728x90 AdSpace

17 فبراير 2014

عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة

بقلم/أحمد ناصر الشريف 

دعونا نجرّب نحن اليمنيين ولو مرة واحدة في تاريخنا ونشعر أننا اتفقنا على شيء مهما كان صغيراً واجتهدنا في تنفيذه بإرادتنا الحرّة لنضع أقدامنا على بداية الطريق أملاً في الوصول إلى نهايته، بدلاً من أن نظل نتصارع ونختلف على جلد الدب قبل صيده ونركز اهتمامنا للإمساك بما هو موجود من عصافير على الشجرة قد لا نصل إليها ونفرط بالعصفور الذي بين أيدينا، وهذه معادلة صعبة من المستحيل علينا فك ألغازها وطلاسمها. 

 لكن هذا ما ينطبق تماماً على مواقف البعض من تحديد اليمن إلى أقاليم وحكمهم على فشل هذه التجربة مسبقاً التي لاتزال تتخلّق في رحم الأمة ولم تولد بعد، وهي مواقف غريبة وعجيبة تدعو إلى التساؤل والاستغراب وما هو الهدف من هذا التسرُّع في الحكم وزرع التشكيك في نفوس الناس وخاصة العامة منهم الذين لم يرتقي وعيهم بعد لفهم ما هي الأقاليم وكيف ستُدار، ووصفهم لنظام الأقاليم بأنه تقطيع لأوصال اليمن ووحدته الوطنية مغلّبين التشاؤم على التفاؤل. 
ونحن نقول لهم إن كي أو نار الكلام غير المفيد أسهل على من يتعاطاه ويقوم به من شرب الماء، لأن من يتعاطى مثل هذا السلوك لا يكون إلا فاشلاً أو عاجزاً أو متصيّداً لمواقف همه من خلالها أن يشوش ويشوشر وأن يربك غيره أكثر من أن يقدم رؤية أو فكرة أو نقاشاً مفيداً حول أي موضوع نوعي أو مصيري أو إجرائي ستترتب عليه نتائج مهمة على المدى القريب والبعيد؛ لأنه أشبه بطفيلي عبثي يهرف بما لا يعرف، وكل ما يهمه فقط أن يثير غباراً وأن ينشر ضباباً حول أية قضية يتناولها من منظور رؤيته الخاصة به، ومثل هؤلاء لا يعدّون أن يكون دورهم أقرب إلى من يلقي مخلفاته غير السوية على قارعة الطريق لتؤذي النفوس وتثير الفوضى والعبثية ليس إلا. 
إن قضية تحديد الأقاليم والإجماع عليها بالأغلبية والاتفاق حولها والمباركة الوطنية والإقليمية والدولية قد تجاوزت كثيراً عبثية هؤلاء المتحينين والمترصدين لنشر الإرباك وإثارة التساؤلات البلهاء؛ خاصة أننا لا نجد فيما يكتبون وما يلوّحون به غير كلام سطحي ونمطي يصل أحياناً إلى حد الإسفاف؛ وهو ما يصلح أو ينفع ليتم به الضحك على المغفلين. 
 صحيح أن لهم حق تقديم الملاحظات وتسجيل مواقف معارضة وهذه هي الديمقراطية؛ لكن ليس لهم الحق في أن ينصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب ويتحدثوا باسمه. 
 ولو أن هؤلاء وقفوا قليلاً وتأملوا في التجارب الوحدوية الناجحة بين الشعوب في العالم أجمع لوجدوا أن وحدة الشعوب التي كتبت لها الاستمرارية وحقّقت الأمن والاستقرار لبلدانها وأوجدت الرخاء الاقتصادي وجعلت من الشعوب قوة بفضل ما حقّقته من نهضة في مختلف المجالات هي تلك التي تعيش أنظمة فيدرالية على شكل أقاليم أو ولايات في إطار دولة اتحادية مركزية، حيث يحكم كل إقليم نفسه بنفسه وتتحمّل مجالس الحكم فيه مسؤولية تقدُّمه أو تخلفه. 
 بل إن التنافس بين قادة الأقاليم يخلق جواً من التسابق لجعل كل إقليم أفضل من الآخر؛ لأن الطاقات الإبداعية في هذه الحالة تتفجّر للاستفادة من التنوّع الجغرافي والديمغرافي للبلد سواء على صعيد التضاريس والمناخ أم من خلال التنوع في الإمكانيات البشرية والمادية بمختلف عناصرها الموجودة على سطح الأرض وما في باطنها، وهي عوامل قد تساعد جميعها على بناء دولة مدنية حديثة تحقّق العدل والحرية وتكفل للإنسان كرامته والمواطنة المتساوية، وهذه الخصائص تتوافر في بلدنا اليمن لو تم استغلالها الاستغلال الأمثل وأحسن اليمنيون التعامل معها لاستطاعوا تخطّي كل مشاكلهم المزمنة وأزماتهم المعقدة. 
 وبفضل النظام الفيدرالي أو ما يسمّى «نظام الأقاليم» استطاعت الشعوب الواعية أن تفرض نفسها ووجودها في هذا العالم المترامي الأطراف وتصبح فيه رقماً صعباً؛ وذلك بعكس الشعوب التي تعيش في ظل وحدة اندماجية وأنظمة ديكتاتورية تجمع كل خيوط السلطة في يدها سواء كان النظام جمهورياً أم ملكياً لاسيما إذا كانت وحدة هذا الشعب أو ذاك قد فرضت عليه بالقوة فإنها سرعان ما تنهار بمجرد أن يدب الخلاف بين قادتها.. وعلينا أن نتعظ بما حدث في باكستان في السبعينيات من القرن الماضي، حيث انفصل شرقها المعروف اليوم ببنغلاش عن غربها، وما حدث في يوغسلافيا وتشكسلوفاكيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وما حدث قبل فترة قصيرة في السودان، حيث انفصل جنوبه عن شماله، وكنا في اليمن قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في هذا المصير- لولا أن الاتفاق الذي تم بين القوى السياسية والاجتماعية على إيجاد صيغة توافقية جديدة للوحدة الوطنية تمثّلت في نظام الأقاليم التي أقرّها مؤتمر الحوار الوطني ضمن مخرجاته - أنقذت اليمنيين من هذا المصير، وحفظت لهم وحدتهم في إطار دولة اتحادية وهو ما يجعلنا نطمئن إلى أن الشعب اليمني سيظل واحداً مهما حاول من لا يحبون له الخير من الداخل والخارج أن يعملوا على تفرقته وإضعافه وزرع الأسافين بين أبنائه، ويراهنون على من تعودوا على الاصطياد في الماء العكر ليقوموا بهذا الدور نيابة عنهم، مستغلين الخلافات الطائفية والمذهبية والعنصرية والقبلية التي صنعناها بأيدينا ويقومون بتغذيتها ظناً منهم أنها ستوصلهم إلى تحقيق أهدافهم الخبيثة ليخلوا لهم الجو في ظل غياب الدولة وقوانينها ليعيثوا في الأرض فساداً كما عهدناهم دائماً خلال فترة الخمسين عاماً الماضية؛ غير مدركين أن أبناء الشعب اليمني قد شبّوا عن الطوق وباتوا يدركون مصلحتهم جيداً وأنهم لن يسمحوا للفاسدين والمتربصين والعملاء والمرتزقة أن يفسدوا عليهم فرحتهم بما توصّلت إليه لجنة الأقاليم من تحديد شكل الحكم القادم لليمن كدولة اتحادية تتكوّن من ستة أقاليم وما سيتبع ذلك من خطوات أهمها تشكيل لجنة من فقهاء الدستور والقانون لإعداد الدستور الجديد ليمن المستقبل والتشكيل أو التعديل الحكومي المرتقب بحيث تكون هناك حكومة قوية تديرها كفاءات وطنية قادرة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني على أرض الواقع وبحيث لا تبقى مخرجات الحوار حبراً على ورق أسوة بتجاربنا السابقة، ولا نظل عالة على غيرنا أو كما قال الأستاذ محسن العيني، رئيس الوزراء الأسبق في مذكراته: «إن الشعب اليمني الذي كان قبل ثورة 26 سبتمبر يزرع ويدفع.. تعود بعد الثورة وأثناء الحروب ألا يعمل وأن يقبض، مؤكداً أن اليمن عاشت في ظل اقتصاد مفتعل ورخاء مزيف، وتوسعت حياة الناس الذين انصرفوا عن الزراعة والإنتاج إلى احتراف السياسة والحرب وينتظرون من الدولة كل شيء» ونخشى أن نستمر على هذا الحال إذا لم نتغير ونغيّر ما بأنفسنا..!!. 
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: عصفور في اليد ولا عشرة فوق الشجرة Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً