بقلم: نارام سرجون
لاشك أننا سئمنا جميعا من مجموعة مفردات جميلة ناعمة تدغدغ الأحلام لطالما صدع الغرب رؤوسنا بها حتى تحول السأم منها والضجر الى كراهية واحتقار لهذه المفردات .. فكلمتا الحرية والديمقراطية اللتان هدم بهما العراق جعلتانا ننفر من هاتين الكلمتين ..
وجعلت هاتان الكلمتان أحدنا يتوجس ولايحس بالراحة اذا مر بهما أو مرّ ذكرهما لأنهما صارتا مغمستين بدم مليون عراقي .. وكرهناهما أكثر عندما قرر العالم الحر ان تتمدد الحرية والديمقراطية الى الجمهوريات العربية فقط دون الملكية .. بل أهان الزمن هاتين الكلميتن لأنهما انطلقتا من الدول الملكية النفطية المملوكة كالمتاع لأصحابها من الأمراء والملوك .. ونزلتا في برك من دمائنا وسبحتا وصار للحرية الحمراء والديمقراطية البنفسجية جسد كامل مضرج بدمنا .. دمنا الذي صار يلون العالم والأرصفة والقمر والسماء الزرقاء ..
اليوم انضمت الى هاتين الكلميتن كلمة أخرى أكثر بغضا واكثر وقاحة وأشد دناءة ونذالة .. هذه الكلمة هي (المعتدلة) .. فالارهاب صار بعضه معتدلا.. وهناك قذائف متشددة وقذائف معتدلة .. وهناك سكاكين متطرفة وسكاكين معتدلة .. وانتحاريون متطرفون وانتحاريون معتدلون .. كراهية متطرفة وكراهية معتدلة ..
التعبير رغم وقاحته يثير ابتسامتي لأنه يذكرني بتعليق صحيفة المانية (ربما الديرشبيغل) كتبت منذ سنوات أثناء الانتخابات الاسرائيلية التي ترشح فيها شارون - وهو من الصقور- أمام خصومه من الحمائم الاسرائيلين من حزب العمل الذين استمات المعتدلون العرب في ابداء التأييد لهم والصلاة لفوزهم .. فقالت الصحيفة: الفرق في النتيجة هي في طريقة موت العرب فقط .. الحمائم سيقتلونهم على سرير ناعم والصقور سيقتلونهم على الصخور في العراء..
المعارضة المعتدلة التي تروج لمصطلحها المبادرات والمحطات الاعلامية هي من نفس سوية الفروق الاسرائيلية .. الفرق بين داعش والنصرة هو مثل الفرق بين حمائم وصقور اسرائيل .. الجميع يقتل ويريد ان يقتل أكثر .. وربما يتطور مفهوم المعارضة المعتدلة في بيانات الغرب الى "صقور داعش وحمائمها" .. و"صقور النصرة وحمائمها" .. وربما نتعرف الى "محافظي داعش وعمالها" .. ويصبح الصراع يوما بين الحمامتين البغدادي والجولاني .. كما تروج الولايات المتحدة لتنظيم من أبناء القاعدة وأخواتها هو "حركة أحرار الشام" بأنها حركة مثالية ..
البيان السوري الذي القاه الدكتور بشار الجعفري في أمام مجلس لمناقشة تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191 والخاص بالوضع الانساني في سورية يسلط الضوء على هذه القضية .. ومن يشّرح كلام الجعفري الديبلوماسي المهذب يمكنه أن يجد أن أوردة الكلام وشرايينه يخرج منها امتعاض وقرف واحتقار للمنتجات الغربية من المصطلحات العجيبة .. وخاصة مصطلح معارضة معتدلة تقصف عشوائيا المدنيين بقذائف الهاون والصواريخ ..وتتمترس خلف المدنيين .. ولكن الدولة السورية لاتعترف بهذا الاعتدال الذي يقتل وستضرب الارهابيين "المعتدلين" حيث تظفر بهم دون رحمة ..
هذا البيان الجميل المهذب للدكتور الجعفري جدير بأن يقرأ وأن نستريح فيه عند فقرات كثيرة لاتتردد في ابداء اعتراضات وملاحظات كثيرة لايجامل فيها هذا الديبلوماسي العريق
==========
بيــــــان
السفير د. بشار الجعفري
المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية
أمام
مجلس الأمن
الحالة في الشرق الأوسط
تقرير الأمين العام حول تنفيذ القرارات 2139 و2165 و2191
الخاصة بالوضع الإنساني في سوريا
السيد الرئيس،
بداية أود أن اغتنم هذه الجلسة لأعبر عن ترحيب حكومة بلادي بتعيين السيد ستيفن أوبراين، وكيلاً للأمين العام للشؤون الإنسانية، وأتمنى له النجاح في تنفيذ المهام الجسيمة الموكلة إليه، خاصة وأننا نعيش في زمن تعصف به موجة عارمة من الفوضى والتطرف والإرهاب .... ارهابٌ تسبب في جرائم غير مسبوقة بحق شعوبنا وساهم في خلق أزمات إنسانية في العديد من الدول... ارهابُ تغذى على سوء تقدير في الحسابات السياسية لدى بعض الحكومات فكانت الضحية شعوبنا نحن.... إرهاب يدمر الحضارة والتراث الثقافي كما حصل في مدينة نمرود الآشورية في العراق وفي مدينة تدمر التاريخية في سوريا، حيث طالت يد الإرهاب معبد "بعل شمين" التاريخي وأحد أبرز علماء الآثار في العالم، وهو السوري خالد الأسعد.
وأود أن أشير هنا إلى أننا نعتبر بان زيارة السيد أوبراين إلى سوريا ولقاءاته مع المسؤولين السوريين، وزيارته إلى حمص، إنما تشكل فاتحة طيبة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بغية تعزيز التعاون الشفاف مع الأمم المتحدة في المجال الإنساني، خاصة وأننا نشعر بالارتياح للأفكار التي طرحها السيد أوبراين حول الارتقاء بأجواء التعاون بن الحكومة السورية ومكتب الأوتشا. ونحن نتطلع إلى استمرار التواصل معه للبناء على نتائج زيارته إلى دمشق لما فيه خير السوريين. وأكرر هنا التأكيد على استعداد الحكومة السورية على الاستمرار في التعاون مع الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مواطنيها المتضررين من الأزمة أينما كانوا دونما تمييز، وذلك وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ التي أرساها قرار الجمعية العامة رقم 46/182، وفي مقدمها احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها، وانطلاقاً من الالتزامات الناجمة عن خطط الاستجابة الموقعة مع الحكومة السورية.
السيد الرئيس،
إن هذا التعاون والالتزام من قبل الحكومة السورية هو جزء صغير فقط من صورة الوضع الإنساني في سوريا؛ فلا يمكن التعامل مع هذا الوضع المؤلم بمعزل عن خلفيات التدخل السياسي والعسكري والاقتصادي الخارجي في المشهد السوري، لأن هذا التدخل الخارجي كان السبب في بروز وتغذية وانتشار واستمرار ظاهرة الإرهاب في سوريا والمنطقة، وهو السبب في إعاقة التقدم على المسار السياسي؛ وبالتالي فإن هذا التدخل هو السبب الرئيسي في نشوء واستمرار الأزمة الإنسانية التي تعيشها بعض المناطق في سوريا، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن تحسين الوضع الإنساني بشكل ملموس وحقيقي ومستدام دون وقف هذا التدخل الفظ في شؤوننا الداخلية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتصفية تجلياته المتمثلة بدعم الإرهاب وإعاقة تقدم المسار السياسي وفرض إجراءات قسرية أحادية الجانب على الشعب السوري؛ فمن البديهي أن المعاناة الإنسانية لا يمكن لها أن تنتهي تماماً بمجرد تقديم بعض المساعدات الإنسانية في هذه المنطقة أو تلك، على الرغم من إدراكنا التامّ لضرورة تقديم هذه المساعدات وأهمّية دورها في تخفيف معاناة مواطنينا في المناطق المتأثرة. وقد أثبتت تطورات الأحداث صحة طرحنا هذا؛ فعلى الرغم من كل الجهود الإنسانية المبذولة لم يتم تخليص السوريين المحتاجين من معاناتهم بعد، ولم يتم السماح للاجئين والنازحين السوريين المهجرين بفعل الإرهاب بالعودة إلى بيوتهم وأعمالهم وحياتهم المعتادة، ولم يتم توفير الأمن والطمأنينة لهم ولأطفالهم؛ إلا في المناطق التي أعاد الجيش السوري لها الأمن والأمان بعد دحر الإرهابيين منها وتلك الأماكن التي تمت فيها مصالحات وطنية محلية، وقد أثبتت هذه المصالحات من جديد أن السوريين قادرين على الجلوس مع بعضهم البعض وحل مشاكلهم بأنفسهم إذا ما توقف التدخل الخارجي في شؤونهم، وإذا تم إلزام حكومات الدول الراعية للإرهاب بوقف سياساتهم الدموية تلك.
السيد الرئيس،
لا يمكن للبعض، بما في ذلك دول أعضاء في هذا المجلس الموقر، أن يستمر في الاختباء وراء ما يسميه "المعارضة المسلحة المعتدلة" لتبرير استخدامه للإرهابيين والمتطرفين كأداة لتنفيذ أجنداته السياسية في سوريا وفي دول أخرى، خاصة وأن الممارسات الإرهابية لهذه "المعارضة المعتدلة" قد افتضح أمرها للقاصي والداني؛ فما يسمى "جيش الإسلام" الإرهابي المرتبط بالسعودية يمطر العاصمة دمشق بمئات القذائف العشوائية- وهذا تحدث عنه السيد أوبراين مشكوراً- وما يسمى "جيش الفتح" المرتبط بتركيا وقطر يمطر، بدوره، مدينة حلب وقرى إدلب بمئات القذائف العشوائية، هذا في حين يعيث ما يسمى "لواء اليرموك" المرتبط بالأردن وإسرائيل فساداً وتخريباً في جنوب سوريا. والسؤال هنا: هل قصف المدنيين في دمشق وحلب بشكل عشوائي يعدّ أحد ممارسات "المعارضة المعتدلة"؟ حيث أمطر، على سبيل المثال فقط، هؤلاء "الحمائم المعتدلون" دمشق ومحيطها بـ 92 قذيفة صاروخية يومي 23 و24 آب الجاري مما أدى إلى عشرات الخسائر في أرواح المدنيين الأبرياء. والغريب هنا أن البعض في هذا المجلس يدعي الحرص على أرواح المدنيين السوريين إلا أنه لم ينبس ببنت شفة إزءا هذه الجرائم ولم نسمعه يرفض ويستنكر ويعقد الاجتماعات الطارئة لإصدار بيانات الإدانة!!!! باستثناء البيان المشكور الذي صدر حول ما جرى في تدمر- تماماً كما فعلوا عندما تم قطع المياه عن دمشق وحلب لأسابيع من قبل هذه "المعارضة المسلحة المعتدلة" التي ربما تعتبر هذا الفعل الشأن وأعمال الخطف والقتل والتعذيب والسبي من أفعال الاعتدال والتحرك السلمي على طريق الديمقراطية والحرية! ثم لماذا يتم تشريع وجود ما يسمى "معارضة مسلحة معتدلة" في سوريا فقط دون غيرها من الدول؟ لماذا تم تخصيص السوريين بهذا الاختراع المسمى "معارضة مسلحة معتدلة" فها نحن نشهد حملة في الاعلام الغربي للترويج لفصائل مسلحة في سوريا أعلنت ولاءها لتنظيم لقاعدة، على أنها "معارضة معتدلة" مثل ما يسمى "حركة أحرار الشام" الإرهابية والتي امتدحت أدائها صحيفة "نيويورك تايمز" يوم أمس واعتبرتها حليف مثالي للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا... وهذا هو العدد الذي ظهر فيه المقال باللغة الانكليزية وهو يقول بان هذا التنظيم الإرهابي هو "حليف مثالي للولايات المتحدة".
السيد الرئيس،
إن الحديث عن القذائف العشوائية التي تستهدف المدنيين في عدد من المدن السورية، يقودني إلى الحديث عن واجبات الحكومة السورية الدستورية ومسؤولياتها الوطنية في حماية مواطنيها من آفة الإرهاب والتطرف، والاتهامات التي يدفع بها البعض ضد الحكومة السورية باستهداف المدنيين في مدينة دوما أو غيرها. فلا يمكن للحكومة السورية، أو أي حكومة مسؤولة في هذا العالم، بما فيها حكومات بلادكم الموقرة، أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يقوم الإرهابيون باستهداف المدنيين الآمنين في مدنهم بالقذائف العشوائية كما يجري في دمشق حلب وغيرها من المدن السورية، إذ لا بد من الردّ على مصادر إطلاق القذائف التي يطلقها الارهابيون، وبذلك فإن الجيش السوري يتصرف وفقاً للقانون الدولي لمحاربة الارهاب وحماية المدنيين من خطر هذه القذائف، وهو بذلك لا يقتل المدنيين كما يدعي البعض زوراً وبهتاناً، بل من يقتل المدنيين هو من يستخدمهم كدروع بشرية في دوما وفي غيرها من المناطق في سوريا.
السيد الرئيس،
من جديد تضمن تقرير الأمين العام المعروض أمامنا عدداً من الفجوات والمغالطات، وقد قمنا بتوجيه رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام بهذا الخصوص. ولكنني سأكتفي الآن بالإشارة إلى أن الجانب الأممي قد قدَّمَ 48 طلباً فقط لتسيير قوافل مساعدات، خلال الفترة الممتدةِ من 1 كانون الثاني ولغاية 30 حزيران 2015، وقد مُنحت الموافقة للجانب الأممي على 34 طلباً، وليس على 20 طلباً كما ذكر التقرير، في حين لم ينفذ الجانب الأممي حتى الآن حوالي 10 موافقات على الرغم من صدور هذه الموافقات في شهري نيسان وحزيران. ونشير هنا إلى أن الحكومة السورية قد وافقت على إدخال مساعدات إغاثية إلى مدينتي حرستا ودوما في ريف دمشق وإلى الفوعة وكفريا في إدلب وإلى كل المناطق التي يضمن الوضع الأمني فيها سلامة العاملين في المجال الإنساني، علماً بان الحكومة السورية تدرس حالياً الطلبات الموجودة لديها مع الأخذِ بالحسبان اعتباراتٍ عدة في مقدمتها الوضع الأمني على الأرض، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها الفعليين، وضمان عدم وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية.
وفي الختام أود أن أشير إلى أنه وبعد زيارة السيد أوبراين إلى سوريا، تمت الموافقة على جميع طلبات التأشيرات التي قدمت إلى وزارة الخارجية إضافة إلى طلبات التمديد لجميع إقامات موظفي مكتب الشؤون الإنسانية التابع لمكتب المنسق المقيم.
السيد الرئيس،
لدي ملاحظة ختامية تتعلق بوجود مخالفة قانونية غير مقبولة في تقرير الأمين العام حول تطبيق القرارين 2139 و2165، وهذه المخالفة تتمثل باستخدام التقرير لعبارة "المجموعات المسلحة من غير الدول" لوصف المجموعات المسلحة الإرهابية المصنفة من قبل مجلس الامن ككيانات إرهابية مثل "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من الفصائل الموالية لهما والمرتبطة بتنظيم القاعدة. فلا يمكن اعتبار الإرهابيين في سوريا "مجموعات مسلحة من غير الدول" لأن هذا التعبير حيادي بالمطلق ويخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
وأود أن أجدد ترحيبنا بالسيد أوبراين وأن أعبر عن استعدادنا لمواصلة العمل معه لتأدية هذه المهمة النبيلة لتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين من شعبنا.