728x90 AdSpace

20 نوفمبر 2014

“الاحتلال الاحتيالي الناعم ”… البديل الأميركي لفشل حرب الاستنزاف

 بقلم :العميد المتقاعد أمين حطيط-الخبير العسكري الاستراتيجي اللبناني 
عندما فشلت أميركا في المحافظة على احتلالها للعراق بعد أن دمرته ، و بعد أن اضطرت تحت وطأة المقاومة التي نظمت ضدها للخروج منه ، و بعد أن فشلت في تركيع العراقيين  بالإرهاب الذي جاءت به إليهم عبر تنظيم القاعدة و فرعها المسمى يومها ”
الدولة الإسلامية في العراق ” ، بعد أن فشلت في كل ذلك اضطرت للخروج من العراق مكتفية باتفاقية أمنية و بسفارة شكلت شبه دويلة داخل الدولة العراقية ، و قد تصورت أن الاتفاقية و السفارة قادرتان على حفظ مصالحها في العراق في السقف الذي تريد ،  وإبقاء العراق جرما يدور في الفلك الأميركي و منصة تستعملها لإشغال محور المقاومة في الشرق (إيران ) و في الغرب ( سورية ) و منعه من أداء دوره الهادف لتحقيق مصالح شعوب المنطقة.
و عند الاختبار تبين أن الظنون الأميركية ليست في محلها ، حيث استطاع العراق و في اقل من ثلاث سنوات أن يسفه الأحلام الأميركية ، و يتجه لاحتلال المقعد الذي تؤهله له جغرافيته السياسية ، و المنسجم مع الاتجاه العام لمحور المقاومة ، و يمارس دوره الطبيعي كشقيق صديق لسورية العربية و لإيران الإسلامية الجارتين اللصيقتين ، ثم كان الاختبار الأصعب مع بدء العدوان الخارجي على سورية ،حيث رفض العراق طلبا أميركيا بالانتظام في جبهة أعداء سورية المنتحلة لاسم “أصدقاء الشعب السوري” ، مطالبا بالحل السلمي في سورية بما  يستجيب لإرادة الشعب السوري الحقيقة خلافا لما تريد أميركا فرضه على السوريين بتنصيب حكام يلعبون دور حراس المصالح الصهيوأميركية في المنطقة .
 هنا علمت أميركا أن احتلالها للعراق فشل في تحقيق غاياته، وان خروجها منه بالصيغة التي اعتمدت فشل هو الآخر في الاحتفاظ بالعراق في جوقة التابعين المنصاعين لها، فتصاعدت الأصوات الأميركية التي تظهر الندم على الاحتلال والخسائر التي بذلت في سبيله، وأضيفت إليها أصوات تظهر الندم على الخروج بالصيغة التي تمت.
على ضوء ما تقدم، وتقاطعا مع مصالح دول إقليمية تابعة لأميركا (خاصة السعودية وتركيا) يبدو أن أميركا قررت العودة إلى العراق ميدانيا لتقطع الطريق عليه وتمنعه من متابعة السير الحثيث نحو الموقع الاستراتيجي الذي تمليه جغرافيته السياسية أي الانتظام (في الحد الأقصى) والتنسيق (في الحد الأدنى) مع محور المقاومة والابتعاد عن التبعية لأي من دول الإقليم خاصة السعودية وتركيا، ورفض التحول إلى مستعمرة أميركية. 
و لكن العودة بالشكل الذي تريده أميركا دونها مصاعب جمة ، فأميركا لا يمكنها شن حرب لاحتلال جديد فالأمر بات مستحيلا لأكثر من اعتبار ، كما أن السلطة العراقية و تقيدا بالاتفاقية الأمنية بين الدولتين  ذات صلاحية بتحديد حجم المساعدة العسكرية التي يمكن أن تطلبها من أميركا من حيث طبيعتها و كيفية استعمالها ،و السلطة هذه و رغم حجم المخاطر الأمنية التي يشكلها الإرهاب عليها لم تكن بوارد طلب قوات أميركية برية لمساعدتها إذ أنها  كانت تتعامل مع تلك المخاطر بالمتاح من الوسائل العسكرية الوطنية بما يبقي الأمور تحت سيطرتها .
لكل ما تقدم ابتدعت أميركا خطة شيطانية ترمي فيها عصفورين بحجر واحد، فكانت “داعش ” (وهي المنتج الإرهابي الأميركي) الجسر الذي تعبر عليه أميركا لتحقيق أهدافها في العراق وسورية. وأناطت بها تنفيذ “إستراتيجية حرب استنزاف” طويلة، توخت أميركا منها إجبار العراق على طلب المساعدة الأميركية العسكرية وبالشكل الذي يترجم عودة أميركية مباشرة إلى الميدان، ويمكن أميركا من استيعاب نتائج الانجازات السورية في مواجهة الإرهابيين ومنع الجيش العربي السوري من استثمار تلك الإنجازات في مسيرة استعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.

بدأت حرب الاستنزاف الأميركية ضد العراق وسورية “بتنفيذ داعش مسرحية الموصل التي تمت تحت المراقبة والتوجيه الأميركي، ثم تابعت داعش تمددها شرقا في العراق، وحاولت الدخول إلى لبنان عبر عرسال وصولا إلى المتوسط لتتخذ من طرابلس مرفأ لها. وبعد عمليات إجرامية قادتها داعش شمال العراق ضد الايزيدين من جهة وضد أربيل من جهة أخرى، “رفعت أميركا البطاقة الحمراء لصنيعتها”، وقررت التدخل العسكري ضدها مصورة تدخلها بأنه نجدة للإنسانية لإنقاذها من خطر الإرهاب الداعشي، وسقط البعض في فخ الخدعة الأميركية، لكن من يعرفون طبيعة السياسة الأميركية أدركوا منذ البداية أن في الأمر مكيدة أو قل مسرحية توسلاتها واشنطن للتهويل على العراق وسورية ولتبرير التدخل العسكري أولا ثم العودة الميدانية ثانيا.
لقد اختارت أميركا في البدء نمط الضربات الجوية ضد داعش ، مدعية أن هذه الضربات ستؤدي إلى اجتثاث داعش من العراق و تحجيمها في سورية ، ادعت ذلك رغم أنها تعلم يقينا بان أي عمل عسكري ناري لا يكون مصحوبا و منسقا مع عملي بري ميداني ، لا يمكن أن يصل إلى مرحلة التدمير و الاجتثاث الكلي أو التطهير الفعلي ، و مع ذلك اعتمدت قصف الطيران بشكل أدى في مراحله الأولى إلى إنعاش داعش و تمكينها من الاستحواذ على تعاطف الكثيرين من المضللين المعتقدين بان داعش حركة إسلامية حقيقية .( خلافا لحقيقتها بأنها حركة إرهابية أنتجتها أميركا لتقويض الإسلام و تدمير المنطقة خدمة للمشروع الصهيوأميركي ) .
  شكلت الضربات الجوية التي إحاطتها أميركا بتحالف دولي أنشأته في ظل حرب نفسية صورت داعش بأنها ذات قدرات أسطورية تمكنها من السيطرة على العالم حتى روجت أن داعش قد تكون امتلكت القنبلة النووية، شكلت هذه الضربات فرصة لأميركا للعودة عسكريا للمنطقة، ولداعش لكسب التعاطف يعزز عديدها الذي ارتفع بعد مسرحية الموصل من 25 ألف إلى ما يناهز أل 80 ألف إرهابي.
لكن سورية لم تقع في الفخ الأميركي و أدركت منذ البداية أن من صنع الإرهاب و تعهده لا يمكن أن يحاربه و يقضي عليه طالما انه لازال بحاجة إلى خدماته ، و أميركا لا زالت بحاجة إلى خدمات داعش لتعيدها إلى العراق و لتستنزف سورية و تمنعها من تطوير انتصاراتها ، ثم لإسقاطها كما كان مشروعها منذ البدء، لذلك اتخذت سورية الموقف الذي لا يعطي لأميركا براءة ذمة في قصفها لما تدعي انه مواقع لداعش ، كما أنها لم تنبري للدفاع عن داعش و هي التي ترتكب الجرائم على الأرض السورية ، و تابع الجيش العربي السوري عملياته الناجحة التي شكلت ردا واضحا على حرب الاستنزاف الأميركية .
أما العراق فقد تنبه كما يبدو للأمر و رغم انه طلب من أميركا العمل بالاتفاقية الأمنية و تقديم مساعدة و إسناد جوي للقوات العراقية ضد داعش ، فانه رفض بشكل قاطع عودة القوات العسكرية البرية الأجنبية إلى العراق مهما كان حجمها و كانت جنسيتها بما في ذلك الأميركيين ، ترافق ذلك مع تنظيم قوى عراقية رسمية و شعبية للعمل ضد داعش بشكل فاعل و حققت هي الأخرى انجازات هامة و من طبيعة إستراتيجية كان أبرزها تنظيف جرف الصخر و بيجيه.
وإذا كان الموقف السوري متوقعا من قبل الأميركيين، فان الموقف العراقي كما يبدو فاجأهم، ولذلك اتجهوا للالتفاف عليه والسير قدما في عملية إرسال القوات البرية الأميركية إلى العراق، وتشكيل منظومة ذات قابلية للتطوير مستقبلا لتصبح قوات ضغط وسيطرة على القرار العراقي بما يمنع تحقق هواجس أميركا من تحول العراق إلى عضو في محور المقاومة أو جسر واصل بين أطرافه.
لقد أدركت أميركا أن استمرار انجازات كل من سورية و العراق سيؤثر  سلبا على حرب الاستنزاف التي بدأتها منذ خمسة أربعة ، ما دفعها و في لحظة من الشعور بالفشل ، إلى التصريح بما كانت تخفيه يوم تشكيل التحالف الدولي و البدء بالضربات الجوية ، حيث جاء على لسان احد كبار ضباطها “أن العراق بحاجة إلى 80 ألف جندي أجنبي ليجتث داعش ” (أي عودة عسكرية أجنبية إلى العراق بقيادة أميركية)، أما في سورية “فلا اجتثاث لداعش و لا إمكان للتغلب عليها إلا بعد إسقاط الدولة السورية القائمة برئاسة الرئيس الأسد “على حد ما نقلت ال سي أن أن عن احد المسؤولين الأميركيين.
استبقت هذه المواقف بقرار إرسال 1500 عسكري أميركي بمهمة تدريب القوات العراقية لينضموا إلى عدد مماثل سبقهم، وأميركا تعلم أن هذا العدد لا يمكن أن يحصر في مهمة تدريب، فتدريب الكتيبة المؤلفة من 500 عنصر لا يحتاج لأكثر من 15 عسكريا مدربا وخبيرا، فهل أن أميركا ستقوم بتدريب 200 كتيبة عراقية أي 100 ألف جندي عراقي في نفس الوقت؟ طبعا هذا آمر مستحيل، ومن جهة ثانية يطرح السؤال لماذا تريد أميركا القواعد العسكرية وتدعي أنها للمدربين، ثم تختار 5 مناطق متباعدة لإقامة ما اسمي “معسكرات تدريب” تستأثر القوات الأميركية بالسيطرة الكلية عليها خلافا للاتفاقية الأمنية مع العراق؟
كل هذه الوقائع والمواقف تؤكد شيئا واحدا كنا قلناه منذ اللحظة الأولى لتشكيل التحالف الدولي وهو أن أميركا أعلنت للتحالف أهدافا مزيفة واخفت الأهداف الحقيقة، واضطرت الآن لكشف الأهداف الحقيقية بعد أن حققت سورية والعراق كل في ميدانها من الانجازات العسكرية ضد الإرهابيين ما افهم أميركا بان خطتها ستفشل ما اجبرها على نزع القناع والتصريح بحقيقة ما تريد من أهداف وهي بكل دقة اثنان:
 في العراق: العودة في احتلال ملطف وتثبيت قواعد عسكرية دائمة، هي ذاتها القواعد الخمسة التي رفض المالكي إقامتها سابقا، قواعد يستوعب كل منها ما بين 15 إلى 25 ألف جندي، تكون مدعومة بطيران وبحرية الأسطول الخامس في الخليج، في مهمة منع التحاق العراق بمحور المقاومة وجعله برزخا فاصلا بين مكونات المحور هذا.
2)  في سورية: الدفع باتجاه استمرار الإرهاب ضد الدولة لمنع استعادة الأمن والاستقرار لربوعها، حتى تستسلم وتقبل بمشاركة أميركا بالقرار السوري عبر عملائها.
انه “الاحتلال الاحتيالي الناعم ” هو ما تريده أميركا إذن في كل من سورية والعراق، ولكننا نرى الفشل ينتظرها كما كان حصادها سابقا من الخطط الماضية، لان لمحور المقاومة ومعه العراق في حكومته ومعظم شعبه من القدرات والإرادة الرافضة للاحتلال والمصرة على اجتثاث الإرهاب ما يمكنهم وبقدراتهم الذاتية وبتحالفاتهم من تحقيق ذلك حتى ولو استلزم الأمر بعض الوقت.
صحيفة “البناء” اللبنانية
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: “الاحتلال الاحتيالي الناعم ”… البديل الأميركي لفشل حرب الاستنزاف Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً