728x90 AdSpace

21 مايو 2014

الرئيس الأسد: أخطر ما تتعرض له منطقتنا والعالم الإسلامي عموماً محاولات الغرب ضرب العقيدة والإيديولوجيا في مجتمعنا من خلال التغيير التدريجي للمصطلحات

السبئي نت - دمشق:
التقى الرفيق الأمين القطري للحزب- رئيس الجمهورية السيد الرئيس بشار الأسد يوم 23/4/2014م مجموعة من السادة العلماء ورجال الدين وأئمة وخطباء المساجد والداعيات من مختلف المحافظات السورية.

وخلال اللقاء عبر الرئيس الأسد عن تقديره لمواقف رجال الدين، الذين أظهروا شجاعة ووعياً وحساً عالياً بالمسؤولية الوطنية في مواجهة الضغوط الكبيرة، التي تعرضوا لها من أجل تغيير مواقفهم والتنازل عن قول كلمة الحق، فكان صمودهم لبنة أساسية في صمود المجتمع السوري.

وأكد الرئيس الأسد أن لرجال الدين دوراً أساسياً في تكريس المفاهيم الصحيحة في مواجهة المصطلحات الخاطئة، لأن من أخطر ما تتعرض له منطقتنا والعالم الإسلامي عموما محاولات الغرب ضرب العقيدة والأيديولوجيا في مجتمعنا من خلال التغيير التدريجي للمصطلحات، وأهم مثال على ذلك محاولة فصل العروبة بمفهومها الإنساني والحضاري لا العرقي عن الإسلام، ما من شأنه أن يخلق حالة من عدم الاستقرار على المستويين السياسي والاجتماعي.

وأشار الرئيس الأسد إلى أن الآفة التي أصابت العالم الإسلامي هي آفة الإسلام السياسي، وسقوطه أعاد الإسلام إلى دوره الطبيعي، وهو الدعوة.

وأوضح الرئيس الأسد أن مواجهة التطرف والإرهاب لا يكون فقط عبر إدانتهما وتفنيدهما، بل من خلال ترسيخ مبادئ الدين الصحيح المعتدل القائم على الأخلاق والفهم العميق للإسلام، ومن خلال تجديد الفكر الديني، بما يتماشى مع تطور المجتمع عبر استخدام العقل والمنطق والحوار المنفتح على الآخر، المبني على أساس الإقناع لا التخويف، لافتاً إلى الدور الأساسي لعلماء الدين في سورية وبلاد الشام عموماً في تحقيق هذه الغاية بالنظر إلى أن إسلام بلاد الشام كان، ولا يزال الأساس الذي يحمي الإسلام الحقيقي.

وشّدد الرئيس الأسد على أهمية مؤسسة العمل الديني والابتعاد عن الفردية والمزاجية من أجل خلق رؤية أوسع وتجاوز الأخطاء لافتا إلى أن أول خطوة اتخذت في هذا الاتجاه هي إنشاء فقه الأزمة بهدف ترسيخ الأسس العقائدية المشتركة لدينا كمسلمين في مواجهة فتاوى الفتنة التي تعمل على تفتيت مجتمعاتنا.

وفيما يلي نص حديث الرفيق الأمين القطري للحزب- رئيس الجمهورية إلى السادة العلماء يوم 23/4/2014م:

أرحب بكم السادة العلماء. أرحب بكن السيدات الداعيات. خلال أحاديثي كلها، عندما أذكر رجال الدين أو العلماء، فهي تشمل بشكل آلي الداعيات. فأنتم تقومون بعمل واحد. فأقول للجميع الحمد لله على وصولكم بالسلامة، وأود أن أرحب بشكل خاص بالسادة العلماء، الذين أتوا من محافظة حلب، وإصرارهم على المجيء اليوم على الرغم من الظروف التي تعرضت لها حلب خلال الأزمة بشكل عام، وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية بشكل خاص. وهذا الترحيب الخاص لأن هذا اللقاء لم يكن من الممكن أن يكون كاملاً ومكتملاً ومثمراً دون وجود محافظة حلب، أو أبناء محافظة حلب، لأن حلب هي توءم دمشق، ولأن الحضارة الشامية، بمعنى بلاد الشام، الحضارة السورية، مرت، أو نشأت من دمشق ومن حلب، ولأن محبتي لحلب محبة كبيرة، ويعرفها كل مواطن حلبي. فأهلاً وسهلاً بكم، وأهلاً وسهلاً بالجميع، والحمد لله على سلامة الجميع بوصولهم إلى هذا المكان.

طبعاً، مجيئكم اليوم يعبر عن الحس العالي بالمسؤولية الوطنية الذي تتحلون به، وهذا ليس غريباً. فهذه الشريحة، هذا الحقل، هذا القطاع، العلماء تحديداً، تعرضوا لضغوط هائلة جداً خلال الأزمة من أجل تغيير مواقفهم، من أجل التنازل عن قول كلمة الحق، من أجل التنازل عن الأخلاق التي يتحلون بها انطلاقاً من الأخلاق الإسلامية، أو جعل هذا الدين أداة لأجندة محددة، يحكمها الدولار أو تحكمها سياسات محددة. ولكن الموقف كان معاكساً تماماً.. كان المزيد من الصمود من قبل هذه الشريحة، من قبلكم. هذا الصمود كان أساسياً في صمود الشعب، وصمود البلد بشكل عام. وهذا ليس مستغرباً. فالسمة العامة لأدائكم خلال الأزمة كانت الوعي والشجاعة والوطنية والإيمان. هذا هو الرد، وهذا هو الأداء الوطني.

نعيش أزمة لم تتعرض لها سورية في تاريخها


معروف عني أني لا أحب المجاملات. عادة لا أجامل، ولو كنت أريد أن أجامل أحداً لجاملت الأمريكيين. وعندما نجلس مع بعضنا كسوريين، خاصة في هذه الظروف، فلا مكان للمجاملة. نحن نعيش في أزمة لم تتعرض لها سورية في تاريخها، وأي نوع من أنواع المجاملات والنفاق الذي اتسمنا به في هذه المنطقة بشكل عام، ربما في الشرق، هو الذي أدى بنا ليس إلى هذه الأزمة، فهي جزء من كل، وإنما إلى التخلف والذل والأشياء الكثيرة التي نشعر بالألم، لأن الأمة العربية تعيشها اليوم.

الهدف.. تفتيت سورية وإضعافها

لدي الكثير من النقاط التي أتحدث بها اليوم، وأتمنى أن يكون لديكم القليل من الصبر، وسأحاول الاختصار والمرور على عدد من العناوين التي تشكل توجهاتنا كدولة، وكقطاع ديني. وهناك ترابط بين القطاعين. تعلمون أن اللقاءات بيني وبينكم كقطاع ديني لم تبدأ في الأزمة، بل بدأت قبلها بفترة طويلة، لكنها تكثفت بعد الأزمة، لأن الساحة التي اختارها الخصوم والأعداء لنا في سورية هي ساحة الصراع الديني بداية. وكانت عناوين هذه الساحة منذ البداية عناوين طائفية. ولا يمكن أن نحارب الطائفية إلا من خلال الدين الصحيح. وهذه الطائفية كان لها هدفان، وليس هدفاً واحداً، الهدف الأول تفتيت سورية وإضعافها، وجرّها إلى بحر من الدماء. وهذا الهدف ليس بالقديم، فقد سبق الأزمة بسنوات، ولكن هناك هدف أقدم بكثير، عمره عقود، هو تفتيت الإسلام عبر سورية، وعبر ليبيا والعراق. لكن هذا السلاح فعّال في منطقة بلاد الشام أكثر من مناطق أخرى لأنها متنوعة. فعندما نتحدث عن ليبيا نجد أنه لا يوجد فيها الوضع الطائفي نفسه الموجود في منطقة بلاد الشام.

مسؤولية الفشل يتحملها الجميع


لقاء اليوم يأتي في سلسلة هذه اللقاءات، ولكن التوقيت والحجم والشكل هام جداً، لأننا الآن نمرّ في مرحلة اتضحت خلالها لكثير من الناس الصورة الحقيقية لما يحصل، سواء أكانت العوامل داخلية أم خارجية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لأن الدور الوطني لرجال الدين والعاملين في الحقل الديني، الذي كان مشككاً به بداية الأزمة، اتضح بالنسبة للكثيرين. عندما ألتقي بقطاع من القطاعات، لنفترض أنه عسكري أو ديني أو سياسي أو اقتصادي أو أي قطاع آخر، فإننا نتحدث في البداية عن الإيجابيات. وأنا قلت هذا الكلام بشكل معلن، قلته في الإعلام في مختلف اللقاءات. ولكن نسأل أنفسنا في مثل هذه اللقاءات هل كان من الممكن أن نكون أفضل؟ نعم بكل تأكيد. هل كان هناك تقصير من قبلنا جميعاً في هذا القطاع كالقطاعات الأخرى؟ أقول نعم. هل هناك عقبات؟ بكل تأكيد عقبات كثيرة. هل يمكن أن نتلافاها؟ لذلك نحن موجودون في هذا المكان من أجل الحوار حول هذه النقاط في المحصلة، إذا انطلقنا من حقيقة واحدة بأننا أمام عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين، أنا لا أتحدث عن إرهابيين أتوا من الخارج، وعندما نتحدث عن عشرات آلاف الإرهابيين فهذا يعني أنه خلف هؤلاء حاضنة اجتماعية. هناك عائلة، هناك قريب وجار وصديق وأشخاص آخرون. يعني نحن نتحدث عن مئات الآلاف، وربما الملايين من السوريين، ولو كان مليوناً نقول ملايين. قد لا يبدو الرقم كبيراً، ولكن عندما نتحدث على المستوى الوطني عن مليون أو أكثر، أو حتى مئات الآلاف في مجتمع عدد سكانه 23 مليون، فهذا يعني أننا أمام حالة فشل أخلاقي واجتماعي، وبالمحصلة فشل على المستوى الوطني. من يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ كلنا كسوريين. كل واحد في هذا المجتمع يتحمل المسؤولية بحسب موقعه، حتى لو كان مواطناً، ليس له أي موقع في الدولة أو في المجتمع، لأن ما نراه هو من إنتاج المجتمع السوري، ولو لم يكن هذا الإنتاج موجوداً لما كان هناك قدرة للتلاعب بنا من الخارج أولاً، ولا كان هناك إمكانية لمجيء الإرهابيين والمتطرفين، لأنهم ما كانوا قادرين على إيجاد نظراء لهم وحاضنة تحتضنهم في المجتمع السوري. فلننطلق من أننا كلنا نتحمل المسؤولية. ولكن بما أن الساحة التي تمّ اختيارها هي الساحة الدينية والساحة الطائفية، فلابد أن يكون للقطاع الديني، الممثل برجال الدين والدولة، التي تمثلها في مثل هذه الحالة وزارة الأوقاف، كلنا لدينا مسؤولية خاصة بالنسبة للأزمة. مع جسامة المسؤولية التي تبدو للكل، ففي كل محنة منحة، وعلينا أن نبحث عن هذه المنحة. هناك أبواب فتحت في مختلف القطاعات.        في القطاع الديني تحديداً فتحت عدة أبواب، أولها تعزيز العلاقة المتبادلة بين شريحة القطاع الديني الممثل بالعلماء والدولة الممثلة بوزارة الأوقاف. فكلنا يعرف أن الحدود بين الأبيض والأسود بداية الأزمة، بل قبلها بالواقع، لم تكن واضحة. كان هناك تداخل بين الأبيض والأسود لدرجة الرمادي، وبالتالي لم تكن الرؤية واضحة. أتت الأزمة لكي تجعل هذه الألوان واضحة مثل رقعة الشطرنج. فالعلاقة والحدود بين الأبيض والأسود حادة وواضحة ومحددة. هذا يعني بالنسبة لنا أولاً كدولة وكوزارة أوقاف، أنه أصبح من الأسهل التمييز ما بين العالم الوطني والعالم اللاوطني. أن نميّز بين العالم و رجل الدين، فليس كل رجل دين عالم في الحقيقة، بين العالم المتطرف والعالم المعتدل. في مفاصل كثيرة لم نرَ هذه الحقيقة ــــــــــ كنا نخلطـ ــــــــ هذه حقيقة تحدثنا عنها سابقاً خلال لقاءات حضرها معظمكم، عقدت معي أو مع وزير الأوقاف، أوضحت  الفرق بين العالم الحقيقي، وبين الجاهل الذي يلبس عمامة العلم. والأهم من ذلك أوضحت الفرق بين العالم الصادق والعالم المنافق، الذي كان يأتي إلى الدولة ليضع حاجزاً بينه وبين الآخرين من شريحة العلماء، لكي يحتكر هذه العلاقة، وربما يذهب أبعد من ذلك، لكي يسوّق فُسوق بعض المسؤولين،  وأنا وأنتم نعرف عدداً منهم شخصياً، ورأينا بأن أغلب هؤلاء هم أول من تآمر على وطنه، وأول من فرّ عندما احتدت الأمور. من جانب آخر، وبالمقابل، كانت هناك شكوك من قبل كثيرين من العاملين في الحقل الديني، أو من الشارع الديني بشكل عام، تجاه نوايا الدولة، وكثيرون كانوا يتّهمون الدولة بأنها تستغل الفرصة، لكي تعمل ضد الدين، ولكي تقمع الدين، ولكي تحددّ العمل الديني. وكانت هذه المعاناة بشكل أساسي مع وزير الأوقاف، وأنتم تعرفون هذه التفاصيل، وكان أي عمل تنظيمي يمسّ المساجد أو الخطباء والأئمة أو المدارس الشرعية أو المعاهد أو الجمعيات يعتبر نوعاً من العمل المقصود به خنق الحركة الدينية أو الحراك الديني، أو النهضة، حسبما يسميها كل واحد منا، ولكن لنقل أنها خنق الدين بشكل عام في سورية. هذه المرحلة تجاوزناها الآن، مع كل أسف تجاوزناها بعد ثمن كبير، كنا نتمنى أن نمتلك كسوريين معرفة أكثر، وأن نحمل من الحكمة أكثر بكثير مما حملناه بداية الأزمة لكي نتجاوز هذه اللاثقة بالثمن الأرخص، أو دون ثمن، لكن ما حصل حصل، والمهم أننا أصبحنا الآن في مرحلة الثقة، وهذا باب كبير جداً، لأن التعاون بين الدولة والقطاع الديني أساسي لمواجهة التحديات التي سأتحدث عنها لاحقاً.

الأزمة رسخت موقع الاعتدال للإسلام (الإسلام الشامي)


النقطة الثانية، أظهرت هذه الأزمة بشكل واضح من هم الأعداء الحقيقيون للدين، توضحت الأمور، وظهر بشكل واضح وبالدليل القاطع من يقوم بالهدم، ومن يقوم بالقتل، ليست الدولة هي من قام بقطع الرؤوس ولا بالتحريض على الدين ولا بالتحريض على الإلحاد، ولا كل هذه الأشياء.. أصبحت الأمور واضحة اليوم بالنسبة لكم ولنا ولباقي المواطنين.

النقطة الهامة جداً، أعتقد أن هذه الأزمة رسّخت موقع الاعتدال. وأقول أنه على الرغم من الطرح الطائفي الذي نسمعه والتحريض من الخارج.. لكن وبعد ثلاث سنوات، أعتقد أن الاعتدال أصبح أقوى في المجتمع السوري، على المستوى الاجتماعي بشكل عام، وأتحدث تحديداً عن المؤمنين، وعلى مستوى شريحة العاملين في الحقل الديني. فكثير من الأشخاص الذين تعصّبوا دون وعي، وكانوا يعتقدون أن هذا التعصّب هو تمسّك بالدين، أو أنه محبة للدين وحرص عليه، اكتشفوا أن التعصّب هو الهاوية التي سنسقط فيها جميعاً على المستوى الوطني والأخلاقي والديني، فعادوا نسبياً وتدريجياً وبدرجات متفاوتة إلى الجانب المعتدل، وهذا يفتح باباً كبيراً لكم كرجال دين معتدلين، تمثلون حقيقة الإسلام الشامي، لكي تتحركوا بين الشرائح المستهدفة من المواطنين بخطاب أكثر اعتدالاً وأكثر عقلانية وأقرب إلى الدين الوسطي أو الإسلام الحقيقي، كما أسمّيه.

النقطة الهامة الأخرى، وكلها تأتي في الإطار نفسه.. هي أن الشكوك تجاه رجال الدين، التي ظهرت بداية الأزمة، تتخامد اليوم وتختفي. كثير من المواطنين أصبحوا يدركون أن أحد أسباب التطرف الذي كان يعتقد بداية الأزمة أنها بسبب الدين ورجال الدين والمدارس الشرعية والعمل الديني بشكل عام، سببها غياب الدين وليس العكس.

الدور الوطني لرجال الدين


النقطة الأخيرة والأهم التي بدأت بها، هي الدور الوطني لرجال الدين. أصبح الكل مقتنعاً بالدور الوطني لرجال الدين. إذاً نحن الآن أمام أبواب مفتوحة لا تعطي المبرر لأي واحد منا لأن يقصّر بالتحرك باتجاه مواجهة الأزمة. لو أردنا أن نتحدث اليوم عن الأزمة في سورية فسنكون غير موضوعيين، لأن الأزمة ليست وليدة ثلاث سنوات، وليست وليدة مشاكل مرتبطة بالحدود السورية. ما يحصل في سورية لا ينفصل عما يحصل في الساحة الإسلامية والعربية. نحن نتأثر ليس فقط بما يحصل في محيطنا المباشر، بل بما يحصل من أندونيسيا شرقاً إلى المغرب غرباً. نحن جزء من هذا الكل. لذلك إذا أردنا أن نبدأ فلا بد أن نبدأ بالساحة الإسلامية، فنحن جزءٌ منها ولا نستطيع أن ننفصل عنها.

وننطلق من سؤال بسيط من حقيقة بديهية بأننا كمسلمين، وبعد 14 قرناً من نزول الرسالة   علينا، في أسوأ أحوالنا. أنا لا أتحدث عن الأزمة في سورية، وأقول بشكل عام، نحن في أسوأ أحوالنا. يعني نحن نسير بعكس المنطق التاريخي وبعكس السياق الطبيعي وبعكس الهدف من نزول الرسالة علينا، التي أتت لكي تحسن أوضاع البشرية بشكل عام، ونحن المعنيون قبل الآخرين بهذه الرسالة. بالمقابل الخصوم أو الأعداء أو لنقل الغرب بشكل عام، الذي لا أعتقد أنه يسمّى الغرب المسيحي، لأن معظم مواطنيه غير ملتزمين. نقول نحن لدينا ديانة عظيمة وواقع مزر، وهم لديهم عدم ارتباط بالدين، انفصال عن دينهم، ليس بالضرورة إلحاد، قد يكون إلحاداً، وقد يكون ابتعاداً عن الشأن الديني كلياً، ولكن لديهم أوضاع أفضل، ويفرضون ما يريدون ويقررون ما الذي يريدونه. ما هو السبب؟ لو أردنا أن نبدأ، فلا بد أن نبدأ بالكتاب من العنوان،   لا يمكن أن نأتي إلى الكتاب، ونأخذ جملة منه، ونبدأ بتحليل هذه الجملة، ولا نعرف ما هو العنوان الرئيسي، وما هو عنوان الفصل. بالنسبة للعنوان هو الذي يحدد الإطار العام للكتاب، وهو المحور، بالنسبة لنا كمسلمين، المحور والعنوان هو القرآن الكريم. فإذا فهمنا كل الدين وكل الأحاديث وقرأنا كل كتب الفقه والتفسير والسيرة وغيرها، ولم نفهم القرآن بشكل صحيح وعميق، فنحن لم نفهم شيئاً من الإسلام. وهنا مشكلة الأمة الإسلامية بشكل عام، وأنا أتحدث عن لقاءات متعددة مع الكثير من المسلمين العرب المهتمين بالشأن الديني، أو رجال الدين العرب وغير العرب، الآسيويين وغيرهم. إنها مشكلة عامة تتمثل في تسطيح العقل في فهم القرآن الكريم. القرآن كتاب نسميه القرآن الكريم. لماذا لم نسمّه القرآن العظيم؟ هو كلام الله. هو عظيم بشكل بديهي. ولكن نقول كريم، لأنه يعطي بدون حدود، ويعطي لمن هو قادر على العطاء.  هو كتاب صغير وليس كبيراً، وشامل، ولكن هذه ليست نقطة القوة. نقطة القوة في القرآن هي العمق الكبير. ومن هنا جاء كرم القرآن، وهذا العمق يحتاج إلى عقول تستطيع أن تستخرج. أول آية كانت اقرأ.. اقرأ لنبي غير قارئ، يقرأ بالعقل. فأول شيء كان المطلوب هو العقل. العقل هو تحليل وفلسفة، ولا أقصد أن نصل إلى عمق القرآن من خلال قراءة نظريات هيغل والآخرين، أقصد أن الفلسفة هي القدرة على التفكيك والتركيب والتحليل. نحن سطّحنا القرآن بقراءتنا له، وبالتالي تسطّح معه كل الدين، وأنتجنا إما التغرب أو التطرف.

 فإذاً عندما نقول كمحصلة لكرم القرآن بأن هذا القرآن هو لكل العصور، ماذا يعني لكل العصور؟ يعني أنه بكل جيل من الأجيال، وبمرحلة من المراحل تتطور البشرية، وتتطور معها فلسفة الحياة. القرآن هو منهج الحياة، وهذا المنهج يرتبط حتماً بفلسفة الحياة، فكلاهما من خلق الله، وعندما تتطور فلسفة الحياة تصبح الأجيال التي تأتي لاحقاً أكثر قدرة على الغوص في أعماق هذا الكتاب، واستنباط المزيد من الأحكام. وهذا الشيء لا يحصل على الساحة الإسلامية بشكل عام. هنا أريد أن أـتذكر الشهيد البوطي. كنت كشاب أقرأ العديد من الكتب الدينية لكتّاب لا أعرف من هم. كنت في أغلب الكتب أقرأ المقدمة وبعد المقدمة بعدة صفحات أضع الكتاب جانباً ولا أكمله. بعض الكتب أكملتها، ولكن كتب الدكتور البوطي تحديداً، وهي قليلة، تقدر بحوالي أربعة كتب، أكملتها لسبب بسيط لأنه شخص محترم وصادق وعالم. كل هذه الصفات متوفرة لدى الكثيرين، ولكنه تميز عن الكثيرين بالنسبة لي. لست فقيهاً لكي أقيّم الدكتور البوطي، ولكني كقارئ أقول: كان لديه فلسفة عميقة لم أرها في كتب أخرى. لذلك كان قادراً على الدخول في كتاباته إلى عقل القارئ بشكل لا يأتي بالآيات والأحاديث لكي يثبت وجهة نظره، بل يستخدم فلسفته لكي يثبت ما أتى في الآيات والأحاديث. هذا هو دور رجل الدين. عندما تأتيني وتناقشني: وتقول لي: هكذا قال القرآن، وهكذا كان الحديث ينتهى بالحوار. لا أستطيع أن أناقش. هذا كلام الله، ولكن المهم ما هي القناعة؟ يجب أن نصل إلى القناعة. من دون حوار وتحليل وفلسفة لا نستطيع أن نصل إلى القناعة. إذاً بالحد الأدنى نحن بحاجة إلى تحليل في فهم القرآن ، وبالحد الأعلى، بالنسبة للعلماء، بحاجة إلى الفلسفة. وهذا علم قائم بحد ذاته فقط ليعلّم التحليل. القرآن أكبر من أي فيلسوف. لا نريد أن نفسر كلام الله من قبل فلاسفة. هذا موضوع آخر. أنا أتحدث عن آلية التحليل. لدينا مشكلة في وضعنا للقرآن في كثير من الحالات في مواجهة الفلسفة، مع أن فلسفة الحياة هي من خلق الله.

هناك نقطة أخرى.. على مدى عقود وضع القرآن في مواجهة العلم. وكان النقاش أن ما يأتي في القرآن أكبر من العلم. دعونا نناقش هذه النقطة البسيطة. عندما خلقت الأرض، خلقت معها القوانين العلمية من مطر وبرق ورعد وقوانين الفيزياء والجاذبية الأرضية. الإنسان لم يخترع العلم . الإنسان اكتشف العلم الذي خلقه الله على سطح الأرض. وعندما يكون هناك خالق واحد لشيئين فلا بد أن يخلق هذه الأشياء بانسجام متكامل. فلسفة الحياة مع طبع الإنسان وكلام القرآن والعلوم كلها من خلق الله، فلابد أن يكون هناك دائماً انسجام وتطابق بينها. وعندما نصل إلى تناقض ما بين العلم والدين أو العلم والقرآن فإما نكون قد استنتجنا استنتاجاً علمياً خاطئاً، أو أننا استنبطنا استنباطاً شرعياً خاطئاً. المشكلة لا يجوز أن تكون في الخالق، فهو الذي خلق كل هذه الأشياء.

 وفي المحصلة، بالنسبة للأمة الإسلامية تمكّن البعض من وضع القرآن مع التحليل والفلسفة مع العلم في مواجهة. وهنا خسرنا الكثير من الشرائح التي تؤمن بداخلها، ولكن لم تجد من يدلها على الطريق للتعمق في الدين. أنا واحد من هذه الأجيال، من هؤلاء الأشخاص، كان لديه دائماً الرغبة والفضول لكي يعرف، ولكن من دون حوار عقلاني ومنطق لا يمكن أن أتعمق. هناك مسلمات كلنا متفقون حولها. لكن أريد أن أدخل أكثر. لا أريد أن أكون فقيهاً، ولكن أريد أن أكون مسلماً أكثر علماً، والكثيرون مثلي يريدون هذا الشيء. نحن بحاجة لكي نغير هذه المنهجية في التعامل مع القرآن، لكي نصل إلى الاستنباط الذي يناسب هذا العصر. أما إذا بقي استنتاج الأحكام مبنياً على الماضي دون إضافات تتعلق بالعصور الحاضرة، نكون بذلك في تناقض مع ما نقوله: إن القرآن لكل العصور، ونتركه للعصر الذي استنتج منه شيئاً آخر مرة.

حرب المصطلحات


النقطة الثانية هي موضوع المصطلحات. لا شك بأننا في الأمة الإسلامية تعرضنا إلى حرب خطيرة جداً، ترتبط بموضوع المصطلحات. بكل أسف جزء من هذه المصطلحات لم ننتجها، والأسوأ من ذلك أن الجزء الآخر منها نحن أنتجناه، لكن مضمون هذه المصطلحات حوّر من قبل الغرب، وأعيد إنتاجه بشكل آخر وأرسل إلينا، لماذا المصطلحات؟ لأنهم يريدون ضرب العقيدة، وضرب العقيدة يبدأ بالمصطلحات. لو شبهنا العقيدة بجنزير فيه حلقات، فكل حلقة من هذه الحلقات هي مصطلح. يأخذون هذه الحلقات، يبدلون المصطلح ويعيدون إرساله إلينا. ومع الوقت يصبح هذا الجنزير عبارة عن سلسلة من الحلقات المصنوعة في الخارج، ونحن نستخدمها في الداخل. ولنأت بمثال آخر، فالمصطلح كبرمجة الحاسوب. لو افترضنا أن سورية اليوم كلها مؤتمتة، البنوك والدولة والعلاقات والبريد الإلكتروني وكل شيء، وجاء شخص وعبث بهذه البرمجة فسوف يضطرب هذا النظام، وتضطرب معه الحياة، وربما ينهار النظام ويتوقف معه كل شيء، ولا يمكن في هذه الحالة أن نعود إلى السابق عندما كنا نعتمد على الورقيات، لأن كل شيء أصبح مؤتمتاً. هم فعلوا الشيء نفسه، دخلوا في قلب هذه المصطلحات من الداخل وبدؤوا بتغييرها تدريجياً حتى يتمكنوا من تبديل الأيديولوجية، بهذه الحالة تبقى الأيديولوجية بالاسم نفسه والعقيدة بالاسم نفسه ولكن يتغير مضمونها ونصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. عندما نخسر المصطلح نخسر العقيدة وعندما نخسر العقيدة نخسر الثقافة ونخسر معها الأخلاق والاقتصاد والسياسة والمجتمع ونخسر كل شيء. وعندما نخسر العقيدة نخسر قضايانا. هذا أحد أسباب تخلف الأمة الإسلامية. ولنأت بمصطلحات بسيطة في السياسة والدين وغيرها. يقولون ديمقراطية، فنقف ونصفق. هل هذه الديمقراطية صناعة سورية، أم ديمقراطية عميلة كديمقراطية الائتلاف على سبيل المثال ؟ المقاتلون أو الإرهابيون في أفغانستان كان اسمهم في الثمانينيات "المقاتلون من أجل الحرية". وعندما نفّذوا هجمات الحادي عشر من أيلول أصبح اسمهم إرهابيين، وعندما دخلت أمريكا إلى أفغانستان. وعندما جاؤوا إلى سورية أصبح اسمهم ثواراً. لا يعرفون ماذا يسمونهم؟ يتحدثون عن الإرهاب ويبحثون عن إرهاب معتدل وإرهاب غير معتدل ... الخ. فالمصطلحات تتبدل بحسب مصالح الغرب، ونحن مع كل أسف خاصة في الإعلام العربي، نتبناها كما هي. لنأخذ مصطلح الإسلاميين. ماذا يعني إسلاميون؟ الآن يوجد مصطلح الإسلامويون، مع أنه لا يوجد وزن مفعليون، كما في اللغة العربية. لكن عملياً الإسلامويون هي دمج لكلمة إسلامي ــــ دموي. إسلاميون دمويون جعلوها إسلامويون. مع الوقت ربطنا باللاشعور الدموية بالدين، على الأقل بالنسبة لغير المؤمنين، وغير الواعين لهذا الموضوع. ماذا يعني إسلاميون؟ أنا مسلم، ولكني لست إسلامياً. أنتم مسلمون ولكنكم لستم إسلاميين. هذا تعبير سياسي. ولكن باللاشعور دفعوا الناس باتجاه هذا المصطلح. جاؤوا بمصطلحات التعايش والتسامح، وفرحنا بأن التعايش والتسامح شيئان عظيمان، وهما صفتان من صفات سورية. كنت أجلس مع الوفود الأجنبية ويبدؤون بالمديح، ولكن قلت لهم: إننا نرفض هذا المصطلح. لا يوجد لدينا لا تعايش ولا تسامح. التعايش والتسامح يعني أننا أشياء متناثرة، نعيش بعضنا مع بعض قسراً. فالشظية إذا دخلت إلى الجسم في مكان غير خطير يعزلها الجسم وتعيش مع الإنسان حتى موته، ولكن هذا لا يعني أن الشظية أصبحت عضواً طبيعياً من أعضاء الجسم كالكبد والجسد. كيف نفسر علاقة اليد اليمنى باليسرى، بالرجل، بالعقل، بالقلب، بالرأس، بالكتف، بالظهر... الخ؟ هل نقول بأن هناك تعايشاً؟ إما أن نكون أعضاء لجسد واحد أو لا نكون، إما أن تكون هذه هي الوطنية، أو لا تكون، ماذا نسميها؟ عيش مشترك! هذا بحاجة إلى بحث لغوي، هي أفضل، ولكن هناك التجانس والتكامل. نأخذ المصطلح كما هو، ولا نفكر به، ومع الوقت نكتشف بأننا خسرنا مضمون هذه العقيدة بسبب جهلنا بالمصطلحات. نصل من المصطلح إلى الأيديولوجيا. هم هاجموا فكرة الجيش العقائدي مؤخراً، كما تلاحظون. لا يريدون جيشاً عقائدياً.. لماذا؟ لولا وجود جيش عقائدي لما صمدنا ثلاث سنوات. هم يهاجمون العقيدة مهما تكن هذه العقيدة. لا أتحدث الآن فقط عن العقيدة الإسلامية. أية عقيدة تعني انتماء الإنسان إلى شيء معين، خاصة عندما تكون هذه الأرضية صلبة، فهذا يخيف الغرب. هنا ننتقل إلى الأيديولوجيا والعقيدة التي يهاجمونها عبر قرن من الزمن على الأقل، ولكن أبدأ من النقطة الأخيرة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.  

عندما قالوا لنا: أن الأيديولوجيات سقطت، وتحدث هنتنغتون عن صراع الحضارات، واقتنع كثيرون أن العالم الآن لا توجد فيه عقائد، بل هو عالم مادي تحكمه العولمة. في هذه الحالة هم اختصروا طبيعة الإنسان بسقوط الاتحاد السوفيتي. كل صراع الإنسان يختصر بصراع الشيوعية مع الرأسمالية. الإنسان منذ وجوده على هذه الأرض يبحث عن عقيدة. فاخترع آلهة، إله المطر وإله الخصب وإله الغضب، واخترع الأصنام إلى أن جاءت الأديان السماوية. لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون أيديولوجيا. لماذا اخترعوا هذا المصطلح، رغم أنهم غير مقتنعين به؟ لأنه في الوقت الذي طرحوا فيه سقوط الأيديولوجيا كانت الصهيونية المسيحية وجماعة بوش يصعدون عقائدياً في الولايات المتحدة. لأن الفرق بين الإنسان والحيوان هو العقيدة. الإنسان والحيوان لديهم غريزة. الحيوان يحب ويكره ويشتاق ويتعاطف ويغضب وكل شيء. لديه الكثير من مواصفات الإنسان ولكن لا توجد لديه عقيدة. عندما يسحبون العقيدة من عقولنا نتحول إلى قطيع يقاد باتجاه اليمين وباتجاه اليسار.

علاقة العروبة بالإسلام كعلاقة الجسد بالروح


لذلك تحدثوا عن موضوع سقوط الأيديولوجيا. ما هي العقائد التي تحكم الساحة العربية ــــ الإسلامية التي نعيش فيها؟ هناك عقائد كثيرة، ولكن القاعدتين الأساسيتين في الساحة العربية هما العروبة والإسلام.. هناك شيوعية ومسيحية وقومية سورية وليبرالية وتيارات مختلفة، ولكن القاعدتين الأساسيتين هما العروبة والإسلام. بالنسبة للغرب، وإذا ضرب هاتين العقيدتين تكون الأمور مفتوحة له للدخول والسيطرة على هذه المجتمعات. بدؤوا في العشرينيات مع الإخوان المسلمين، حزب يدعو للدين، هو حزب دعوي حسب ما طرح نفسه. بالنسبة للكثير من الناس في ذلك الوقت، هذه تجربة جديدة وغير واضحة، حتى عبد الناصر يقال بأنه كان من الإخوان أو قريباً منهم، وبالنسبة له هذا حزب يدعو إلى الدين. أنا مسلم ومؤمن ومن الطبيعي أن أقف مع هذا الحزب. لم يكن هناك وعي لقضية تسييس الدين. فبدؤوا بموضوع الإخوان المسلمين وجذبوا جزءاً من الشارع العربي الذي كان يشعر لا شعورياً بالانتماء للعروبة والإسلام بالوقت نفسه. شعر هذا المسلم فجأة أنه ينتمي إلى هذه الشريحة السياسية الدينية، وهو لا يعرف أنها سياسية، والآخرون شعروا أنهم ينتمون إلى التيار القومي. فهنا كان أول فصل بين العروبة والإسلام، وهنا ضربت العروبة أولاً قبل الإسلام، فأصبحت العروبة وحدها. وبالمناسبة عندما نتحدث عن العروبة لا نتحدث عن العرق.

 العرق هو آخر شيء نفكر به في منطقة مثل منطقتنا المتنوعة. نحن نتحدث عن العروبة بالمعنى الإنساني والحضاري. فهذه القاعة ربما تحوي العربي والتركماني والشركسي والكردي. نحن نتحدث عن العروبة بالمعنى الإنساني والحضاري، وربما اللغوي. ضُربت العروبة بهذه البداية، واستمر ضرب هذه العقيدة بطرق مباشرة عبر حرب فلسطين وحرب عام 56 على مصر وحرب 67 وحرب 1982، الحروب مختلفة. أما الإسلام فلم يكن من الممكن ضربه بهذه الطريقة، فانتقلوا إلى طريقة أخرى تشبه طريقة الفيروس. الفيروس عندما يدخل إلى الجسم، مثل الرشح، لا نستطيع أن نعطيه دواء، لأن الفيروس يدخل في قلب الخلايا، وإذا أردنا أن نقتله لا بد أن نقتل الخلايا،  لذلك يقولون للمصاب اشرب سوائل وعصيراً وغيره وانتظر حوالي خمسة أيام حتى تشفى من هذا المرض. هم دخلوا  بالطريقة نفسها واستخدموا شيئين: الطائفية والتطرف.. وكُلف في البداية بهذا الموضوع آل سعود، ولكن الطائفية أخذت مداها الحقيقي بعد الثورة الإسلامية الإيرانية. هذه الثورة طرحت نفسها كثورة إسلامية بالمعنى الشامل، ولم تطرح نفسها كثورة شيعية. وهنا طُلب من آل سعود أن يتصدوا لهذا الموضوع تحت عنوان حماية السنّة في العالم الإسلامي من المد الشيعي.

لنر فقط مصداقية هذا الموضوع, ألم تكن السعودية هي الحليف الأوثق والحليف العضوي لشاه إيران الشيعي؟ ألم تكن كذلك؟. ألم تكن السعودية أو آل سعود هم من وقف بوجه عبد الناصر السني المؤمن؟ هو مؤمن، من المعروف أن عبد الناصر كان مؤمناً، وكما قلت قبل قليل كان عبد الناصر أقرب إلى الإخوان، لأنه كان مؤمناً ولم يكن يفصل بين الإسلام والعروبة. فأخذ هذا الموضوع بعده، وبدأت هذه الطائفية تنخر الإسلام من الداخل. أما التطرف فقد كُلفت به القاعدة في أفغانستان، ووصل الجيل الإسلامي مع سيطرة الإعلام الوهابي على المحطات الإعلامية، خاصةً مع ظهور الفضائيات، وأصبحنا أمام حالتين، إما إعلام يأخذني باتجاه القيم الغربية كاملةً، وبدأ الشباب من جيلنا والجيل الذي أتى بعدنا والأصغر، والأطفال اليوم، يأخذون كل هذه المفاهيم من هذه الأقنية العربية ذات الخلفية الوهابية، فأصبح يفكر بشكل غربي تماماً، وأصبح منسلخاً بشكل كلي عن لغته، وعاداته وتقاليده، حتى داخل المنزل.

أما الجزء الآخر من الإعلام، فهو الإعلام المتطرف. فأصبح هذا الجيل أمام حالتين، إما أن يذهب باتجاه التطرف أو باتجاه التغرّب، وهنا يبدأ انفصام الشخصية في منطقة ما بين العروبة والإسلام. أنا شخص أرى نفسي مسلماً، وأرى نفسي عربياً، ولكن أرى أن هناك انفصالاً. هذا يشعرني بانفصام الشخصية. عندما يحصل انفصال بين العروبة والإسلام، فمعناه أن هناك عدم استقرار في المجتمع، عدم استقرار نفسي وعدم استقرار اجتماعي، وبالتالي عدم استقرار من الناحية الأمنية. كيف يمكن الفصل بين العروبة والإسلام، كيف يمكن الفصل ما بين عروبة الرسول وإسلام الرسول؟ كم مرة تباهى الرسول بانتمائه؟ مرات كثيرة. طبعاً في ذلك الوقت لم يكن مفهوم العروبة موجوداً بالشكل الحالي، كان الطرح "عربي وأعجمي"، لم يكن هناك حدود وطنية، حدود سياسية بالشكل الحالي، فكان تباهيه بانتمائه القبلي. كانت القبيلة هي الوطن في ذلك الوقت، ولو كان هناك حدود سياسية لرأينا ربما آيات في القرآن تتحدث عن الوطن، وعن الوطنية، ولربما كان هناك أحاديث تتحدث في الإطار نفسه. بأي منطق نفصل بين مضمون القرآن الإسلامي ولغته العربية؟ هذا مستحيل، هل يمكن أن نفصل ما بين اللغة والثقافة؟ هل يمكن أن تقرؤوا ثقافة عربية بلغة ألمانية مثلاً؟ هذا مستحيل. هل يمكن أن نتخيل كهرباء من دون أن نتخيل السلك؟ السلك بدون كهرباء ليس له قيمة، والكهرباء لا نراها. وكما شبهها الرئيس حافظ الأسد في يوم من الأيام، هي الروح والجسد، فنحن لا نرى الروح والجسد من دون روح هو جسد ميت. فإذاً لا يمكن الفصل بين فكرة العروبة وفكرة الإسلام. هم تمكنوا من القيام بذلك عبر عقود وأصبح هناك شارعان منفصلان، شارع للإسلاميين، يمثله رجال الدين والمؤمنين، ومن معهم الخ.. هكذا كان الواقع، وشارع للقوميين، شارع علماني، وهو شارع ضد الدين والخ.. وهذا رأيناه بشكل واضح في الستينيات وفي السبعينيات. كنا نعاني من انفصام في الشخصية أوصلتنا إلى مانحن عليه اليوم كأمة إسلامية. لذلك وفي الحديث عن عروبة القرآن، عندما نقول بأن القرآن حافظ على اللغة العربية هو كلام غير دقيق، القرآن حافظ على العروبة بحد ذاتها كمفهوم، ولا يجوز أن نختصر القرآن بحفاظه على اللغة العربية وكأنه مجرد كتاب لغة عربية، هو أكبر من ذلك بكثير.

آفة الإسلام السياسي


الآفة الأخرى التي أصابتنا في العالم الإسلامي هي آفة الإسلام السياسي. عندما نقول: "إسلام سياسي" نكون قد ربطنا ما بين شيئين لا يمكن أن يرتبطا بمستوى واحد، هناك سياسة إسلامية ربما، في مجالات الحياة المختلفة، في الاقتصاد..، ولكن الإسلام السياسي شيء مختلف. الإسلام شيء إلهي، والسياسة شيء بشري. الإسلام أتى من أجل كل البشر، وليس فقط من أجل المسلمين، من أجل كل البشرية، وليس من أجل فئات محددة، أما السياسة فتخدم شخصاً أو فئة من الأشخاص. الإسلام أتى لأجل طويل، طوله بطول بقاء البشرية على الأرض. السياسة محددة بزمن محدد. ما هو صحيح اليوم قد يكون خاطئاً غداً. الإسلام أتى من أجل الصفاء، لأنه صافٍ لا يمثل مصالح محددة، أما السياسة فتتبع الأهواء والنزوات والأخطاء البشرية. فكيف أربط السياسة مع الإسلام بهذا الشكل؟ هذا بحد ذاته فيه تقزيم للدين. إذا كان هدفهم كما قالوا من الإسلام السياسي والأحزاب السياسية هو الدين وتعزيز الدين فهذا ما تقومون به، أنتم تقومون بالدعوة للدين، وعندما تنجحون في الدعوة للدين وتكرسون أخلاق الدين في هذا المجتمع فأنا كسياسي سأكون أخلاقياً في سياستي، وأنا كمسؤول سأكون أخلاقياً في حمل الأمانة أمانة المسؤولية الوطنية، والتاجر سيكون أخلاقياً في تجارته ولا يغش، والعسكري سيكون أخلاقياً في قتاله وهكذا. الدين أعلى. عندما نكرس الدين بشكل شامل فهو سيتشرب إلى القطاعات الأخرى، ولا يمكن أن يكون بشكل، أو بآخر جزءاً من السياسة. فإذاً الإسلام السياسي هو ليس شكل حكم، لا حزب ولا دولة. السؤال هنا كيف تتحدث هذا الكلام، وإيران موجودة وهي حليفتك وحزب الله و.. الخ.. حتى حماس قبل أن نقول عنها بأنها إخوان مسلمين. شكل الحكم شيء ومنهج العمل السياسي شيء آخر. الإسلام السياسي هو منهج سياسي يستغل العواطف الدينية للناس من أجل أجندات سياسية محددة لأشخاص أو لدول، أما شكل الحكم فهو شيء آخر. يعني إيران أرادت أن يكون فيها ولاية فقيه وأن يكون فيها إمام و.. الخ.. بالمحصلة على ماذا تستند إيران في حكمها؟ على الشريعة الإسلامية. أنا أريد أن أسالكم على ماذا يستند الدستور السوري؟ على الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي. على ماذا تستند كل قوانين الأحوال الشخصية في سورية؟ على الشريعة الإسلامية، وطبعاً المسيحيون وباقي الطوائف لهم خصوصية في هذا الموضوع. نحن أيضاً، بهذا المنطق، دولة إسلامية، وهذا بديهي، ولكن شكل الحكم شيء وأن نستند إلى الدين الإسلامي شيء آخر، فإذاً الإسلام السياسي هو استغلال الدين، أما شكل الحكم هو شيء آخر. نحن لا نستغل الدين عندما نقول بأن الدستور يحكم بحسب الشريعة الإسلامية. لذلك الإسلام السياسي اليوم، وهو يسقط كما نرى في مصر وفي سورية.. حقيقة أستطيع أن أقول بكل ثقة بأن سقوط الإسلام السياسي هو خدمة للدين، هو آفة وعقبة ومشكلة، هو جرثومة دخلت إلى عقول المسلمين وخروجه وسقوطه يعني استعادة الإسلام لموقعه الطبيعي، وعودته لعمله الدعوي. العمل الحقيقي هو دعوة، أنتم تقومون بالدعوة. فإذا كما قلت قبل قليل أنتم مسلمون ولكنكم لستم إسلاميون، وأنا مسلم ولست إسلامياً.

نقطة أخرى تمرس بها الإسلام السياسي وعندما تحدثت عن الطائفية فالإسلام السياسي خدم الطائفية بشكل مباشر وبدأنا نعيّر الأشخاص بطائفتهم، لا نقول بأن سين من الناس هو وطني، ولا نقول بأنه أخلاقي، ولا نقول بأنه مثقف، نقول أن فلاناً من الطائفة الفلانية فأصبحت الطائفية هي المعيار وحلت محل الدين، وحلت محل الوطنية. هذا جزء من المفاهيم، أي أننا إذا لم نقم باسترداد الإسلام إلى موقعه الطبيعي لغوياً وثقافياً وعقائدياً، ومن خلال المصطلحات سنكون خلال فترة ليس أمام الإسلامي العربي الذي أُنزل على الرسول قبل أربعة عشر قرناً، بل سنكون أمام إسلام إما عثماني أو قطري أو إسلام أمريكي، وكله واحد. وهنا يأتي دورنا في استرداد هذا الإسلام من خلال رؤية هذه التحديات. إذاً هذه هي التحديات على الساحة الإسلامية بشكل عام. نقول بأن هناك خصوصية أكثر بقليل للساحة العربية، الساحة العربية من ضمن الأزمات الموجودة، هي أزمة صراع هوية، وجزء من الأزمة التي نعيشها في سورية هي أزمة صراع هوية، فيها عدة جوانب. الجانب الأول هو ما تحدثت عنه قبل قليل، وهو الصراع بين الإسلام والعروبة بدلاً من التآخي والتوافق والتكامل والتمازج والاندماج. كان هناك حالة صراع بين الإسلام والعروبة. حالة مفتعلة خلقت صراع هوية، وأصبح هذا الشخص لا يعرف إن كان مسلماً أم عربياً أم غربياً، ينتمي إلى الغرب كلياً. هذه الصدمة أتت مع صدمة الحداثة وصدمة العولمة، التي أتت منذ حوالي العشرين عاماً، وأثرت في كل الأمة العربية، وخلقت أزمة هوية. وعندما يتعرض الإنسان لهذا النوع من الأزمات فهي حالة اضطراب نفسي تؤدي إلى فراغ عقائدي، فراغ فكري، فراغ نفسي. وهذا الإنسان عندما يصاب بهذه الحالة يتحول في المحصلة إلى إنسان بعيد عن الأخلاق، يعاني من فراغ أخلاقي ويتحول إلى شخص دون مبادئ تقوده الغريزة فقط ولا شيء آخر. ومن هنا كان من السهل على الفكر المتطرف في مثل هذه الحالة أن يؤمّن متطوعين علاقتهم مع الله هي علاقة الغريزة. ومن هنا أتى جهاد النكاح، إن لم يكن هناك شيء يرضي هذه الغريزة فلماذا أكون مؤمناً؟ يتحول الإنسان إلى إنسان مسطّح ذي بعد واحد، وليس متعدد الأبعاد كما هي طبيعة الإنسان كما خلقها الله. هذه الحالة العربية يضاف لها في سورية أزمة نفسية سببتها الأزمة الحالية، وهي أزمة الإيمان بالوطن، أي أزمة انتماء للإسلام، للعروبة، والآن للوطن السوري، البعض فقد إيمانه بالوطن. يجب أن نضع نصب أعيننا هذه الحقيقة الصعبة ولكن كله يُعالج. هناك خصوصية أخرى تنزل على الساحة العربية، وهي دور سورية والعراق ومصر. لماذا هذه الدول الثلاث؟ لأن الحضارة العربية نشأت من هذه الدول، ولم تنشأ لا من المغرب ولا تنشأ من الخليج. هناك صراع للسيطرة على هذه الدول خاصة بعد ظهور النفط واستخدام أموال النفط لصالح الوهابية، هنالك هجوم على هذه الدول بالمعنى السياسي وبالمعنى الديني بالمعنى الديني من خلال تسرّب الوهابية إلى كل الساحة العربية خاصة إلى هذه الدول الثلاث خلال الأربعين عاماً الأخيرة منذ بداية السبعينيات، وهذا الموضوع ليس بجديد، وهناك هجوم سياسي للسيطرة، فمن لا يسيطر على بلاد الشام أولاً والعراق ثانياً ومصر ثالثاً لا يستطيع أن يسيطر على السياسة في هذه المنطقة. دول تمتلك أعرق الحضارات في العالم مقابل دول لم تدخل الحضارة إليها حتى هذه اللحظة، هذه هي الحقيقة. وهنا نعود لمثَل الدولة الأموية. الأمويون ليسوا سوريين، كما يقول البعض، الأمويون هم قريش، هم سكان الصحراء وقريش تفخر بانتماء الرسول إليها، ونحن نقدر الخلفاء الراشدين والصحابة، وكل هؤلاء الأشخاص الذين وقفوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك المرحلة، ولكن من بنى الدولة الأموية؟ هم السوريون، هم الشاميون بمعنى بلاد الشام، وهم الدمشقيون بمعنى مدينة دمشق، هذه هي الحقيقة، ولو كانوا قادرين على بناء الحضارة من مكة ومن المدينة لما أتوا لبلاد الشام، لما أتوا إلى دمشق ولم تنطلق الحضارات من هنا فيجب أن نكون عادلين. إذاً هذا الصراع هو صراع تاريخي، ولن نسمح لهم لا سياسياً ولا دينياً بالسيطرة علينا. دين بلاد الشام، إسلام بلاد الشام هو الأساس، هو الذي يقوم بحماية الإسلام الحقيقي.

أزمة الأخلاق


النقطة الثالثة التي ربما أستطيع أن أقول بأنها العامل الوحيد المحصور في سورية هي أزمة الأخلاق، في كل لقاءاتي مع رجال الدين كنت أبدأ بالقول: إننا نعيش أزمة أخلاق ترتبط بكل ما سبق، كل ما سبق يؤدي إلى هذا العامل وهو أزمة الأخلاق، عندما نرى هذا الحقد وهذا الكره وهذا الخطف والسرقة واللاأخلاق واستغلال الغني للفقير وكل التفاصيل التي تعرفونها كمواطنين سوريين، فنحن نعاني من أزمة انحراف بالإيمان، لا أريد أن أقول بأنهم غير مسلمين، ولكن هناك أزمة الانحراف بالإيمان، عندما نفصل الدين عن الأخلاق فمعناه أننا نمارس كل الشعائر، ولا نمارس أي شيء من أخلاقيات الدين، هذه هي التحديات التي تواجهنا كسوريين، كعرب، كمسلمين، ما هو السبيل لمواجهتها؟ لابد أن يكون لدينا منهجية واضحة في هذا الموضوع... أولاً وهو العامل الأخطر طبعاً، وذلك من البديهيات هو مواجهة التطرف، وهذا ما تقومون به، لابد من مواجهة التطرف على مستويين، الأول هو المستوى التربوي الاجتماعي، فأنتم موجودون في كل حي، في كل قرية، في كل مدينة في سورية، في كل زاوية في هذا الوطن، لابد من تكريس موضوع الأخلاق وشرحه بشكل أكبر ..أنتم تقومون بهذا الشيء بشكل كمّي، ولكن نحن نريد النوعية مع الكمية ، بشكل يمكننا من أن ندخل هذه المفاهيم إلى المواطن السوري. فكثيرون من مواطنينا يقومون بممارسة الشعائر ولا يقومون بممارسة الأخلاق في ممارستهم اليومية في الشارع السوري، المستوى الآخر هو المستوى العقائدي: لابد من إبعاد العقيدة الدينية عن السياسة، لابد من شرح المفاهيم (الجهاد، الكفر والإيمان وكل هذه التفاصيل) وأنتم تقومون بهذا الشيء، ولكن نعرف بأن كثيرين من المؤمنين لا ينزلون في هذه الظروف إلى المساجد إلى صلاة الجمعة، الكثير منهم لا يقرأ الكتب، الكثير منهم لا يشاهد التلفاز، لابد من الوصول إلى كل زوايا المجتمع لكي نوضح هذه المفاهيم على حقيقتها... وبالمحصلة المفهوم الأول لا ينفصل عن المفهوم الثاني طالما أن جوهر الدين هو الأخلاق، فلا نستطيع أن نفصل عملكم التربوي الأخلاقي عن عملكم الديني فهما مهمتان بمهمة واحدة، فإذاً هذه هي النقطة الأولى، ولكن هذه النقطة لا يكفي أن نقوم بها من خلال العمل السلبي، وكلمة العمل السلبي ليست كلمة دقيقة، الأدق هي العمل المنفعل بمعنى لا يكفي أن نُدين التطرف والإرهاب، لا يكفي أن ننبذ، لا يكفي حتى أن نُفنّد المنطق الذي يستخدمونه، لابد من تجديد الفكر الديني فهناك شرائح مؤمنة، ولكنها تريد الحوار وتريد الفكر المتجدد الذي يتناسب مع تطورات المجتمع، فالمجتمع يسير ويتسارع في سيره إلى الأمام بسبب التكنولوجيات الحديثة، وقوة المجتمع لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها، ولا يستطيع أحد أن يؤثر بها إلا إذا كان متماشياً مع التطورات الحديثة ، فعدم تماشينا في القطاع الديني مع تطورات المجتمع، وهذا لا يعني فقط أن نمتلك الكمبيوترات، وأن ندخل الفيس بوك ويكون لدينا حسابات على التويتر. أنا أقصد بالفكر، من دون تجدد الفكر لا يمكن أن نؤثر بهذا الاتجاه ونواجه التطرف. التطرف ذكي وليس غبياً كما نعتقد، هو يستخدم تقنيات، ولكنه يستخدم المنطق الذي يتغير ويتطور فإذا لم نتطور سنخسر شريحة كبيرة من المسلمين الذين لن يسيروا معنا. ومرة أخرى سأقول إما أن يذهبوا باتجاه التطرف، أو أن يذهبوا باتجاه التغرب. النقطة الثالثة هي استخدام العقل، والعقل هو الأساس، والعقل لا يمكن أن ينشأ من دون حوار.. الببغائية لا يمكن أن تكون أساس التطوير في العمل الديني، لابد من العقل والحوار، لأن العقل هو الذي يقنع الناس ، يدخلهم بالقناعة وليس بالخوف.. وأنا أتذكر في هذه اللحظة عندما كنت في بريطانيا عام 1992 تحديداً وكنت في حوار مع أحد الأشخاص، وكانت علاقتي مع الدكتور الشهيد البوطي تقتصر على أنني التقيت به مرة أو مرتين، ولكن احتد النقاش بيني وبين أحد السوريين عندما قال لي لا تناقش هذه النقطة لأنها وردت في القرآن، قلت له: لم يطلب منا الدين والقرآن والحديث ألا نناقش أبداً، فاتصلت بصديق مشترك، وقلت له اسأل الدكتور البوطي ماهي حدود التفكير في الإسلام؟ كان سؤالاً شاملاً، ولكن هذا السؤال هو الذي سيوضّح لي حقيقةً كيف يجب أن نفكر، وكان سيؤثر على توجهاتي، فكان الرد على الفاكس ورقتين تبدأ بكلمة لا حدود للتفكير في الإسلام، أنا كشخص، هذا الأمر أثر على توجهاتي حقيقيةً، وكنت استخدمه في كثير من النقاشات.. يجب أن نستخدم الحوار بهذه الطريقة المنفتحة، لأننا لا نستهدف المؤمن.. نستهدف قليل الإيمان.. نستهدف مضطرب الإيمان..  نستهدف المتردد في إيمانه، ونستهدف الملحد، ونستهدف المعادي للدين، هؤلاء من علينا أن نستقطبهم.. هؤلاء الأشخاص.. المؤمن مؤمن.. يمكن أن ندخل معه في بعض التفاصيل لكي نتعمق معه بالدين. لا يوجد مشكلة.. هناك نقطة مهمة، سجلتها أمامي يجب أن نتحدث بها وهي عن الاعتدال.. فقط أريد أن أؤكد على أن الاعتدال هو ليس فقط في الدين.. الاعتدال هو طريقة تفكير شاملة. أي أنني لا يمكن أن أكون معتدلاً في الدين ومتطرفاً في المجتمع.. عليّ أن أكون معتدلاً في السياسة ومعتدلاً في الدين ومعتدلاً في تعاملي مع الناس.. أنا معتدل كشخصية في كل ما يخص الحياة البشرية التي تخص أي مواطن في أي مكان من هذا العالم، هذه نقطة فقط سمعتها عدة مرات وسجلتها كملاحظة. إذاً المطلوب منّا غير مكافحة التطرف أن نكرس المفاهيم الصحيحة في وجه المصطلحات المغرضة، وأنا هنا أريد أن أركز على مصطلحات أخرى غير التي ذكرتها كأمثلة .. موضوع العائلة وموضوع الدولة ... لماذا أتحدث عن العائلة؟ في الإسلام الأمور واضحة، هناك عدة آيات وعدة أحاديث تؤكد على مفهوم العائلة، والعلاقة خاصة بين الأبناء والأبوين وضرورة طاعتهما.. والطاعة واجبة في كل شيء ما عدا معصية الله.. أي  حتى إذا كانا مشركين يجب أن نطيعهما.. لماذا؟.. لأن الوحدة الأساسية، في المجتمع هي العائلة.. في حال تخربت هذه الوحدة الأساسية فكل التعاليم الأخرى المرتبطة بالإسلام لا يمكن أن تطبق لأن الوحدة الأساسية بالمجتمع تخرّبت .. هذا يعني بأن المجتمع تخرّب، فلا بد من الحفاظ على هذه الوحدة الأساسية .. عليك أن تُبقى احترامك لوالديك وتحافظ على هذه العائلة لكن لا تطع هؤلاء المشركين في معصية الله.. والشيء نفسه بالنسبة للدولة، مفهوم الدولة كمفهوم الوطن لم يكن موجوداً في ذلك الوقت، ولو كان موجوداً أيضاً لكان هناك ربما آيات أو أحاديث توضّح هذا المفهوم.. الدولة بالنسبة لنا هي كالأب والأم وإذا انهارت الدولة انهار معها المجتمع بالمفاهيم الحديثة .. يجب أن نفهم هذه الحقيقة.. كثير من السوريين الذين خرجوا عن سوء نية، أو عن حسن نية، بمعنى حسن نية أي أنهم كانوا يعتقدون بأن هناك ثورة وظلم والخ.. ويجب أن نقف مع المواطنين في ثورتهم ضد الظلم.. وقفوا ضد الدولة.. لماذا..؟ يقولون هذه الدولة فاسدة.. هذه الدولة طاغية.. هذه الدولة ظالمة... هذه الصفات هي صفات إنسانية، الدولة ليست إنساناً.. الدولة هي بنية سياسية.. هي نظام سياسي، قد يكون ملكيا،ً وقد يكون أميرياً، وقد يكون رئاسياً، وقد يكون شبه رئاسي، وقد يكون برلمانياً.. الخ.. لا يوجد في العالم نظام اسمه نظام فاسد.. هناك نظام يناسب هذا المجتمع، أو نظام لا يناسب هذا المجتمع.. المسؤول، الفرد، الشخص هو يكون فاسداً، هو يكون ديكتاتورياً، هو يكون قمعياً، وهو يكون سيئاً.. ومن الضروري أن نكون ضد هذا المسؤول الفاسد، ولكن هذا شيء، وأن نقف ضد الدولة شيء آخر، ومن الضروري شرح هذا الشيء للناس بالمنطق الشرعي والديني وليس فقط بالمنطق السياسي ...هذه نقطة مهمة.. وهذا المنطق سمعته في كثير من الجلسات من قبلكم وهناك آيات توضح هذا الموضوع.. هناك أحاديث للرسول، هناك آيات عن أولي الأمر وهناك أحاديث للرسول بأنه سيأتي أئمة بعدي لا يهتدوا بهدايي ولا يستنوا بسنتي وإلى آخره.. ماذا نفعل يا رسول الله.. أطيعوا الأمير.. هذه ليست دعوة للانبطاح أو للخنوع.. هي دعوة للتغيير، ولكن التغيير بالمنطق.. وبالتالي نحن نريد من كل مواطن أن يقف ضد الفساد والظلم والخطأ، ولكن عبر آليات الدولة، ولابد له من الدخول بهذه الآليات على الرغم من كل العقبات. البعض يقول لك: لا يتركون إنساناً جيداً.. لا يوجد شيء مطلق بالحياة، كل إنسان جيد قادر على الدخول عندما يريد، ولكن أن يستسلم منذ البداية ويقول: إن كل الدولة سيئة.. هذا مستحيل.. مستحيل أن يكون مليون شخص بالدولة السورية كلهم سيئون، فتعزيز المفاهيم الصحيحة ضروري جداً.



مأسسة العمل الديني


النقطة الأخرى الهامة والتي لا يمكن لنا أن ننطلق في مواجهة كل هذه التحديات من دونها هي مأسسة العمل الديني، مع كل أسف نحن كشرقيين فرديون خاصة في سورية.. نحن فرديون، والعمل الديني لدينا جزء من هذه الفردية.. لماذا أُمرنا بالشورى؟.. لسبب بسيط.. لأننا كبشر نرى رؤية ضيقة، وعندما آتي أنا ويأتي إلى جانبي شخص آخر تصبح الرؤية أوسع بقليل، وعندما يكون هناك ثالث ورابع وعاشر تصبح الرؤية أوسع بكثير، وعندها تكون الرؤية أوسع.. عندما تكون الرؤية أوسع يكون الخطأ أقل والإنجاز أكبر.. فلا بد من مأسسة العمل الديني باتجاهين.. أولاً باتجاه العقيدة، فعندما نقرأ كتاباً لشيخ ما.. أنا كشخص غير فقيه كيف أعرف إذا كان هذا الكتاب سيأخذني باتجاه التعصب والتطرف.. كيف أعرف إذا كان خرج عن الدين أم لا.. من هي المرجعية بالنسبة لنا.. لا يوجد مرجعيات ، كل شيخ بحد ذاته مرجعية.. وهذا شيء خطير ، وهذا أوصلنا إلى ما نحن عليه من تطرف وتعصّب.. من راجع الكتب التي كانت تعرض في مكتبة الأسد ؟ من المرجعية في سورية التي قالت بأن هذا الكتاب يحرض على التعصب أو غيره من هذا الكلام.. لم يكن هناك مرجعية، الآن خطونا خطوة أولى في هذا المجال، وهي فقه الأزمة، طبعاً أنا أريد أن أقول بأن فقه الأزمة هو مواجهة لفقه الفتنة .. فنحن واجهنا في البداية فقه الفتنة، ولم يكن لدينا أدوات فكرية، اعتمدنا على حسن النية.. اعتمدنا على الفكر الموجود لدى كل رجل من رجال الدين، أو لكل عالم، ولكل داعية في سورية، ولكن لم يكن لدينا فقه بالمعنى الشامل لمواجهة هذه الفتنة، فكان يوم فقه الأزمة هو مواجهة لفقه الفتنة، ولابد من تطويره وإكماله، ولابد من الاستمرار في تطويره ، كما قلت، مع تطور المجتمع لمواجهة هؤلاء. وأصبح هذا الفقه الآن هو الإطار الذي يحدد لنا .. والشيء الجيد أنه ليس إنتاج الدولة، هو إنتاج علماء الدين الموجودين معنا في هذه القاعة وهو إنجاز وطني، وليس فقط على المستوى الشرعي، لأنه سيحمي البلد.. فالسير بهذا الموضوع مهم جداً.. نكمله في المستقبل بالمرجعية بمعنى المؤسسة الدينية، لابد من التفكير كيف تكون هذه المرجعية.. اليوم لدينا كليات شريعة، ولدينا معهد الشام للعلوم ولدينا المدارس.. يعني لدينا بنى لابد من مأسسة العمل بينها، لكي يكون لدينا مرجعية تحدد العمل الديني وإطار العمل الديني. هناك جانب آخر "طبعاً، هناك جوانب كثيرة، ولكن أنا أُركز فقط على جانبين"، الجانب الأهم في الممارسة هو المنبر.. المنبر أيها السادة والسيدات هو منبر عام.. موقع عام.. ليس مكاناً خاصاً، هو ليس مكاناً للشيخ.. لا الجامع ولا المنبر ملك للشيخ ، والمنبر العام له حرمة وله قواعد وله أصول ، ولا يجوز للشيخ أن يستخدم مزاجه الشخصي، أو يستخدم هذا المنبر من أجل مزاجه الشخصي وأفكاره الشخصية، ولو عن حسن نية، هنا يأتي تشتت العمل الديني، حتى في بداية الأزمة هناك من يقول أن الجيش جيد.. وهناك من يقول أن الجيش يضرب وهناك من يقول هناك مساجين، وهناك من يقول باتجاه سياسي ، بمعنى استخدم لمزاج شخصي.. أنا أتحدث بعيداً عن سوء النوايا.. كان هناك سوء نوايا لدى بعض المشايخ انتهينا منه الآن.. أنا أتحدث عن الفردية في العمل والمزاجية.. أنا شخصياً ، عندما أقف، أو أجلس على منبر أتحدث بإطار محدد، وعندما أكون على الهواء مباشرة ومسموعاً من قبل دول أجنبية ومن قبل كل المواطنين من مختلف الشرائح هناك قواعد محددة أخرى تحكم كلامي.. وعندما أجلس بين أربعة جدران، أو عندما أجلس مع عائلتي ومع أصدقائي هناك منطق آخر، ليس متناقضاً، ولكن أقصد أن القواعد والضوابط تختلف.. لنأتِ بمثال واقعي .. بعد ثلاث سنوات ودخلنا بالسنة الرابعة من الأزمة، ولولا صمود الشعب وقوة الشعب وقوتكم لما صمدنا، الجيش وحده لا يكفي والرئيس وحده لا يكفي، والدولة والحكومة لا تكفي، إن لم نصمد مع بعضنا لا يمكن أن يصمد البلد.. ولولا وجود الأمل لما صمدنا. إذاً لو شعرنا اليوم بحالة إحباط وأردنا أن نعطي أملاً.. تقوم وزارة الأوقاف بإرسال تعميم تقول فيه: إننا نريد اليوم أن نعطي أملاً.. فيأتي شيخ يشعر بالتشاؤم لسبب خاص ويعطي تشاؤماً.. هذا أصبح ضد العمل الوطني.. هناك حالة وطنية.. هذه المنابر ليست فقط دينية ولا شرعية، هي منابر وطنية، فلا بد من تنظيم قواعد للمنبر.. هذا ما أريد أن أقوله باختصار بالنسبة لمأسسة العمل الديني.. فعندما ترسل وزارة الأوقاف تعميماً، فهذا لا يعني انتقاصاً من حرية العمل الديني.. هل أرسلنا لكم تعميماً يقول لكم امتدحوا الرئيس؟ نحن الآن في مرحلة انتخابات.. كلكم أو معظمكم يعرف بأنني أنا من طالب بإيقاف الدعاء للرئيس، واحتج وزير الأوقاف.. قال لي: هذا الموضوع معمول به منذ أيام الخلفاء.. هذا عُرف.. قلت له: لا يعنيني هذا الموضوع .. الأساس في الدعاء أن يكون صادراً من القلب وليس من تعميم ولا من عُرف.. إذاً نلغيه.. لا نريد الدعاء.. من يريد أن يدعو .. يدعو بقلبه وانتهى الموضوع. هل طلبنا منكم أن تسوقوا لحزب البعث؟ للدولة؟ لرفع سعر البنزين أو ما شابه؟ على الإطلاق.. نحن نريد أن نصبّ، نكرس في يوم من الأيام عنواناً واحداً لكي نعطي نتيجة، كما نصب في كتلة انتخابية .. فالعمل الجماعي يختلف في إنتاجه عن العمل الفردي. هناك نقطة طرحتها على ما أعتقد في لقائي الأخير مع الداعيات، ولا أذكر إن كنت قد طرحتها مع الدعاة، وهي موضوع ربط القرآن والحديث بسلوك الرسول. هذا الجانب نحن مقصرون جداً بشأنه.. لماذا؟.. لأن المتطرفين والمنحرفين من أصحاب النوايا الجيدة أو السيئة تمكّنوا من تحريف تفسير القرآن، وهو أقدس شيء. فمن يتمكن من تحريف تفسير القرآن من السهل عليه أن يحرّف أي شيء آخر كالحديث وأي تفسير وأي كلام آخر، لكن هناك شيئاً قوياً جداً يختصر مضمون القرآن والحديث هو سلوك الرسول، طبعاً هذا السلوك لا يعبر عن سلوك نبي، بمعنى أنه لم يكن شخصاً عادياً، أو ربما كان لديه الكثير من الهفوات وعندما أصبح نبياً أصبح إنساناً متميزاً.. هو اختير للنبوة لأنه متميز، فالأهم بالنسبة لنا أن ندرس سلوك هذا الإنسان لأنه إنسان قبل كل شيء.. قبل أن يكون نبياً وليس فقط بعد أن أصبح نبياً. عندما نكرس هذا السلوك نستطيع أن نحرف التفسيرات، ولكن لا نستطيع أن نحرّف تفسير سلوك النبي ومواقفه على المستوى الشخصي.. علاقته بزوجته.. علاقته بالناس.. بالأشخاص .. دوره كشخصية.. كقائد سياسي نحن درسناه في دورة قائد ركن كقائد عسكري وليس كنبي. كيف قاد المعارك؟ ذكاؤه العسكري.. ذكاؤه السياسي.. حكمته.. تصرفاته على المستوى الشخصي.. التواضع، هذه الأشياء يجب أن ندرسها ونركز عليها، خاصة لطلاب الابتدائي، هي تأتي بالمرحلة الأولى أهم من الآيات والأحاديث، لأن معظم الطلاب والشباب والصغار يحفظون الآيات والأحاديث ولا يفهمونها، ولكن السلوك سيفهمونه وسيكون مدخلاً لفهم الآيات والأحاديث.. هذا من جانب، من جانب آخر عندما لا ندرس السلوك فلا يكون لدينا قدوة، نحن نتحدث عن القرآن ونطبق كل ما في القرآن وما في الحديث ولا نقلد بسلوكنا الرسول.. هذا كلام متناقض.. عندما نتقلد هذا السلوك بالمواقف .. بردات الفعل.. بالتفاصيل الإنسانية البسيطة، أعتقد بأنه لن يكون لدينا أي مشكلة أما أن نكون بارعين في حفظ القرآن وتطبيق الفقه وكل شيء، ولكن ليس لدينا جزء من حكمته وطيبته وتواضعه...الخ.. لا يمكن أن نخدم الإسلام إلا بحد معين وكلنا يعلم بأن كثيراً من الناس لم ينقلبوا إلى الإسلام في ذلك الوقت عن قناعة، أو عن "لا أريد أن أقول عن نفاق" ولكن لم يدخلوا في العقيدة، بل ربما أحبوا الرسول كشخص، وعندما أحبوه اتبعوه، فالكثير من الأشخاص يتبعون الدين عندما يحبون الشخص، فالأداء الشخصي وتمثل شخصية الرسول على مستوى العلماء وعلى مستوى الأطفال وعامة الناس يحمينا من الكثير من المشاكل أولاً على المستوى الاجتماعي وبالوقت نفسه يكرس الدين الصحيح، لأنني عندما سأقرأ كتاباً، أو سأسمع شيخاً، أو سأجادل شيخاً متطرفاً لن أقتنع.. ولكن عندما أقول له في اليوم الفلاني الرسول فعل عكس ما تقوله.. سينتهي الموضوع، أنا غير قادر على مجادلته بالقرآن وبالفقه وبالحديث، ولكني قادر على مجادلته في تصرفات إنسانية قام بها إنسان، قبل كل شيء هو إنسان قبل أن يكون نبياً، هذا الموضوع مهم جداً. الآن لدينا المدرسة الحديثية.. هي بداية، ولكن لاحقاً يجب أن ندخل في هذا الموضوع حتى على مستوى المناهج في وزارة التربية، لأن كثيراً من الناس كما قلت يبصمون ولا يفهمون وهذا هو الأساس، مرة أخرى، للتغرب والتطرف.

الفرق بين الطائفية والمذهبية


النقطة الأخيرة.. لابد من البحث عن الأسس العقائدية المشتركة بيننا كمسلمين.. "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" ماذا يعني هذا الكلام؟.. يعني أن ربك لم يشأ أن يخلق الناس أمة واحدة، هو أرادنا أن نختلف، ولو أرادنا أن نكون أمة واحدة لما أنزل القرآن بعدد محدود من الصفحات، نسبة للكثير من المجلدات.. كان قادراً أن يُنزل على النبي خلال عشرين عاماً عشرات المجلدات التي تتحدث بالتفاصيل ولا تترك مجالاً للخلاف.. هو أراد منا أن نختلف.. ولكن لم يرد منا أن نتصارع.. الخلاف حالة طبيعية.. الشيء غير الطبيعي هو الصراع الموجود بين المسلمين ولا نختلف على العقائد.. لا نختلف حول وحدانية الله ولا حول نبوّة الرسول ولا حول الأحاديث.. هناك خلافات حول مصداقية بعض الأحاديث وهذا طبيعي.. هذا فقط يعرفه الفقهاء.. نحن كمسلمين عاديين لا نعرف كل الأحاديث أساساً.. نحن نعرف الأساسيات.. لماذا تنقلون الخلاف إلى الشارع؟ اتركوا الخلاف بينكم.. الخلاف الموجود بين الطوائف يتحمل مسؤوليته الأئمة عبر التاريخ.. طبعاً لا أقصد الأئمة الكبار.. لأن الأئمة الكبار، وهذه النقطة المهمة، قدموا لنا مذاهب وليس طوائف والفرق كبير.. المذهبية شيء جيد عندما تكون عبارة عن مذهب فكري.. في الاقتصاد وفي الطب وفي السياسة هناك مذاهب فكرية.. هم قدموا لنا فكراً لكي نغتني منه، لكي نفهم الدين أكثر، لكي نُغني الدين، لكي نمارسه بشكل أفضل.. ولكنهم لم يقدموا لنا طوائف لكي تصطدم مع بعضها، ولو عرفوا ذلك لما قدموا لنا مذهباً في ذلك الوقت.. فإذاً.. أولاً.. الخلاف طبيعي ويجب أن نبقى نتحاور، والأهم من ذلك أن نبقى نحترم العقائد والطوائف المختلفة.. لأنه طالما أن ربك لم يشأ أن تكون الأمة واحدة فيعني طالما أننا موجودون كبشر، ولو وُجدنا لمليون عام سنبقى مختلفين لمليون عام.. هل من المعقول أن نتصارع لمليون عام؟ هذا الكلام مناقض لجوهر الدين.. يجب أن نتوحد ونحترم الرموز حتى لو اختلفنا معها، وبشكل خاص أتحدث الآن عن المسيحيين كون هناك خلافات عقائدية كبيرة..  بالمحصلة هناك يوم قيامة، وسيحاسب الله كل الناس في يوم القيامة.. لو أراد منا أن نحاسب بعضنا في الحياة لما كان هناك داعٍ ليوم القيامة.. هناك يوم قيامة.. إذا اختلفنا نُبقي هذا الاختلاف لا مانع.. من يقبل الحوار نتحاور معه ومن لا يقبل الحوار لا نتحاور معه، ولكن لا يجوز أن يكون هناك فتنة.. لا يجوز أن يكون هناك إهانة لرموز هذه الأديان، أو تلك الطوائف ونبقى نتحاور، وأنا متأكد بأننا إذا تحاورنا بعقل سنصل بكل سهولة إلى قواسم مشتركة، وهي الحالة الطاغية، والحقيقة أن الخلافات هامشية.. بالنسبة لنا كشارع لا يوجد شيء جوهري نختلف عليه.

الإمام قدوة المجتمع


كل ما سبق يحتاج إلى المزيد من التأهيل على المستوى الديني لرجال الدين وللداعيات وللعلماء، ولكل من يعمل بهذا الشأن.. تأهيل علمي.. تأهيل فلسفي.. يعني في ذلك الوقت، منذ أربعة عشر قرناً كانت المعجزات ضرورية جداً، لأنه لم يكن هناك إمكانية  لشيء ملموس بالنسبة لقدرة الله على الأرض.. أما اليوم فمن يدخل منكم في بعض العلوم.. بالنسبة لي كطبيب عندما أرى علاقة الأعضاء ببعضها.. وكيف يمكن للكرية البيضاء أن تتذكر جرثومة.. كيف يمكن أن يتحرك العقل مع الكبد مع الكلية.. أقول سبحان الله.. حتى لو أردت أن أكون ملحداً.. أقول سبحان الله.. من وضع هذه القواعد.. حتى لو أردت أن أكون ملحداً لا أستطيع نفي وجود القدرة الإلهية في خلق هذا الإنسان.. فنحن لسنا فقط أمام معجزة الإسراء والمعراج ولا عصا موسى ولا كل القصص التي وردت في القرآن.. نحن أمام مليارات من المعجزات.. كل واحد منا هو معجزة إلهية تمكّن الطب اليوم من أن يكشفها، ويكشف مجرد جوانب بسيطة منها.. معجزة الروح.. ماهي الروح؟ حتى الآن لا نعرف .. فنحن أمام معجزات علمية، ولابد من أن نتسلح بالفكر العلمي، لأن الكثير من الناس لا يقبل اليوم إلا الحديث العلمي.. لا بد من أن نتسلح كما قلت بالتحليل والقدرة على استخدام المنطق والتحليل والفلسفة لنقل العمق الكبير الموجود في القرآن، والذي لم نصل إلا إلى جزء منه، لأنه كلام إلهي ونحن نبقى بشراً.

لابد من أن يكون الإمام قدوة للمجتمع.. قدوة بأخلاقه.. بعلمه.. بتصرفاته.. بانفتاحه.. بسماحته..  بكل هذه التفاصيل. وقبل كل شيء قدوة بتمسكه بمبادئ الدين.. لا نريد أن نذكر الكثير من رجال الدين، ونحن كان معظمنا في الصلوات الأخيرة، والهاون يتساقط علينا وأنا ومعظم الموجودين من المدنيين وقلة من رجال الدين، لأن البعض منهم يبدو أنه لا يؤمن بالقضاء والقدر.. طيب أنا لا يمكن أن أقتنع بأن هذا الشخص له علاقة بالدين.. لا يمكن أن أكون أنا أكثر إيماناً منه بالقضاء والقدر ولا أريد أن يكون هو أكثر مني وطنية، فأنا في موقع سياسي..أنا لا أقبل.. وهو لا يقبل أن أكون متفوقاً عليه في جوانب الدين .. هذا نموذج بسيط.. أعطيكم نماذج، ولكن هذه النماذج البسيطة لها معنى عميق.

لا نريد أن يكون لدينا النماذج التي كان البعض منها يقدّم لي كبار المهربين على أنه رجل فاضل، وتقي فقط لأنه تبرّع له ببناء الجامع ولجمعيته.. وهذا الشخص هو من كبار المهربين... وهناك نماذج كثيرة .

لا نريد من رجل الدين، كما لا نريد من المسؤول، ولا يمكن للمسؤول أن يحمل مسؤوليتين بالوقت نفسه.. مسؤولية الوطن ومسؤولية الجيب.. ملء الجيب .. لا يمكن.

فإذا كان المسؤول يحمل رسالة وطنية، ولا يمكن أن يحمل بالوقت نفسه رسالة أخرى، فالأحرى برجال الدين الذين يحملون رسالة عظيمة هي أكبر رسالة موجودة في البشرية أن لا يكونوا مهتمين بالرسالتين بالوقت نفسه، لذلك كنت في عدة مراحل ألمح وأقول: لا يمكن أن يكون سين من الناس رجل دين، ويذهب إلى السعودية لكي، يطوف حول بعض القصور، وليس حول الكعبة من أجل القليل من المال ..هذه حقيقة .. لذلك الناحية الأخلاقية هي أساس.. إما أن يكون رجل الدين قدوة أو أن يترك ويتخلى عن هذا اللباس ويعطيه لشخص آخر ويعود شخصاً مدنياً يعمل في القطاعات الأخرى.

النقطة الثانية، هي أننا لا يمكن أن نقوم بكل هذه المهام الجسيمة إلا إذا عرفنا بأن هناك دوراً كبيراً لعلماء بلاد الشام ، وأنا لا أقصد هيئة علماء بلاد الشام، ولكنها كانت تكريساً للفكرة ، أنا أقول هذا الشيء منذ سنوات طويلة ، أنا سافرت والتقيت واستقبلت وفوداً. كل الناس أولاً بالعالم الإسلامي غير العربي تنظر بشكل خاص أولاً للإسلام العربي، فكثير من هؤلاء كنت أقول له هل تصلّي ؟ يقول لي نعم أصلّي خمس صلوات.. هل تتمتم بالقرآن، وأنت تصلّي بين الركعات ؟ يقول: نعم.. أقول له: هل تفهم ما تقرأ ؟ يقول للأسف لا ، والبعض منهم قرأ كل القرآن .. فهو حرقة في قلبه أنه لا يفهم ما يقرأ .. هذه ميزة يجب أن نفهمها .. هذه ميزة كبيرة وعظيمة لنا. في إطار الإسلام العربي.. بلاد الشام لها موقع خاص وتعرفون أنه من أندونيسيا إلى تركيا إلى باقي العالم العربي يقولون: "شام شريف"، وهذا له معنى قدسي،  ولكن هذه التسمية لم تأت من عبث.. حقيقة لا أحد قادر على القيام الآن بهذه المهام إلا علماء بلاد الشام لعدة أسباب.

الفصل بين الدين والسياسة


أولاً ، لأن المنطقة المقدسة، وهي مكة والمدينة، هي مقدسة ولكن الحقيقة أن المؤسسة الدينية فيها انحرفت عن الدين بشكل كبير، وبشكل كامل وهي غير قادرة بكل تأكيد على القيام بهذه المهمة .. بالعكس تماماً، هي تقوم بتدمير الإسلام اليوم.. أما الأزهر، وله مكانة واحترام فمع كل أسف لعقود تم تدجينه سياسياً، وهذا الشيء خطير .. نحن نريد أن نفصل الدين عن السياسة، لذلك كنت حريصاً في البيانات الأخيرة لهيئة علماء المسلمين أن لا يتحدثوا بالسياسة ..يتحدثون بمواقف أخلاقية ودينية .. يتحدثون عن فلسطين بالمعنى الشرعي، وليس بالمعنى السياسي .. نريد أن يبتعدوا عن ذكر الدولة ... نحن لا نريد هذا الشيء منهم.. نحن نريد بالفعل مؤسسة دينية تحمل في طياتها التراث الشامي العريق من الاعتدال.

فإذاً المهمة كبيرة ، ولكن إن لم نفهم هذا الشيء.. إذا اعتقدنا بأن الأزهري أفهم منا والخليجي أفهم منا وأصبح قمر رمضان تحدده السعودية والتوقيت بالنسبة لي هو توقيت السعودية، لا يمكن لنا القيام بهذه المهمة.. ولكي نتمكن من القيام بهذه المهمة يجب أن يكون لدينا تمسك وفخر واعتزاز وثقة بهذا الدور وأنا متأكد من هذا الشيء، ولكن أريد أن يكون كل واحد فينا يحمل هذا الشيء.

اللغة العربية حامل الثقافة


النقطة الأخرى هي اللغة العربية التي تتآكل اليوم عن سوء نية أو عن جهل .. ولكن من دون لغة بعد زمن سنصبح كالآخرين غير العرب نقرأ القرآن الذي لا نفهم لغته .. علينا أن نكون حريصين على هذه اللغة لأن اللغة هي حامل الثقافة و حامل الدين و حامل الفكر و حامل العقيدة .. معظمكم من خريجي اللغة العربية، ولو لم يكن كذلك فهو بحكم قراءته للقرآن لا بد من أن يكون متمرساً بهذه اللغة، ولكن يجب أن نفهم بأن اللغة العربية لا تنفصل بأهميتها عن الدين.

هذه التفاصيل أيها السادة إن فهمناها من الساحة الإسلامية إلى الساحة العربية إلى الساحة السورية نفهم الأزمة التي نمر بها .. كل ما يحصل في سورية هو نتائج لما نراه خاصة في القطاع الديني ، لذلك الأعداء عندما رأوا هذه السلبيات وهذه الثغرات قاموا باستخدام الدين ولم يستخدموا السياسة ولم يستخدموا أي شيء آخر . ولحسن الحظ أن الشعب السوري واع ، وكما قلت في البداية كان دوركم أساسياً في صمود المجتمع بعقلكم وبفكركم وبصدقكم .. هذه حقيقة .. لذلك إذا أردتُ أن أتحدث عن الأزمة أختصرها ببضع نقاط .. الوضع الخارجي يتبدل لأنكم صمدتم، والوضع العربي يتبدل، لأنهم فشلوا بفعل صمودكم.. فالنتيجة واحدة والمسبب واحد.

محاربة الإرهابيين دون تردد


أما في الداخل فلدينا محوران لا ثالث لهما، الأول، إننا سنستمر بمحاربة الإرهابيين من دون تردد، ولن نرحمهم إلا من يعود .. ثانياً .. المصالحة سنستمر بها. الأساس هو أنتم والأساس هو نحن، والأساس هذه المصالحة .. إذا تمكنا من استعادة هذه الحاضنة نكون قد حققنا المراد، وخدمنا الدين وخدمنا الوطن .. نحن اليوم أمام لحظة تاريخية هي لحظة استعادة هذه الحاضنات .. بعض هذه الحاضنات عاد وطنياً والبعض عاد من التطرف باتجاه الاعتدال.. فنحن الأقدر في هذا القطاع الديني أن نلتقط هذه اللحظة التاريخية، ونثبت الدور التاريخي الذي ثبتناه خلال سنوات ماضية وفي مفاصل أخرى عبر التاريخ ونضع بصماتنا، ونسجل بأننا كأجيال للأحفاد في يوم من الأيام كنا واعين كما كان أجدادنا منذ أقل من مئة عام عندما قسمت فرنسا بلادنا على أساس طائفي، وقالت دولة العلويين، ودولة الدروز، ودولة حلب إلى آخره... نتمنى أن نكون بهذا الوعي نفسه. بالمحصلة أعود وأكرر النقطة نفسها .. عندما قالوا لي بأن سورية الله حاميها ماذا تقصد بهذا الموضوع؟ قلت أقصد أولاً بأن خصومنا أغبياء وهذه نعمة من الله.. الله أنعم علينا أولاً بأعدائنا، ثانياً وهو المفروض العكس، أقول بهذا الشعب الطيب  بهذا الشعب الصامد .. حقيقة لو مرت هذه الظروف على شعب آخر لانهار دول أخرى يرتفع سعر الخبز فينهار الناس ..الشعب السوري مرَّت عليه أعباء تنوء بحملها الجبال .. فلذلك حمى الله سورية بهذا الشعب، وبأمثالكم من رجال الدين ومن العلماء وبأمثالكن من الداعيات بصبركم بمصداقيتكم بأخلاقكم، لذلك نتمنى من الله أن يوفقنا جميعاً، وأن يوفقكم في مهامكم الجسيمة، ونحن سنبقى على تواصل وعلى اتصال واللقاءات ستستمر.. أتمنى أن نضع هذه العناوين بخطوات تنفيذية.. لم نأت إلى هنا من أجل الدردشة.. كل واحد سيسمع بهذا اللقاء، سيقول وماذا بعد؟ وماذا فعلوا لنا؟ يريدون أن ينعكس هذا الشيء على الأمن والأمان، على المصالحة، على الخبز، على المازوت، على الكاز على الغاز.. على كل هذه التفاصيل اليومية في الحياة.

مرة أخرى أشكركم وأعتقد بأن مجيئكم في هذه الظروف هو دليل وطنية ودليل التزام تجاه المواطنين وتجاه الرسالة الكبيرة التي تحملون.. أتمنى أن تنقلوا تحياتي إلى كل العلماء زملائكم في المحافظات المختلفة، ولو كنا قادرين أن نستقبل الجميع لفعلنا، ولكنكم تمثلونهم بالنهج وبالفكر الوطني.. أتمنى أن تنقلوا تحياتي إلى كل المؤمنين الوطنيين.. كل واحد في حارته وفي عائلته.

شكراً لكم مرة أخرى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: الرئيس الأسد: أخطر ما تتعرض له منطقتنا والعالم الإسلامي عموماً محاولات الغرب ضرب العقيدة والإيديولوجيا في مجتمعنا من خلال التغيير التدريجي للمصطلحات Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً