أحمد سيف حاشد:
(1) المعارك الذي يخوضها اليمنيون في جيزان ونجران وعسير تحمل في طياتها أسرار عديدة، لعل أهمها ما يكشفه سهولة النيل من حياة قادة عسكرين كبار، بالإضافة لسهولة النيل من مدرعات وآليات وعتاد الجيش السعودي، وسهولة التوغل في العمق السعودي دون مقاومة عنيدة أو حقيقية.
هذا لا ينتقص من قدرة اليمنيين وشجاعتهم، ونجاح تكتيكاتهم، واستخدام خبراتهم القتالية المكتسبة، ولكن ما اقصده أن هناك صراع في الأسرة الحاكمة في السعودية يلقي بضلالة على معارك الجيش السعودي في هذه المناطق.
(2)
ورغم النجاح النسبي الذي حققته حرب السعودية على اليمن لصالح نقل السلطة لمحمد بن سلمان في إطار إعادة ترتيب البيت السعودي إلا أن هذا الانتقال وإعادة الترتيب للبيت لا زال لم يكتمل بعد، وعدم الاكتمال هذا بات يهدد ما أُنجز.
ولذلك تصر السعودية ممثلة بوزير الدفاع محمد بن سلمان على استمرار حربها وعدوانها على اليمن حتى تكتمل هذه المهمة، وكمالها لن يكون إلا بوصول بن سلمان إلى رأس نظام الحكم في السعودية، فضلا عن التخلص من معارضيه ومنافسيه..
إن وقف الحرب معناه فشل مخطط بن سلمان، وأي فشل معناه نهاية مستقبل محمد بن سلمان، ولذلك ستستمر حرب السعودية على اليمن إلى أن يصل محمد بن سلمان إلى ملك لا أقل. وهذا ما يفسر تعنت السعودية حيال أي حلول لوقف الحرب في اليمن واستمرار رفع سقف شروطها لوقف الحرب..
إن كل الأمر منوط بوصول بن سلمان إلى رأس نظام الحكم أولا، وإعادة ترتيب البيت السعودي ثانيا.
وثالثا تحقيق نجاح في اليمن يفرض وصايتها عليه أو اقتطاع بعض من أراضيه والتحول إلى لاعب إقليمي معترف به مثلها مثل إيران وتركيا.
(3)
لقد نجح وزير الدفاع محمد بن سلمان في أن يكون الرجل القوي في المملكة، مستغلا استحواذه على قرار والده الملك، وبهذا الاستحواذ أستطاع أن يكون وزيرا للدفاع، وتمكن من إزاحة ولي العهد مقرن بن عبد العزيز، وقطع أيلولة ولاية العهد إلى أحمد عبد العزيز، ووصل هو لمنصب ولي العهد، ودفع بمحمد بن نايف ليكون وليا للعهد، في خطوة تمكنه لاحقا من إزاحته طالما والده لا زال ملكا، والتخلص من ولي العهد بن نائف بات وشيكا أو قريب ليفسح الطريق لنفسه ليكون هو ولي للعهد وبعدها سيكون الطريق سالكا أمامه ليكون الملك.
(4)
من أجل أن يصل محمد بن سلمان إلى ولاية العهد عليه إزاحة محمد بن نائف من ولاية العهد وإزاحة متعب بن عبد الله من قيادة الحرس الوطني، وقد أستشعر محمد بن نائف بما يضمره بن سلمان حياله، ولهذا التما بن نايف ومتعب على بعضهما في محاولة لمواجهة بن سلمان، وعلى نخو غير معلن.. وصار الطرفين يعملان لإضعاف بعض، وضربات الطرفين لبعضهما لا زالت تتم بغدر وتحت الحزام.
(5)
من أجل أن يضعف محمد بن سلمان متعب والحرس الوطني التابعة له أو التي يتولى قيادته المباشرة، يعمد بن سلمان إلى إرغامه على إرسال وحدات مهمة منها إلى مناطق جيزان ونجران وعسير، ويجد متعب نفسه مضطرا إلى تنفيذ أوامر وزير الدفاع بن سلمان، لأن عدم التنفيذ يعني أن محمد بن سلمان سيجد المبرر الذي يبحث عنه لإزاحة متعب من طريقه، وسيستصدر أمر من والده الملك بعزله أو إعفاؤه من قيادة الحرس الوطني بتهمة قوية في ظل الحرب، وهو وضع استثنائي لا يقوى متعب الدفاع عن نفسه حيالها، وسيجد هكذا قرار تفهما لوجاهة أسباب أو مبررات الإعفاء أو العزل.. ولذلك لا مجال لمقاومة إرسال ألوية الحرس الوطني الذي يقودها متعب لمناطق جيزان ونجران وعسير..
(6)
الحرب الذي يخوضها اليمنيون ضد السعودية في جيزان ونجران وعسير، تستنزف قوات الحرس الوطني على نحو غير مسبوق، تحكيها تلك المشاهد المتلفزة التي تظهر المدرعات والآليات التي تم النيل منها مجندلة، بعضها يجري على نحو يشبه المجازر بحق تلك الدبابات والآليات العسكرية السعودية.. إنه اللامعقول وهو الوصف المقارب لما يحدث هناك..
(7)
كما أن فرار الجنود السعوديين من مواقعهم على النحو الذي نشاهده، وفرار أطقم المدرعات والآليات وتركها لليمنيين ليدمروها بتلك السهولة أمر يحيّر ويبعث في المراقب ألف سؤال..
كما أن استهداف أو تمكن اليمنيين من قتل قادة ألوية وقادة وحدات حدود وقادة وحدات عسكرية من ذوي الرتب الكبيرة في الجيش السعودي بتلك الطريقة، والتمكن منهم بتلك السهولة تزيد من تلك الحيرة وتكاثر الأسئلة..
وما يبدو لي إن الصراع في إطار الأسرة الحاكمة صار يلقي بضلاله الكثيف على تلك المعارك التي تشهدها تلك المناطق، وهو حال يشبه إلى حد معين ما كان يحدث بين صالح ومحسن في الحربين الخامسة والسادسة مع الحوثيين أو ضدهم..
(8)
ومثلما يحاول ولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف الاستفادة من إخفاق المملكة في حربها مع اليمن، والاستفادة من منظومته وشبكته الأمنية، وعلاقاته واختراقاته للإسلامين المنتمين لداعش والقاعدة، والاستفادة من الحالة الصحية المتدهورة للملك سلمان الذي يعاني من الزهيمر وغيره مما يجعله غير مؤهلا للاستمرار في الحكم، والاستفادة أيضا من قيادة متعب بن عبد الله للحرس الوطني، وتوظيف كل ذلك بما يخدم مصالحه وطموحة لأن يحل محل الملك سلمان.
فعلى الضد يقف ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، والذي سيستمر في الاستفادة من سلطة والده الملك سلمان لتحقيق طموحه في المُلك، وسيستفيد من الحوادث الأخيرة التي حدثت بمكة ولاسيما سقوط الرافعة وتدافع منى، وذلك لاستخدامها عندما يحين الوقت لإزاحة محمد بن نايف، ليحل محله على طريق العبور إلى رئاسة نظام الحكم في السعودية.
(9)
وتبقى نتيجة الحرب مع اليمن هي الأهم والتي سوف تقرر مصير ومستقبل محمد بن سلمان.. فإن خسرها سيكون خسر كل شيء المُلك والمستقبل ..
وإجمالا اليمن هي من ستقرر ما تؤول له الأمور في المملكة إن انتصرت أو خسرت.. اليمن هي من ستحدد من يكون رجل السعودية الأول.