728x90 AdSpace

12 نوفمبر 2012

أوباما الأول والأسد الثاني.. وأوباما الثاني والأسد الثالث

 السبئي نت -بقلم :نارام سرجون- - ليست مهمتي أن أداوي الناس ولا أن أمرر يدي بالمراهم على حروقهم ومواجع أرواحهم.. ولست موظفا في وحدة الحرب النفسية لأي حزب أو ثورة أو جيش.. ولكن قوة الحقيقة التي يحملها كل مقال صادق وعفوي الذي نسجته من كل الحكايات السورية صارت تجتاز جدار الصوت وتسابق سرعة الضوء.. بعض المقالات محملة بالعفوية التي صار لها فعل الكهرباء إلى حد صارت كل كلمة فيها مشحونة بالطاقة وتتسبب ملامستها بصدمات كهربائية متلاحقة للثورجيين.. بعض المقالات كانت كهرباؤها عالية التوتر وتسببت في انفلات أعصابهم ووقوعهم بالساعة.. 
 كل كلمة مكتوبة هنا تتعرق جبهتها أمام القراء إن لم تملك وثائقها الدامغة.. وأهم الوثائق هي وثيقة الواقع.. ففي الوقائع قلت سابقا رغم كل التهويل أن أردوغان ظاهرة ثرثرة ولايجرؤ على دخول الحرب فلا تعيروه بالاً.. وأن تركيا هي التي وقعت في الفخ ولاتعرف الخلاص.. وفي الوقائع قلت أيضا إن النظام لايمكن أن يسقط لاعتبارات معقدة لها علاقة بالمستقبل العالمي وصراع المحاور الضخمة.. قلت هذا رغم أن أحد أعضاء المجلس السوري قال في جلسة خاصة بثقة متناهية مزهوة في بداية الأحداث بأن الأمريكيين قرروا أن أركان النظام السوري سيؤتى بهم إلى لاهاي في أيلول 2011 تحديدا.. وكان واثقا كما لو أن ذلك ورد في آية قرآنية أو أنه يتحدث من المستقبل ومن قاعات لاهاي التي وصل إليها قبل الجميع.. وكان ردي عليه لاحقا بأن الشعب السوري هو "لاهاي".. وأن "لاهايه" التي يهددنا بها لاتتسع لـ23 مليون متهم.. والأهم هو أن عليه أن يتوقع أن الشعب السوري سيحضّر لزعماء المجلس الوطني الانتقالي السوري محاكمات "نورنبيرغ" عينها.. وهي المحاكمات التي حوكم بها القادة والضباط النازيون في أشهر محاكمة عالمية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.. لأن مافعله هؤلاء من بيع لاستقلال بلادهم ومن تآمر رخيص على أمان الناس على كل الطرق والمفارق الدولية لايليق بهم إلا محاكمات ثقيلة من عيار محاكمات نورنبيرغ..
ولا أخفيكم أن أكثر مايقلقني هو أن تمر هذه المقالات أمام عيون الثورجيين دون أن تثير حفيظتهم.. وأن يصنف الثورجيون مقالاتي على أنها واقعية لأن ذلك يعني أنهم يريدون تسويق بضاعة وأوهام لاتسمن ولاتغني.. ولاشك أن أكثر مايسعدني هو تداولهم لهذه المقالات للرد عليها ولتسخيفها واتهامها بالهذيانات الواهمة.. لأن فلتان أعصابهم هو مايشير إلى أن شحنات الكهرباء وصلت إلى أدمغتهم وأعصابهم.. وأن ما احتوته المقالات موصول مباشرة بأعصابهم وأسرار مواجعهم.. وللطرافة فإن الثورجيين صاروا كلما دققنا بين عيونهم إسفينا قالوا إنها مقالات الوهم ولاذوا بالفرار إلى أوهامهم.. وتحديناهم مرارا للمبارزة وإثبات العكس لكنهم اكتفوا بأن يصدقوا أحلام اليقظة..
وقد تجنبت مرارا التعليق على بعض الأحداث والتطورات في الأزمة السورية كيلا يعتقد أي قارئ أنني من أولئك الذين يكفكفون الدموع ويهدؤون الروع بمجاني الكلام.. وأنني أقوم بتلوين الليل بفرشاتي البيضاء كي يبدو نهارا وأنني أطلي نهار الخصوم بالسواد.. إنني لا أفعل ذلك طبعا لقناعتي بأن الليل يبقى ليلا مهما سكبنا عليه من الطلاء الأبيض.. ويبقى النهار نهارا مهما سكبنا عليه من القار الأسود.. ففرشاة فنان قد تلطخ الليل بالبياض لكنها لاتستطيع أن تجعل الليل دافئا كالنهار ولا أن تحرك سكونه.. ولا أن تمنع الضفادع من النقيق في الدجى.. ولا أن تسكت عواء الذئاب الجائعة.. ولا تستطيع فرشاة مهما بلغت حرفيتها أن تقنع الشمس أنها تقف معنا في تلك الجهة الملونة بالطلاء الأبيض فيما تعرف الشمس أنها تقف على الجانب المقابل حيث يُصنع ضوء النهار الحقيقي بحزم النور المتدفق من غير طلاء وديكورات النهار..
لكن في مقابل ذلك فإن أطراف المؤامرة يفعلون العكس تماما في الأزمة السورية.. فهم يستثمرون في كل حدث.. وهم يسكنون الفضاء ويلقون الستائر السميكة السوداء على الشمس لمحو النهار فتغشى عيون الناس.. ولديهم ماكينة إعلام وخلاطات ومطابخ وأفران تقدم الطين على أنه شوكولاته.. وتستطيع حلب الثيران والتيوس.. وصنع المهلبية من الديناميت.. كيف لا ومئات المواقع الإخبارية ومحطات الفضاء تقوم بتداول أي خبر وعجنه وخلطه بالملح والماء حتى يتحول من تراب إلى عجين ومن ثم إلى رغيف خبز ساخن مقمّر يخرج من الأفران العربية فوراً إلى مائدة الإعلام ومباشرة إلى معدة المشاهد البائس دون أن يسمح له بتذوقه.. فيأكل الناس التراب ولاشيء غير التراب والصلصال والفخار..
مايفعل أطراف المؤامرة هو محاصرتنا بالألغام النفسية.. لم تعد العبوات الناسفة فقط هي التي تنفجر في وجوه الناس بل الألغام النفسية الكثيرة ومن كل العيارات.. كل خبر وكل مقال فيه عبوات ناسفة وكل تحليل يرمى إلينا يشبه حاضنة قنابل عنقودية مثل مليون قنبلة عنقودية ألقتها إسرائيل على جنوب لبنان نكاية بانتصاره.. ولذلك يجب على الكتاب الأحرار أن تتحول أقلامهم إلى مجسات حساسة تكشف مواقع الألغام والشراك والفخاخ في الأخبار والمواقع والإشاعات المبثوثة.. ويجب على الكاتب أن يقوم بفتح ممرات آمنة للناس مثله مثل أي مهندس في سلاح الهندسة في الجيش السوري.. وعلى كل مثقف أن يقيم منطقة عازلة وملاذات لاتصل إليها غارات الإعلام الآخر يلوذ إليها الناس.. وعلى كل صحفي أن تكون له منطقة حظر جوي لاتحلق فيها أخبار المؤامرة وأن يسقطها دون تردد كلما رصدها في منطقة (نو فلاي زون) لأن أكثر مكان مستهدف بالنسف هو عقلنا ومعنوياتنا..
العقل السوري اليقظ الذي فتت الجزيرة وحولها إلى خردة إعلام هو أكبر هدف لهجمات محور المؤامرة.. بعض هذا العقل السوري تسرب منا للأسف في بداية الأزمة وتمكن الخصم من الإيقاع به في الفخ واستدراجه إلى حقول الألغام وتم نسفه.. وتحول منسوفو العقول إلى "ثوار" بلا رؤوس.. ومنسوف العقل يتحول إلى شحنة ناسفة.. تنسف نفسها ومحيطها بحماقة..
بعض الألغام الإعلامية مخصصة لتفكيك عقدة متينة جدا وهي الروح المعنوية العالية للسوريين واعتزازهم بأنفسهم وكبرياؤهم.. وهم الذين وجدوا أنهم أوقفوا نصف كوكب الأرض على حدود بلادهم.. ولا أحد يستطيع تجاهل هذه الحقيقة التي تشكل قلب الحدث السوري.. أن بعض الحقائق تشبه القلوب النابضة وكل الأحاديث حولها تشبه دماً يسري في العروق ولا تستطيع الدماء أن تتجاهل المرور في القلب ولا تستطيع إلا أن تعود إليه مهما ابتعدت ودارت وناورت سواء في شرايين البدن أو في أوردته.. فلا بد من المرور بالقلب النابض.. نعم إن نصف الأرض ومنذ سنتين يتحدث عن ضرورة تغيير بقعة صغيرة من العالم هي قمة جبل قاسيون وكأن قمة قاسيون تنغرز كالخنجر في لحاف السماء الأزرق وتثقبه وتتسبب بثقب الأوزون الذي يتسع.. لكن قاسيون أثبت أنه أثقل من نصف الأرض عندما أمسك به الشعب السوري.. إن دولة واحدة أوقفت زحف 130 دولة.. وأن 23 مليونا أوقفوا زحف بضعة مئات من الملايين المضللين الذين قادهم الضلال العربي والغربي والصهيوني.. وتبين أن قمة قاسيون ليست مسؤولة عن ثقب الأوزون في السماء لكنها فتحت ثقوب أوزون في مؤخرات قادة العالم من أوباما إلى ساركوزي وهولاند وحمد وأبو متعب.. إلى مؤخرة الإسلاميين الناتويين في تونس وليبيا.. وكان أكبر ثقب أوزون هو الذي في مؤخرتي أردوغان وأوغلو اللذين لايزالان يتأوهان ويصرخان من اتساع ثقب الأوزون بالتدريج..
ولا تنسوا مؤخرة القرضاوي التي تحتضر من اتساع ثقب الأوزون قبل أن يفي بوعده بتحرير سورية!! ولا أدري إن كان ثقب أوزونه هو سبب احتضاره أم أنه جرعة زائدة من عقاره التي أعطيت له خطأ.. حيث يسري شعور بأنه ربما دس له للتحضير لمرحلة مابعد القرضاوي لبدء مرحلة المرجعية الجديدة (خالد مشعل؟؟) في تكرار لسيناريو التخلص من عهد بن لادن وإطلاق عهد الإسلام الناتوي.. الذي استهله القرضاوي والذي انتهى مثقوبا في أوزونه.. ليبدأ عهد آخر.. هو الناتو الإسلامي الحمساوي..
لقد عرفنا جميعا بتماسك السوريين في وجه المؤامرة الآن وبالدليل القاطع معنى "كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله" دون أن نحتاج نزول الملائكة لتقاتل معنا.. إن من ينتظر نزول الملائكة كي تنصره لن ينتصر إن لم تكن لديه الرغبة بالصعود إلى الملائكة.. فالأمم تنتصر بمقدار ماتصعد أرواح أبنائها إلى السماء وليس بمقدار ماتنزل عليهم الملائكة من جنود.. ونحن من صعد رجالنا وشبابنا إلى السماء.. نحن من غزونا السماء بالشهداء ونحن من بعث الشهداء ملائكة إلى السماء.. ومن يغزو السماء بالشهداء ويصل بجحافلهم إلى حيث الملائكة.. لا تقدر شياطين الأرض على النيل منه.. وأنا شخصيا وقفت مذهولا من اندفاع مقاتلين في الجيش السوري للذود عن بلادهم.. ولا أدري إن كانت القصص التي ستحكيها الأجيال قادرة على الإحاطة ببطولات ووطنية هؤلاء الشباب الذين يستحقون أن تقبلهم كل جميلات الدنيا.. بل إن قصصهم إن عرفت بها هوليوود لأتلفت كل ماقدمته من بطولات وهمية في السينما ونقلت قصصا عن بطولات لا تصدق.. وقد أخصص موضوعا قادما لأنقل لكم بعضا من الصور التي وصلتني عن جنود جرحوا أربع مرات وخمس مرات وعشر مرات ولم يتذمروا إلا من طول المكوث في المشافي قبل الالتحاق برفاقهم.. ووصلني تقرير عن أحد أبطال المدرعات الذي صار اسمه (عبد الرحمن الدوشكا) وأن التلة التي يتمترس فيها سميت تلة عبد الرحمن الدوشكا لأنه تمكن حتى اليوم من اصطياد 21 سيارة مجهزة بمدافع دوشكا وصارت سيارات الدوشكا تتجنب المرور بالقرب من كتيبته التي صارت مثيرة لرعب سائقي الدوشكا وفرسانها الذين يعرفون أن المرور من طريق عبد الرحمن الدوشكا هو طريق ينتهي إلى السماء.. لأن عبد الرحمن الدوشكا يصدر من دبابته جوازات السفر إلى الجحيم (سفرة واحدة فقط بقذيفة واحدة).. ولدي مذكرات جنود استشهدوا تمكنت من الاطلاع على ماكتبوه قبل ساعات من صعودهم إلى السماء.. وماكتبوه على عفويته لايليق به إلا أن يكتب على أبواب دمشق السبعة..
لم أعد أجيب عن أسئلة كثيرة عن مصير النظام لأنها أسئلة لم تعد تنتمي للمستقبل بل للماضي.. ولم أعد أجيب عن أسئلة من مثل إن كنا سننتصر لأننا انتقلنا الآن إلى مرحلة "لم نهزم.. ولكن كيف ننتقل إلى النصر الحاسم".. كما أنه لم يكن يوما النظام هو ما أدافع عنه بل هذه الشخصية الوطنية الصوفية التي برغم كل مثالب النظام وهموم الفساد لم تتمكن العيوب والفتوق الدستورية والإدارية والحقوقية من المس بنقائه وانتمائه.. ولأنني أدرك هذه الحقيقة لم أهتز يوما وقد دق بابي الكثيرون في بداية الأزمة وفي عز اشتداد الضغط والتهديد يسألونني عن توقعاتي.. وكنت أقول للجميع بثبات.. تريثوا واهدؤوا.. ليس هناك أي احتمال لهزيمتنا..
في هذه الأيام تحاول أطراف المؤامرة أن تثير فينا الرعب بالاغتيال والتفجيرات.. وتباهي هذه الأطراف بمشاهد الفوضى والأبنية المتصدعة.. وتريد أن تصيب الناس في معنوياتهم بأنها قادرة على ضرب شوارعنا واغتيال كل من يعترض طريق "حمار الثورة المحمل ببرسيم الربيع".. بل وتباهي بسادية مريضة بعرض صور الضحايا لإرهاب الناس.. وأعرف أن ذلك يجعل مزاج الناس منخفضا لكنه لا يترافق مع أي شعور بالانكسار في المعركة الكبيرة.. إنه مثل الشعور بأن الطيران الإسرائيلي قصف مصفاة حمص أو قصف حي أبو رمانة في حرب تشرين.. الناس تعرف أن ذلك ليس هزيمة لكنه مؤلم.. ولذلك اتبعوني هنا في هذا المقال في ممر آمن وأنا أزيل حقول الألغام.. وثقوا تماما أنني أدعوكم إلى ملاذات آمنة ومناطق عازلة حيث (نو فلاي زون).. لإعلام الثورجيين وهرطقاتهم!!.

في سيكولوجية الاغتيالات والسيارات المفخخة يدرك الخصم أنه لم يعد يحارب في ميدان عسكري لأنه بدأ في الخروج منه مرغما.. وأنه انتقل إلى ضرب الخطوط الخلفية لعدوه.. ويدرك هذا الخصم أنه لم يعد يعنيه الجمهور وأنه خسره تماما ولن يكسبه ثانية إلى الأبد.. ولذلك نلاحظ أن السيارات المفخخة الأولى التي ضربت دمشق وحلب منذ أشهر عملت قوى مايسمى "بالثورة" المستحيل للنأي بنفسها عنها والتنصل منها.. وأصرّت على إلصاقها بجهاز الأمن السوري كمسؤول مباشر عن التفجيرات لإلحاق العار بالثورة (السلمية) وتنفير الناس منها والتشنيع على الثوار وأسلوبهم الهمجي.. ونسبت كل عمليات الاغتيال إلى أجهزة الدولة واخترعت حججا لانهاية لها من مثل تصفية هذا أو ذاك لأنه انتقد الدولة سرا أو جاهر بحبه للثورة.. أو تم اغتيال الطيارين والعسكريين لأنهم كان لديهم نية في الانشقاق وما إلى ذلك من ترهات وخزعبلات وقصص مشفى ابن سينا..
