 |
| اللوحة لسلفادور دالي |
بقلم الدكتورة / ريم عبدالغني
موظف مطار بيروت، متعال كطاووس، ليس مستعداً لمناقشة سوريّ قادم بجواز سفر لا يحمل تأشيرة دخول إلى لبنان...
معتز يتصبب عرقاً: "لكن يا سيدي... إنّهم ينتظرونني خارجاً في بهو الوصول... أمي وإخوتي.. عانوا الأمرّين ليأتوا من السويداء إلى هنا... أرجَعوهم ثلاثة مرات من الحدود إلى أن نجحوا قبل أيّام في الدخول إلى لبنان...
"الأوامر أوامر".. يجيب الضابط المتجهّم بنفاد صبر..
منذ متى يتفقون على طاعة أوامر القانون هنا... ألا يتعاركون منذ فترة طويلة على اختيار رئيس للبلاد أو مكبّ نفايات.. دون نتيجة؟.
"ستُرسلون إلى سورية" يقول الضابط بلهجة مبطّنة بالتشفّي والتأديب..
"سيادة الضابط"... يتوسّل معتز علّ الوجه الصارم فوق البذة الزرقاء يلين...
"أرجوك..معاليك ... أنا..أنا لست ذاهباً إلى سورية... أم المعتز تنتظرني في الخارج... لم أرها منذ ثلاثة سنين...أصلاً لا أستطيع الذهاب إلى سورية... فأنا في الثلاثين.. مطلوب إلى احتياطيّ الجيش... لا أتهرّب من خدمة الوطن..لكنني لا أريد أن اشارك او أموت في حرب حمقاء... أرجوك أن تقدّر ال..".
"لا علاقة لنا بهذه التفاصيل".يقاطعه الضابط بجفاء..
"طيّب... ألا تسمح لي أن أراها لدقائق على الأقلّ؟.... أرجوك أن تأذن لها بالدخول، هي في الخارج... ستعرفها فوراً.... سيّدة مسنّة قصيرة القامة، وجهها أبيض مستدير... يشعّ نوراً وسط حجابها الأبيض...
باب السيارة يطبق على قلبه... يحشره مع ثلاثة من أمثاله المتهمين "بالجنسية السوريّة"... وتنطلق السيّارة من مطار بيروت باتجاه طرابلس... لترمي بهم كأكياس القمامة إلى قدرهم ... في الطرف الآخر من حدود "العريضة".
ريم عبد الغني كتاب"شظايا غربة"
 |
| اللوحة لسلفادور دالي |
خمس سنين مضتْ -بل خمسة قرون- منذ اندلعت النار في وطني، ولم تشبع بعد ... أكلتْ الأخضر واليابس...الأرض والحجر... بعد أن ابتلعتْ أحباباً وأصدقاء وذكريات وأحلاماً ... ونثرتنا غرباء في كل مكان... شظايا في مشارق الأرض ومغاربها... حيث رستْ -أو غرقتْ- سفننا...
من منّا نحن السوريّون هانئ داخل البلد أو خارجها ؟...
من منّا لا يبكي جهراً أو سراً كل مساء على وسادته؟...
هربنا من النار... لكنّ جمرها ما فتأ يستعر في أحشاءنا...
لا... لا شيء يشبه الوطن... إلا الوطن..
