*كتب:المحامي محمد احمد الروسان*
السياسة معادلات حسابية، وفي السياسة وعلمها لا غنى عن الرياضيات السياسية، وأجمل ما في الرياضيات أنّها لا تكذب ولا تنافق ولا تجامل العواطف والعقول، وأساس علم الرياضيات المنطقية هي البديهيات، والأخيرة هي القضايا الفكرية التي لا تحتاج الى براهين.
فعلاً كما الضباع لا تستطيع العيش بمكان لا يحوي جيفاً تجتمع عليها، هي كذلك وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، خاصة بعد اعادة هندرتها، بمثابة مخابرات تبرير وفبركة لسباق تسلّح محموم، والولايات المتحدة الأمريكية تعمل على(استغبائنا واستغفالنا)كعرب ومسلمين، فهي تعمل هذا الأوان على إعادة إنتاج مفهوم الخطر الإيراني من جديد وقولبته توليفاً وتوظيفاً، مستغلةً حالات التطبيع الناعم كنتاج للأتفاق النووي والذي تمّ تسييله ايرانياً وأمريكيّاً مؤخراً(الأسرائيلي رافض وكامن ويستعد لأستراتيجية خلاّط المولينيكس)، وعلى شيطنة حزب الله اللبناني وبالتعاون والتنسيق مع الدولة العبرية ثكنة المرتزقة شتات يهود وصهاينة العالم(الطارئة على الجغرافيا والتاريخ في المنطقة) ومع الأدوات القذرة في الداخل اللبناني وبعض الدواخل العربية من جماعات تكفيريّة وغيرها، مترافقاً مع شحن طائفي ومذهبي واثني عرقي، وذلك عبر اسطوانات إعلامية "بروبوغنديّة"مشروخة، وتحت يافطة المحافظة على السلم والأمن الدوليين على المستوى الإقليمي والأممي، بشكل يتزامن في تصعيدات لمستويات الأرهاب المدخل الى الداخل السوري من دول جواره العربي وغير العربي، في استهداف الدولة الوطنية السورية وموردها البشري، وبعد الفعل العسكري الروسي حيث التاو والمانباد على كتف كل ارهابي وقريباً كما تقول المعلومات، حيث الدبلوماسية السعودية كديك عقيم تتوعد صيصانها ببيض العيد .
بعد بدء انتفاضة الشباب الفلسطيني السكّينيّة الحالية والمتصاعدة رغم أنف البعض العربي، حيث يسعى الأخير المعتّل لأحتوائها بالتعاون مع الأمريكي والغربي والأمم المتحدة في مواجهة ثكنة المرتزقة(اسرائيل)، تقول المعلومات لدينا: أنّ دوائر صنع القرار الإسرائيلي على المستويين السياسي والأمني الأستخباري لجهة مجتمع المخابرات الصهيوني، تعمل بجهد بالأعداد المستمر كخطط بديلة مقترحة لتنفيذ مخطط جهنمي لإطلاق شرارة الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتسخين الساحة الأردنية عبرالمثلّث الحدودي المشترك في الشمال الأردني(لحظة بدء استعادة درعا وريفها وجلّ جغرافية الجنوب السوري من قبل الجيش العربي السوري بغطاء جوي روسي، حيث عودة الأرهاب المدخل الى الداخل وفي بعض دواخل الجغرافيا الأردنية ذات الحواضن الجهادية السلفية التكفيرية، عبر الزومبيات المنتجة في كهوف تورا بورا ضمن حقبة زمنية خلت وولّت-(تحدثنا عن تنسيق روسي أردني عميق متعدد وبمستويات، في لقائنا على قناة الميادين في 7\10\2015 م لغايات حفظ أمن الحدود الشمالية والشمالية الشرقية مع بدء الفعل العسكري الروسي، تبعه بأيام انتشار متزايد للجيش العربي الأردني في الشمال حيث درعا في عمق الحدود المشتركة والشمال الشرقي، ونتاج لقاء جودة – لافروف 23 – 10 – 2015 م أكّد ما بحث على الميادين سابقاً بأسبوعين من قبلنا، وكما أسلفنا في تحليل سابق من حزيران هذا العام وقبل زيارة الملك الى موسكو، أنّ الأردني نحو نصف استدارة بالحدث السوري بمساعدة الروسي)- وبالتنسيق مع أشكال متقيحة من قبل الأسرائيلي مع بعض أجهزة استخبارات البعض العربي في منطقة الخليج(مجتمع المخابرات والأستخبارات الأردني لديه تصور كامل حول ذلك ويتابع بعمق ولديه متابعاته الخاصة)، كل ذلك وبعد الفعل العسكري الروسي في الداخل السوري ونتائجه المذهلة، والتي كشفت زيف وكذب الأمريكي والغربي والبعض العربي في مكافحة الأرهاب، حيث الأمريكي ومن يدور في فلكه يراقص فيروساته الأرهابية ولا يقاتلها، والذي عزّز هذه الرؤية للأسرائيلي الصهيوني ووضعها قيد التنفيذ، مؤشر زيارة الرئيس بشّار الأسد الى موسكو وخروج السيد حسن نصرالله في خطاب كامل ومفصّل مؤخراً في يوم عاشوراء.
بجانب أنّ زيارة الرئيس الأسد لموسكو السريّة، وخروج السيّد حسن نصرالله في يوم عاشوراء حيث ظهر وفي ظهره الروسي داعماً ومعزّزاً من قوته ورؤيته وفعله، والتعزيز العسكري الضخم والنوعي والكمي الروسي في سورية بصورة أذهلت الجميع حيث تم ادخاله بنعومة ودون يقين الأمريكي وحلفائه، وبدء الفعل العسكري بما فيه صواريخ كروز الروسيّة المجنّحة من قزوين الى الشمال السوري فكان الربط بالنار، حيث مقرات دواعش الماما الأمريكية والبعض العربي كأحرار الشام طالبان سورية، والبعض الغربي، وقبل ذلك كلّه الأزمة الأوكرانية وعودة القرم عبرها الى موسكو، يشكل كل ما سبق ذكره سلّة فشل استخباراتي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، واستخبارات البنتاغون ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي، واستخبارات الأوروبي والعربي المتحالف والمرتهن لقدره، وفشل لمجتمع المخابرات الأسرائيلية والذي لم يستطع معرفة كيف ومتى دخلت ووصلت صواريخ اي اس22 الى حزب الله بجانب الياخونت وبكميات، بجانب كل ما ذكر في سلّة الفشل الأستخباراتي تلك، كانت زيارة الأسد وخروج السيّد حسن نصرالله، بمثابة الخازوق السياسي المبشّم البهي في نعومته وسلاسته، حيث الزيارة والخروج جعلتا الجميع يتلمس بالمعنى الرأسي والعرضي لتضاريس ومنحنيات وعقد هذا الخازوق الذي يتحرك في أبدان وسعادين السياسة العربية والأسرائيلية والأقليمية والدولية، وهنا صارت الحرب على لبنان قادمة لا محالة، لكي يخلط الأسرائيلي الأوراق ببعضها في خلاّط مولينيكس، كون انتفاضة الشباب الفلسطيني الحالية تستنزفه وبعمق، وأنّ المنطقة الى تصعيد في كل الميادين والساحات.
تشي كل المؤشرات السياسية والأمنية(والأقتصادية لجهة ثروة الغاز على سواحل المتوسط)، التي يتم رصدها من قبل مجاميع استخبارات الطاقة الأممية المنتشرة كالفطر السام في المنطقة، وعبر قرون استشعاراتها وبالمعنى الأستطلاعي الأقتصادي تحديداً وبشكل منتظم، تقود وتشي بعمق بشكل مثير ويحفّز على المتابعة الى جهود استثنائية وجبّارة، تبذل من قبل أدوات(البلدربيرغ) الأمريكي من بعض العرب المرتهن والمصادر كمعاول تنفيذية ليس الاّ، وبالتعاون والتساوق الوثيق مع محور واشنطن تل أبيب ووجوهه وزومبياته أيضاً، كل ذلك بناءً ووفقاً لتوجهات جنين الحكومة الأممية في نواة الدولة الأمريكية ومفاصلها وتحوصلاتها، لجهة صراع الطاقة في الشرق الأوسط وعلى الساحل السوري والساحل اللبناني وعلى طول الساحل الفلسطيني المحتل على البحر المتوسط حتّى ساحل غزّة.
كلّ هذا وذاك كي يصار لأعادة ترسيم وتنميط معطيات الواقع السياسي والأمني والأجتماعي الديمغرافي الخاص، بمنطقة الشرق الأوسط ضمن سياق التمفصلات الميدانية المتصاعدة في الأزمة السورية، في ظل تماسك تينك المؤسسة العسكرية العربية السورية وأجهزتها الأمنية والأستخبارية وجسمها الدبلوماسي وعدم انهيار القطاع العام السوري، مع تلاحم شعبوي عميق ومتفق مع مؤسسات الدولة الوطنية السورية في الداخل السوري، فجاء الفعل العسكري الروسي بطلب سوري شرعي.
ومع ذلك لم ينجح هذا المحور الشيطاني ذو الوظائف الفيروسية، في خلق وقائع جديدة على أرض العمل الميداني، وان كان دفع ويدفع الى مزيد من تسخين الساحات السياسية الضعيفة، كساحات مخرجات لقضايا سياسية معقدة، لها علاقة وصلة بالديمغرافيا السكّانية، وأيضاً مزيد من تسخين الساحات القوية، سواءً أكانت محلية أم اقليمية كساحات متلقية مستهلكة، لتهديدات وتلويحات لحروب و \ أو اشتباكات عسكرية هنا وهناك، لصالح الدولة العبرية الكيان الصهيوني.
هكذا تذهب قراءات للحقائق الموضوعية في الشرق الأوسط، بحيث يعتبر وجود حزب الله واستمراره، بعقيدته العسكرية والأمنية والسياسية الحالية، عائق فعلي وكبير لا بل بمثابة ترياق لسموم وفيروسات محور واشنطن تل أبيب وترسيماته وتنميطاته للواقع السياسي للمنطقة، وحزب الله ريشة رسم واحداث وفعل، لمقاومة تنمو وتنمو شئنا أم أبينا، هكذا تتحدث لغة الميدان لا لغة المكاتب، فلغة الميدان تضع تنميطات وترسيمات خلاّقة، ولمسات فنيّه احترافية مهنية، نقيضة لترسيمات محور الشر والشيطان، على خارطة جديدة للشرق الساخن لا تروق لأحد في العالم.
لذلك نجد أنّ أطراف تفعيل مفاعيل الصراع الدائر حول ملف حزب الله اللبناني وارتباطاته الشاملة، ان لجهة القناة السورية وتعقيداتها ودخوله العسكري عليها كونه دخل ليبقى وذهب الى الجولان المحتل كي يبقى لبنان أيضاً(وجود الروسي كفاعل عسكري في سورية يخفف بعض العبء الأمني عنه)، وان لجهة القناة الأيرانية وحيوية الملاحة فيها وبعد الأنتهاء من تسييل مسار الأتفاق النووي تشريعيّاً، حيث الصراع على الأولى(سورية) وفيها كلبنة رئيسية، لأضعاف الثانية(ايران)المستهدفه بالأصل، وللوصول الى تسويات سياسية شاملة معها ليصار الى تفجيرها من الداخل عبر مفاصلها.
فلم تعد أطراف تفعيل الصراع حول حزب الله، أطراف لبنانية محلية أو اقليمية عربية، من معسكر المتخاذلين والمرتهنين العرب، بقدر ما أصبحت بفعل عوامل عديدة، أطراف دولية عابرة للقارات والحدود، تسعى الى تفعيل مفاعيل الصراع الشامل حوله، حيث الطرف الأميركي المحرّك لجهة التصعيد أحياناً ليفاوض أو لجهة التهدئة ليجني ويقطف على ما فاوض عليه الأطراف الأقليمية والدولية، والفرنسي المأزوم والممحون لجهة عودة العلاقات مع دمشق على الأقل بمستواها الأمني كما أشار بيف بونيه رئيس الأستخبارات الفرنسية الخارجية السابق، والطرف البريطاني المستشار الموثوق للأمريكي وكابح جماح الأخير، بجانب الطرف العبري الصهيوني المتقيّح، مع تراجع الأخير الى طرف فرعي ثانوي، لصالح الأطراف الثلاثة السابقة ولصالح بعض الأطراف العربية وخاصة الطرف السعودي.
حلول الطرف الدولي محل الطرف الأقليمي(معسكر المتخاذلين العرب) ومحل الطرف المحلي اللبناني والمتمثل في قوى 14 آذار، حيث اتفاق الدوحة الشهير في وقته، الذي حقق المصالحة اللبنانية اللبنانية بين قوى الرابع عشر من آذار وقوى الثامن من آذار، كان وما زال سبباً رئيسياً في تحييد واخراج الطرف المحلي اللبناني وتراجعه لصالح الجانب الأممي عبر عمليات احلال صراعية سياسية، قد تكون جاءت نتيجة توافق بين الأطراف الثلاثة تأسيساً لمذهبيات جديدة عبر الوسائل الدبلوماسية الأميركية العنيفة، وتثوير القوى المعارضة ضد حلفاء حزب الله وداعميه، وأعني سوريا وايران، حيث تم تثوير الشارع السوري عبر استثمارات هنا وهناك لأحتقاناته الشاملة، وادخال زومبيات الطرف الخارجي وزومبيات أدوات الطرف الخارجي من بعض العرب، ومن جهات الأرض الأربع الى الداخل السوري وما زال، فكانت القاعدة حيث تم اعادة تشكيلها من جديد وعبر مسمى جبهة النصرة والمدارة قطريّاً، وظهر قبلها ما سمّي بالجيش الحر والذي لم يعد له وجود يذكر، وكانت داعش والمدارة أمريكيّاً، وحاشا(أحرار الشام)طالبان سورية، في حين أنّ وزير خارجية قطر يعتبرها معتدله، الى ما يسمى بصعاليك جيش الفتح المدار تركيّاً، وجيش الأسلام جماعة زهران علوش الأرهابية المدارة سعوديّاً والصراعات بين هذه التنظيمات الأرهابية، كأداة سعودية تضيف أوراق سياسية للرياض كضمانات لأستمرار نسقها، ودفع انتقام سوري روسي منها(الملف اليمني ما زال مفتوحاً)، وتلغي أخرى من يد الدولة الوطنية السورية.
وما الزيارات التي قام في السابق ويقوم وسيقوم بها جون كيري، وهذا الحراك الدائم للدبلوماسية الأمريكية(المعلن والسري) لجهة سورية بعد بدء الفعل العسكري الروسي، وبعد زيارة الأسد لموسكو وخروج السيّد حسن، ولجهة احتواء انتفاضة الشباب الفلسطيني الحالية، واعتبار الصراع العربي الأسرائيلي، موضوع اسرائيلي فلسطيني داخلي يحل بين الطرفين وفقط، وكذلك الحديث والحديث المضاد في موضوع الوصول الى حل سياسي للمسألة السورية وما الى ذلك من كلام دبلوماسي لطاحونة الهواء، والدور المثير وغير المريح للقاهرة في احتضان بعض المعارضات السورية، كل ما سبق ذكره، ما هو الا للفت الأنتباه عمّا يجري اعداده للمنطقة العربية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام، هذا وتقول معيطات ووقائع ستاتيكو العلاقات الروسية السورية الأيرانية حزب الله، أنّ موسكو أطلعت حلفائها في المنطقة على جلّ ما لديها من معلومات حول ذلك، وأن خطط ب و ج جاهزة وبالتعاون مع الصين وبصورة أكثر عمقاً من الفعل العسكري الروسي الآن في سورية، ان تم تنفيذ ما يسعى له البلدربيرغ الأمريكي وذراعه المجمّع الصناعي الحربي في الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة الثيوقراطية الأمريكية في الداخل الأمريكي حكومة الأغنياء والأرستقراطيين.
ففي سورية فاشيّة دينيّة متصاعدة، وفي أوكرانيا فاشيّة ونازيّة جديدة تتوسّع، وفي أروقة مجتمعات استخبارات الطرف الثالث في المسألة الشامية، كخصوم للدولة الوطنية السورية جلسات عصف ذهني وخلاصات، وتتحدث المعلومات المتسربة وعن قصد أنّ منظومة الحسم الأستراتيجي في الأزمة الراهنة في بعض البؤر، استطاع النسق السياسي في دمشق تحقيقها والعملية ما زالت مستمرة، وترافقها عمليات الحسم الميداني لتعزيزها وتثبيتها على أرض الواقع وعبر لغة الميدان، وأي صيغ سياسية تفاوضية قد يصار لفرضها كحلول تستهدف: سد الأفق السياسي والأفق العسكري الذي يمهد للأول، وتعميق الخلافات والأزمة، مراقبة ومتابعة وبدقة، بعبارة أخرى اعادة انتاج بالمعنى السياسي للأزمة السورية من قبل الطرف الثالث، وبعض زواريبه من مشيخات القلق والبعض العربي الآخر، وصاروا يتحدثون بشكل ملفت عن المسار السياسي لأفشال الفعل العسكري الروسي ومواكبة الجيش السوري للطيران الحربي الروسي في السماء السورية، ودفع أو تشجيع النسق السوري للجلوس على طاولة المفاوضات من جديد، دون الأستمرار بفرض حالة التوازن العسكري في الميدان السوري كما هو مرسوم لها، حيث دمشق وموسكو لا تسعيان الى الحسم العسكري، كون الأخير يحتاج الى ثمن سياسي وهو لم ينضج بعد.
ومن المعروف للجميع أنّ السياسة استمرار للحرب، فانّ بنية الأخيرة بتفاصيلها استمرار للسياسة، وأي عملية عسكرية لا تقود الى نتائج سياسية، هي عملية فاشلة بامتياز حتّى ولو كانت عملية عسكرية داخلية، فجاءت زيارة الأسد لموسكو لتسييس عاصفة السوخوي الروسية في السماء السورية. فما نلحظه في سورية أنّ جلّ العمليات العسكرية في الداخل السوري من قبل قطاعات وتشكيلات الجيش السوري تقود الى نتائج سياسية مبهرة للدولة، ويكفي أنّ المجتمعات السورية المحلية لم تعد حاضنة لجلّ سفلة زبالة الأرهاب المدخل والمنتج في الداخل السوري، وصارت طارده بعمق له ورافق ذلك المصالحات السياسية لأخراج الأرهابيين من غير الجنسية السورية ومشغليهم.
نعم الأزمة السورية كأزمة اقليمية ودولية، ينام ويصحو الجميع على أحداثها، كرّست مفهوم جديد للسياسة سيدرّس لاحقاً في كل جامعات العالم ومراكز البحث الأممي، حيث لم تعد السياسة فن الممكن، فهذا مفهوم قديم وتقليدي أكل وشرب الدهر عليه ومنه حتّى شبع، السياسة الآن وبفعل ومفاعيل وتفاعلات وعقابيل ومآلات الحدث السوري والفعل العسكري الروسي، صارت تعني فن انتاج الضرورة كمنتج شامل، بعبارة أخرى صارت السياسة منتج أمني، ومنتج سياسي، ومنتج اقتصادي، ومنتج عسكري، ومنتج ثقافي وفكري، وبعيداً عن فلسفات سياسات تدوير الزاويا الخلافية في السياسة كمفهوم ونهج ووسيلة.
