
بقلم / زيد احمد الغرسي :
بعيدا عن الكذب والتضليل الإعلامي الذي تروجه بعض وسائل الإعلام من تهجير أنصار الله للحجوري وجماعته من دماج بمحافظة صعده بالرغم من تصريحات لجنة الوساطة أكثر من مرة .. لن ندخل في هذا الجدال فالأمور واضحة
ولكن ما يهمنا في الموضوع هما سؤالين الأول :- لماذا قرر الحجوري مغادرة دماج بشكل مفاجئ ؟و في هذا التوقيت بالذات ؟
والسؤال الثاني :- ما هي تداعيات نشر وثائق تنظيم القاعدة التي نشرتها قناة المسيرة بعد الحصول عليها في مركز التكفيريين بمنطقة كتاف ؟
وقبل ذلك أدعو القارئ الكريم للصبر على قراءة هذا المقال للاستفادة
المعروف أن الحرب التي شنت على أنصار الله توزعت بين عدة جبهات في دماج وكتاف وفج حرض وعمران وأرحب وكان لكل جبهة هدف مرسوم لها تلتقي هذه الأهداف في غاية واحدة وهي القضاء على أنصار الله كهدف رئيس .. فان لم يتم تحقيقه فتجريدهم من القوة التي يمتلكونها وإضعافهم لفرض أجندة إقليمية وداخلية فما الذي حدث ؟
بداءت الحرب وتم التركيز الإعلامي الضخم على دار الحديث بمنطقة دماج كونه واجهة مدنية ودينية وطلبة علم وتقديمهم كمخالفين لرأي وثقافة أنصار الله في مسعى لتقديم أنصار الله بأنهم إقصائيون ولا يقبلون العيش المشترك ويفرضون رأيهم بالقوة وهذا ما حصل كجزء من الحرب ومبرر لهم للدفاع عن أنفسهم
كما أن التركيز على مركز دماج هو لصرف أنظار الرأي العام المحلي والعالمي عن مطبخ العمليات الإرهابية وغرفة التحكم الأكثر خطورة وهي جبهة كتاف وما تقوم به العناصر الأجنبية من دعم للحروب وتفريخ تنظيم عمليات القاعدة في اليمن وخارجه وتصدير عمليات التفجيرات والاغتيالات من هذا المركز
منطقة كتاف تعتبر خطا استراتيجيا وشريانا حيويا ورئيسيا مهما للقوى الإقليمية لدعم الحرب وتنظيم القاعدة لا سيما وان موقعها الجغرافي قريب من الحدود السعودية وبنفس الوقت قريبة من دماج ما يعني سهولة استقبال الدعم والتواصل ودخول الأجانب والسلاح من الخارج وتوزيعهم في جميع الجبهات وكما يعرف الجميع أن حدود بلادنا غير مراقبة ويتم تهريب كل شئ منها
فعندما تنبه أنصار الله لهذه المنطقة وخطورتها على امن اليمن والمنطقة برمتها بدءوا بتطهيرها قبل دماج بالرغم من سهولة دماج واستطاعة أنصار الله حسم المعركة في دماج قبل كتاف
هذه الخطوة شكلت منعطفا استراتيجيا في الحرب عسكريا وسياسيا لصالح أنصار الله وتغيرت بعدها مجريات الحرب كالتالي :-
1- تراجع بقية جبهات التكفيريين في عمران وحجة والجوف ميدانيا وعسكريا وهزيمتها
2- المسارعة من قبل الحجوري وجماعته بتنفيذ بنود الصلح إنقاذا له ولبقية الجبهات بالرغم من رفضه وخرقه عدة مرات من السابق
3- تقدم أنصار الله في كل الجبهات وبالأخص جبهة خيوان والخمري مما استدعى أولاد الأحمر بالإذعان لبنود الصلح ولجان الوساطة
4- أهم ما في هذا هو تراجع الأهداف المعلنة من قبل التفكيريين وأولاد الأحمر ضد أنصار الله بما كانوا يعلنونه بالقضاء على أنصار الله وإنهاء تواجدهم من مناطقهم
بعدها حصل تنفيذ الصلح وفجأة أعلن الحجوري خروجه من دماج بعد ثلاثين عاما من المكوث فيه وجماعته .. فلماذا هذا القرار المفاجئ ؟ ولماذا قي هذا التوقيت بالضبط ؟
هناك عدة أسباب ظاهرة من مجريات الأحداث وما خفي الله اعلم به ونذكر منها كالتالي :-
1- بعد سقوط كتاف أصبح مركز دماج معزولا عن محيطه بما معناه انه لا يستطيع أن يقوم بأي مهمة عسكرية دونما وجود جبهة خلفية له كإسناد ودعم
2- أصبح المركز غير فعال ولم يعد يستطيع تنفيذ المهام الموكلة إليه من القوى الداخلية والخارجية وعزز ذلك وقيده أكثر الاتفاق الذي التزم بموجبه الحجوري بإخراج الأجانب والمسلحين من المنطقة فمثَل هذا الاتفاق الرصاصة الأخيرة في جسد المشروع التكفيري لأنه أضعفه نهائيا وسحب أسباب القوة التي كانت لديهم وهي الأجانب والسلاح وحتى إن بقي المركز مستقبلا فوجوده مثل عدمه ولم يعد سوى عالة على القوى الدولية ولذلك كان القرار أمريكي سعودي وليس بيد الحجوري شخصيا
3- انكشاف ورقة القاعدة للرأي العام المحلي والدولي التي تستخدمها المخابرات الأمريكية والإقليمية في كتاف بالحصول على وثائق وأدلة تدين هذه الدول في هذه المراكز
ولذلك وحرصا على استمرار تنفيذ المخطط رأت مطابخ القرار الدولية نقل الحجوري وجماعته إلى منطقة أخرى تكون فيه الحركة أكثر حرية ووسائل التواصل أكثر دقة وأمنا و بيئة حاضنة جديدة لبناء مركز جديد
وكما كان الموقع السابق استراتيجيا جغرافيا وبيئة سيكون موقعه الجديد أيضا بنفس مواصفات الموقع السابق وسواء كانت الحديدة أو العاصمة صنعاء فلكل واحدة منهما مميزات تخدم توجهات إنشاء المركز إلا أن وضع المركز في صنعاء سيشكل أكثر خطورة كونه قريب من موقع اتخاذ القرار ومن مؤسسات الدولة الرسمية وعلى المستوى الأمني والسياسي والأحزاب وغيرها
وفيما يتعلق بتوقيت قرار الانسحاب فهو لاستثمار هذا الانسحاب بأكبر قدر ممكن إعلاميا لتشويه صورة أنصار الله ويأتي أيضا للتغطية على الهزائم والفضائح التي خرجت من مراكزهم من كونه وكرا لتنظيم القاعدة
وفيما يخص جبهة أولاد الأحمر فسواء صمد الصلح أم لم يصمد فالنتيجة واحدة وهي نهاية هذه الأسرة المتسلطة على الشعب وخيراته فإذا صمد الصلح فتداعيات الحرب تؤدي إلى نهايتهم بتقلص الحاضن الشعبي لهم يوما بعد يوم كما أنهم لم يجدوا غطاء رسميا لهم بسبب وجود أنصار الله في العملية السياسية ... وان لم يصمد هذا الصلح فهم خاسرون عسكريا وميدانيا وإعلاميا كما سبق فما عساهم أن يعملوا بعد أن تقدم أنصار الله على كثير من الأماكن وصولا إلى عقر دارهم ؟
أما ما يخص الوثائق التي نشرتها قناة المسيرة فقد شكلت ضربة في العظم للمشروع الأمريكي وأدواته في الداخل لأنها ستغير الرأي العام المحلي والخارجي ( إذا ما استثمرت بشكل صحيح ) تجاه أمريكا ومسرحيتها بالحرب على الإرهاب
ولذلك فلا غرابة أن أقول أن بداية انهيار المشروع الأمريكي في المنطقة والعالم بداء من كتاف بمحافظة صعده لأننا نسمع دائما من محللين عرب وأجانب أن تنظيم القاعدة ذراع استخباراتي أمريكي لكن بدون تقديم أدلة... وحدها جبهة كتاف وأنصار الله من قدموا أدلة دامغة لمصداقية هذا الكلام والذي سيؤثر على كثير من الرأي العام وأيضا لدور هذا المركز إقليميا
أما التداعيات التي أعقبت نشر هذه الوثائق المدينة لأمريكا والسعودية والقوى العسكرية والقبلية وبعض السياسيين في الداخل فسنحاول أن نذكر منها ما يلي :-
أولا على المستوى الداخلي :-
أ- إن كل الجرائم التي تبنتها القاعدة بداء من تفجير المدمرة كول في عدن ثم ناقلة النفط الفرنسية في حضرموت إلى أحداث المنطقة الثانية بحضرموت إلى حرب أبين وتسليم المحافظة للقاعدة وحصار اللواء 25 ميكا إلى تسليم مدينة رداع إلى حادثة تفجير قوات الأمن المركزي في السبعين إلى أحداث القوات الجوية إلى الاغتيالات وووو الخ إلى كل الجرائم التي ستنفذها القاعدة مستقبلا المتهم الرئيسي فيها أمريكا وأدواتها في الداخل من القوى القبلية والعسكرية التي دعمت حرب كتاف بكل ما تملك سياسيا وإعلاميا وعسكريا وبشريا ومخابراتيا
والجميع يتذكر تلك القصص الهوليودية بهروب أعضاء من القاعدة من سجون الأمن السياسي في صنعاء وعدن وغيرها كمسرحيات خرجوا منها عبر الملاعق
ب - كشف حقيقة القوى النافذة في حزب الإصلاح وارتباطهم بهذا المشروع التخريبي من خلال تبنيهم للتغطية الإعلامية لهم ودعمهم ضد أبناء المحافظات الشمالية لا سيما وان رئيس هذا الحزب رجل امني مخابراتي من السبعينات
ج - دعم على محسن للتكفيريين بأسلحة من معسكرات الدولة ومقاتلين من ما كان يعرف بالفرقة الأولى مدرع وقبلها تجنيده لعشرات الآلاف من التكفيريين في الجيش منذ ألفين واحد عشر ... وقيادة أولاد الأحمر لهذه الحرب يثبت صحة ما يراه بعض السياسيين في البلد بان لهؤلاء قاعدة يسيرونها وفق مصالحهم ولو كان الشعب وكوادره الكفؤة هي الضحية
د - كما لا ننسى أنه لا زال لعلي صالح دور مؤثر في اللعبة الأمنية والسياسية ومسرحية القاعدة وهذا ما اتضح من خلال قبول الحجوري لوساطته وشكره لصالح وانه لا زال فاعلا في اللعبة الأمريكية داخل اليمن ولعل هذا احد التفسيرات بعدم تجميد أمواله في الخارج وإعطاءه الحصانة وعدم الموافقة على تنحيته من رئاسة المؤتمر إلى كثير من الأمور التي تتغاضى عنها الإدارة الأمريكية
ه - كما أن تبني وإشراف الزنداني على بناء مركز كتاف وتلقيه الدعم بصفة شخصية من الجارة السعودية يثبت مدى ارتباط هذا الشخص بالمشروع الأمريكي عدا عن تاريخه السابق ضد الاتحاد السوفيتي وغيره
وما قامت به الإدارة الأمريكية من إدراجه على لائحة الإرهاب ومطالبة الحكومة بتسليمه يعتبر مسرحية لصرف أنظار الشعب عن ما يقوم به من خدمات للأمريكان وتقديمه كزعيم مقاوم للالتفاف حوله والإعجاب به من قبل بعض المغرر بهم للزج بهم في خدمة الأهداف الأمريكية سواء شعروا أم لم يشعروا
ثانيا التداعيات على المستوى الدولي فيمكن إيجاز بعضها فيما يلي :-
1- كشف هذه المؤامرة بالوثائق يحرج الإدارة الأمريكية أمام الشعب اليمني وفقدانها لأحد أهم الذرائع التي تروج لها لاحتلال اليمن وهي ملاحقة الإرهاب وما يسمى بتنظيم القاعدة بما يؤدي إلى فشل مشروعها في اليمن مبكرا
2- بداية حقيقية لمرحلة انتصار الشعب اليمني على المؤامرة الأمريكية بزيادة وعيه ويقينه تجاه ما يخطط ضده
3- كما أن هذه الوثائق دليل آخر على ارتباط القاعدة بأمريكا وأنها أداة تستخدمها لتنفيذ أجندة أمريكية في أي بلد تريد احتلاله ونهب ثرواته ومقدراته لمن لا زال مغترا بها
وفي الأخير قد يرى البعض أن خروج التكفيريين من دماج أتى في إطار تسويات إقليمية ومرتبط بما يحدث في المنطقة كسوريا والعراق عندما تغيرت سياسة أمريكا فيهما تجاه الإرهاب والعمل على محاربتها مع بقية الدول العظمى كروسيا والصين وغيرها
والقائل بهذا التحليل له حيثياته لكن قبل أن نحكم على صحة هذه الرؤية ننتظر الأيام لتثبت صحة هذا الرأي من عدمه لاسيما وان هناك تساؤلات كثيرة حول اليمن منها
- أن عين أمريكا حاليا ومن أولويات الإدارة الأمريكية احتلال اليمن لموقعه وخيراته ووووالخ
- إن واقعة كتاف هي المنعطف الأساس لتغيير قواعد اللعبة ولولاها لما نقل الحجوري وجماعته
- استمرار الطائرات الأمريكية بلا طيار في قتل اليمنيين تحت حجة انه مقاعده وبناء قواعد لها وعدم التوقف في مشروع بناء سجن في سقطرى يثبت انه ليس هناك نية لأمريكا بتغيير مواقفها في اليمن