بعد مرور نحو 15 شهرا على بدء الاحتجاجات الشعبية السلمية المطالبة بإصلاحات سياسية في السعودية ما يزال يتكشف يوميا المزيد من الوقائع والحقائق حول حالة الإحباط واليأس في الشارع السعودي ولاسيما بين شريحة الشباب التي ارتفعت نسبة الانتحار فيها خلال السنوات الأخيرة نتيجة القهر
وتعبيرا عن احتجاجهم ورفضهم لممارسات السلطات السعودية وفرض وصايتها عبر رجال الدين والقمع والإقصاء ومنع أي محاولة احتجاجية على تردي الواقع الاجتماعي والاقتصادي وغياب الحريات والديمقراطية بسبب سياسة العائلة الحاكمة التي تدير شؤون البلاد.
فبعد أيام قليلة على توقيع أكثر من 2500 شخص على بيان أطلقه شباب سعوديون للمطالبة ببناء دولة الحقوق والمؤسسات وترسيخ قواعد الحوار وعدم الاستقواء بالسلطة لإقصاء الآخرين كشفت إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية السعودية نشرها اليوم موقع المقال السعودي وصحيفة الأخبار اللبنانية عن تضاعف عدد حالات الانتحار في السنوات العشر الأخيرة في السعودية بمعدل حالتي انتحار يومياً في وقت أكدت فيه دراسة لثلاثة أكاديميين سعوديين أن 84 بالمئة من محاولي الانتحار هم شباب لم يتجاوزوا سن الخامسة والثلاثين وأن 58 بالمئة من المنتحرين هم من الذكور يضاف إلى تلك الأرقام حقيقة مفادها أن محاولات الانتحار الفاشلة لم ترصد بالأرقام.
السلطات السعودية التي اتهمت المحتجين السلميين بالخيانة والعمالة وبأنهم ينفذون أجندات خارجية في محاولة لإيجاد مسوغات للقوات الأمنية السعودية لقمع هذه الاحتجاجات وضربها "بكل حزم وقوة" أقرت بأن تضاعف عدد حالات الانتحار بين الشباب السعودي أمر مقلق قبل أن تبرر هذه الظاهرة بأنها تعود إلى أمراض نفسية في حين أكدت دراسة ميدانية سعودية تناولت حالات انتحار عديدة حصلت في الفترة الماضية ارتباط التزايد المستمر في حالات الانتحار مع تزايد معدلات الفقر والبطالة وغياب الفرص المتاحة للشباب السعودي.
ويرى مراقبون أن الإحصاءات المذكورة حول الانتحار بين الشباب السعودي غير دقيقة وأقل من تلك التي تحدث على أرض الواقع وذلك بسبب الحساسية الاجتماعية التي تجعل الأهل يرفضون إرسال جثة المنتحر إلى الطب الشرعي وقيام الجهات المعنية بإحالة الوفاة إلى سبب غير محدد دون عرضها على الطب الشرعي.
الكاتب السعودي بدر الإبراهيم رأى في مقال نشرته صحيفة الأخبار اليوم أن الشباب السعودي وصل إلى مرحلة اليأس لأنهم يرون كيف يعيشون هم مع وجود النفط والموارد الطبيعية التي يفترض بها أن تقدم فرصاً كبيرة للشباب في حالة تتفوق فقط على الدول الفقيرة المعدمة المثخنة بالحروب الأهلية والمجاعات معتبرا أن أحد أهم الدوافع إلى الانتحار يتمثل في الحياة السيئة التي يعيشها قسم لا بأس به من السعوديين وخاصة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
وفي الوقت الذي وصلت فيه الاحتجاجات الشعبية السعودية إلى مدينة حفر الباطن التي شهدت أمس بحسب مواقع إخبارية سعودية مظاهرة شاركت فيها مئات الطالبات أمام مبنى فرع جامعة الدمام للمطالبة بتحسين ظروفهن قبل أن تقوم الشرطة وما يسمى هيئة الأمر بتفريق المظاهرة رأى الكاتب الإبراهيم أن الانتحار في السعودية هو أحد مظاهر الاحتجاج الشبابي على سوء الواقع والتعبير عن رفضه بالكامل واليأس من تغييره بعكس أشكال احتجاجية أخرى أكثر استيعاباً لمجموعات شبابية واسعة وأكثر إيجابية وتأثيراً من الكتابة ونشر مقاطع الفيديو في الإعلام الجديد إلى الاحتجاجات السلمية المطالبة باحترام حقوق الانسان والقيام بتغييرات واسعة في الجامعات إلى المبادرات المدنية الراغبة في خلق ثقافة وواقع جديدين في السعودية.
ويرى مختصون بالشأن السعودي أن الواقع السيئ واستمرار تدهوره في السعودية هو السبب الرئيس في اندفاع الشباب للتعبير عن احتجاجهم بكل الطرق الممكنة سواء من خلال الاحتجاج السلمي أو الانتحار لأنه لم يعد من الممكن إقناعهم بالدعاية الإعلامية التي تتحدث عن النهضة الشاملة والتميز السعودي في المجالات المختلفة في وقت تؤكد التقارير والمعطيات تفشي الفساد المالي والإداري والنهب المستمر للمال العام في ظل غيابٍ كامل للشفافية والمحاسبة وسوء توزيع الثروات وازدياد معدلات الفقر مع الكبت وغياب الحريات الذي يشعر به المواطن السعودي حتى في أبسط الأمور الحياتية.
وفي المحصلة تؤكد الأنباء المتواترة على قلتها حول التطورات الجارية في السعودية بسبب التعتيم الإعلامي الخليجي والغربي أن النظام السعودي الملكي المطلق لم يعد قادرا على الاستمرار في اخفاء الحراك الشعبي الواسع الرافض لسياسة آل سعود التي عملت خلال العقود الماضية على إضعاف ثقافة حقوق الإنسان وقمع أي أصوات تطالب بالعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وتعطيل أي امكانية لظهور قوانين او دساتير تنظم حقوق المواطنة والإنسان واعطاء للعائلة الحاكمة صلاحيات مطلقة لإدارة شؤون البلاد كما ترتئي.