وبعد الأنجازات العسكرية السورية الأخيرة والمتواصلة، ان عبر العمليات العسكرية الهجومية مرّات عديدة والعمليات الدفاعية أحياناً، وان عبر سياسات واستراتيجيات المصالحات التي انتهجتها وتنتهجها الدولة الوطنية السورية، فانّه صار للنصر مفهوم جديد ومعيار مستحدث في علم الحروب، والأخيرة(الحرب)لا تحسم بالحل العسكري وحده فقط، بل وبالحل السياسي الذي صارت له قيمه أخلاقية وقيميّة اجتماعية تحاكي تجليات النصر العسكري الميداني، لذا مرة ثانيةً وثالثةً جاءت زيارة الأسد لموسكو لتسييس عاصفة السوخوي، وتسييس انجازات الجيش العربي السوري العقائدي في الميدان.
فالدولة الوطنية السورية تسير بخط الحسم العسكري وخط الحسم السياسي(بدء حوار سوري سوري والمصالحات)، ان في مناطق فرض فيها الجيش السوري سيطرته الكاملة، وان في تلك المناطق التي صارت على مشارف الفرض العسكري عليها، ودفعها الى فكرة الخروج والعودة الى حضن الدولة من جديد. فدمشق جادت وأبدعت وبمهنية محترفة في فن ممارسة الحرب ضد الأرهاب المدخل الى الداخل السوري من قبل دول الجوار مجتمعةً، وضد الأرهاب المصنّع في الداخل عبر الطرف الثالث في الحدث السوري وزاروب البعض العربي القلق وقبل بدئه بسنوات، وما رافق ذلك من وضع استراتيجيات صناعة الكذبة في الأزمة السورية وصناعة القاتل والضحية.
وأحسب أنّ مستقبل نهاية الأزمة في سورية، بحاجة الى من يجيد فن الحرب وكما أسلفنا ويتقن صناعة عملية السلام الداخلي عبر المصالحات الشاملة، ورأى العالم ما حدث في حمص القديمة وكيف سهّلت أطراف اقليمية مجبرةً ومكرهةً لذلك، لحاجة اخراج مجاميع ضبّاط استخباراتها من الداخل الحمصي القديم، من طرف سعودي وطرف تركي وطرف دويلة قطر، وكان منظر السادة الأرهابيون المنسحبون وكأنّهم لا بل هم: كالجراد المنتشر الجائع نحو العرق الأخضر للصعود في حافلات ذلّهم، الى حيث أرادوا أو أريد لهم أن يخرجوا اليه سوريّاً، ليصار الى تصعيدهم لملاقاة الحور العين التي جهدوا من أجلها، ولن يجدوا الاّ ما اقترفته آياديهم من ظلم حيث يهوون في نار جهنم، سبعون وسبعون وسبعون خريفاً حتّى يلج الجمل من سم الخياط(خرم الأبرة).
وصحيح أنّه تم انتزاع الورقة السورية السياسية من يد السوريين في بدايات الأحداث الى منتصفها تقريباً، وجعلها تتنقل بين مدارات التنازع الدولي وتنازعات البعض العربي المرتبط بالطرف الثالث في المسألة السورية، وتحديداً في أروقة مشيخات الرمال والقلق العربي، باستثناء واحدة أو اثنتين الى حد ما، لذا ليس القوي من يكسب الحرب وانما الضعيف هو من يخسر السلام.
وعندما نقول المجتمع الدولي وأدواره في سورية وأزمتها نقصد به: الولايات المتحدة الأمريكية، والدولة العبرية "اسرائيل"، وبريطانيا، وفرنسا، وزواريب البعض العربي التائه القلق، فانّ عرب الرمال يريدون استمرار اسالة الدم السوري ومزيد من استنزافات عميقة وعرضية للدولة الوطنية السورية، مسنوداً بمحفظة مالية ضخمة وحملات بروباغندا معادية مضادة، لذلك فانّ عرب الرمال وبعض العرب الآخر يدركون، أنّ أمريكا عندما تصل الى اللحظة التاريخية الحاسمة للمخايرة والأختيار بين حلفائها ومصالحها، فسوف تختار الأخيرة.
وتركيا(الدور التركي بقي على ما هو عليه ازاء سورية ولم يتغير)مثلاً علاقاتها مع الرياض بين بين، وترغب في عدم معاداة ايران ومحاولتها المستميتة في عدم اثارة غضب الفدرالية الروسية، صارت تتخذ خطوات أكثر تشدّداً ازاء ما تسمى بالمعارضة السورية لديها، والأخيرة بمثابة طروحات أنثى متتالية لعيب في قناة فالوبها، بل وأبلغت شريك الشيخ سعد الحريري في ثدي جيفري فيلتمان المساعد السياسي لبان كي مون، عقاب صقر الهارب من الداخل اللبناني والذي ينسّق مع المعارضة السورية بعدم رغبتها ببقائه في تركيا. واضح أنّ ما يجري في شرقنا الأوسط، هو حرب السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، حيث الغاز ومسارات خطوط آنابيبه عصبها ومحركها، والأطراف الرئيسيّة المشاركة في هذه الحرب، بجانب إيران وتركيا والسعودية وقطر "واسرائيل"، الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، والأخيرة لا تملك حقول غاز في منطقتنا وان كانت تملك محميات أمريكية، لكنها تريد امتلاك الفيتو على تحديد مساراتها ازاء شمال أوروبا وجنوبها، كون واشنطن استراتيجياً تعمل على اضعاف كل دول القارة الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وحصتها من العوائد، ومن المحتمل أن تدخل مصر إلى ساحة الصراع في المستقبل، من هنا يجب تفهم الوضع الحسّاس لروسيّا والصين ولإيران، حيث تقف موسكو وبكين وطهران بكل وضوح وقوّة في وجه تغيير النسق السياسي في سورية وعنوانه الرئيس الدكتور بشّار الأسد، لأنها تعتبر أنه إذا ما سقطت الحكومة السورية، فهذا يعني تعاظم في قوّة منافسيها في المنطقة، وأنّ استراتيجيات ادارات التوحش الأمريكية سوف تستهدفها ومن ورائها الفدرالية الروسية والصين وعبر تركيا ذاتها، حيث ايران نفسها الخاصرة الروسية الضعيفة. اذاً ما يجري في المنطقة، هو حصيلة جمع نتائج التصادم الدولي حول المصالح الأقتصادية وأوثق استثماراتها وعلاقاتها، بجانب صناعة الأزمات والأرهاب والأستثمار في العلاقات العسكرية، والسيطرة على الموارد الطبيعية وعلى منابع الطاقة ومسارات عبورها ووصولها، بأقل تكلفة وبأسرع وقت الى مصانع ومجتمعات منظومات الدول المتصارعة.
انّ الأتفاقيات الأستراتيجية بين أقوى المكونات الدولية موجودة، والخلافات صارت محصورة في الأهداف وكيفية المعالجات، ومقاربات المصالح الدولية الأقتصادية والسياسية، خاصةً مع وصول الفدرالية الروسية الى المياه الدافئة، حيث منابع النفط والغاز والصخر الزيتي واليورانيوم واستثمارت موسكو الحقيقية في ديكتاتوريات الجغرافيا، للوصول الى عالم متعدد الأقطاب وحالة من التوازنات الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.