محمد الخامري |
السبئي نت - محمد الخامري
لاتزال العلاقة اليمنية الخليجية تراوح مكانها منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي (نشأة معظم دول الخليج) في مربعات مختلفة وزوايا عدة، فهناك الزاوية السياسية التي يمكن قياسها من ركنين مختلفين: (الركن اليماني) وهو الاضعف؛ والركن الخليجي الجمعي كمنظومة وهو الأقوى سياسياً واقتصادياً بلا شك، وهناك رُكن خاص بكل دولة على حدة يحدد نقاط التواصل وخطوط التقاطع الآنية؛ نظرا لحرارة الطقس وتوافق او اختلاف المواقف السياسية ووجهات النظر في القضايا الاقليمية والدولية لكلا الطرفين..
- وهناك مربعات اجتماعية عدة يمكن التحدث عنها في العلاقة بين الطرفين، فهناك المربع الاجتماعي اليمني الذي ينظر الى الخليج على انه امتداد جغرافي طبيعي لليمن وبالتالي تمدّدت القبائل اليمنية قديما وتداخلت معه في صلات قربى ورحم؛ وصارت هذه الوشائج تحكم مستقبل العلاقات بين الطرفين، وهناك رأيٌ آخر ينظر اليهم على انهم دول غنية وبالتالي وجب ان يكون لنا نصيب من هذا الغنى لاننا الاقرب والاحق بما فضُل عن حاجتهم من أي قادم غريب من جنوب شرق اسيا او من غيرها من دول العالم، ويتمترس خلف هذا الرأي شريحة كبيرة من اليمنيين كحق إلهي وليس برضا الطرف الآخر فالشارع الحكيم حث على ذلك في العديد من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة وأوصى بسابع جار ونحن الجار الاول لهم، وهناك رأي سياسي يعتبر عنه الساسة ويمتد الى النخبة اليمنية المثقفة التي تنظر الى الخليج بنظرة سياسية بحتة لافرق بينها وبين الصين والهند او حتى جزر القمر، وكل مايربطنا بهذه المنظومة هو لغة السياسة والمصالح المتبادلة وفقا للمزاج السياسي..
* نأتي للطرف الآخر وهو الطرف الخليجي الذي ينظر الى اليمن من زاويتين مختلفتين، فهناك رأي سياسي صارم يقوم على وصايا سياسية قديمة او إرث تاريخي او مواقف سياسية سابقة او آنية، وبالتالي يتم التصرف مع اليمن حكومة وشعبا على ضوء تلك المواقف والآراء السياسية المسجلة في ذاكرة هذه الدولة او تلك وربما المنظومة برمتها..
- اما الزاوية الخليجية الاخرى فهي الزاوية الشعبية التي تنقسم ايضا الى قسمين، الاول تحكمه وشائج القربى التي ذكرناها اعلاه؛ وهم إما من اصول يمنية نزحوا الى تلك الدول قديما منذ انهيار سد مأرب مثلا او حديثا وتجنسوا بجنسياتها؛ او حصل بينهم تزاوج ونسَب بحكم النطاق الجغرافي او غيرها من الاسباب الطبيعية والاستثنائية..
- أما القسم الآخر فهم أولئك المواطنون المنحدرون من أصول غير عربية تجنسوا بجنسيات تلك الدول الخليجية، كمن يُطلق عليهم مخلفات الحج في السعودية أو الفُرس الإيرانيين في الامارات والبحرين والكويت، أو غيرهم من أبناء الجنسيات غير العربية في تلك الدول، والذين يُكنون مشاعر العداء غير المبررة لأبناء اليمن وهي ردة فعل غير مبررة ايضا على شعورهم بالنقص امام الاصول العربية التي تعاملهم ربما بنوع من القسوة او الدونية؛ وهذا عايشته انا شخصيا في الامارات ورصدتُ العديد من هذه الممارسات بين الاماراتيين أنفسهم (من الأصلين).
* مادعاني لكتابة هذا هي الممارسات التي برزت مؤخرا من كبرى الدول الخليجية (السعودية والامارات والكويت)، وهي ممارسات غير جديدة وتمارس ضدنا كيمنيين دائما بأساليب مختلفة وطرق شتى سواء مباشرة او غير مباشرة، وسواءً برضا قيادتنا (الحكيمة) السابقة واللاحقة او بغير رضاها فهي الحلقة الاضعف في كلا الحالات..
* الشقيقة الكبرى (السعودية) اغلقت سفارتها في صنعاء وقنصليتها في عدن كعقاب جماعي لكل اليمنيين على جُرْمٍ لم يقترفوه بل ويستنكرونه وكتبوا في ذلك المقالات وبُحت اصوات خطبائهم من على منابر المساجد تنديدا واستهجانا لاختطاف المسؤول السعودي في قنصلية عدن، ومع ذلك تصر الشقيقة الكبرى على إغلاق سفارتها وعدم السماح لليمنيين بزيارة بيت الله الحرام واداء مشاعر العمرة المقدسة في رمضان بل ويمكن ان يمتد هذا الاغلاق الى حرمانهم من اداء احد اركان الاسلام الخمسة (الحج) وكأنه قطاع خاص بهم وهبه الله لهم ووكلهم بتقسيمه على المسلمين في مشارق الارض ومغاربها..!!
- عندما استدعت السعودية سفيرها في مصر قبل أربعة اشهر تقريبا وأُغلقت السفارة السعودية هناك وتعطلت مصالح المواطنين المصريين تحركت السلطات المصرية (وكانت حينها بلا رئيس شرعي) وجمعت وفدا رفيع المستوى برئاسة رئيس البرلمان ورئيس مجلس الشورى وضمّ عددا كبيرا من الشخصيات السياسية والاجتماعية والتجارية وحتى الفنية، وذهب الى السعودية لمقابلة الملك السعودي ونجحوا في إقناعه بإعادة فتح السفارة وحافظوا على مصالح ابنائهم.. فماذا فعلت الحكومة اليمنية تجاه إغلاق السفارة السعودية بصنعاء وقنصليتها بعدن؛ وكيف تصرفت للحفاظ على ماء وجه اليمنيين والدفاع عن مصالح البقية الباقية من اليمنيين غير المحتاجين لحملات التبرعات والاحسان الخليجي..!!
- أعرف رجال اعمال (كانوا) ميسورين، حيث يمتلكون شركات خاصة بخدمات الحج والعمرة شارفوا على الافلاس هذه الايام لانهم استأجروا (كما هي العادة السنوية لكل من يعمل في هذا المجال) أبراجا سكنية في المشاعر المقدسة بمبالغ خيالية وبالريال السعودي أملا في استغلالها خلال مواسم العمرة المتعددة طوال العام وموسم الحج، لكنهم هذا العام واقعون بين سندان المؤجر السعودي الذي يُطالبهم بالمبلغ كاملاً ومطرقة الحكومة السعودية التي اغلقت سفارتها وحرمت شعبا مسلما بأكمله من العمرة والحج لهذا العام بلا مبرر..!!
* الكويت (الشقيقة) اتخذت قراراً رسميا تم تعميمه ونشره في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وتداولته وكالات الأنباء العالمية؛ دون مراعاة لأواصر الأخوّة الدينية والجيرة القريبة، ولا للمشاعر الانسانية لهذا الشعب المغلوب على امره، حيث تم اصدار قرار رسمي كويتي قضى بإيقاف منح اليمنيين تأشيرة الزيارة لدخول الكويت (الشقيقة) خلال هذه الفترة، مبررة ذلك على لسان مصدر كويتي مسؤول بأنه جاء للحد من تدفق اليمنيين كعادتهم سنويا على الكويت للتسول خلال شهر رمضان المبارك..!!
- طبعا هذه ليست المرة الاولى التي يُعلن فيها ايقاف الزيارات والاقامات لليمنيين وبنفس المبرر (غير الاخلاقي) سواءً في الكويت او في الإمارات أو في غيرهما من دول الخليج؛ ومع ذلك لم تقم الحكومة اليمنية بأي رد فعل يحفظ لمواطنيها ماء وجوههم والقليل من كرامتهم المهدورة على ابواب السفارات، كما فعلت الفلبين واندونيسيا اللتين اوقفتا إيفاد خدم المنازل الى السعودية بسبب ضرب إحدى السعوديات لخادمة اندونيسية وأساءت لها، الامر الذي ارغم السعودية على تقديم اعتذار رسمي ومعالجة الأمر قضائيا ضد المواطنة السعودية..!!
* الخبر الثالث او ثالثة الاثافي كما يُقال، الحملة (الخيرية) التي قامت بها دولة الامارات العربية المتحدة خلال الثلاثة الايام الماضي تحت عنوان (حملة سندهم لاغاثة اهل اليمن) وركزت جميع قنواتها الرسمية (ابوظبي والامارات ودبي والشارقة وغيرها من القنوات الاماراتية الكثيرة) لإراقة ماء وجه اليمنيين على شاشاتها؛ وليشهد العالم على مأساة شعب منكوب بساسته وجيرانه، ولاستدرار عطف العالم لهذا اليمني التعيس بحجم أولئك الساسة والجيران..
- حتى الفواصل الاعلانية لتلك القنوات كانت تتحدث عن البؤس الذي يعيشه اليمنيين وتعرض صوراً لحالات الفقر المدقع والجوع المهلك الذي نعيشه بعد الثورة الشبابية..!!
كما قامت السلطات الاماراتية (الشقيقة) بنصب الصناديق التي تجمع فيها الصدقات لليمنيين في مختلف المرافق الخاصة والعامة ومولات التسوق والشوارع والازقة؛ وحتى الحمامات العامة تم وضع صناديق جمع تبرعات خاصة فيها؛ وعليها صور اليمنيين المنكوبين الذين يجمعون لهم او باسمهم التبرعات التي تعرف شرعاً بأنها أوساخ وأدران الناس حيث يتحللون من ذنوبهم وأيمانهم التي يحلفونها ومعاصيهم التي يرتكبونها بتلك الصدقات لشعب اليمن الذي شارف على الموت فأغثة بدرهم و(رُب درهم سبق الف درهم)..!!
- تطالعنا الاخبار اليومية القادمة من الامارات بالتبرعات السخية التي يقدمها سمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة واخوانه العشرة ووالدتهم (أم الامارات)، وسمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي واخوانه وابنائه، وسمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وغيرهم من حكام الامارات السبع ونوابهم واسرهم الغنية جدا الذين يتبرعون بمليارات الدولارات لحدائق الحيوانات في بعض الدول الاوروبية، ومحميات الطيور في بعض الدول الاسيوية، وماخفي كان اعظم، فهل تلك المليارات حلال على الحيوانات والطيور وحرام على ابناء اليمن الميمون ام ان خلف الأكمة ماوراءها، خصوصا اذا علمنا بأن المبلغ الذي جُمع في هذه الحملة التي حشد لها الاعلام بشكل مكثف (لشيء في نفس يعقوب قد يكون إهانة اليمنيين من قبل ضعاف النفوس في تلك الدول!!) لم يصل خمسة مليون دولار فقط، أي بما يوازي مصروف جيب لأصغر شيخ من شيوخ ابوظبي من الجيل الثالث او الرابع بعد زايد الخير رحمه الله رحمة الابرار..!!
- هناك من يرى ان الهدف من الحملة إهانة للشعب اليمني بسبب مطالبته بإلغاء اتفاقية مؤسسة دبي لادارة ميناء عدن، وهناك من يقول انها رسالة عملية لإقناع الشعب الاماراتي الشقيق بان الثورة لم تأتِ على اليمن إلا بالجوع والفقر، وعليه ان يحمد الله على النعمة التي هو فيها..!!
- لك الله ياشعب اليمن فقد اصبحتَ مثلا يتم تخويف الشعوب بما آل اليه حالك بعد الثورة الشبابية السلمية..!!