لكن اليوم غادرت الثورة هذه المرحلة ووصلت إلى مرحلة الإعلان المباشر عن المسؤولية عن السيارات المفخخة والمباهاة بعمليات تصفية الموالين للدولة وصارت هذه العمليات تحمل صفة تطهير وإعدام الشبيحة (كما حدث بوقاحة مع اغتيال الشهيد محمد رافع..) وهذا يعني أن الثورة انتقلت إلى إدراك أن احتيالها على الناس لم يعد مجديا.. ولم تتمكن طوال عامين من دفع الناس للوقوع في هواها وفي تكذيب الدولة السورية.. والأهم أن الناس بدؤوا يجاهرون بعدم انتماء الثورة لهم وأن ماتحمله لايمثل طموحاتهم حتى وإن كان التغيير والحرية.. فوسيلة الثورة غير مأمونة العواقب.. وغير شفافة.. وهذا التمرد العلني والشعبي على الثورة هو أخطر ماتواجهه حركة تمرد.. فلايجب أن يتجرأ الناس على الثورة وإلا سقطت الثورة كليا.. فانتقلت الثورة إلى إعلان حرب على كل من يجاهر بالعداء لها حتى ولو كان شيخا مسيحيا حمصيا.. فحتى هذا الشيخ صار أخطر على الثورة من جنرال في الجيش السوري أو من دبابة ت72.. لأنه امتلك الشجاعة وكسر الخوف وبدأ الناس يتعلمون منه احتقار الثورة وتحديها.. ولذلك انتقلت المواجهة الآن من مواجهة بين معارضة ودولة إلى مواجهة مكشوفة بين قوى مخابرات خارجية والشعب السوري كله..
ورسالة الاغتيالات والسيارات المفخخة من قبل أجهزة الاستخبارات الخارجية الداعمة للثورة هي معادلة واضحة لاغموض فيها وهي: إن لم تقبل بالتغيير.. فلن تهنأ باللاتغيير!!.. وأن انتصارك سنحوله إلى نصف هزيمة..
وفي الحرب بين طرفين يحق استعمال أي سلاح مهما كان قذرا.. وبالطبع الطرفان هما الدولة الوطنية السورية ومحور الغرب والعرب.. والمعارضة السورية هي القفازات التي تمسك بالقذارات كي لا تتلوث بها أيدي الكبار..
ولكن هناك أمر حاسم في هذا الشأن وهو أن أجهزة الأمن السورية لم تتفكك كما حدث في العراق مثلا بعد انهيار الدولة حيث انتشرت السيارات المفخخة منذ اليوم الثاني لسقوط بغداد لأن القاعدة وبلاك ووتر هما من أرسل المفخخات إلى الشوارع لإطلاق الحرب الأهلية العراقية.. تفكك أجهزة الأمن لدى الدولة العراقية جعل عملية اصطياد منفذي العمليات العسكرية والسيارات المفخخة مستحيلة حتى اليوم.. وفي الحالة السورية فإن وقوع شبكة متكاملة من الانتحاريين ومنفذي هجمات السيارات المفخخة منذ أشهر يدل على أن الشبكات الداخلية الحالية في طريقها إلى الشبكة مهما طال الزمن إن عاجلا أو آجلا.. وحسب قطرات المعطيات التي أتيحت لي باقتضاب -وأتمنى أن تكون دقيقة كما أتوقع- فإن أهم شبكة صارت على مدخل القفص.. وأن اثنين من أعضائها الكبار تم تحديدهما بدقة وسيكونان في ضيافة الأمن السوري لشرب "فنجان قهوة مرة".. ولكن هناك اعتبار هام وهو أن هذه الشبكات تعتمد على التشكيلات العنقودية وفق ترتيبات استخباراتية دقيقة جدا.. وقبل "شرب القهوة المرة" يجب تطويق بقية العنقود وإلا تمكنت بقية المجموعات من النجاة والإفلات والعمل من جديد وفق توزع عنقودي جديد يستغرق قطافه أشهرا..
وعلى كل حال.. لا يخفى على المتابعين أن تصعيد العنف هو رغبة تركية جامحة لأن الأتراك أدركوا وفق مصادر وثيقة أن أوباما عمليا هو غالبا من سيحسم السباق الانتخابي وأن أوباما الثاني ليس مثل أوباما الأول.. ويجب أن يتم الضغط ما أمكن على القيادة السورية وحلفائها الروس بتقديم تعهد باسترجاع مجموعة الأزمات التي دخلت تركيا وأهمها الأزمة المرعبة بعودة الروح لحزب العمال الكردستاني.. والمطلوب هو سلّ روح الحزب الثائر واستعادته إلى حظائره الجبلية.. وبالطبع لايغض المتابعون الطرف عن تزامن التصعيد مع انتخابات أميركا لأن عقول الثورجيين والأتراك تعتقد أن عليها إيصال رسالة قوية لأوباما وللفائز عموما بأنها حصان سباق لايزال قويا في الحلبة ويجب الرهان عليه.. ولكن باراك الثاني ليس مثل باراك الأول كما قلنا.. وكلام الليل يمحوه النهار..
للأسف فإن هذه الاغتيالات والتفجيرات تلقي بظلال داكنة على المشهد وتمنعنا ألسنة اللهب وسحابات الدخان من رؤية مايحدث على الأرض.. فانتصار أوباما جاء -حسب مااتفق عليه الكثير من المراقبين الغربيين- تلبية لرغبة المجمع العسكري والصناعي الأمريكي وكبريات الكارتيلات الاقتصادية الضخمة بتجنب مواجهة مع الروس والإيرانيين في هذه الظروف الخاصة اقتصاديا لأن الجمهوريين وممثل المحافظين الجدد (ميت رومني) قد يندفعون استجابة لنداءات لاهوتية إلى حماقات وهارماجيدونيات إسرائيلية وصهيومسيحية.. ولذلك لم يتم الحماس بشدة لحملة رومني لتمكين أوباما من البقاء..

وستبدأ ملامح صفقة روسية أمريكية حول تقاسم النفوذ والمصالح بالوضوح.. فلروسيا والصين نفوذ وحلفاء شرق البحر المتوسط ولأمريكا جنوب البحر المتوسط (شمال إفريقيا) والخليج العربي المحتل.. وقد بدأت كلينتون تنفيذ الصفقة بوداع المجلس الوطني السوري واختراعات بهلوانية لحكومات وتجمعات حفلات شاي وقهوة وأركيلة ودوحة.. ومن القضايا المطروحة على الطاولة عدم المساس بتركيا وبالذات إعادة المشهد التركي إلى ماقبل عام 2011.. والتعهد بعدم دعم الأكراد الأتراك.. لأن ماصارت واشنطن تدركه أن رأس تركيا الأطلسية صار مطلوبا كضمان ونفوذ وأمن شرق البحر المتوسط.. ووضعت معادلة مؤلمة يقال إنها معادلة بوتين وهي (رأس تركيا مقابل رأس سورية).. والسكين الذي سيحز عنق تركيا هو حزب العمال الكردستاني.. وذلك لقطع ذلك التواصل الجغرافي للحركة الإسلامية الأصولية وقطع رأسها التركي بحيث لاتقترب تكبيرات الثورجيين من روسيا..

وتريد تركيا وأمريكا بتصعيد العنف في سورية الضغط ماأمكن على الرئيس السوري لتذكيره بقوة تركيا داخل سورية.. وأن عليه القبول بصفقة الانسحاب التي يتداولها الروس والأمريكيون.. وأن يقبل "بحلاقة رأس المعارضة السورية" في تركيا مقابل "حلاقة رأس الحركة الكردية" (حزب العمال) الذي تصل تقارير مقلقة جدا للعسكريين والمعنيين الأتراك أن الحركة الكردية صارت مجهزة تماما لإعلان تحرير مناطق ومدن مهمة جنوب شرق تركيا وأن القضية صارت أكبر من إمكانات تركيا وحدها.. وأن مغازلة الرئيس السوري للشعب التركي تضعف موقف الحكومة التركية فعلا لكن هذا الغزل هو الغزل القاتل ولايجب الركون إليه..

المعارضة السورية تدرك ذلك وقد وصلتها الرسائل.. وصارت تعرف أنها ستترك وحدها إن عاندت إرادات السادة.. وأن عليها الاستماتة للضغط على النظام وإظهار بأسها للحصول على بعض الرضا التركي الذي غامر برقبته ودعمها وعليها المغامرة برقبتها هي لحماية تركيا أو لدعمها على طاولة المقايضة.. أي كلما اشتد الضغط بالتفجيرات والاغتيالات يحس القادة السوريون أنهم تحت ضغط شعبي لإبرام اتفاق فيه مكاسب سياسية لتركيا على حساب حليف ناهض قوي للسوريين والروس وهو الحركة الكردية وبعض القطاعات التركية العلمانية.. وحسب تسريبات لها مصداقية عالية فإن حزب العمال الكردستاني مسترخ جدا ويبدو مطمئنا.. وقد قال لي أحد المقربين منه: يبدو أن الحزب قد راهن على شخص الأسد الذي لا يطعن في الظهر.. وكلام الأسد عهد ووثيقة وعقد لأنه رجل لايغدر كغيره.. وأضاف باسما: لايمكنك أن تبرم اتفاق شرف وميثاقا مع أردوغان مثلا الذي قدم غدره بالأسد درسا لاينسى.. وبالطبع لايمكنك أن تثق بكلمة واحدة تصدر من أشخاص صار معروفا في سيرتهم الذاتية التنكر للعهد وللصداقة.. فأنا مثلا لاأدري من سيثق بخالد مشعل أو قبضايات حماس.. بل لاأدري مامعنى الاتفاق بين مشعل وحمد وأردوغان والإخوان.. وكلهم يعرف أن الآخر قد يبيعه في السوق.. نحن الكورد نعرف عائلة الأسد.. الأب كان شهما وصديقا للكورد.. وهو من حمى لنا "آبو" (أي أبو الأكراد عبد الله أوجلان).. وهو الذي تفضل على البرزاني وهو الذي رعى جلال الطالباني.. والكورد شعب لاينسى الجميل.. وهذا الشبل (أي الرئيس بشار الأسد) من ذاك الأسد كما تقولون.. ونحن نثق به..

واسمحوا لي أخيرا أن أنقل لكم مقتبسا من عبارة أرسلها لي صحفي غربي طالما زودني بالعديد من مراجعات الصحف الغربية وبعض الدراسات الهامة وقد تلخص الفترة القادمة وملامحها بدقة فائقة.. إذ قال لي في رسالته: صحيح أن أوباما "الأول" اصطدم مع الأسد "الثاني".. ولكن أوباما "الثاني" هو مدين بالعودة إلى البيض الأبيض بسبب تماسك الأسد "الثاني".. ولذلك فإن أوباما الثاني سيقبل بالأسد الثالث مرغما (أي الولاية الثالثة للرئيس الأسد).

وترجمة ذلك حسب رسالته هي: لو سقط الأسد لدفع المجمع العسكري الغربي بميت رومني إلى الواجهة وسانده لكسب الانتخابات لإسقاط إيران بسرعة بعد سقوط حليفها السوري القوي.. ولإطلاق بداية حصار روسيا.. وحصار الغاز الروسي والاقتصاد والجيش الروسي لإعلان القرن الواحد والعشرين قرنا أمريكياً دون منازع.. وبالتالي فإن عودة أوباما تعني أن الولاية الثالثة للرئيس الأسد صارت من ضمن البدهيات السياسية القادمة.. التي لن يتدخل فيها أوباما الثاني.. ولن يقررها إلا الشعب السوري.. وحده الشعب السوري.. الذي هزم أوباما.. وأبناء أوباما.. من الثورجيين اليتامى.. بعد وفاة أبيهم أوباما الأول!!.
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: أوباما الأول والأسد الثاني.. وأوباما الثاني والأسد الثالث Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً