728x90 AdSpace

26 يوليو 2014

مجتمع المقاومة والدولة العميقة والعدوان على غزّة

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
السياسة معادلات حسابية، وفي السياسة وعلمها لا غنى عن الرياضيات السياسية، وأجمل ما في الرياضيات أنّها لا تكذب ولا تنافق ولا تجامل العواطف والعقول، وأساس علم الرياضيات المنطقية هي البديهيات، والأخيرة هي القضايا الفكرية التي لا تحتاج إلى براهين.

تشير جل المعلومات المرصودة والمعطيات الجارية والتطورات الدراماتيكية اليومية وقراءات إحداثيات علم الإنذار المبكر, كعلم بحثي استقرائي تطبيقي لجهة ما يجري على كل المسرح في المنطقة، والمتفاقم لجهة التصعيد وفي جل مفاصله وتفاصيله، أنّ ما جرى ويجري وسيجري في الساحات العربية لاحقاً، هو تحريك أمريكي استخباراتي لبنى المجتمعات ونواتها عبر توظيف الحراكات العفوية والاحتقانات الأفقية والعامودية، لإسقاط أنسقه سياسية انتهى الدور الوظيفي لها، وإصلاح أخرى ما زالت تقدّم أوراق اعتماد دورها الوظيفي المتسق مع أجندة الحكومة الأممية الحاكمة في العالم( البلدربيرغ الأمريكي)، وصناعة جديد أنظمة وأنسقه سياسية وهياكل منها "كأعجاز نخل خاوية" ولكن بعناوين الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية عبر ما يسمّى مجازاً بالربيع العربي، وتحفيز ودفع الجانب الرسمي للقيام بأعمال مضادة له تحقيقاً لأستراتيجية الفوضى الخلاّقة.
  والسياسة الخارجية الأمريكية وحراكاتها الدبلوماسية – المخابراتية والمسنودة دائماً وأبداً، من مجتمعات المخابرات في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، إن لجهة الوقائي منها، وان لجهة الهجومي كذلك، توصف بأنّها سياسة مرتبكة ومترددة وفوق ذلك متلونة بعمق، وخاصةً في ظل الظروف الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، وفي نطاقات جغرافية الوطن العربي، وما حدث حتّى اللحظة ويحدث وسيحدث لاحقاً، من ثورات شعبية وحراكات مستمرة، تقود في نهاية الأمر وفي ظل الضياع الإستراتيجي لبعض العرب التابع، إلى تغير أنظمة حكم يعود بعضها إلى العصور الوسطى وإحلال البدائل الفوضوية مكانها، لإنشاء سياقات ومسارات جديدة، لأنسقه سياسية حديثة تكون نتاج للفوضى الخلاّقة التي أرادها البلدربيرغ، نواة الحكومة الأممية والبلوتوقراطية الأمريكية.
فالسياسة الأمريكية هي مع كل ما يخدم مصالح محورها مع الكيان العبري وكيانات أخرى في المنطقة، وواشنطن ليس لديها ما يمنع من إسقاط حتّى حلفائها من العرب، فما يهمها مصالحها وأمن " إسرائيل " فقط، مسقطةً ذلك على دول الجوار الفلسطيني المحتل، وبعض الأخير دول جوار سوري.
 مع التسليم أنّ حراك الشارع العربي عبر سلسلة من متتاليات لثورات واحتجاجات شعبية, بعضها في ظاهرها مطالب اقتصادية, وفي باطنها التغيير وإسقاط الأنظمة و\ أو تقليص صلاحياتها, وبعضها الآخر العكس تماماً, ولكن بمستويات أقل حدة في سقف المطالب الشعبوية, وكلّها تشي بوضوح على أنّ هناك خارطة عربية جديدة, يتم تشكيلها وعبر الشعوب العربية بحراكاتها وعبر مستويات الضعف أحياناً والقوّة أحياناً أخرى، والتي قد تقود في نهاية المسألة إلى ثورة عنيفة, ذات العناوين المتشابهة إلى درجة التساوق في الظاهر والباطن, وعبر المحفزات العديدة في كل دولة قطرية وحسب ظروف شارعها ومحركاته ودوافعه وأسبابه وتطلعاته.
وبعبارة أخرى يتم توظيف واستثمار هذا الحراك للشارع، في إحياء وإخراج وتفعيل الدولة العميقة نواة الأنظمة والأنسقة السياسية المسقطة أو المراد إصلاحها وتحت مسميات جديدة، من خاصرة حراك الشارع نفسه عبر مجتمعات الأجهزة الأمنية المختلفة.
