام المتفائلين من أبناء هذا الوطن الكبير سوى أن يُصعّدوا في لحظة الكآبة هذه زفرة الندم، تلك التي تشبه زفرة آخر عربي وهو يودع جنات الأندلس وكل ما صنعه أجداده على ترابها من معالم حضارة ما تزال شواهدها قائمة حتى الآن، ولن يتمكن الزمن مهما تقادم من أن يمحو كلمة واحدة أو يقوّض حجرة من أحجارها الممهورة بالعبارة الخالدة "لا غالب إلا الله" .
ما أسوأ الواقع الراهن إذاً وما أبشع الصورة التي يقدمها العرب للآخرين، حروب، دماء، هزائم، مجاعات، اتهامات متبادلة، خروج عن الثوابت الروحية وتجاوز للمواثيق والأعراف، إفلاس اقتصادي وأخلاقي، تلك هي الصورة أو جوانب منها. وما يبعث على بصيص من الأمل أن هناك من المتفائلين من يرى أن اللحظة التي يرجع فيها العقل العربي إلى صوابه اقتربت، وأن بعضاً من حكام المرحلة الراهنة بدأوا يستشعرون هول الكارثة، وهم في طريقهم إلى إعادة حساباتهم والتوقف عن الزحف الحثيث نحو الهاوية بعد أن شارف الجميع على الوقوع فيها، ولن يتردد هذا البعض –كما يقول المتفائلون- عن إعلان براءتهم من المشاركة في تمادي حالات التشظي السياسي والاجتماعي، وبراءتهم أيضاً من تشجيع كل المحاولات المؤدية إلى الفُرقة والدعوة إلى الحروب الأهلية.
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: سؤال اللحظة Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً