السبئي-
بقلم: مصطفى قطبي -
كلما احترقت ورقة أرادت من خلالها الأطراف الساعية إلى تدمير سورية عبر عملائها المحاربين بالوكالة في الداخل السوري من المعارضة السورية، اختلقوا ورقة أخرى وهكذا بحثاً عن السبل والمبررات التي تسمح لهم بالقيام بتدخل عسكري مباشر. أكتب عن مخيم اليرموك اليوم وأنا أكثر من حزين، يصعقني انفجار القذائف، وتبادل إطلاق النار، وسقوط عشرات الضحايا، بينهم الكثير من الأطفال والنساء من فلسطينيين وسوريين، وتضج في أذني أصوات الاستغاثات وحركة نزوح كثيفة لآلاف من الأسر الملتاعة التي تبحث عن مأوى آمن، وعن عزيز فقد أو جرح أو تاه، وبعضها يبحث أيضاً عن إبنة أو إبن فقد في هلع النزوح... أكتب عن مخيم اليرموك اليوم كما لم أكتب عنه من قبل بإشفاق عليه وإشفاق منه بعد أن عسكر فيه الخوف والرعب والإرهاب والموت. الدم والدمار والخراب في المخيم الذي كان آمناً وملجأً يقصده باحثون عن الأمن من أحياء قريبة منه ومحيطة به... لقد دخله الرعب الآن ويفرخ فيه الدم، ويسعى فيه الخراب والدمار على قدمين، وتلطخ الدماء شوارعه وبعض جدرانه!؟ فلماذا يزج هذا المخيم الرمز في الصراع الذي ينخر جسم سورية، وهو البيت الفلسطيني المدخر لتحرير فلسطين، والمكان الذي شهد من المعاناة والآلام ما يكفيه منذ 1948 حتى يوم الناس هذا من جراء ما لحق ويلحق بالشعب الفلسطيني من مآس بسبب الاحتلال الصهيوني وممارساته الإرهابية المستمرة التي ترتد على الفلسطينيين في هذا الموقع وسواه من مواقع وجودهم أشكالاً من المعاناة والمكابدة المرة؟!. لقد دخل المسلحون والمرتزقة وعلى رأسهم عناصر من \'\'جبهة النصرة\'\' إلى الحي من أحياء مجاورة واجتاحوه، فتصدى لهم فصيل من الفصائل الفلسطينية أو أكثر، واشتعل الحي، ووقع العبء على المدنيين بالدرجة الأولى! في زمن ربيع التكفير العربي، وفي السياسة التي يديرها الاستسلاميون العرب تم القضاء على مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي، وعلى مفهوم القضية الفلسطينية، ومفهوم حق العودة للفلسطينيي، وعلى مفهوم أن إسرائيل هي الخطر الحقيقي على العرب والمسلمين، وأحلت محل تلك المفاهيم \'\'الاعتدال، والعقلانية، وتغيير مسارات الصراع العربي الإسرائيلي، إلى صراع عربي عربي، وعربي فارسي، وتمرير إسرائيل إلى نسيج المنطقة، وتصفية نهج المقاومة الفلسطينية عملاً، وفكراً، بذريعة مكافحة التطرف والإرهاب\'\'. وفي ضوء تلك المفاهيم التي تشكل في الأساس رؤية أمريكية ـ إسرائيلية، حدثت جريمة العدوان على مخيم اليرموك لدفع الفلسطينيين نحو اليأس ـ والضعف وذوبان فلسطينيي الشتات في نهج الاستسلام، وبالتالي الإنضمام إلى المعسكر المعادي لسورية، وتحويل البندقية الفلسطينية إلى صدر سورية الدافئ قومياً. وبكل هدوء نتساءل: كيف يمكن أن يكون أمير قطر ـ على سبيل الذكر لا الحصر ـ حامياً للحركات الفلسطينية، وحاضناً لنضالها العسكري والسياسي وهو من طبّع مع إسرائيل إعلامياً، وسياسياً واقتصادياً، وتبادل مع قادتها الزيارات واللقاءات، ونسّق معهم في الموضوع السوري، و حصار غزة، والحرب على العراق، وفي إثارة عواصف ما يسمى بالربيع العربي لوصول أنظمة إخوانية تكفيرية لخدمة المخطط الأمريكي... وتبعاً لمصالحه وتبعيته لأمريكا، يعمل على تذويب العمل النضالي الفلسطيني بشراء بعض قادتهم، للقضاء على العمل المقاوم وحلم العودة والدولة، ويسقط القدس من قائمة العواصم العربية؟!. كيف لقطر التي تتزعم اليوم حركة ما يسمى بالربيع العربي، أن تكون حاضنة للمقاومة الفلسطينية، والأحلام الفلسطينية بالعودة، والقواعد الأمريكية تحتل أربعين بالمائة من أرض قطر؟! كيف لها أن تجرؤ على التحرك خارج المشروع الأمريكي إذا افترضنا أنها تريد حقاً الوقوف مع الفلسطينيين، وعنق النظام في قبضة أمريكا!؟ إن لقطر، ولدول الخليج، ونظام مرسي، ونظام تونس، ونظام ليبيا أدواراً مرسومة، تبعدها عن فلسطين، وعن العرب، والعروبة، وإن أي خلل في هذا الدور المرسوم لها، يضع أنظمتها في كف الموت، لأن أمريكا من أوجدها، وفي يدها موتها وحياتها. في العالم العربي اليوم أنظمة قطعت علاقاتها مع سورية، وأوقفت كل صلة معها، في حين فتحت كل القنوات والجسور والمعابر مع إسرائيل، وتناست القدس والاحتلال، والتوسع الإستيطاني، والأقصى، وحصار غزة، وحق عودة الفلسطينيين، وراحت تمارس نوعاً من العهر السياسي على الفلسطينيين، مبشرة إياهم بأن مستقبلهم ليس مع خط المقاومة، وإنما في الذوبان في نهج الاعتدال الذي يشكل في جوهره استسلاماً. ولعله في عمق هذه الخاصية كان الغزاة المستعمرون والإرهابيون يحضرون للخيانة العظمى عبر التدفق الهمجي إلى أسواق وبيوت المخيم في لحظة ادّعوا فيها أنهم هاجموا ليحرروا المخيم من ساكنيه ومن أبنائه ومن بناته ورعاته وحماته، إنها الهمجية الأغرب في التاريخ كله فكل مستعمر جاء إلى سورية وفلسطين على مر التاريخ وهو يطرح أهدافاً ويتذرع بأسباب بعضها ديني مزيف وبعضها الآخر تاريخي والبعض الثالث انتدابي والبعض الرابع بلفوري، لكن هذا السلوك الهمجي ليس له أي ذريعة سوى أنه همجي وغرائزي، ومما حدث في المخيم على هذا النحو فإننا نستخلص الآن أن استهداف سورية الفلسطينية تفوق على أي سبب أو ذريعة إنه خلاصة الخلاصة (للإبداع) الاستعماري، وفي مثل هذا السلوك لم تعد العصابات المسلحة مجرمة بل صارت هي الجريمة بذاتها، وعند هذه النقطة تلتقي القيم المسموحة للغرب والصهيونية مع الرجعية العربية وممثليها في آل سعود وآل ثاني وآلات أخرى، جميعهم انطلقوا من الجريمة وصاروا أكثر من مجرمين وهم موحدون في نقطة واحدة هي الانحراف النفسي والثأر التاريخي والوظيفة الخسيسة مقبوضة الثمن من أجل نشر ثقافة الموت ومشاهد الذبح وتقطيع الأوصال ومواكب المهجرين من ديارهم إلى دمارهم. إن ما جرى في مخيم اليرموك، مؤامرة وخيانة قومية لأخذ الفلسطينيين بعيداً عن الحضن السوري الذي احتضنهم تاريخياً، ووقف معهم في كل الأوقات، وساند ودعم مقاومتهم، ونضالهم، وبغية حرمان الفلسطينيين من متانة وقوة ظهيرهم النضالي سورية، ولسبب مهم هو: إسقاط نهج المقاومة الفلسطينية الذي لم يجد منذ عقود من يسانده، ويدعمه ويوفر له البيئة الحاضنة سوى سورية، وهذا الافتراق بين سورية والفلسطينيين هدف إسرائيلي، أمريكي قديم، فإذا ما نجحت تلك الأنظمة في ذلك، فإن المقاومة الفلسطينية ستسقط، فلا أحد في العالم العربي وغير العربي سيسمح لها بالتواجد كمقاومة على أراضيه سوى دمشق، وبالتالي تسقط أحلام العودة وحلم قيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس، وهذا ما يريده حكام الخليج، أي الانتهاء مما يسمى القضية الفلسطينية. ها هم الساعون إلى تدمير سورية يلعبون على ورقة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وهي ورقة إنسانية بحتة، وتعد عنواناً ضخماً لسورية وشعبها وحكومتها على ما قدموه من كرم الضيافة ونصرة للأشقاء الفلسطينيين، واحتضانهم واعتبارهم مواطنين سوريين لا لاجئين فلسطينيين لهم حق المواطنة وكل ما يترتب عليها من حقوق وواجبات، بل إنهم أصبحوا مكوناً مهمّاً من مكونات المجتمع السوري، منذ النكبة وحتى اليوم، ونالت سورية شرف الذود وتخفيف آلام الشعب الفلسطيني المكلوم الذي تتكالب عليه الأمم كما تتكالب على سورية اليوم لما يجمعهما من أخوة وهمٍّ مشترك وقضية عادلة يجاهدون من أجلها. ولهذا لم يطق الساعون إلى تصفية القضية الفلسطينية التي يتصدرها اللاجئون، والساعون إلى تدمير سورية أن تبقى الفصائل الفلسطينية في مخيم اليرموك على الحياد، بل يجب عليها أن تعلن تمردها ورفس كل ما أسبلته عليها سورية شعباً وحكومة وتتنكر لما قدمته سورية من أدوار وتضحيات، وتحملها الحصار والمقاطعات الاقتصادية والدبلوماسية وغيرها من الضغوط والاتهامات الغربية في سبيل نصرة الشعب الفلسطيني. ولذلك يرى هؤلاء الساعون إلى تدمير سورية وعملاؤهم من العصابات الإرهابية أنه حان الوقت ليؤدب الفلسطينيون والسوريون الذين ناضلوا من أجل شرف الأمة وقضيتها العادلة القضية الفلسطينية، أولاً بقتل وتهجير كل فلسطيني يرفض التنكر لوطنه الثاني سورية، وثانياً استخدامهم ورقة توظف سواء في التدخل العسكري الأجنبي المباشر أو في أي اتجاه آخر يؤدي إلى زعزعة سوريا وتفتيتها، وكذلك لفك أي ارتباط بين سورية والقضية الفلسطينية من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة تشويه الصورة الناصعة للدور القومي والعروبي والأخوي في نصرة الأشقاء الفلسطينيين واحتضانهم، بأن هؤلاء السوريين الذي يتشدقون بنصرتهم الشعب الفلسطيني هم من يقتله ويهجره وغير ذلك من صور التشويه التي يلعب فيها الإعلام العربي الموالي للساعين لتدمير سورية وعملائهم وعصاباتهم الإرهابية والتكفيرية. لكن، إذا علمنا بمضمون عشرات الزيارات السرية المتلاحقة للاستخبارات الإسرائيلية إلى الدول الأوروبية، ستتضح الأمور بجلاء، حيث كان آخرها زيارة رئيس هيئة الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال \'\'آفيف كوخافي\'\'، إلى أوروبا، دولة دولة، بغية دراسة الأوضاع الحالية في سورية، في الوقت الذي دعّم فيه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي تعاونه مع نظرائه المشاركين في المؤامرة على سورية، ولاسيما أمريكا وأوروبا، في بحث التقديرات المحتملة على الساحة السورية، ووضع السيناريوهات لحصد نتائج المؤامرة الكبيرة التي تطولها... فإننا ندرك الدور الصهيوني في لعب ورقة فلسطينيي المخيمات في سورية، والاستراتيجية التي خططت لمثل هذا الدور. إن تناوب الأدوار، فرادى، وجماعات، مع دمى ائتلاف الدوحة، في \'\'ربيع التكفير\'\' هو لمصلحة \'\'إسرائيل\'\' كما يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي \'\'إيتان هابر\'\'، في \'\'يديعوت أحرونوت\'\' بقوله: إن \'\'إسرائيل\'\' هي الرابح الأكبر منه، وإن تقسيم سورية سينهي زمن \'\'سايكس ـ بيكو\'\'، ويدخل المنطقة في مرحلة جديدة من التقسيم، ويمكن لـ\'\'إسرائيل\'\' عندها النظر إلى \'\'حدود\'\' جديدة... وتالياً، تكون قضية الفلسطينيين الذين لم يجدوا إلا في سورية الوطنَ المقاوم، والصدر العروبي الحامي لهم من مصيدات التآمر التي هجّرتهم مرةً من وطنهم الأم... قضية كل السوريين الذين لم ولن يسمحوا للإرهاب الإسرائيلي أن يهجّر الفلسطينيين من وطنهم الثاني سورية، بمؤامرة ثانية. ويبقى السؤال عن الأسباب والدوافع \'\'المغفلة\'\' التي استهدفت المخيم... وتالياً، النتائج التي قد تكون قد حققت بعداً إعلامياً مضللاً، يدحضه تاريخ الحياة التي رسمها الخط المقاوم السوري ـ الفلسطيني معاً. وللأمانة، فكم هو مفزع إلى حد الغيبوبة أن تحدث الخيانة والانقلاب على المواثيق والعهود والمقدسات السورية الفلسطينية من خلال سلوك بعض أفراد فلسطين وقيادات فلسطينية جاءت تحت جنح الظلام من المصنع الصهيوني وكمنت إلى أن جاء دورها في الخيانة العظمى فاستلت خنجرها المسموم ومارس أبو لؤلؤة دوره الموعود في الطعن من الظهر وفي اغتيال النور والحق والمستقبل. وعليه، إن من مآسي العقل السياسي الفلسطيني، أنه يحب ويعشق أن يعيش في التهويمات السياسية، أو التعويمات السياسية والكلامولوجيا، والمماحكات النظرية (من نمط الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة) ليخفي تحت قشورها إما العجز، أو المناكفة، أو السياسة الانتظارية غير المسؤولة، أو روح الثارات و\'\'داحس والغبراء\'\' بين أطرافه، أو ابتذال السياسة لحد التعاسة، أو جميعها تلك النعوت، في وقت يصرخ فيه فلسطينيو سورية مطالبين تلك الفصائل مغادرة الخلافات والتباينات والأحقاد والحسابات وتنحيتها جانباً، لمصلحة حساب واحد يتمثل في رعاية مصالح الناس في ظل الأزمة المستعرة في البلاد. فاللقاءات الثنائية والاتصالات بين كل تلك القوى، فقد كانت وما زالت أقرب لجلسات تبادل حكايات وروايات وقصص ما يجري في المخيمات والتجمعات الفلسطينية دون المبادرة للقيام بعمل ملموس. وعلى ضوء تلك الصورة إياها، ضاعت المرجعية الفلسطينية المسؤولة في سورية، وغاب معها الدور الجماعي التوافقي المسؤول، وفي هذا بات فلسطينيو سورية كالأيتام. وفي هذا السياق، فإن الموقف المسؤول من قبل عدد كبير من الكوادر الفلسطينية السابقة في صفوف العمل الوطني الفلسطيني في سورية، ركزَ على ضرورة وضع كل الخلافات والتباينات، والثارات، والأحقاد التاريخية، والضغائن، وتصفية الحسابات والحسابات الضيقة، والتحريض، والمواقف المسبقة بين مختلف القوى، من خلال الارتقاء والسمو بالوعي الوطني العام وإعمال العقل وصولاً للتوافق على عنوان واحد يتمثل في ضرورة العمل من أجل حماية وتوفير شبكة جيدة من الأمان للشعب الفلسطيني في سورية، تضمن سلامته بالحدود الممكنة، وتضمن توفير الدعم المناسب والممكن للمحتاجين منه وهم يصارعون مشقة العيش وشظفه بعد أن تعطلت سُبل العمل بأرباب أسر آلاف العائلات نتيجة الوضع القائم في سورية. كنا ننتظر من المسؤولين في رام الله صرخة تغيث أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة الظلم والقهر الذي حل بالشعب في مخيم اليرموك وفي غيره من المخيمات، صرخة تضع بوصلة المصلحة الوطنية الفلسطينية هادياً، وليس التشفي والانتقام من النظام السوري الذي تقول كل الحقائق إنه شكل، وعلى مدار العقود الماضية، السند الأقوى والأكثر ثباتاً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، بغض النظر عن الخلافات في الرأي حول الأزمة الداخلية التي تعصف بسورية، ودون الدخول في تفاصيل القراءات المتباينة حول حجم المؤامرة التي تتعرض لها سورية، شعباً وكياناً، ومحاولة معسكر الأعداء تقسيم هذا البلد العربي الذي يشكل القلعة العربية الأخيرة الصامدة بوجه تصفية القضية الفلسطينية، وإخراجه من عروبته، وجره للخضوع والاستسلام. إننا ننتظر من جميع الفصائل الفلسطينية، على اختلاف مشاربها وتياراتها، وعلى اختلاف قراءاتها للأزمة التي تجتازها سورية، ومن حماس وفتح بخاصة، كلاماً واضحاً حول ما جرى ويجري في مخيم اليرموك، وبخاصة أن الجيش العربي السوري لم يحاول الاقتراب من المخيم على مدار الأشهر التي مرت على الأزمة، إلا عندما لجأ الإرهابيون المسلحون للاحتماء به والهروب إليه حين يشتد القتال في المناطق المجاورة. فالمصلحة الوطنية الفلسطينية، ومصلحة أكثر من 700 ألف فلسطيني في سورية تقتضي أن يتوقف منطق التَهَرُب من المسؤولية، وترك الأمور لمقاديرها. كما في التوقف عن \'\'النعيق فوق الخراب\'\' واللطم والندب دون القيام بما هو مطلوب لمساعدة فلسطينيو سورية في محنتهم. فقد رسبت وسَقَطَت الفصائل الفلسطينية في اختبار الدور المنشود وسط فلسطينيي سورية، وبقي المتسع الزمني محدوداً أمامها كي تصحح موقفها، وأن تبادر للقيام بدورها المنشود، بدلاً من جلسات واجتماعات شكلية تعويمية، لا نتائج ولا قيمة عملية لها على أرض الواقع. إن مخيم اليرموك سيكون مصيدة دموية وسياسية وإعلامية، وسيحرك العالم، وينال من أطراف الصراع، ولن تنجو منه المقاومة الفلسطينية وفصائل بعينها منها مستهدفة