السبئي نت -بقلم/أحمد ناصر الشريف :قرّرت هذا الاسبوع أن أرتاح من السياسة قليلاً لمناقشة قضية اجتماعية في غاية الأهمية وهي قضية القات الذي مهما حاولنا أن نوجد له المبرّرات وننسبه إلى العادات والتقاليد التي ابتلي بها الشعب اليمني ولايزال متمسكاً بها سيظل القات أحد العوامل الرئيسة لتخلف اليمنيين
كما هو حال حمل السلاح الذي قضى على عملية الأمن والاستقرار وتغلّب على النظام والقانون، وحلّ في كثير من الأحوال محل القضاء العادل، حيث صار المواطن يلجأ إلى سلاحه ليوجهه إلى صدر من يختلف معه لإنصاف نفسه منه.. أما القات الذي احتل المرتبة الأولى في حياة السواد الأعظم من سكان الشعب اليمني ذكوراً وإناثاً وأطفالاً صغاراً لم يبلغوا سن الحلم فحكايته حكاية.
ولأن الحكّام في اليمن قد وجدوا ضالتهم في القات بما فيه من مضيعة للوقت وإهدار للمال، بالنسبة للمواطنين فقد شجعوا على تناوله وعلى زراعته لإشغالهم به حتى لا يلتفتون إلى ظلمهم واستبدادهم فيثورون عليهم؛ لم يكن أحد يصدق أن وقتاً سيأتي يجد المواطن اليمني نفسه فيه قد أصبح فريسة لشجرة القات التي أصبحت مسيطرة عليه حتى وهو يغط في نومه وليس له أي اهتمام أو تفكير منذ أن يستيقظ من النوم إلا البحث عن «حق القات» على حساب مصاريف أولاده في بيته، وقد يصل الحال أحياناً ببعضهم أن يصبح مطارداً من قبل صاحب البيت إن كان مستأجراً لأنه لم يتمكن من دفع الإيجار فيجد نفسه وأولاده في الشارع.
ومن العجيب والغريب أن المواطن المعتاد على مضغ القات لا يهمه عند الشراء ارتفاع سعره بقدر ما يهمه جودة القات وتوفره؛ فيدفع ما يفرضه عليه البائع دون مساومة، بينما عندما يذهب إلى السوق لشراء القوت الضروري لأولاده فإنه يفعل المستحيل ليحصل على أرخص الأثمان لقاء ما يشتريه من طعام ليسد رمقهم بصعوبة، وقد يبخل عليهم بكيلو فاكهة.
وحين لا تتوافر قيمة القات لدى من اعتاد على تناوله فإنه يلجأ إلى طرق وأساليب شتى حتى يحصل على قيمة القات، فيقبل على نفسه الدخل غير المشروع كالرشوة مثلاً خاصة إذا كان موظفاً وأخذ حق الآخرين بالقوة ويتسبب في إحرام أولاده الذهاب إلى المدرسة لأنه غير قادر على توفير مصاريفهم؛ ولذلك فالقات الذي أصبح آفة اجتماعية خطيرة ليس بالنسبة لمن يتناوله وضياع وقته في مضغه والتأثير على صحته فحسب؛ وإنما أصبح خطيراً على الأرض التي تزرعه بسبب السموم التي ترافق زراعته، حيث يتم رش شجرة القات بمواد كيماوية بشكل عشوائي تصيب الأرض بالتصحر وتصيب المزارع نفسه بمختلف الأمراض الخبيثة.
لقد حدّثني أحد الخبراء في مجال المبيدات الحشرية أن هناك أنواعاً كثيرة من المبيدات المحرمة دولياً والتي لا تستخدم إلا في تركيب الأسلحة يتم تهريبها إلى اليمن وتستخدم في رش شجرة القات وكذلك في الخضروات والفواكه، ومعظم الأمراض المستعصى علاجها التي تصيب المواطنين ناتجة عن تأثيراتها الخطيرة..!!.
لقد كان الآباء والأجداد يتعاطون القات في حدوده الدنيا بهدف الاستعانة به لقضاء أعمالهم لاسيما الفقهاء والعلماء الذين كانوا يفكرون في حل مسائل علمية وفقهية، وكانت شجرة القات في عهدهم تنبت بشكل طبيعي حيث لا يتدخل المزارع كما يفعل اليوم في رشها بالسموم بطريقة غير علمية لاستعجال قطفها على حساب صحة الإنسان وتخريب الأرض؛ وإنما كان يحرص على ريّها بالماء وتنقية ما حولها من الشوائب، ونفس الشيء بالنسبة للفواكه والخضروات التي تشتهر بها الأرض اليمنية وكان يضرب بها المثل كالبن اليمني والعنب والمانجو والباباي والموز ومختلف أنواع الخضار والفواكه التي تعدّت شهرتها الآفاق؛ ولذلك سميت اليمن بـ«اليمن الخضراء واليمن السعيد» لكن جاء الجيل الجديد ليقضي على كل شيء حسن وعلى كل عادات جميلة، فاستبدل تلك العادات الرائعة التي كانت تشتهر بها القبيلة في اليمن من حيث الكرم وحماية الأرض والعرض بعادات سيئة مثل حمل السلاح لاستخدامه في قتل النفس المحرمة، وقطع الطرقات، وتخريب وتدمير المنشآت الحيوية، والإساءة إلى اليمن بشكل عام من خلال هذه التصرُّفات الحمقاء التي يمقتها الشرع والعرف ولا يقرّانها، كما استبدل هذا الجيل زراعة البن والعنب وكل ما كانت تشتهر به اليمن عبر تاريخها وارتبط باسمها بزراعة شجرة القات التي حوّلت المواطن اليمني في نظر الآخرين من حولنا بأنه شخص مخدّر؛ بدليل أن الدول المجاورة لليمن تتعامل مع القات كما تتعامل مع الحشيش والمخدرات، وفرضوا على من يحمله أو يتناوله العقوبات المنصوص عليها في قوانينهم وأنظمتهم التي تطبّق على الحشيش والمخدّرات؛ مع أنه لا يعدو كونه عادة سيئة، ولا يتعدّى مفعوله مفعول القهوة والشاي؛ لكن لأنهم أرادوا أن يحموا شعوبهم منه حتى لا تُبتلى به كما ابتلي الشعب اليمني فأضاع المواطن بسببه وقته وأهدر ماله وحرم أولاده من أبسط الأشياء الضرورية؛ بل أضاع واجباته الدينية، حيث لا يتمكن من أداء الصلوات في أوقاتها عندما تحل وهو مستسلم لمضغ القات، ونتيجة لما يصيب متعاطيه من خمول وعزلة نفسية فقد وصف الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح ـ أمد الله بعمره ـ في مقابلة قديمة لمجلة «اليمامة» السعودية متعاطي القات بأنه يمر بثلاث مراحل الأولى: مرحلة الهرج والمرج، والثانية: مرحلة وكأن على رؤوسهم الطير، أما الثالثة فقال عنها إنها: مرحلة الحمار؛ لأنه في هذه الحالة لم يعد يقبل حتى الجلوس مع أولاده.
وقد أثبتت مجموعة من الدراسات الحديثة أن القات له تأثير سلبي على متعاطيه؛ ليس من الناحية الصحية والاقتصادية والاجتماعية؛ ولكن من الناحية النفسية المتشعبة والتي قد تؤدّي أحياناً إلى الجنون؛ وهو ما يتطلب تبنّي استراتيجية وطنية تعمل على التقليل من تعاطيه والتحذير من مخاطره وإن كانت مثل هذه الاستراتيجية تستلزم إشراكاً جماعياً وتعاوناً فيما بين القطاعات المختلفة وإعطاء أهمية كبيرة للتربية الصحية للمواطنين وحماية الشباب والأطفال من هذه الآفة التي ابتلي بها الشعب اليمني.
صحيح أن حكومة الأستاذ محسن العيني عام 1972م كانت قد أدركت ما ينتج عن القات من آثار اجتماعية واقتصادية وصحية سيئة فاتخذت قرارات كان من أهمها عدم زراعة القات في الأراضي التابعة للدولة، وفصل الموظفين الذين يتناولونه في المكاتب الحكومية، وحث المزارعين على تقليل زراعته، وعمل حملة إعلامية لتوعية الجمهور بمضاره؛ إلا أن هذه الجهود قوبلت بعدم رضا المتنفّذين كما هو حالنا اليوم، فتراجعت الحكومة عن قراراتها، وقدّم رئيسها استقالته، فيما نجحت حينها حكومة الشطر الجنوبي سابقاً من خلال اتخاذها مجموعة من الإجراءات في أن تحد من انتشار القات، وخصّصت لمضغه يومين في الاسبوع، مع ما رافق ذلك من برنامج توعية يحث الناس على ترك القات. ونعتقد أنه عندما تتوافر الإرادة الوطنية نستطيع أن نتغلّب على كل مشاكلنا ونوجد لها حلولاً، أما في ظل غياب الإرادة فسنظل «في مكانك سر» وهذا ما هو حاصل حالياً..!!.