 كما يشي هذا الحراك إن لجهة العفوي منه وان لجهة غير العفوي كيفما وصفته في بنية المجتمع العربي، بأنّ هناك وعي ديمغرافي سكّاني ناهض ومتفاقم, كسر حاجز الخوف المركّب, قد يقود إلى نهايات الدولة القطرية العربية, بالمعنى الشعبي لا الرسمي, باتجاه تشكيل تكتلات عربية جماهيرية ممتدة, خارج الحدود الاستعمارية لكل قطر عربي, مع توظيفات لوسائل النيو ميديا والشبكة العنكبوتية, كآليات تنسيق تخترق كل الحواجز والحدود الجغرافية الطبيعية والمصطنعة.
وقطعاً هذا بخلاف رغبة وما يرجوه الأمريكي والصهيوني من تحريك الشوارع العربية، وينظر إليه على انه أضرار جانبية وكلف سلبية للتحريك من الزاوية الأمريكية والغربية.
 وحتّى لا يتم وصفنا بأنّنا ثملون بالتفاؤل أو التشاؤل أو التشاؤم، على الأقل الممكن فانّ تأسيس الدولة القطرية العربية, على أساس عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم, وفقاً للعبة سياسية - ديمقراطية جديدة, الجميع فيها شركاء في صناعة القرار وتنفيذه, تؤسس لاحقاً لحالات جديدة من العلاقات بين العرب, خاصةً أنّ جل أنظمة الحكم العربية, لم تكتفي فقط بوضع عقود حكمها(دساتيرها) مع شعوبها في الثلاّجات, لا بل عبثت بها وعبر عمليات انتقائية, أدّت إلى تشوهات موضوعية في مضامين العقود الاجتماعية, عبر إبقائها لبعض النصوص الدستورية, والتي من شأنها أن أتاحت لها, بأنّ ما تقوم به هو في صميم عملها الدستوري, في حين أنّه بعيد وغريب عن الأصل الدستوري, تماماً كالفروق بين الثرى على وفي الأرض, وبين الثريا في السماء الدنيا.
وجل تقديرات وتخمينات الخبراء والمراقبين, وعلى مختلف مستوياتهم ومشاربهم الفكرية, تذهب باتجاه عودة عنيفة وامتداد الاحتجاجات الشعبوية في العالم العربي, لتشمل دول الخليج كلّها وباقي دول المغرب العربي( وهنا هل يكون فشل الكيان الصهيوني وبعض حلفائه من عرب وغرب في إنهاء مجتمع المقاومة في الداخل الفلسطيني المحتل شرارة ذلك؟), وساحات سياسية أخرى(ضعيفة وقوية) وقد تصل رياح التغيير الشعبية إلى مناطق خارج العالم العربي, مثل الباكستان وبأشكال أكثر حدة والهند أيضاً.
في حين أنّ بعض الساحات السياسية العربية, بنوعيها الضعيف والقوي, تشهد هذا الأوان المشحون, خطوات وقائية استباقية للحفاظ على الاستقرار, عبر تغييرات على قطاعات حكمها, مع التعاطي الشبه مقنع مع حراكات شارعها الأهلي, وقواها السياسية المعارضة والمستقلة.
وتقول المعلومات, أنّ هناك طواقم سياسية واستخبارية, أمريكية وبريطانية أعادت تفاعلها وتموضوعاتها وإحياء أدواتها في بعض الدول, والساحات العربية المرشحة للعدوى التونسية والمصرية والليبية، واستنساخ نموذج تثوير الشارع السوري ضد نسقه السياسي، من خلال البروباغندا الإعلامية، وخلق الدواعش في العراق وغيره ومدها إلى الداخل الأردني ثم محاربتها، وبعبارة أخرى خلق الإرهاب وتسليحه ثم الانخراط في محاربته وتسليح الحكومات لمحاربته( الجانب الضد), تعقد جلسات عصف ذهني, مع القيادات الحاكمة للوصول إلى صيغ جديدة, لأنظمة الحكم التي ما زالت قائمة, وتركز هذه الطواقم السياسية والأستخبارية, على جيوش هذه الدول والتفاهم معها, وذلك حتّى لا تتغير عقيدتها العسكرية, وتبقي على توجهاتها المؤيدة للترتيبات والإستراتيجيات الأمريكية.
وتتحدث تقارير أجهزة الاستخبارات, في مختلف دول المعمورة, والمرفوعة للمستويات السياسية القيادية فيها, تشي بوضوح أن تجتاح وتعبر حركة الاحتجاجات والاضطرابات من جديد كل الساحات العربية عاجلاً أم آجلاً, ولن تسلم منها أي ساحة أو دولة, لكن تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية, تشير إلى أنّ ما يجري في الشارع العربي الممتد من المحيط إلى الخليج, من فوضى خلاّقة ذات مخاضات متعددة, لتولّد معطيات جديدة ومختلفة, تتفق وتتساوق مع الرؤى السياسية الإستراتيجية الأمريكية, والتي تسعى واشنطن إلى عمليات إنفاذها في العالم العربي.
لذلك وبكل بساطة مفرطة, أنّ ما تسمّى بعملية السلام في المنطقة الشرق الأوسطية, قد انتهت أو على الأقل تراوح مكانها، عبر مشروع اتفاق الإطار المجمّد الآن(والأب الروحي له مارتن أنديك المستقيل من منصبه، بمساعده عبر جون كيري بإيعاز من البلدربيرغ الأمريكي جنين الحكومة الأمريكية) حيث أنّه اتفاق لإدارة الصراع أمريكياً إلى حين معرفة طبيعة ما ستنتجه هذه الثورات الشعبية في المنطقة العربية، فجاء العدوان على غزّة الآن للتمهيد له لأحيائه من جديد، وبالتالي فرضه عبر إنهاء المقاومة فكراً وثقافةً وتشكيلاً وتسليحاً... هكذا يعتقدون من غرب وبعض نظام رسمي عربي موغل بالخنوع والتبعية والذل.
 والولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى سيناريوهات السيطرة والأحكام, عبر العسكر العربي من خلال وجوه مدنية, كما تستعد لبيع السلاح من مخازنها, وفتح حوار من جديد مع الحركات الإسلامية, لكي تحافظ على مستويات اللهب والنيران المشتعلة, ولإعطائها الشرعية الأممية, حتّى لا تتدهور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه, من الزاوية الأمريكية.
وكان لردود الفعل القوية والمنسجمة مع رؤية الدولة, للشارع الأردني المسيس بأطره الشعبوية والإعلامية والسياسية والحزبية والعشائرية, الرافض لأي تدخلات أميركية في شؤون دولته, أن أربكت أيضاً السياسة الخارجية الأميركية والتي تنظر, إلى الملف الأردني كمخرجات للملف الفلسطيني, والرهان يكون على تماسك الجبهة الداخلية الأردنية, ضد محاولات أميركية تمارس بالخفاء والعلن على الدولة الأردنية, وعلى الملك نفسه, للقبول ببعض مخرجات مفاوضات التقريب(العلنية والسريّة) التي تمّ تجميدها منذ فترة، وتعتقد واشنطن وبعض النظام الرسمي العربي أنّ نتائج العدوان البربري على غزّة ستعمل على إحيائها من جديد خاصة إذا ما اندلعت انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية المحتلة الحالية، حيث ستشكل الأخيرة عامل ضغط كبير على المطبخ السياسي والأمني الأردني للقبول في النهاية بما هو مطروح، فهل سينجح جلّ السفلة من غرب وأمريكان وبعض نظام رسمي عربي بتصفية الموضوع الفلسطيني بمخرجاته التي هي نتاج العدوان على غزّة إن نجح في مساراته المرسومة على حساب الساحة الأردنية؟!.
 بعبارة أخرى سوف تسعى أمريكا, إلى خلق حالات من التوتر بمستويات عالية الشدّة, بين الدول القطرية العربية, التي ستشكل مراكز قياداتها بشكل آخر, يختلف عن التنميطات السابقة, ثم تعمل على إثارة الخلافات, عبر المكائد والفتن التي تتقنها واشنطن عبر مخابراتها, بين هذه الكيانات العربية, وتذهب بها نحو التصعيدات الأمنية والعسكرية, وعمليات التعبئة السلبية, حيث من شأن ذلك أن يدفعها إلى حشد, القوات العسكرية والقيام بالعمليات المخابراتية السريّة, والعمل على ملىء مخازن هذه الكيانات العربية, من منظومات السلاح الأمريكي, وذلك من أجل تنشيط الاقتصاد الأمريكي المتباطئ في النمو.
وتؤكد المعلومات, أن الحكومة الأمريكية الحالية, واللاحقة أياً كانت, تسعى بأن تكون الجيوش العربية, هي عماد الأنظمة الحاكمة الجديدة, ولكن بوجوه مدنية, بحيث تسيطر واشنطن من وراء الحجاب على تلك الأنظمة, ونتيجةً للتوترات الناشئة بفعل أمريكا, فانّ تلك الأنظمة الحاكمة بصيغ جديدة, سوف تسعى إلى استغلال ثروات البلاد والعباد, ومواردها الأساسية وليس إلى تطوير الاقتصاد وتحسين أوضاع الشعوب, بل إلى شراء السلاح من المخازن الأمريكية, حيث فيها السلاح مخزّن, وقد اعتراه الصدأ, وتتم هذه العملية الجهنّمية عبر المستويات العسكرية, والأستخبارية التي تحكم وتسيطر في الخفاء, والمتفاهمة مع الولايات المتحدة بشكل مسبق.
الولايات المتحدة الأمريكية, وبالتنسيق مع حلف الناتو وبعض دول الاتحاد الأوروبي, إن لم يكن جلّها, يسعون وبوتيرة مستمرة, لاستخدام الأزمة كأسلوب إدارة متقدمة, للأزمة السياسية الرأسية والعرضية الشعبوية التي تم إخراجها من جحور الكبت والحرمان, لتنتج أزمات أخرى في المنطقة, من شأن ذلك أن يؤدي إلى إسقاط باقي الأنظمة الجمهورية الشمولية العربية, وقد تتطور الرؤية الحالية, نحو إسقاط الأنظمة الملكية في الساحات العربية الأخرى, فما يحكم علاقات واشنطن مع ما يجري في المنطقة, هو المصالح والمصالح فقط.
 بمثابة ذر الرماد في العيون, ما قاله أليوت أبرامز بأنّ الملكية الدستورية, نوع من الديمقراطيات, ورسالة للملوك العرب, لإعادة إنتاج أنظمة حكمهم من جديد, وفق صيغ مقبولة وعقود اجتماعية مستحدثة, فإنتاج الأزمات في المنطقة لإسقاط الأنظمة الجمهورية الشمولية حتّى اللحظة.
كل المعطيات والتطورات, الدراماتيكية الجارية, في الشرق الأوسط, ومحركات محفزاتها وميكانيزميات فعلها, تقود إلى بلورة بعد سياسي أمني مزدوج, ينطوي على مرتكزين هامين:
المرتكز الأول :توجد هناك عمليات احتجاجية شعبوية, في العديد من دول الشرق الأوسط.
المرتكز الثاني: هناك عمليات سريّة مخابراتية, تقوم بها شبكات المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية, لتوجيه نشاطات وفعاليات هذه الاحتجاجات والثورات الشعبية, بما يبقي على من بقي من حلفاء, واشنطن وشبكات تحالفها في المنطقة, مع إضعاف خصومها.
الولايات المتحدة الأمريكية تسعى ومع حلفائها, إلى إنجاح خطّة توظيف السلطات التونسية الجديده بعد التوافقات السياسية الأخيرة, بطاقمها وشكلها الحالي, كونها قادرة على توجيهات السياسة الخارجية التونسية, المرتبطة وظيفياً بباريس وواشنطن, مع ضرورة تقديم المزيد من الدعم والمساعدات, لهذه السلطات الجديدة, لجهة تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الداخلية.
كما تسعى واشنطن رغم ترددها لإنفاذ سيناريو دعم السلطات المصرية الحالية, تكون أكثر التزاماً ببنود اتفاقية كامب ديفيد لعام 1979 م, وبالتعاون المصري – الأمريكي – الإسرائيلي, في الشؤون السياسية والدبلوماسية الشرق الأوسطية, وفي ذلك رسالة إلى الفدرالية الروسية.
ومن جهة أخرى, تريد أمريكا حماية الأنظمة الخليجية والأخرى, الحليفة لها من الانهيار, والعمل على تطبيق وإنفاذ هدفها, من خلال حث هذه الدول على إجراء الإصلاحات الممكنة, والتي من شأنها إرضاء الجماهير, وتنفيس واحتواء احتقاناتهم, دون أن تقدم هذه الأنظمة, تنازلات حقيقية تضعفها, وفي ذات الوقت عدم الأضرار بالمصالح, والمجالات الحيوية لأمريكا, والمتمثلة في السيطرة على الموارد, وحماية أمن الكيان الصهيوني في المنطقة.
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: مجتمع المقاومة والدولة العميقة والعدوان على غزّة Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً