السبئي نت بقلم/أحمد ناصر الشريف: لو ان الإعلام اليمني بمختلف وسائله المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية وبكل اتجاهاته الرسمية والحزبية والأهلية يتعامل مع القضايا الوطنية بمهنية عالية ودون إضافة إليها مجموعة من البهارات لتحسين المذاق بحسب ما يتفق مع رضا هذه الجهة أو تلك لكنا اليوم نعيش في وضع افضل وحققنا مكاسب كبيرة قد تقرب المسافة للوصول إلى نهاية الطريق.. لكن لأن الإعلام بحكم ما يمتلكه من تأثير على العامة والخاصة ولأن كلمته امضى من الرصاص من حيث إصابتها للهدف كونها تخترق العقول والنفوس فقد استغل سقف الحريات المرتفع بفضل ثورة الشباب التي كسرت حاجز الخوف وصارت كل وسيلة إعلامية تتصرف وكأنها الناطق الرسمي باسم الشعب اليمني مغلبة في تناولها الإعلامي لأية قضية موقف الجهة السياسية التي تعبر عنها على حساب سمعة الوطن اليمني وخدمة قضاياه.. وهو ما يؤكد ان الوعي المعرفي بما يجب ان يقوم به الإعلام وبما من شأنه ان يساعد على تجاوز الكثير من قضايانا المعقدة ما يزال لدينا كيمنيين متأخراً جداً ولم نستفد بعد من تجارب الآخرين.
بالنسبة لي كأحد العاملين في الحقل الإعلامي لا اكترث كثيراً بما ينشر ويذاع من غير المصادر الرسمية لأنني بحكم معايشتي الطويلة لأشهر مطبخ إعلامي اعتمد عليه نظام ما قبل ثورة الشباب المباركة وكان له الدور الأكبر في تدريب وتفريخ الإعلاميين وتوجيههم اعرف كيف كانت تدار الأمور وكيف كان يتم فبركة القضايا وصنعها للتأثير على الرأي العام.. ولذلك فقد اكتفيت عند ذهابي إلى العمل كل صباح ان اقف أمام احد أكشاك الصحف لأطلع على العناوين المثيرة التي تتفنن في إخراجها الصحف الصادرة بحسب ما يعكس توجه الجهة أو الجماعة السياسية التي تصدر عنها واكثر ما يشدني أثناء وقوفي عليها هو تعليقات المواطنين الذين يتجمعون للاطلاع عليها والتسابق على شرائها لاسيما اذا ما كانوا متحزبين حيث كل منهم يشيد بالصحيفة التي تصدر عن الجهة التي ينتمي إليها سياسياً.. أما العامة من الناس العاديين فإنني اشفق عليهم لأن كل منهم يمسك بقوة على قلبه من شدة الخوف اعتقاداً منه ان الحرب الأهلية قائمة لا محالة وهذا في حد ذاته يعكس ما للإعلام من تأثير على الناس حيث يوصف بأنه كالسيف ذو حدين قد يسخر للخير و للشر في آن معاً ..ويزداد تأثير الإعلام شدة عندما يتناول القضايا ومتابعتها وقد تجرد من القيم والأخلاق التي تحكمه وفي نفس الوقت آمناً من محاسبة النظام والقانون حول ما ينشره وهو ما يذكرنا بتلك المقولة المشهورة لوزير إعلام النظام النازي في ألمانيا خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي والتي مفادها:( اعطنِ إعلاماً بلا ضمير أعطك شعباً بلاوعي).!
ومن يتأمل قليلاً فيما يقوم به الإعلام اليمني وخاصة هذه الأيام سيجد انه فعلاً يتعامل مع قضايا الوطن بلا ضمير بهدف تزييف وعي الناس وإدخال أبناء الشعب اليمني في متاهات لا نهاية لها لاسيما عندما يقوم بالتركيز على قضايا خلافية وإثارتها كقضايا رئيسية لزعزعة الوحدة الوطنية وإشاعة روح البغضاء والعداء بين أبناء الوطن الواحد و من اهم هذه القضايا التي يركز عليها :الطائفية والمذهبية والعنصرية والقبلية وتوجيه الاتهامات الباطلة لهذا الطرف أو ذاك خدمة لجهات داخلية وخارجية تعودت منذ زمن بعيد على دق الأسافين بين اليمنيين لإضعافهم وليزدادوا عذاباً وشقاء وصرفهم عن تحمل أعباء مسؤوليتهم للمرحلة التي تستدعيها حالة اليمن اليوم وصولا ًإلى تحقيق الدولة الوطنية الحديثة والقضاء نهائياً على التسلط الفردي وعلى عوامل التناقض والارتباك الموروث الذي مازال يعيشه اليمنيون بفعل الظروف الصعبة التي مرت بها اليمن خلال العقود الماضية ورافقتها خلافات وتناحرات خلفت مناخاً ملائماً للفردية المطلقة.
ومن اجل تهيئة الظروف المناسبة لنجاح مؤتمر الحوار الوطني كونه الفرصة الوحيدة للخروج باليمن إلى بر الأمان وإعادة الطمأنينة والثقة بين أفراد الشعب اليمني وتمكين المتحاورين من تقرير واختيار شكل الحكم للمرحلة المقبلة ووضع معالجات جذرية لكل مشاكلنا فإن المطلوب من الإعلام بكل وسائله واختلاف اتجاهاته أن يقف مع القضايا الوطنية والتعامل معها بمهنية أو على الأقل بحيادية وبحيث يكون التعصب للوطن وقضاياه وهو حق مشروع للشعوب يجب على كل الوسائل الإعلامية ان تقوم به من اجل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء المختلفين ..فعندما يستخدم الإعلام بتركيز شديد ويهدف بالدرجة الأولى إلى خدمة قضايا أمة ومصلحة شعب فإنه يثمر بلا شك مردوداً جيداً عند الناس ويبقى تأثيره الإيجابي عالقاً في أذهانهم.
أما عندما يكون الاستخدام لوسائل الإعلام المختلفة سيئاً وبالأسلوب الذي نشاهده اليوم على الساحة اليمنية، دون التزام بالضوابط والقيم والمعايير الأخلاقية فإن هذا الخطاب الإعلامي يتحول إلى عكس ما يهدف إليه تماماً وينتج عنه زرع ثقافة الحقد والكراهية والانتقام وتدمير ما هو قائم، وهو الأمر الذي يفقده مصداقيته وثقة متابعيه، ولأن حبل الكذب قصير كما يقال فإن هذا الحبل سرعان ما ينقطع خيطه لتظهر الأشياء على حقيقتها الثابتة والتي لا يستطيع أحد أن يغيرها مهما احتال عليها بأساليب المكر والخديعة وسياسة الالتفاف لصرف الأنظار بعيداً عما يجري على أرض الواقع.
بقي ان نقول :كم هو مؤسف أن نجد الإعلام الموجه يحاول أن يصور للمواطن بأن كل شيء على ما يرام وأن الدنيا بخير، متجنباً الاعتراف بالأخطاء أو مصارحة الناس بالحقائق، لأن القائمين عليه يعتقدون أن ذلك انتقاصاً في حق الحاكم وفي حق النظام.. وفي المقابل يحاول الإعلام المعارض أن يشيع في أوساط المجتمع بأن كل شيء يتجه نحو الهاوية، وأن البلاد تعيش في حالة حرب لا أمن فيها ولا استقرار .. فيما الإعلام المستقل منقسم على نفسه حيث جزء منه يجاري الإعلام الرسمي، فيما يذهب إليه من تصوير للحياة بلون وردي والثمن معروف طبعاً مخصصات شهرية ودعم وهدايا وغير ذلك من المغريات التي تجعل الضعيف أمام المال ينسى نفسه.
أما الجزء الآخر من هذا الإعلام المستقل فلا يفرق كثيراً في طريقة تناوله للقضايا بنفس الأسلوب الذي يلجأ إليه الإعلام المعارض، حيث يكاد الخطاب يكون واحداً ومتناغماً ويسير في نفس الاتجاه..!!