بقلم / م. ميشيل كلاغاصي :
تقول الحكمة : لا ينفع الركض السريع اذا جاء متأخراً .
هذا ما يشعر به الامريكان في هذه الأيام بعدما تيقّنوا من خسارتهم الحرب التي أعدّوا لها العدّة بتأنٍ و حرص شديدين , ويقينهم هذا ولّد لديهم الشعور بالذل والإهانة.
فتراهم يتعثرون ويتخبطون علّهم يجدون مخرجاً يوقف نزيفهم و يخفف خسارتهم,على عكس ما يظن البعض أنهم يبغون الفوز والانتصار, فها هم و في خضم المعركة و في أوقاتها الحاسمة يضطرون لتغيير أدواتهم و يعملون على استحضار أدوات أخرى قد تكون مناسبة و منافسة.
إن إفلاسهم السياسي و المترافق بتلاحق ضربات الجيش العربي السوري و المقاومة و الحليف و الشريك الروسي, جعلهم يسترجعون بعض ملفاتهم الخاسرة..
إذ لم يعد الميدان يمنحهم فرصا ًوآمالا ًجديدة, تدفعهم للمضي قدما ً في تحقيق أهدافهم في سوريا على وجه الخصوص, و لم يعد ضخ المزيد من الإرهابيين و زيادة تمويلهم و تسليحهم كما ًونوعا ً أمرا ً ذا فائدة.. و لم يعد باستطاعتهم تفادي المقاربة الجدية للحل السياسي , الذي لطالما تذرعوا به و اختبؤوا خلف عتباته و كوالسيه و دهاليزه.
لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية و كل إتباعها ممن تُطلق عليهم شركاء أو حلفاء – مخادعة ً – عامل الزمن و الذي يعتبر من أهم العناصر التي عوّلت عليها منذ بداية الحرب على سوريا.. فبعد أن بشرت بحرب ٍ طويلة قد تصل لثلاثين عاما ً, هاهي تحاول مواكبة سرعة الأحداث والوقائع و التي لم تكن لتتوقعها يوما ً, فالمشاركة العسكرية الروسية و قبولها الطلب الرسمي السوري , و تحول الجيش العربي السوري و حلفائه من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم و الحسم على كامل مساحة الوطن , بالإضافة إلى جهود الدولة السورية و بالإعتماد على العقلاء من رجالاتها, في دفع مسيرة المصالحات الوطنية.. والتي راهنت فيها على سياسة النفس الطويل , و أعطت الوقت الكافي لإرتقاء وعي الكثيرين من أبنائها ممن جرفتهم الأضاليل و الأكاذيب والأحلام الواهية , خاصة ً بعد إنكشاف الستار الأخير عن وجه المؤامرة , ووضوح الرؤية للجميع , فما عادت القصة ثورة ً و لا ثوار, فضرب سوريا و تقسيمها هو الهدف الرئيسي .. حتى من أصرّ على حمل السلاح , فوجئ بقوة و قدرة الجيش العربي السوري وبإنعكاس ذلك مباشرة ًعلى نفوس الإرهابيين خوفا ً و ذعرا ًو ارتباك , فأغلبهم يُقتلون ومنهم من عاد إلى حيث أتي .. في الوقت الذي تفتح الدولة ذراعيها لمن يطلب العودة إلى حضن الوطن.. في حين تدفع الجهود السياسية و الدبلوماسية للدولة الروسية والسورية وكل الحلفاء الصادقين الدفع في مسار الحل السياسي .. الذي أظهرت العديد من الدول تأييده, و أصبح وقف و إنهاء الحرب على سورية رغبة ً مدعومة ً من دول ٍ وأطياف ٍ عديدة حول العالم.. كما أن الأعمال و التهديدات الإرهابية التي طالت الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و بلجيكا و أغلب الدول الأوروبية - و غير بلاد - دفع الحكومات للتفكير جديا ً في الحل السياسي.
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية كسب بعض الوقت , فدفعت بحاكم تركيا الأهوج إلى مسرح الأحداث مجددا ً, مستغلة ً شبقه الوراثي العثماني في إعادة عقارب الزمن إلى عصر السلطنة البائد .. و الذي يعتقد فيه المارق العثماني, أن عليه أن يقبض ثمن اشتراكه في الحرب على سوريا سواء نجح المشروع أو لم ينجح !!- غبي ٌ من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقبل قسمة كعكتها -!!.
فقد أطاح بإسقاطه الطائرة الروسية في سوريا بعلاقات ٍ استراتيجية و تجارية وعسكرية هامة مع الدولة الروسية , و اعتقد أن الناتو سيكون سنده الحقيقي ! و لم يتوقف عند حدود العراق بل تخطاها خارقا ً سيادتها بجنوده و عرباته المصفحة و بتحليق طائراته , و تمسك بعدم الخروج منها على الرغم من امتعاض الحكومة العراقية , و إمهاله مدة يومين للإنسحاب.
و على الصعيد الخليجي .. كان للمملكة السعودية دورا ً سيئا ً, إذ استضافت مؤتمرا ً " للمعارضة السورية " في الخارج , وتجاهلت المعارضة الوطنية في الداخل السوري , ووزعت المال القذر على كل من حضر , وخرجت بإتفاق على إنشاء كيان يضم فصائل سياسية ومسلحة للإعداد لمحادثات سلام مع الحكومة السورية.. في سعي منها لتقديمهم كصنّاع قرار في التسوية السياسية ، عبر تعيين فريق تفاوضي خاص بذلك , وفق بيان جنيف 1, و الإتفاق على تشكيل هيئة مقرها الرياض لإختيار وفد المعارضة ....
و إذ ينص البيان على : قبول التفاوض مع الحكومة السورية والتمسك بوحدة الأراضي السورية , وبالدولة المدنية , واللامركزية الإدارية, والحفاظ على مؤسسات الدولة و إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية .. وسط انسحاب العديد من المشاركين غير المسلحين, و المسلحين كتنظيم " أحرار الشام الإرهابي".ّّ!!
اجتماع مضحك.. و لا يمكن أن يحمل للمملكة أيا وزن ٍ سياسي أو شرعي أو أخلاقي !!!
فكيف تسمح السعودية لنفسها أن تستضيف هكذا مؤتمر, و قبل أن يتم تشكيل اللوائح الأممية المحددة للتنظيمات المسلحة, و تستبق تصنيفها الإرهابي!!
و ماذا تشكل السعودية في وجدان الشارع السوري السياسي و الأخلاقي و حتى الديني... فالشعب السوري يتوق لنسفها عن وجه البسيطة سياسيا ً انتقاما ً لما فعلوه من دمار و خراب و لتلك الدماء السورية الطاهرة التي سفكوها.. أما أخلاقيا ً فيكفي أن تعرف المملكة رأي حلفائها و شركائها قبل أن تعرف رأي العالم المتمدن في سورية و العالم فيها ؟ .. أما دينيا ً فقد ساقتهم بدعهم منذ أمد ٍ بعيد وتبعوا حلما ً( الخطة البريطانية ) و الذي تظهر فيه شعلة ً تحرق البيوت و كل ما يعترض طريقها و فسروها على أنها دين جديد و سعوا بالدماء لنشر إنزياحهم الفكري والأخلاقي والديني عن طريق الحق , و كانوا الخنجر الأول في ظهر رسالة الحق ونبي العرب (ص).
هل يصدق العالم أنها دولة ً تساهم في صنع السلام ؟ و أنها تسعى لقيادة أعظم و أقدم وأعرق شعوب الأرض ؟ دون أن تمتلك ما تقدمه على طريق الحرية و الديمقراطية و التطور ؟ أين منها خطابها ؟
لقد استقبلت من استقبلت و دفعت لهم ما دفعت !! لتسويق أفكار مشغليها.. وأن تمسكها ببنود مؤتمر جنيف1 ما هو إلا ّ تمسكا ً ببندٍ خيالي ٍ وحيد , يحتفظون به فقط في خزائن أهدافهم وأحلام يقظتهم , هو تشكيل " هيئة حكم إنتقالي ".. و يحهم يريدون سورية على مقاسهم !...
فكيف لوطن التسعة آلاف عام أن يرسمه شخص أو مجموعة أشخاص ؟؟ خصوصاُ أن منهم من تآمر عليها , و طعنها في ظهرها , وتاجر بإسمها و تاريخها ! .. مراؤون و يكذبون , وينطقون بلسان سوري فيما يسعون لخدمة أسيادهم ..
يا لها من معادلة ٍ... مملكة حاقدة وتحلم بالمجد والحوريات , و تغرق بالفساد والجهل والقسوة والجلد وقطع الرؤوس .. و تتبنى مؤتمر معارضة لدولة ٍ تسبق أسيادهم في حضارتها وعراقتها ..!؟.
فلن ينسى السوريون كلام الحق " فمنها يخرج قرن الشيطان ".. بعدما نجحت في أن تكون مملكة الإرهاب بإمتياز .. ولم تستطع أن تكون دولة ً - فبقيت مملكة و ملك و أتباع.! وما هي إلاّ عصابة ٌحاقدة و مجرمة و متعطشة للدماء .. واستطاعت أن تحصل على جزء من مال نفطها.. ووظفته لخدمة مشاريع الشيطان, ماذا ستجني و قد تأكد للعالم أن " من يزرع الريح يحصد العاصفة "؟.
و هاهي تعلن إفلاسها عبر وزيرها التافه , الذي لم ينكفئ بالوعيد والتهديد , و بتوقّعاته بهزيمة الأسد العسكرية , والسياسية , و يستنتج ضرورة رحيله الحتمية ..
لم يدرك الوزير الغبي أن كلامه يشكل اعترافا ًصريحا ً بالتدخل في الشؤون السورية, و بقيادة الإرهاب المنظم والعدوان المباشر على سورية.. لقد سجل اسمه في سجل العابرين , وما عليه سوى الإنصراف .
لقد تلت المملكة بيانها و نتائج مؤتمرها عبر قراءة الورقة الأمريكية المكتوبة سلفا ً , واختارت من كُتب اسمه فيها , وكل ما تفعله هو خدمة العبد للسيد .
و قد أتى الرد السوري الداخلي لأطياف المعارضة الوطنية , الذي رفض كل ما جاء في بيان الرياض , وَسخِر من وجود معارضين مسلحين في جسم وفد ٍ سياسي , و فات المملكة أن تضيف اسم البغدادي و الجولاني و أبو سياف إلى الوفد .!!
في الوقت الذي ترفض موسكو قيام المملكة بهذا الدور, و ترفض تمثيل وفد " الرياض للمعارضة السورية" , و الذي يعتبر من مهام المبعوث الأممي " ديمستورا " , فضلا ً عن دعوتها منظمات ٍ إرهابية بإمتياز .
إن إتجاه بعض الدول نحو الحل السياسي دون التسلح بالجدية الكافية , يعتبر مزيدا ًمن المناورات والخدع السياسية , ولا يبشر بنتائج مثمرة لمحادثات نيويورك , أو للمحادثات الرسمية في بداية العام الجديد .
ويبقى للميدان سره ... فقد تسبب في إصابة السيد أوباما و رفيقه كيري بالحسرة و الكاّبة .. و لهذا سنفتح الباب و نكشف الحجاب:
فقد فات الادارة الأمريكية معرفة أن أغلب ضباط الجيش العربي السوري و السوريين عامةً يحبون و يجيدون لعبة الشطرنج وما تتطلبه من ذهنية , الأمر الذي مكّنهم من الحفاظ على فارق الخطوة و استغلال الخطأ الأمريكي في اختيار زمان و مكان الحرب الحالية للوصول لأهدافهم في المنطقة.
فعلى مدى خمس سنوات و بذكاءٍ كبير تجنّب السوريون الأخطاء و كانوا واثقين من النصر طالما حافظوا على فارق الخطوة.
في حين كان الأمريكان الذين يعشقون البيسبول يعتمدون على ضربةِ حظٍ تجعل من لاعب البيسبول إما خاسرا ً أو رابحا ً.. مثل المقامر تماماً .
إن ذهنية لاعب الشطرنج تختلف تماماً عن ذهنية لاعب البيسبول , فالأول ذكيٌ وخبير و متمرّس , فيما الثاني مقامرٌ محظوظ أو مغامرٌ خاسر يفكّر بتغيير الكرة و العصا ( الأدوات ) ليجدد أمله و تفاؤله في الفوز .
هذا ما سيجعل النتيجة المباشرة تؤكّد فوز الشطرنج السوري على البيسبول الأمريكي.
12/12/2015 .