728x90 AdSpace

11 يناير 2014

لماذا نقف مع سورية ؟.

بقلم / ضرار البستنجي
حين بدأت الأحداث في سورية في آذار من العام ٢٠١١، كان المواطن العربي محاصراً بكم هائل من الضخ الإعلامي الذي جعل الحدث جزءً أساسياً من يومياتنا من جهة، ومن جهة أخرى صوّر مايجري على انه امتداد لمايسمى ( الربيع العربي) وأن سورية هي المحطة التالية بعد مصر وتونس وليبيا، وجزئياً البحرين واليمن. 

نجح الاعلام في تحييد مفاعيل فهم الدور المحوري البارز لسورية في المنطقة بوصفها دولة قوية تحمل مشروع الامة الوحدوي المقاوم، بل ونجح في تغييب هذا الدور عن وعي العامة الذين تناسوا حقيقة تصارع مشروعين متناقضين في المنطقة، وان سورية هي التي تقود - بمساندة قوى المقاومة - المشروع التحرري المقاوم، فيما يقود المحور الصهيوني الأمريكي تيار التبعية المقابل، المسمى بالاعتدال العربي الذي تشكل أنظمة الرجعية العربية وأدواتها في المنطقة أساسه. 
حين بدأت الاحداث في سورية كان المواطن العربي ينتظر الخير من حالة تغيير عاصف تجتاح شوارع الاقطار العربية، ويقدمها الاعلام المسيّس الممنهج على انها ثورات ستأخذ البلاد الى الحرية والرفاه والكرامة، انتهج الاعلام في ذلك تضليلا وتضخيماً هائلين اضافة الى تغييب التناقضات الرئيسية التي نشأ على اساسها وعينا الشعبي تجاه التغيير، فحرمة الدم صارت اساس اتخاذ المواقف في وقت تزوّر فيه المشاهد والحقائق ويتم التلاعب بوعي وعواطف المشاهد عبر اختزال واقع عربي مرير -سببه الفعلي الاستعمار الحديث وأدواته - بمشهدٍ ملفّقٍ بإحكام لطفل هنا او عجوز هناك او بتحليل المواقف والخطابات بما يخدم مشروعاً جديداً يظهر سعياً نحو الكرامة فيما باطنه تفتيت وتقسيم وشرذمة. 
في سورية تعددت أدوات التحريض وتطور خطابه، اصطدام المشروع بوعي الشعب السوري وتماسكه وثقته بخيارات الدولة السورية ما استوجب مقاربات أخرى للتحريض وتبرير المؤامرة، كان التحريض الطائفي والمذهبي الخيار الأمثل، كيف لا وقد تم تعميمه والعمل على تكريسه منذ سنوات، وبقدرة قادر صُبغ المشهد بصبغة طائفية دينية أظهرته وكأنه صراع على الدين او معه، تماماً كما استُغِلت سمعة القبضة الأمنية لنظام سورية لتبرير التلفيق والتزييف الذي عمل على إظهاره بصورة الدموي الذي يقتل لمجرد انه يريد القتل، ملغياً من الأذهان بشكل غريب عجيب حقيقة دور سورية وصمودها التاريخي بل وتصديها - بماتيسر- لمشروع العداء للأمة الصهيوني الامريكي، بل وحقيقة الأحداث .
وأمام أعين الشعب السوري الصامد ، اصطف المعظم اذاً ضد سورية الدولة،بما في ذلك شعبياً، انه الدم والخطاب الديني العاطفي والمضي خلف الاعلام بلاوعي، تطور المشهد وبدأت ملامح الأحداث ، وفي مقدمتها الليبي ، تضيف عناصر جديدة اليه، هناك كذب وتضليل يخفي مطامع اخطر، بدأ التراجع، بعد ان بلغ الاصطفاف حدةً واتساعاً غير مسبوق في واقعنا العربي. 
بالمقابل، ومنذ بدء الاحداث، وقف كثيرون دفاعاً عن سورية، سلاحهم الكلمة والقلم وفعالية هنا أو هناك، يحاصرهم سيل جارف من التحريض والفهم الشعبي المغلوط الذي ترجم في بعض الأحيان تهديداً واعتداءً ، كان محركهم وعي اكثر عمقاً وقراءة ادق في المشهد وخاصة بنسخته الليبية المفجعة، وادراك لدور سورية ومخططات استهدافها تاريخياً. 
جرت محاولات كثيرة للإجابة عن السؤال الأكبر، لماذا نقف مع سورية؟، تركزت الإجابات حول التبرير أحياناً،-  في مواجهة التخوين واتهامات الارتزاق-، وحول شرح المشهد وايضاح الصورة للجمهور ، لكن الاصطفاف كان اكبر وأخطر، والأحداث أخذت بالتطور بشكل دراماتيكي مفزع، صارت الشام ومشروع العروبة على المحك، ما استلزم خطاباً أكثر وضوحاً لجهة الموقف الجذري الى جانب سورية، وفعلاً اكبر لايصال الرسالة ورفع الصوت عالياً وبلا مواربة، ترجم الى اعتصامات وزيارات تضامن الى سورية وتوسيع دائرة الاعلام المضاد وتعميم الموقف، واستنفار ماتيسر من الأدوات- على تواضعها-.
 نجحت سورية عسكرياً وسياسياً واجتماعياً في الخروج من عنق الزجاجة بعد مفاصل خطيرة مرت بها الأزمة، سواءً عبر محاولات استصدار قرارات من مجلس الأمن ،او تهريب المسلحين والاسلحة والمال الى الداخل السوري، او عبر الحصار الاقتصادي الخانق الذي رافقه استهدافٌ للبنى التحتية ومفاصل الاقتصاد، اضافة الى توحد معظم الانظمة العربية في مواجهة الدولة السورية ومحاولة اسقاطها التي دللت عليها بوضوح نتائج تحقيقين دوليين على الأقل ، فرضتهما جامعة الأنظمة العربية، الشريكة في التآمر، ولما جاءت النتائج بعكس ماتهوى العمالة والتآمر أُسقطا من كل اعتبار كما كل الدلائل ومحاولات سورية كشف التضليل والتزييف فجرى تجاهل كل هذا حتى دولياً ، لتبدأ أنظمة الرجعية والتبعية استدراك الفشل المتكرر عبر استخدام جامعتها في اتخاذ مزيد من القرارات المتسارعة في محاولة لإضعاف سورية على طريق تدميرها ومشروعها، لكنهم لم ينجحوا.
صمدت سورية اذاً وثبت بعد نحو ثلاثة اعوام ان غالبية السوريين مع دولتهم وشعبهم وقيادتهم، وان حجم التضليل والتحريض قد خدم من حيث لايعلم البعض صمود سورية وكشف الكثير من حقائق الدعم اللامحدود للحالة الراغبة في انهاء سورية. 
بعد نحو ثلاثة اعوام لم تغب فيها يوما الازمة المؤامرة عن يومياتنا تبدل المزاج الشعبي العربي ، باستثناء المأدلج منه، وفي حين انتقلت نسبة كبيرة جداً من معسكر الهجوم على سورية واعتبار مايجري ثورة شعبية يقابلها نظام ( دموي كافر!!) بالبطش والقتل الى معسكر الدفاع عنها والاقتتاع بأن مايجري مؤامرة محكمة متكاملة الاركان تهدف لما هو اكبر من حدود سورية بل والاقليم، فيما لم يسجل اطلاقاً، وأصرّ، اطلاقاً أي تبدل لحالة شعبية واحدة من خندق الدفاع عن سورية الى معسكر العداء لها. 
نقول، اليوم وبعد نحو ثلاثة اعوام مورس فيها مالم نشهده من تحريض وتدمير وتضليل واستهداف، وبعد الصمود الاسطوري للدبلوماسية السورية والجيش والشعب والقيادة، وبعد تبدل المزاج العربي نحو وعي أكبر لحقيقة الاستهداف وضرورة الوقوف الى جانب سورية الذي هو وقوف مع الذات، بات لزاماً تطور خطاب الدفاع عن سورية ليرتكز الى محورين اساسيين، الهجوم المضاد لتحقيق مزيدٍ من الوعي لخطر المشروع القادم وتعرية أدواته من جهة، ومن جهة اخرى خلق اصطفاف شعبي واسع لمساعدة سورية في الخروج أكثر قوة وقدرةً على الاستمرار في حمل مشروع الأمة والمضي نحو تحقيقه، بحيث يتوحد الجهد من الآن نحو تعزيز مايضمن ان يكون اعلان سورية انتصارها النهائي الحتمي بمثابة اعلان انتصار مشروع الامة والمضي في صيانته وتعزيز مرتكزاته. 
فمحاذير تعميم الفهم الخاطئ أو المنقوص لانتصار سورية كما محاولات تبرير التراجع عن حمل مشروع الأمة والعروبة تحت مبررات غدر الاشقاء ، الرسميين، او تركهم سورية دون اسناد سيكون آخر محاولات معسكر الأعداء لإفراغ النصر من مضامينه الأهم والتي هي ذاتها - بالمناسبة-ابرز عناوين ومسببات الاستهداف، فلا منطق التشفي والاختيال والتقوقع سينفع ولا فهم النصر على انه مجرد خروج سورية موحدة قوية دون اثر يذكر في المحيط يكفي، وإن كان في واقع الأمر نصراً كبيراً، خاصةً اذا ما أضيف له القدرة على اعادة إعمار ماتهدم وإعادة تعزيز الواقع الاجتماعي بعد ما فُرض عليه من آفات تهدد مستقبله ومستقبل وحدة سورية والأمة. 
قد يبدو الطرح حالماً او مركباً أكثر ممايحتمل المشهد وقدرة سورية، لكنه - وإن كان- قدر سورية وواجبها الذي انبرت لحمله ودفع ثمن الدفاع عنه، هو قدرها الحتمي، لأن الأمة تستحق، ولأن المؤامرة وأبعادها تستلزم فهماً اكبر من ردود فعلٍ -قد تكون مبررة بالمناسبة- هنا او هناك تشكِّل دون ان يعلم البعض رِدّةً على قيم سورية وعقيدتها القومية المقاومة . 
اليوم تستدعي المرحلة اجابة أكثر وضوحاً وعمقاً واستشراقاً على السؤال الكبير الملحّ، ( لماذا نقف مع سورية؟) ، فلا استسهال الاجابة بمنطق العرفان ورَدِ شيءٍ من أفضال سورية علينا عاد منطقياً، ولا خطاب التمنن وتضمين رسائل ال(التمنين ) لسورية على الوقوف معها أخلاقي او حتى سليم، فلا منة لأحد على أُمنا الشام، لأنه أقل واجبٍ أخلاقي وقومي بقدر ماهو مصلحي لحد اعتباره وقوفاً مع الذات، مع المستقبل، مع الأجيال القادمة. 
السؤال اليوم يحتمل لوناً واحداً، هو الوقوف مع الذات والاستعداد لمشاركة سورية معركة مابعد النصر لتظل قادرةً مصرةً على استكمال حمل مشروع العروبة والمقاومة رغم الردة وخطاب الفتنة وروح الانتقام. 
سورية عظيمة بدورها وبآمالنا بها كمرتكز لمشرعنا، والكبير يلملم جراحه ليعود كما كان،  مستفيداً من تجارب منهكة، شتتت السعي نحو الهدف القدر، اثناء الأزمة وقبلها، ولأن سورية كانت ولازالت أمل أمتنا، ستظل ملاذ كل المخلصين، المستعدين لتقديم كل ما من شأنه لأن تبقى الشام رافعة راية الأمة العربية الواحدة، ومشروعها المقاوم .
 نقف مع سورية، لما قدّمت لنا جميعاً، ولماستقدمه في سبيل مشروعنا القومي العربي، ووحدتنا ومصيرنا الواحد الذي لم يعد يحتمل التشتت . 
لكل هذا نقف مع سورية، وسنظل نقف معها طالما هي سورية، وأجزم أنه وقوف سيستمر الى الأبد، لأنها ستظل سورية.
  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً
Item Reviewed: لماذا نقف مع سورية ؟. Rating: 5 Reviewed By: وكالة السبئي للانباء-سـام
عذراً خاصية التعليقات مغلقة حالياً