بصورة خاصة وبأشكال مختلفة من العدو الصهيوني ومن يتحالف معه. وفي هذه البقعة وهذا الحدث وهذا الفعل فخ للنظام في سورية، وفخ للمقاومة الفلسطينية، وفخ للعلاقة السورية الفلسطينية، وفخ للمعارضة الإرهابية المسلحة و\'\'نصرتها\'\'... والخاسر أو من يقع في الفخ المنصوب هو سورية والمقاومة والشعب الفلسطيني. أما الذين يحاربون بالوكالة في سورية ومن يرسلون المرتزقة المحاربين إلى سورية وينتظرون منهم الفظاعات والانتصارات فهم: رابح بالمطلق وخاسر بالضرورة، أما الرابح بالمطلق فهو الصهيوني والغرب الاستعماري المتحالف معه الذي يستهدف العروبة والإسلام، المقاومة والأرض، المنطقة وثرواتها وشعوبها وموقعها الاستراتيجي...، وأما الخاسر فعرب ومسلمون في المنطقة يخوضون معركة الآخرين ضد أنفسهم، قطراً قطراً ومرحلة فمرحلة... إنهم يرون أنهم يخسرون المال ويربحون الأهداف الأخرى؟! ولا يعنيهم أن يخسروا المال \'\'ما دامت تشتفي الأنفس مما تجد، وما تجد قريباً، وتتحقق أهداف قريبة، بينما يغيب عن البال ما يستهدف الجميع من بعد؟! إن تلك مسؤولية كل الأطراف الفلسطينية \'\'أعني الفصائل كلها ودولة فلسطين\'\' والأطراف السورية والعربية والإسلامية والإقليمية، كما هي مسؤولية المنظمات الدولية العليا المسؤولة عن السلم والأمن العالميين وعن حقوق الإنسان... هذا إذا بقيت للإنسان حقوق ومنظمات محايدة وموضوعية تهتم بها. ولا نعلق أهمية في هذا المجال على دور إيجابي من أي نوع تقوم به سائل إعلام عربية وغير عربية نذرت نفسها لغير هذه الأهداف والأغراض، وسائل تعمل بوصفها \'\'ميليشيات\'\'، تحتطب بليل وتلقي الحطب والزيت على النار المشتعلة لتزيد الحريق اشتعالاً، فيزداد شغفها بالكلام والمال... فتلك جهات أقنعتنا من خلال المتابعة الطويلة بأن لا شأن لها بما نتطلع إليه. إن الأمر عاجل ويتصف بالخطورة ولا يتوقف عند حدود معركة المخيم فقط، ويتصل بأهداف عربية وإنسانية وأخلاقية، وبأوضاع وقضايا ونتائج قريبة وبعيدة تتصل بتداعيات الاقتحام المسلح لمخيم اليرموك من جهة ولاستمرار العنف وتوجه أطرافه نحو المزيد منه والتوسع فيه، فلا نستهين بذلك كله، ولا بما يمكن أن يسفر عنه جهدنا المبذول بإخلاص وشرف ونزاهة من نتائج إيجابية على طريق وقف العنف كل أشكال العنف في مخيم اليرموك أولاً وفي سورية التي تنزف منذ أشهر ثانياً، وإعادة الأمل للإنسان في أمن من جوع وخوف في ربوع شلها الجوع والخوف. وأخيراً وليس آخر، فذاكرتنا الإسلامية ما زالت على اعتزازها بمعركة اليرموك الإسلامية، فيما معركة مخيم اليرموك الأخيرة اعتداء على الأولى إسما وفعلا. ولكن على الرغم من كل ما يحاك ضد سوريا، في تقديرنا، أن سورية قادرة على صد العدوان الذي يستهدفها وحرق ورقة مخيم اليرموك كما حرقت من قبل ورقة مخيم الرمل للاجئين الفلسطينيين في اللاذقية، وورقة المجازر المفضوحة، وورقة الأسلحة الكيماوية وكذلك صواريخ سكود، مع قناعتنا بأن محاولات الافتراء والكذب لن تتوقف ضد سورية.